|
إضاءات
-
ألم
يحن الوقت لأرباب الحرب أن
يتقاعدوا عن حروبهم الدامية وعن استثمار
الغيب لتشويه روحانية الإنسان وإعداد
القرابين للمجهول؟ -
ألم
نشعر، نحن المسلمين، بثقل هذه القرابين
إنسانيًّا ووجوديًّا وبأننا لم نحصد من
ورائها إلا "المجهول" العالق في
ذاكراتنا الممتلئة بالبطولات الفارغة؟ -
متى
يأتي الوقت الذي يكتفي فيه "الرب" بهذا
القدر من الذبائح على دكَّة "الدين"؟ –
هل هو سؤال مقيَّض له أن يبقى بلا إجابة؟!
مَن
يلوذ بالعقل ومَن يحتمي
بتصوراته ومفاهيمه؟ هل يقف العقل على الجهة
المقابلة – أقصد في وجه الخرافة والأسطورة –
أم أنه يتبضَّع حمولتَه "البريئة" في
معظمها من التراث؟ أنا لا أقصد الجواري أو "ملك
اليمين" وإعلاء الذكورة والمنبرية اللغوية
المجوفة وغير ذلك. فأنا لا أريد للعقل أن
يتردد أمام قضايا العدل والمساواة وأنْ لا
فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، سواء كان عبدًا
أو سيدًا. نحن عادة لا نسأل كثيرًا في شأن هذه
الخروق الصغيرة لأننا أشد انشغالاً بالنصِّ
الخطابي وحده. لن نسأل عمَّن سرق أو قتل أو زنا
أو أثار الفتن والحروب، عمَّن خان وتسلَّط
وسام الرعية الخسف والويلات – فهذا كله غير
مهمٍّ إذا قال النص كذا وكذا باسم "مصلحة
الأمة"! نحن دائمًا نسكت ونتغاضى لخاطر
الصالح العام؛ دائمًا لدينا "صالح عام"
يؤجل عمليات المحاسبة، ودائمًا لدينا "مرحلة
حرجة" تمر بها الأمَّة – ولا ساعة مرت دون
مرحلة حرجة! فهناك طبقة قعدت وتغاضت متذرعةً
بمبررات مزعومة أو مفتعلة؛ أي أنها قعَّدت
المظالم ومظاهر النفاق. العولمة
ليست مؤامرةً كبرى، ولا
مخططًا استعماريًّا خبيثًا، ولا بلاءً
محضًا، بل هي واقع موضوعي أنتجه العقلُ
البشري. وهو يعج بالتحديات ويفرض نفسه، بحيث
لا يمكن لنا تجاهُله ولا تجاوُزه (نحن نفرِّق
هنا بين العولمة، كواقع موضوعي، وبين
العولمة، كإيديولوجيا). ومسألة الهوية
تثور في مقابل العولمة، لأنها تفرض للهوية
معنًى جديدًا. ومهما قيل عن الزمان والمكان
الذي دخل فيه المفهومان وعي البشر، فإن
الحقيقة المهمة التي يجب استحضارُها دائمًا
هي أن العولمة، كواقع موضوعي، هي خلق إنساني،
وأن هذا الخلق الجديد هو الذي أثار موضوع
الهوية وأدخلَه وعي البشر بهذه الطريقة
الصاخبة (صاخبة في مجتمعاتنا، لأننا لم نحسم
خياراتنا الثقافية حسمًا نهائيًّا)، بما أحدث
من تغيير في معنيَي الزمان والمكان. العولمة
تحدٍّ للهويات الجماعية. ويمكن لنا القول إن
صراع العولمة والهوية مشكلة عالمية على
مستويات مختلفة. لكن الثقافات الحية
تستطيع التكيف بإعادة بناء الهوية من أفق
العالمية، بصياغة إستراتيجيات إنسانية.
النقاطُ التي
نثيرها هنا تدور حول الأزمة الشاملة التي
يعاني منها المجتمعُ العربي، ويمكن لنا
اختصارُها في أسئلة ثلاثة: -
أولاً: ما
هي الأسباب التاريخية والاجتماعية التي أدت
إلى أزمة الوضع الراهن؟ -
ثانيًا: كيف
يمكن تحليل الوضع الراهن بنيويًّا، أي من
خلال الأسُس والعلاقات الداخلية، لا من خلال
العوارض الخارجية فحسب؟ -
ثالثًا: ما
العمل؟ كثيرًا ما
نتأفَّف من انهيار المجتمع حولنا، من غياب
الدولة أو هزالة العائلة. أي منَّا يخشى على
نفسه وعلى أولاده من السقوط العميم، من ظلم
الدول للدول – فهذه كلها تلحق به لأنه يسبح في
هذا البحر الهائج، وعسير عليه جدًّا أن يعزل
نفسه عن العاصفة. هذا يذكِّرني بهياج المياه
التي غرَّقتْ عشراتِ الآلاف في جنوبيِّ آسيا
وشرقيِّها. ما عسى الذين كانوا تحت المياه
يفعلون إلا أن يغرقوا؟! عندما ابتدأ الاعتصام
والتخييم في ساحات الـDowntown وأرصفته في الأول من
كانون الأول من العام المنصرم [2006]، شعرت،
كغيري، بخطورة هذا الخيار وبتسارع تعميق
الشرخ المتنامي في بنيان الاجتماع اللبناني
وبالانقسام الإضافي الذي سيتسبب فيه.
الموضوع يجمع بين كلمتين، كلتاهما ثمينة وغالية، لها في القلب والعقل والشعور ثقلُها، ولها في العين جمالُها، وفي الأذن وقعُها الموسيقي ورنينُها الحلو. الأصالة، ومعها التراث – أو فيها التراث –، هي الماضي، بكلِّ ما يحمل من تراث يعتز به الإنسان. والتراث هو حصيلة القيم الدينية والاجتماعية والخبرات الطويلة المتوارَثة عبر الأجيال، التي انتقلت للأبناء عن الآباء، للأحفاد عن الأجداد، وللخلف عن السلف. وهي، مهما قيل في نقدها من وجهة نظر المحدَثين واتهامهم إياها بعدم صلاحية استمرارها لأجيالنا المعاصرة، فيها كنوز ثمينة يكون من الحماقة أن نرفضها كلَّها أو نركُلَها بأقدامنا كما لو أنها تحولت مع الزمن إلى آنية صَدِئَت ثم تلفت!
في العام
1999، ولسبب ما، قرر مواطنٌ مصري يدعى فيليپ
شنودة صليب اعتناق الإسلام، ومنذ ذلك الوقت،
حمل اسمًا جديدًا هو عماد عاشور مصطفى محمد.
وفي العام 2001، ولسبب ما أيضًا، قرر عماد
العودة عن الإسلام إلى دينه القديم، المسيحية
القبطية، كما قرر استرجاع اسمه القديم فيليپ
صليب.
ثمة، في الاصطلاح الديني، ثنائياتٌ من المفاهيم والمصطلحات، كثيرًا ما لا يميَّز فيما بينها ويجري الخلط، فينشأ الالتباس، وتظهر الاختلافاتُ والخلافات، وتتأزم الأمورُ وتصل إلى صراعات كلامية أو دموية. أما إذا تم التمييز بينها، توضحتْ في كلِّ موضوع جوانبُ التمايز، ومواقفُ كلِّ جهة، وأصبح في الإمكان التقدم معًا على طريق التفكير والاقتناع والالتزام. ومن ثنائيات المفاهيم والمصطلحات هذه: الإيمان/الدين، الدين/المذهب، المذهب/البدعة، الدين/الطائفة، الطائفة/الطائفية، التيارات المنفتحة/التيارات المنغلقة، التيارات الانقسامية/التيارات التوحيدية.
إذ
يُخفي الشاعرُ خوفًا وألمًا ذاك المساء، من على شاشة
تلفزيون "المستقبل"، دخل أدونيس بيوت
العالم العربي، وقال ما قال. وصباحًا تحاورتُ
وثلةَ أصدقاء حول ما باح به. شعرتُ بأنه قدم
كلامًا مختلفًا لكلِّ مُشاهد في كلِّ بيت.
كلٌّ فهم كلامه على ذوقه، والقليل القليل
أدرك أن ما لم يقلْه أدونيس كان أبلغ بكثير
مما قال.
|
|
|