|
عندما لا يكون الخروج
من الإسلام ردَّة في العام
1999، ولسبب ما، قرر مواطنٌ مصري يدعى فيليپ
شنودة صليب اعتناق الإسلام، ومنذ ذلك الوقت،
حمل اسمًا جديدًا هو عماد عاشور مصطفى محمد.
وفي العام 2001، ولسبب ما أيضًا، قرر عماد
العودة عن الإسلام إلى دينه القديم، المسيحية
القبطية، كما قرر استرجاع اسمه القديم فيليپ
صليب. وقد
نظرت مصلحة الأحوال المدنية في مصر في الطلب،
وبعد أن درستْه، قررت رفضه. وقد استندت
المصلحة التابعة لوزارة الداخلية في رفضها
إلى اعتبار اعتناق عماد المسيحية (أو عودة
فيليپ عن الإسلام) "ردة"، على اعتبار أن
القاعدة الشرعية تقول بأن "لا ردة في
الإسلام". ولكن
فيليپ صليب رفض هذا القرار، ولجأ إلى محكمة
القضاء الإداري، برئاسة المستشار فاروق عبد
القادر، نائب رئيس مجلس الدولة. درس هذا
القاضي القضية، وأصدر حكمًا نَقَضَ به قرارَ
وزارة الداخلية، مصلحة الأحوال المدنية.
والمهم في هذا الحكم الحيثيات التي قام
عليها، ومن هذه الحيثيات: 1.
إن الدستور
المصري يكفل مبدأ المساواة بين المواطنين في
الحقوق والواجبات العامة، لا يميز بينهم بسبب
الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. 2.
إن الدولة
تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر
الدينية. 3.
إن الشريعة
الإسلامية تقر، منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا،
حرية العقيدة والفكر والرأي لكلِّ إنسان، كما
جاء في الآية 256 من سورة البقرة من القرآن
الكريم التي تقول: "لا إكراه في الدين قد
تبيَّن الرشدُ من الغي"، وكما جاء أيضًا في
الآية 99 من سورة يونس التي تقول: "ولو شاء
ربك لآمَن مَن في الأرض كلُّهم جميعًا أفأنت
تُكرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين"؟ على
أساس هذه الحيثيات، وجد القاضي عبد القادر أن
رفض وزارة الداخلية الاستجابة إلى طلب عماد
عاشور مصطفى محمد تغيير اسمه إلى فيليپ شنودة
صليب وتغيير دينه من الإسلام إلى المسيحية
"تدخلاً لا مبرِّر له من جانبها، ويشكِّل
إجبارًا منها له على اختيار عقيدة ودين
معيَّن وهو ليس راغبًا فيه". ويقول رئيس
المحكمة في ذلك: لا بدَّ أن نعترف بأن الدين رابطة بين
الخالق والمخلوق. وهناك فتوى دينية سابقة
بأحقِّية مَن أسلم في العودة إلى المسيحية.
وقد كتبتُ أسباب حكمي في الحكم، ولا بدَّ ألا
نحمِّل الأمور أكثر مما يجب. فعلى الجميع
التعامل بشفافية: إذ كيف يكون شخص مسيحيًّا
ويُجبَر أن يكون مسلمًا – هذا بالإضافة إلى
أنه ليس هناك نص في القرآن يخص حقَّ الردة.
فالحدود المذكورة في القرآن هي حد الزنى
وحد السرقة وحد الحرابة. كما أن الدين
المسيحي دين سماوي، مثل الإسلام، ولا يمكن
اعتبار مَن يرجع إليه "كافرًا". ليست
قضية فيليپ أو عاشور هي القضية الوحيدة من
نوعها في مصر؛ فأمام القضاء المصري 220 قضية
مماثلة لرجال ونساء من المسيحيين الأقباط
الذين اعتنقوا الإسلام ثم قرروا العودة إلى
دينهم: مثل قضية هاني ميخائيل الذي اعتنق
الإسلام في العام 1987 وأصبح اسمه هاني رشدي،
ولكنه قرر بعد عامين العودة إلى دين آبائه
وأجداده؛ ومنها أيضًا قضية جون ألبير ميخائيل
الذي أصبح عبد الرحمن أحمد حسن محمد، والآن
يريد أن يعود إلى اسمه ودينه. ولكلِّ
واحد من أصحاب هذه القضايا قصة عن أسباب
اعتناقه الإسلام وعن أسباب ارتداده عنه؛ وهي
قصص إنسانية معقدة، مؤلمة في كثير من
الحالات، والمهم فيها هو كيفية تعامُل القضاء
في مصر معها. ذلك أن هذا التعامل القضائي
يشكِّل سابقةً وأساسًا للتعامل مع أحداث
مماثلة أو مشابهة وقعت وتقع في دول عربية (الكويت)
وغير عربية (پاكستان)، أثارت وتثير موجاتٍ
عاليةً من ردود الفعل. فالعقيدة القبطية
تحرِّم الطلاق وتعتبر الزواج من مطلقة زنى
وفاحشة، الأمر الذي يحمِّل الأشخاصَ الذين
يواجهون أوضاعًا زوجية غير قابلة للاستمرار
إلى تغيير دينهم لتغيير واقعهم العائلي؛ إلا
أنهم بعد تسوية هذا الوضع، بصورة أو بأخرى،
يحاولون العودة إلى الدين الذي كانوا عليه. وهنا
تبرز المشكلة مع الإسلام ومع المسيحية
القبطية معًا. فالإسلام دين له أصوله وثوابته
الإيمانية، وليس مجرد مخرج لحلِّ مشكلة شخصية
أو عائلية عابرة، حتى إذا سُوِّيتْ هذه
المشكلة يتم الارتداد عنه؛ وكذلك الأمر مع
المسيحية: فهي دين له أصوله وثوابته
الإيمانية أيضًا، ولا يجوز التخلِّي عنه
والتنكر له لحلِّ مشكلة شخصية أو عائلية. من
هنا أهمية الحكم الذي أصدرتْه المحكمة
الإدارية في مصر. فالحكم قائم على أساس معالجة
أمر لا علاقة للإيمان به: فالقبطي الذي اعتنق
الإسلام لحلِّ مشكلة شخصية لم يعتنقْه عن
إيمان وعقيدة، وهو عندما ارتد عنه لم يفعل ذلك
عن إيمان وعقيدة أيضًا، بل إنه، في كلا
الحالتين، تصرف بدوافع شخصية، لا إيمانية،
وتحت ضغوط وعوامل دنيوية ذاتية، وليس استجابة
لإشراقات روحية سامية؛ ولذلك فلا هو اعتنق
الإسلام أساسًا ولا هو – تاليًا – ارتد عنه،
بل لعله في الحالتين – أي في حالة الخروج من
المسيحية إلى الإسلام وفي حالة العودة من
الإسلام إلى المسيحية – أساء إلى الإسلام
وإلى المسيحية معًا. فالخروج من الدين يتطلب
أولاً الدخول إليه، والدخول إلى الدين يفترض
– حُكْمًا – الإيمان به؛ وهذا يعني أنه من
دون الإيمان بالإسلام وأركانه لا دخول فيه،
وهو يعني – تاليًا – أن الخروج منه في هذه
الحال ليس "ردة". على
أن الأهم من ذلك هو ما أورده القاضي المصري في
حُكْمه عندما رفض اعتبار العودة إلى المسيحية
تحديدًا "ردة". وفي الواقع، فإن المسيحية
تؤمن بالله الواحد، وهي رسالة من عند الله.
ويصف القرآن الكريم الإنجيل بأنْ "فيه هدًى
ونور" (المائدة 46)، ويدعو أهل الإنجيل لأن
يحكموا "بما أنزل الله فيه" (47)، ويصفهم
بأنهم "أقرب [الناس] مودة للذين آمنوا"
(82). تبقى
قضيةُ معالجة العلاقات الشخصية، من زواج
وطلاق للمسيحيين الأقباط (أو غيرهم)؛ وهي قضية
تخص الكنيسة المؤتَمنة على معالجة هذه
العلاقات الإنسانية بحكم الأعراف والقوانين
الكنسية. *** *** ***
|
|
|