طبابة بديلة
منذ فجر التاريخ ومرورًا بالمدارس الطبيَّة الإغريقية والعربيَّة وغيرها، والإنسان
يتنازع بين وجهتي نظر: وجهة نظر تجزيئيَّة انفصاليَّة تنظر لدور كلِّ شيء وكلِّ جزء
داخل هذا الشَّيء بمفرده، ووجهة نظر شموليَّة تكامليَّة تنظر للكون والأشياء ككلٍّ
متكامل لا يقبل التَّجزئة. وقد ظهرت وجهتا النَّظر في شتَّى المجالات العلميَّة
والطبيَّة والفلسفيَّة، والاجتماعيَّة والسياسيَّة والدينيَّة. وكانت تغلب في زمن
ما وفي مجتمع ما وجهة النَّظر الأولى، بينما تسود الثَّانية في مجتمع آخر أو في زمن
آخر. مع قيام النَّهضة العلميَّة في أوروبا وتأثيرها على مستوى المجالات غلبت وجهة
النَّظر التَّجزيئيَّة بشكل عامٍّ، ولكن مع حلول القرن العشرين والفواجع التي حدثت
في الحربين العالميَّتين والحروب الأخرى والمآسي الاجتماعيَّة التي حدثت نتيجة
التطوُّر التَّقني والجشع والإمعان في النَّظرة الفرديَّة والتَّجزيئيَّة؛ بدأت
تظهر نوازع شمولية تكامليَّة من جديد على مختلف الأصعدة من الفيزياء الكوانتيَّة
لنظريَّات كارل يونغ وغيره في علم النَّفس والدِّراسات العديدة الاجتماعيَّة
والسياسيَّة والإنسانيَّة والبيئيَّة التي تنادي بتأثير الأشياء على بعضها البعض
باستمرار، وأنَّ أيَّ ضرر نلحقه بإنسان آخر مهما كان عرقه، دينه، جنسه وموطنه أو
بالأشياء الأخرى أو بالبيئة والأرض سينقلب علينا ويترك تأثيرات قويَّة. وعلى
الرَّغم من أنَّ الطبَّ بشكله الحديث ما زال يغلب عليه وجهة النَّظر التَّجزيئية،
إلاَّ أنَّه يلاحظ انتشار متزايد ومتسارع وخاصَّة في الدُّول الغربيَّة لأفكار
ومدارس تكامليَّة.
عانت البشرية تاريخيًا من ندرة الغذاء. تشير الكلمة الكورية التقليدية
"بوريغوغاي
(Borigogae)"
(مأزق الشعير) إلى مثل هذا الوضع، أي ندرة الطعام خلال الربيع عندما
كانوا يعتمدون على الأرز إلى أن يحين وقت حصاد الشعير. والسبب في أن
كثيرًا من الناس اليوم لديهم مشكلات صحية مثل السمنة، والسكري،
ومتلازمة الاستقلاب، وارتفاع ضغط الدم، وما إلى ذلك، يرتبط بهذه
الخلفية التاريخية. وعبر التاريخ التطوري للأوضاع الغذائية المحدودة،
تكيّفت أجساد أسلافنا لاستيعاب هذه الندرة. ولذلك تطورت السعة
التخزينية لجسم الإنسان للحفاظ على موارده من الطاقة.
لكنْ، كما أكد غولوب في كتابه
Limits
of Medicine
حدود الطب، تغيرت
أشياء كثيرة في القرن الماضي. فالأمراض الحادة التي تسببها العدوى
الجرثومية لم تعد تلك المشكلة المهمة، فقد تغيَّر نمط الأمراض. وبدلاً
من ذلك، أضحت الأمراض المزمنة موضوعًا مهمًا. والإصرار على أن عدم
كفاية إمدادات الغذاء من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض عدد السكان بسبب
حالات غير مرغوب فيها مثل الحرب، كما هو موضح في كتاب
An
Essay on the Principle of Population
مبحث في مبدأ السكان
لتوماس روبرت مالتوس، ثبت أنه إصرار خاطئ. فمنذ نهاية الحرب العالمية
الثانية، أصبحت إمدادات الأغذية أكثر وفرة، وزاد عدد السكان. وفي
البلدان المتقدمة، صار الناس يمشون أقل من السابق لأنهم يستخدمون
سياراتهم الخاصة ويعملون في مكاتبهم بدلاً من الجري للإمساك بالحيوانات
البرية من أجل تأمين البروتين لأجسادهم.