|
عاشت
سورية! دفاعًا
عن جميل مردم بك 1 مقدمة في الذكرى
الستين للجلاء (17 نيسان 2006)، أطلق السيد جورج
كدر من موقع سيريانيوز جولةً ورأيًا
لافتًا حول الجلاء، كان أهم ما جاء فيه رأيٌ
للدكتور سامي المبيض، يقول: صحيح
أن الجلاء تحقَّق جزءٌ منه بالسلاح، لكن
الجزء الأهم تحقق بالنضال الدبلوماسي
لصانعيه: شكري القوتلي، سعد الله الجابري،
هاشم الأتاسي، جميل مردم بك، فخري البارودي،
فارس الخوري، وغيرهم. وطالب الدكتور
المبيض – مشكورًا – بتكريمهم. أما السيد جمال
منصور فقال: إن
أبطال الجلاء عمليًّا هم رجال السياسة،
وليسوا رجال السلاح. لكن في العام 2006
نفسه، انبرت عدةُ مواقع إلكترونية لإعادة فتح
ملف "تخوين" ما سمَّته بـ"الرجعية
السورية"، مركزةً على شخص السيد جميل مردم
بك، حيث ظهر على مواقع مكتوب ومنتديات بوابة
ماجدة ومنتديات سندباد، بتاريخ 08/10/2006،
مقالٌ بعنوان "هؤلاء أضاعوا فلسطين"
بقلم السيد محمد الوليدي، مذيَّلاً بقصيدة
عمر أبو ريشة الذائعة الصيت "أمتي"،
المختلَف عليها في الوقت نفسه. تلاه موقع
منتديات أسواق المربد في 12/10 وصحيفة بوابة
فلسطين في 31/10، وكذلك منتدى التجديد
الإسلامي، نقلاً عن جريدة صوت الوطن
اليومية الفلسطينية. ثم عاد للظهور على موقع بوابة
ماجدة في 06/03/2007 ما يبدو وكأنه حملة منظمة
ومستمرة. كما أعيد التشكيك في هؤلاء الوطنيين
في كتاب محمد جمال باروت في تحريره لمذكرات
السيد أحمد نهاد السياف. لذلك، في ذكرى
الجلاء لهذا العام 2007، سيكون من الإنصاف
العودة إلى هذه الفترة من التاريخ السوري
وإضاءتها. فالجلاء هو، جزمًا، كما أراده
منجزوه، عنوان ورمز لإصرار عنيد: إنجاز يكاد
أن يكون غير مسبوق في العام 1946: جلاء آخر جندي
أجنبي عن الأراضي السورية مع عدم الارتباط
بأية معاهدة أو أي اتفاق سوى ميثاقَي جامعة
الدول العربية والأمم المتحدة – وكلاهما
ساهمت سورية في صياغته من خلال أشخاص من "الكتلة
الوطنية". ارتبط النضال
الوطني من أجل السيادة والاستقلال بالدفاع،
بالشدة والدرجة عينهما، عن الديموقراطية
والمبادئ الدستورية. وهذا الموقف كان مدخل
"الكتلة الوطنية" إلى مناهضة الانتداب،
منذ العام 1928 حتى النهاية. فقد انطلقت
المواجهات دائمًا من البرلمان وانتهت فيه.
والجلاء إنجاز تراكمي تاريخي تعود بداياته
إلى مستهل القرن العشرين، لأن منجزيه كانوا
في الأساس مناهضين للاستبداد العثماني. فكان
الاستقلال السوري الأول في العام 1920، حيث
انضموا إلى الثورة السورية وانخرطوا فيها حتى
نهايتها. وقد اعتُقلوا وحوكموا بأمر من جمال
باشا، وصدرت أحكام إعدام بحقِّهم إبان الحكم
العثماني، كما وإبان الانتداب. وقد تراكمت
تجربتهم وخبرتهم لتترسخ شيئًا فشيئًا وعيًا
بأفضلية العمل السياسي العلني الديموقراطي
واللاعنفي. لذا ترانا لا
نتجاهل أيَّ جزء من تاريخنا، لا ننفيه، ولا
نقلل من شأنه، لأنه نحن، ولأنه يحمل هويتنا
الحقيقية كما هي فعلاً. ولذلك حين نعود إلى
رجالات الاستقلال، نرى أنه قد تبلورت لديهم،
في وعيهم، جدليةُ العوامل الداخلية
والخارجية، مما أدى إلى تمايُز واضح بين
حالتي العمل المسلح والعمل المدني السياسي،
مؤكدةً عقم الأول نظرًا لارتهان مقومات
استمراره بعوامل لا يملك الثوار إمكانية
السيطرة عليها، كما اتضح من تجارب هنانو
والشيخ العلي والثورة السورية الكبرى التي،
على رجاحة فاعليتها واتساعها وطول مدتها
النسبي، كانت أكلافها عالية جدًّا على الصعيد
البشري وبما تسببت فيه من دمار وخراب، ناهيكم
عن التضحيات الهائلة المبذولة. ونشير هنا إلى
أن تلك المرحلة من النضال الوطني من أجل
الجلاء قد هُمِّشتْ فترة طويلة، بما يجعل هذا
التهميش يكاد يصل إلى حدِّ الإقصاء من
التاريخ الوطني. فكلما تكلمنا عن الجلاء
اختصرناه في الثورات السورية وقادتها
الأبطال (وهم بالتأكيد كذلك)، ثم نشير إلى
استكمال الشعب السوري لمسيرته الاستقلالية،
مغفلين القيادة الوطنية لتلك المرحلة، فيما
يبدو وكأنه إقصاء واضح ومحو متعمد للذاكرة
الوطنية[1].
وهذا بات جليًّا في هذه الأيام، حيث تُوِّجَ
هذا النهج بالتصميم على استئصال اسم الملك
فيصل من الذاكرة السورية بهدم الشارع الذي
حفظ لهذا الإنسان رمزيتَه التي يستحقها عن
جدارة: فالملك فيصل كان المجسِّد للكيان
السوري لأول مرة في التاريخ، وكان واضعه على
الخارطة السياسية. فقبله كانت سورية مجرد جزء
من ولاية ضمن الإمبراطورية العثمانية، سواء
أعجبنا هذا أم لا، وسواء تعارَض مع الأماني
القومية لبعض مستعمليه أو لم يتعارض. لذلك
نستأذن للتركيز على هذه المرحلة الثانية من
النضال الوطني السوري، المؤسِّسة للكيان
السوري فعلاً، في محاولة للتصالح مع هذا
الكيان، تعبيرًا عن أمل في تصالُح سورية مع
نفسها، مع تاريخها، ومع مكوِّناتها العديدة. ابتدأ مسير
الاستقلال، إذن، بالثورات السورية، المنتهية
في العام 1926، ليستمر مطلبًا للانتخابات
والدستور ثم المعاهدة، منتقلاً لمطلب
السيادة التامة، رافضًا انتقاصه بأية معاهدة
أو تحالف. وكان هذا ما تحقق بقيادة "الكتلة
الوطنية" حتى العام 1941، ثم "حزب الشعب"
و"الحزب الوطني" حتى العام 1945. ونشير هنا
إلى أن قيادة الكتلة لم تهمِّش المشاركات
الأخرى من المستقلين أو الأحزاب التي تشكلت
لاحقًا، كالحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي
العربي والإخوان المسلمون والقيادات الشعبية
في الأحياء، وصولاً إلى "الحرامية"، حيث
يشير كلٌّ من السيدين الحفار وفخري البارودي
في مذكراتهما إلى أن السيد أبو أحمد الزيبق
تطوَّع لحماية المحلات التجارية من السلب
والنهب عندما كُسِرَتْ أقفالُها في محاولة
لفضِّ الإضراب الستيني. وهكذا شكلت "الكتلة
الوطنية" ومناوئوها والمستقلون عنها لوحةً
سوريةً رائعة الجمال بمكوناتها المتنوعة
والمختلفة، لوحة احتوت الطيف السوري الديني
والقومي والمناطقي كاملاً، فعبَّرت عنه
بوحدة وطنية حقيقية سطعت مثالاً رائعًا
استشهد به نهرو في كتابه لمحات من تاريخ
العالم، حيث دعا الشعب الهندي إلى التعلم
من مسلمي سورية[2].
وقد مورست هذه الوحدة ممارسةً ديموقراطيةً
كاملة: بمعنى عدم غياب التنافس والتطاحن على
المراكز القيادية والمناصب والسعي إلى
السلطة، سواء داخل الكتلة أو خارجها، تحت
السقف المحدد لكلِّ مرحلة، كما تم التوافق
عليه، وكما يجري التنازع على السلطة في
الديموقراطيات كلِّها تحت سقف "عقد
اجتماعي" متوافَق عليه أيضًا، هو الدستور
– تنافس سلمي لم يقطعه سوى مقتل الدكتور عبد
الرحمن الشهبندر، الشخصية الوطنية البارزة
في تلك الفترة، ومحاولة إلصاق مسؤولية
الاغتيال هذه بالكتلة الوطنية. ومن أكثر
شخصيات "الكتلة" إثارة للجدل جميل مردم
بك. فقد وُجِّهتْ إليه اتهاماتٌ كثيرة، بدءًا
من التلكؤ في رفض مشروع المعاهدة الفرنسية في
العام 1932، ثم التساهل في معاهدة 1936، وصولاً
إلى قضية الإسكندرون؛ مضافًا إلى ذلك كلِّه
اتهام الكتلة باغتيال الشهبندر وتركيز
الاتهام عليه آنذاك باعتقال مدير مكتبه السيد
عصام النائلي؛ وأخيرًا الاتهام بالخيانة أو
التقصير الذي طال "الرجعية العربية"
عمومًا في حرب فلسطين 1948 والذي نال منه السيد
جميل مردم الحصة الأكبر على الصعيد السوري،
في توطئة لمنهجية الانقلابات العسكرية التي
عمَّت المنطقة لاحقًا، فقطعت تطورها
الدستوري الديموقراطي البرلماني – حملة
أسَّستْ للاستبداد الذي شمل المنطقة والذي
أثمرت مفاعيلُه عن أزماتنا الراهنة على
الأصعدة كلِّها. لذلك تركَّز الهجوم الأخير،
مرة أخرى أيضًا، على السيد جميل مردم، وأعيد
تفعيلُه في هذه الأيام، كما ذكرنا في البداية.
فـ... 2 مَن
هو جميل مردم بك؟ جميل مردم بك من
مواليد دمشق في العام 1893. تحدَّر من عائلة
تنتمي إلى طبقة "أعيان دمشق"، كما يسميهم
ألبرت الحوراني. أنهى دراسته الثانوية في "مكتب
عنبر"، مدرسة أولاد النخبة المسلمة في دمشق
خلال تلك الفترة. ثم أرسله أخوه الأكبر عثمان
في العام 1911 ليستكمل دراسته في باريس في كلية
الزراعة، لتحديث استثمارات الأسرة في أملاك
العائلة في أرياف دمشق وحوران. وهناك انتسب
إلى معهد العلوم السياسية، إلى جانب كلِّية
الزراعة. بدأت حياته
السياسية برعاية أخيه عثمان بانتسابه إلى "جمعية
النهضة العربية" مع أخوين له. ثمَّ تكثفت
بانتسابه إلى "العربية الفتاة". ثم برزت
بعض قدراته متصاعدة في مؤتمر باريس في العام
1913، وأخيرًا، مع مغادرته دمشق إلى القاهرة في
بداية العام 1949، لينهي فعليًّا حياته
السياسية مقيمًا فيها حتى وفاته في العام 1960.
فمن هناك، في العام 1954، أعلن جميل مردم
رسميًّا، بكلِّ إباء، اعتزاله العمل
السياسي، رافضًا دعوته للعودة عندما دُعِيَ
إلى ذلك بعيد سقوط الشيشكلي، ناصحًا بعودة
السيد القوتلي تأكيدًا على الشرعية
الدستورية، لأن الانقلاب العسكري الأول كان
قد أطاح به كرئيس منتخَب دستوريًّا. وجميل مردم بك
عمل منذ البداية، بشكل دائم، عملاً مؤسسيًّا
من خلال جمعية أو حزب أو تجمُّع. وكان من أهم
المؤسسات التي عمل فيها "العربية الفتاة"
و"الكتلة الوطنية" فيما بعد. فقد ارتبط
مسارُه السياسي بمسار "الكتلة"، ومن
خلالها، أولاً بالشخصيتين البارزتين هاشم
الأتاسي وسعد الله الجابري، ومن بعدُ بشخصية
السيد شكري القوتلي الهامة، إلى جانب أعضاء
الكتلة الآخرين في دمشق، كالسيد الحفار
والسيد فارس الخوري والمحامي نعيم الأنطاكي
وغيرهم. لقد كان هؤلاء رفاق درب طويل امتد 40
عامًا؛ وقد عشقوا سورية جميعًا، فأعطوها من
حياتهم، فارتبط تاريخُها الحديث بهم،
وارتبطت حياتُهم بها، بل كرسوا لها حياتهم.
فهم الذين أسَّسوا للوطنية السورية ولمشروع
الدولة/الأمة السورية الذي تجسَّد باستقلال
دولة وطنية غير منقوصة السيادة. إنه حلم لم
يُتَحْ لهم، مع الأسف، أن يسلِّموه
ديموقراطيًّا إلى الأجيال القادمة، لأنه
انتُزِعَ منهم عنوة. في
الخلفية العائلية:
ينتمي آل مردم بك، كما سبق وأشرنا، إلى طبقة
أعيان دمشق الذين كانوا شبكة العائلات
المالكة للثروة والنفوذ السياسي والاجتماعي
المستقل[3]،
التي قامت ذات يوم بدور الوسيط بين الدولة
والعامة من أهل المدن. وكانت هذه "الشبكة"
مؤلَّفة من جناحين: 1.
جناح
العائلات الدارسة التي كانت تستمد نفوذها من
مكانتها الدينية، كالمفتين وخطباء الجوامع؛
وهذه كانت الأقوى نفوذًا حتى العام 1860، ومن
هؤلاء كانت عائلات الحسني والحسيبي والخطيب
وغيرهم. 2.
جناح
العائلات غير الدارسة أو العَلمانية الذين
كانوا الإقطاعيين والتجار والقضاة الذين
رجحت كفتهم بعد أحداث 1860 بسبب فشل الدارسين في
كبح الفوضى وأعمال القتل والسلب التي طالت
النصارى في ذلك العام؛ وكان منهم عائلات
العظم والعابد واليوسف ومردم بك، ثم القوتلي
والحفار وغيرهم، مثل البارودي والشمعة. في مطلع القرن
العشرين، انعقدت الزعامة في دمشق لاثنتي عشرة
عائلة ممن ذُكروا أعلاه، مستندة إلى خمسين
أخرى تليها مرتبة، لتلعب دور الوسيط بين
السلطة الإمبراطورية والشعب[4].
وشرط الوساطة كان عدم المعارضة المباشرة
للسلطة ومراعاة مصالح أتباعهم: فهم لا
يستطيعون أن يكونوا مجرد أداة للسلطة، لما
يترتب عنها من وظائف اجتماعية واقتصادية[5].
وكان هذا ما دعاهم لإقامة نوع من الشبكات
للمجتمع الأهلي وشبه المدني، مثل تجمعات
التجار والحرفيين وشيوخ الكار. كما كان يترتب
عليهم أيضًا تقديم المساعدات للفقراء
وحمايتهم من تسلط جباة الضرائب. ففي بيوتهم
كانت تُحَل معظم الخلافات في الحيِّ وتسوى
مشاكلُ سكانه. وقد كان جدهم الأول مصطفى لالا
باشا الذي قدم إلى دمشق في القرن السابع عشر.
وقد عملوا في التجارة والقضاء والإدارة. من
آثارهم كان "كلِّية" مسجد وخان وسوق
باسمهم قرب باب البريد مازال قائمًا إلى الآن.
كما أنشأوا أول مدرسة للتجارة في دمشق[6].
أما والد السيد جميل فهو السيد عبد القادر
مردم بك الذي توفي باكرًا عن أربعة أولاد.
فكان أخوه عثمان هو الذي غرس في نفسه كره
الاستبداد وحب الحرية ووجَّهه إلى الدراسة في
الغرب[7]. في الخلفية
الفكرية:
تفتح وعيُ النخبة الثقافية السورية – وجميل
مردم من هذه النخبة – في مطلع القرن العشرين
على عدة تيارات أسَّس لها عددٌ من الكتاب
والمفكرين. التيار الأول كان إسلاميًّا
إصلاحيًّا، مثَّل له الأفغاني، وإسلاميًّا
عروبيًّا إصلاحيًّا مناهضًا للاستبداد،
مثَّل له محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي. أما
التيار الآخر فقد كان عَلمانيًّا لبراليًّا،
وبعضه اشتراكي، مثَّل له آنذاك فرنسيس مراش
وشبلي الشميِّل، اللذان أكدا بوضوح على
الديموقراطية وفصل الدين عن السياسة[8].
وقد كان للكواكبي آنذاك التأثير الأكبر في
أوساط الشباب المسلم الذين تدارسوا كتابه طبائع
الاستبداد المتضمن أفكارًا حداثية عن
العقد الاجتماعي وحديثًا في أصول عدم
المساواة التي صاغها بمفهوم شرقي إسلامي، مما
بيَّأها محليًّا[9].
وقد ميَّز الكواكبي بين الاستبدادين الغربي
والشرقي: 1.
يسعى
الأول بالأمة نحو الكسب، ما يجعله الأرشد،
لأنه بزواله يُستبدَل به حكمٌ أعدل منه؛ 2.
أما
الاستبداد الشرقي الذي لا يدفع بالأمة نحو
الكسب فهو غالبًا ما يخلِّف عند زواله
استبدادًا أشر منه. لكن الكواكبي
لم ينتبه إلى مسألة الأحزاب وعلاقتها
بالاستبداد. وقد تلا الكواكبي تأثيرًا محمد
عبده، الذي تميز بإدانة نهج محمد علي باشا
الاستبدادي، ورأى في الديكتاتورية شرًّا
مطلقًا لا يبرِّره أي إنجاز عسكري أو توسعي.
كما رأى في استمرارها الوراثي الإقطاعي
طغيانًا ومثالاً صارخًا على الانحطاط الشرقي
الاستبدادي. وقد أصدر فتاواه الهامة حول
مسألة المصارف واللباس الأوروبي[10].
وقد انتشر هذا الوعي في أوساط النخبة
المدينية عبر حلقات تنويرية في دمشق وحلب
وحمص وحماة. في المرحلة
الثانوية، التحق جميل مردم بحلقة دمشق
الصغرى، العاملة أساسًا في أوساط الطلاب في
مكتب عنبر، والمنبثقة عن حلقة دمشق الكبرى أو
الممتدة عنها[11].
وهذه كانت حلقة الشيخ الجزائري الداعية
للعلوم والآداب وأهمية العلوم العصرية في
الرياضيات والطب والفيزياء والكيمياء وغيرها.
لكن هذا كان في العلن؛ أما سرًّا فكان أعضاء
الحلقة يدرسون محمد عبده والكواكبي
ويتداولون الجرائد والأفكار التحررية. كذلك
انتسب إلى "جمعية النهضة العربية"، فكان
من أعضائها، أبناءُ النخبة الآخرون، كآل
القوتلي والبكري ومردم وغيرهم[12]. في العام 1911، في
باريس، ساهم جميل مردم في تأسيس "جمعية
العربية الفتاة"، حيث ورد اسمُه عضوًا
مؤسسًا برقم 103 ورمز "ر، ن"[13]،
مع غيره من الشبان المشار إليهم سابقًا. ولعبت
هذه الجمعية الدور الأساسي والمحرك للحياة
السياسية السورية حتى سقوط حكم الملك فيصل في
العام 1920. فقد صاغ كوادرها دستور 1920 الملكي
الدستوري، المميَّز جدًّا، الذي نُسِجَ على
منواله الديموقراطي، لاحقًا، الدستور
الجمهوري للعام 1928. وفي العام 1913، بدافع من
"العربية الفتاة"، بادر جميل مردم، مع
أربعة آخرين من زملائه، – وكان السوري الوحيد
بينهم، – للتحضير وللدعوة إلى مؤتمر باريس
المعروف بـ"المؤتمر العربي الأول"، فعمل
كمنسق عام لأعماله. وقد كانت لهذا المؤتمر
أهمية استثنائية: إذ نجح في وضع القضية
العربية العثمانية على جدول أعمال السياسيين
العرب؛ كما حضره مندوبون من جميع البلدان
العربية، إضافة إلى الصحافة العربية
والأجنبية. غداة الحرب
العالمية الأولى، في العام 1916، صدر بحقِّه،
ضمن أحكام جمال باشا العرفية، حكمٌ غيابي
بالإعدام. فتوجَّه إلى أمريكا اللاتينية
مندوبًا عن مؤتمر باريس للعمل ضمن أوساط
الجاليات العربية هناك دعمًا للاستقلال
العربي. ثم عاد إلى باريس بانتهاء الحرب،
وانضم إلى الملك فيصل في العام 1919 في مباحثاته
في مؤتمر الصلح، مكلفًا أيضًا من الجمعية. وقد
لازم فيصل في دمشق كأحد مستشاريه؛ كما كان
معاونًا لوزير الخارجية، الدكتور الشهبندر،
في الحكومة السورية الأولى برئاسة هاشم
الأتاسي. إن ملازمته فيصل والعمل في الخارجية
أوضحت له تمامًا محدودية الثقة بالعامل
الخارجي إنْ لم تدعمه عوامل قوة داخلية
موازية للمصالح الخارجية. ومنها كانت صدمته
السياسية الأولى التي خلخلت ثقته بالغرب
وعلَّمتْه مبادئ الدبلوماسية وأصولها. وبسقوط الدولة
السورية الأولى وطرد رمزها الملك فيصل، تحطمت
الآمال، ومن ثم تشظَّت "العربية الفتاة"
إلى أحزاب قليلة الفاعلية، اتجهت نحو العمل
المسلح في شمال سورية، المدعوم من تركيا
باتفاق بين هنانو وأتاتورك – هذا العمل الذي
انتهى في العام 1921 باعتقال الشيخ العلي
وإقامته الجبرية بالقرب من الشيخ بدر وبتسليم
هنانو في تموز من العام نفسه إلى السلطات
الفرنسية، تطبيقًا للمعاهدة بين الفرنسيين
والأتراك القاضية بانسحاب الفرنسيين من
كيليكية وبتبادل المجرمين بين الطرفين[14].
ونسجل هنا أن محاكمة هنانو أمام المجلس
العرفي العسكري بحلب في 15/03/1922 كانت علنية
واستمرت حتى 06/06/1922؛ وقد بُرِّئ فيها هنانو من
تهمة الخيانة، واعتُبِرَ عملُه بدافع حبِّ
الوطن. كذلك بُرِّئ في هذه المحاكمة السيد
أحمد صديق المدرس. وقد انتهت المحاكمة بطرفة
لطيفة: فعندما أنكر المدرس تهمة التحريض على
سلخ حلب وضمِّه إلى تركيا، سأله القاضي
الفرنسي: "هل تحب فرنسا؟"، أطرق مليًّا،
ثم أجاب: "على قدر الإمكان!" فضحك الجميع،
وبُرِّئ السيد المدرس. في هذه المحاكمة ظهرت
بادرةُ المحامين الوطنيين، حيث تطوع السيد
فتح الله الصقال مع آخرين للدفاع، مجانًا، عن
المعتقلين السياسيين الوطنيين، مؤسسًا
لتقليد مازال مستمرًّا إلى يومنا هذا[15]. وفي دمشق، كان
العمل الوطني، الذي كان جميل مردم من قيادييه
آنذاك، مدنيًّا من خلال مظاهرات سلمية، برزت
في سياقها حركةٌ نسوية نشطة نزلت إلى الشارع
رافضةً الانتداب وممارساته القمعية. وأيضًا... مظاهرة
نسائية تنديدًا بالانتداب. كان جميل مردم
من مؤسِّسي "حزب الشعب" في العام 1925
وعضوًا في هيئته الإدارية بزعامة الشهبندر.
وفي قريته حوش المتين في الغوطة، جرت تحضيرات
"حزب الشعب" للمشاركة في الثورة السورية[16]؛
ومنها انتقلوا إلى الجبل، مكرسين السلطان
باشا قائدًا عامًّا للثورة ومساهمين فيها –
السلطان الأطرش الذي أصدر آنذاك بيانًا إلى
الشعب السوري يدعوه فيه إلى الثورة[17].
وقد تعهد الدكتور الشهبندر يومذاك بتأمين
رواتب الثوار حتى تحقيق الوحدة السورية
والاستقلال[18].
وامتدت الثورة إلى وسط سورية بقيادة فوزي
القاوقجي، ثم إلى الجزيرة، فالغوطة وأحياء
دمشق، وحوران والقلمون، متواصلةً ومستمرة
لأكثر من عام، لتنتهي في أيلول 1926 بانسحاب
السلطان باشا ومساعديه إلى الأزرق، ثم قريات
النبك في السعودية، خوفًا من تسليمهم إلى
السلطات الفرنسية. وقد بقوا هناك حتى صدور
أحكام بالعفو عنهم. فشل ومرارة أخرى تراكما
لدى الوطنيين الشركاء في الثورة، وتوِّجا
بأحكام إعدام غيابية. فقد سُلِّموا في معظمهم
(ماعدا السلطان باشا والشهبندر، الذي غادر
إلى القاهرة وبقي فيها حتى 1937) إلى السلطات
الفرنسية، على الرغم من وجود أحكام بالإعدام
في حقِّهم. وكان جميل مردم من بين الذين
سُلِّموا. وتتعزز لدى
الوطنيين القناعة بعدم جدوى العمل المسلح
الذي لا يمتلكون مقومات استمراره وشروطه لعدم
تكافؤ أدواته مع قوة دولة عظمى، ولما يترتب عن
نتائجه من دمار وقتل، يأس وإحباط وانكفاء، مع
تفكك واتهامات متبادلة (وهو الشيء الطبيعي
الذي يحدث دائمًا عند التعثر والهزيمة!).
جثث
معروضة في المرجة للترهيب. بإبعاد الجنرال
سراي، لاح توجهٌ فرنسي نحو الابتعاد عن سياسة
القوة العارية والحكم العسكري المباشر. وكان
هذا التوجه محكومًا بمرور ثلاث سنوات على
تصديق عصبة الأمم لصكِّ الانتداب. فهو كان
يوجب على فرنسا وضع دستور للبلاد بالتوافق مع
سلطة وطنية فيها. وكان الشعب السوري
والوطنيون السوريون منهكي القوى، فاقدي
الثقة بالعوامل الخارجية، ومدركين لتباينات
المصالح بين الدول الكبرى – ما يعني أن
المحصلة الطبيعية للتجارب السابقة أضحت توجب
توجُّه العمل الوطني نحو العمل المدني السلمي
واللاعنفي. وهو توجه كان خزَّانه الذي لا ينضب
هو الشعب الطامح إلى الحرية والاستقلال. وقد
عبرت الكتلة الوطنية آنذاك عن ذلك التوجه وعن
تلك الطموحات. وفي الخلفية
السياسية لتلك الأيام، كان بروز تجاذب هاشمي/سعودي
حول عرش سورية. وكان التطلع إلى كيان سوري
وطني، على غرار البلدان المجاورة، تطلعًا
مشروعًا. فنقطة الانطلاق كانت الشرعية
الدولية المتمثلة بعصبة الأمم وصك الانتداب
المعتمد والمصدَّق عليه من قبلها. وهذا الصك،
كما أشرنا، كان يُلزِمُ في مادته الأولى
الحكومة المنتدَبة بأن تضع...
في برهة ثلاث سنوات... دستورًا نظاميًّا
لسوريا ولبنان... يصاغ بالاتفاق مع السلطات
الوطنية... لأنه، كما هو واضح من النص: 1. لسورية
الحق بسلطة وطنية منتخَبة، 2. ومن صلب
اختصاصها وضع دستور لسورية... أما الخلفية
الفكرية لذلك التوجه، فقد كانت متقاربة جدًّا
بين مكونيها: تدرجًا من مناهضة الاستبداد إلى
اللامركزية، ومن ثم إلى العروبة،
فالاستقلال، وصولاً إلى الوطنية السورية
والرغبة في الوصول إلى الدولة السورية
الحديثة/الأمة، على غرار الدولة الأوروبية.
ولأنهم من حيث التركيب الاجتماعي، كما سبق
وأسلفنا، كانوا يتحدَّرون من عائلات نافذة
اجتماعيًّا وسياسيًّا، فقد كانوا استمرارًا
لخطِّ زعامة سابقة، لكنها مختلفة في المضمون
والشكل. لذلك خاضوا معًا تلك التجارب التي
وثَّقتْ الروابط بينهم، وأضحى تواثقُهم
معمدًا بأحكام إعدام وسجون ونفي وتشريد.
فحلوا أحزابهم للبدء بتجربة جديدة لمرحلة
جديدة من التاريخ الوطني. وكانت مساهمة جميل
مردم في... 3 الكتلة
الوطنية ومواقفها... ذلك التنظيم
الأهم، آنذاك، الذي نستقطع بعضًا قليلاً من
ميثاقه ومبادئه العامة ونظامه الداخلي. ففي
المادة الأولى من المبادئ العامة جاء أنها: هيئة
سياسية... غايتها تحرير سورية ووحدتها...
وللبنان حق تقرير المصير.[19] وهدفها كان: دولة
جمهورية ديموقراطية مستقلة ... والديموقراطية
برلمانية على أسس فرنسية.[20] لقد ارتبط مسار
جميل مردم بتشكيل الكتلة، التي كان فيها
مختصًّا، بشكل متميز، بدبلوماسيتها
ومفاوضاتها الخارجية والعربية مع سلطات
الانتداب والبلدان الأجنبية الأخرى، حيثما
استلزم الأمرُ ذلك. فبرع وأنجز، كما فشل
لأسباب لا تتعلق بالمهارات، بل بالسياسات
الدولية. لذلك يمكن اعتباره بحقِّ المؤسس
الحقيقي للدبلوماسية السورية، التي هي
خبرات متراكمة إبان فترة طويلة، بدأت بمؤتمر
باريس، وتطورت بملازمته فيصل في مفاوضاته
الشاقة من أجل الدولة الأولى. وهذا ما جعله
براغماتيًّا وطنيًّا، يجيد الوصول إلى
التسويات الممكنة، يأخذ منها القليل في حال
الضعف والكثير في حال القوة، لكنْ دون تنازل
أو مساومة من حيث المبدأ، خاصة عندما لاحت في
الأفق إمكانية إنجاز الاستقلال، إذ كان قد
راكم إنجازات متتالية للوصول إلى ذلك الإنجاز
النهائي. وكان سلاحه ثقة رفاقه، وذكاؤه وذهنه
الحاد والمتوقد. كما كان سلاحه أيضًا لسانه
وقلمه الذي ولع بصياغة المواقف والمذكرات،
تأكيدًا للمواقف وتثبيتًا للاتفاقات أو
التوافقات، ناهيكم عن الخلافات. ففي أعلام
العرب نجد وصفًا كالتالي: يفاجئ
الأحداث قبل وقوعها فيعالجها بمهارة فائقة
فيظن البعض أن في مبدئه التواء. ويرى أن
السياسة الموضعية خيط في السياسة العالمية
الكبرى... لهذا أطلق عليه لقب ثعلب السياسة.[21] غير أن السيد
جميل مردم يستحق الإنصاف من خلال مادة
وثَّقها بنفسه، وليس باستقراء مذكرات
الآخرين وأوراقهم؛ كما أن أوراقه، كأوراق
غيره من قادة التاريخ الوطني السوري، هي ملك
للشعب السوري[22].
فعمله الدبلوماسي، مضافًا إليه عزوفه عن
الدخول في أية مساجلات مع مناوئيه و/أو
شركائه، مضافًا إليهما التزامه الروح
الجماعية في العمل وتعففه عن ادعاء أي إنجاز
لنفسه، يستحق دراسة متأنية. فكما ورد في
التأملات والمذكرة المطولة التي غطت القسم
الأول من كتاب السيدة سلمى حتى الصفحة 87، هناك
عرض لأوراق صاغها بنفسه وسجَّل فيها رؤيته
لسورية والسوريين، للانتداب، للعالم
الخارجي، العربي والأجنبي، كما ورؤيته
لمستقبل سورية. وهي مصاغة بمعطيات العام 1939
ومؤرخة بنفس العام، حيث لم أعثر فيها على كلمة
"أنا" أو "عملت" أو "قلت" سوى في
شرحه لجولته الفرنسية في العام 1938، وحواراته
مع مكونات المجتمع المدني الفرنسي، ورأيه
العام المبلور في القرار[23]،
الأمر الذي يؤكد على تواضعه وأدبه الجم،
خلافًا لما أشيع عنه من عجرفة استجلبت له
الكثير من الاتهامات بسبب عمله الدبلوماسي. وقد بدأ هذا
العمل التفاوضي البراغماتي بتأمين مشاركة
الكتلة في الوزارة في العام 1932، حين تدخلت
السلطات الفرنسية في الانتخابات، التي أسفرت
عن سقوط عدد من نواب الكتلة في حلب، ونجاحها
في حمص، وجزئيًّا في دمشق، مما تمخض عن أقلية
للكتلة الوطنية في ذلك البرلمان. لقد استطاع
جميل مردم إدخال الكتلة إلى الحكومة بوزيرين
مقابل عدم الاعتراض على الانتخابات. وقد كان
ذلك هامًّا جدًّا كي لا يمرر الفرنسيون مشروع
المعاهدة دون معارضة إذا كانت لا تلبي
المطالب الوطنية حسبما كان متوقعًا. وهكذا
كان. لأنه بعد تفنيدها في البرلمان الذي
تحاصره قوات الأمن، والمظاهرة الشعبية
الحاشدة التي تقدمتْها النساء اللواتي كان
لوجودهن أثر كبير في إثارة الحمية، سقطت
المعاهدة التي صوَّت ضدها معظم النواب،
واستقال الوزيران الوطنيان – مردم وأرسلان –
من الحكومة، فتشكلت حكومة أخرى في 15/06، ثم
استقالت في 03/04، فكانت مدتها تسعة أشهر و18
يومًا؛ وكان ذلك بسبب دقة وزيرَي الكتلة
أرسلان ومردم وبراعتهما، وقرار الكتلة
الوطنية المتخذ في 10/10/1932 بـ"إسقاط
المعاهدة"[24]
– ما ينفي الاتهامات التي أوردها السيد
السياف في مذكراته التي أشرت إليها في
البداية. أما فيما يتعلق
بقضية الإسكندرون، فقد تبين أن إشكالية ما
حدث تعود إلى اتفاقية أنقرة، أي الصلح
الفرنسي–التركي بتاريخ 21/11/1921، تلك
الاتفاقية التي أقر الجانبُ الفرنسي في
مادتها الأولى بالتنازل لتركيا عن 18 ألف
كيلومتر مربع من الأراضي السورية. وقد تم
التوافق على ذلك في مراسلات الحسين–مكماهون،
وإن كان طالب بها فيصل في مؤتمر الصلح في
العام 1919. ففي مادتها السابعة، نصت الاتفاقية
على نظام خاص باللواء يتمتع فيه السكان
الأتراك بتسهيلات خاصة لإنماء ثقافتهم
التركية وإعطاء لغتهم الصفة الرسمية، إلى
جانب العربية، وذلك مقابل امتيازات لشركات
فرنسية لمدة 99 عامًا[25].
وقد أصدر الجنرال سراي في العام 1925 قرارًا
بتساوي اللغتين العربية والتركية في جميع
المجالات الرسمية هناك. أما على الصعيد
الاجتماعي، فقد كان الأتراك يملكون الثروة
والنفوذ في اللواء استنادًا إلى السلطة
العثمانية السابقة الممتدة لأربعة قرون.
لذلك، عندما عقدت معاهدة 1936، عزَّز الجانب
السوري سلطته على اللواء استنادًا إلى البند
الخاص المتعلق بالاعتراف بالوحدة السورية
للمناطق كلِّها على أساس اللامركزية
الإدارية والمالية. وبموجب ذلك، اعترف الجانب
السوري بنظام مالي وإداري لكلٍّ من جبل
الدروز ومنطقة العلويين واللواء، معتبرًا أن
ذكر اللواء في معاهدة 1936 نصر دبلوماسي يجدِّد
الحوار حوله وينافي قطعية الالتزامات
الفرنسية للأتراك. وقد انزعج الأتراك جدًّا
من تلك الاتفاقية، وحاولوا الحصول من الجانب
السوري على تنازل و/أو تصريح بهذا الشأن بعيد
توقيعها في أثناء عودة الوفد من باريس ومروره
بتركيا. فكان جواب مردم للأتراك يومئذٍ بأنهم
(السوريون) "تحت الانتداب" وبأن توقيع
الاتفاقات والمعاهدات ليس من صلاحياتهم، كما
وأنه، والسيد الجابري، خارج الحكم[26].
وأعادت تركيا مفاوضاتها مع الجانب الفرنسي
واتفق على عرض الموضوع على عصبة الأمم في
14/12/1936، لأن فرنسا غير مخولة بالتنازل عن
أراضي الدولة المنتدبة عليها بموجب مادة
واضحة في صك الانتداب. وتقرَّر إرسال مراقبين
دوليين إلى اللواء، مع تعهد فرنسي بعدم
التصديق على المعاهدة مع سورية إلا بعد
البتِّ بقضية اللواء في عصبة الأمم. وكان
إنقاص الوجود العسكري الفرنسي في اللواء[27]،
لكن مع تصاعد الوجود العسكري الإيطالي في
المتوسط في العام 1937، الأمر الذي سمح بتسليح
المضائق[28].
ولقد سعت كل من فرنسا وبريطانيا إلى كسب الود
التركي. فوافق رئيس الحكومة الفرنسية، ليون
بلوم، على تعيين مفوض سامٍ خاص باللواء في
18/12/1937، مما فصله عمليًّا عن سورية، على أن
تصادق على ذلك عصبةُ الأمم. فسارع جميل مردم
إلى توضيح عدم شرعية الاتفاق الفرنسي–التركي
لتعارُضه مع صكِّ الانتداب للخارجية
الفرنسية[29]،
وتوجه إلى تركيا محاولاً إنقاذ ما يمكن
إنقاذه. فتقدم هناك باقتراح بتقسيم اللواء،
مع امتيازات كثيرة لتركيا فيه، واقترح تبادل
للسكان بين المناطق التركية والعربية تبقى
بموجبه أنطاكية سوريةً نظرًا لمكانتها
المعنوية الهامة كعاصمة قديمة لسورية
المسيحية، ويصبح ميناء إسكندرون تركيًّا مع
بقائه ميناء حرًّا للتجارة السورية. ووافق
رئيس الوزراء التركي عصمت إنونو، من حيث
المبدأ، على اقتراح مردم. لكن لدى عرضه
اقتراحه على أتاتورك، استشاط هذا الأخير
غضبًا، فأقال إنونو وأبعده إبعادًا كاملاً عن
الحياة السياسية التركية آنذاك[30].
ثم في 25/07/1938، اجتاح الجيش التركي اللواء
وأعلنه دولة مستقلة تحمل اسم جمهورية هاتاي
تحت سمع العالم وعصبة الأمم. وهكذا سُلِخَ
اللواءُ نهائيًّا عن سورية على مذبح الحرب
العالمية الثانية. وقد عبرت سورية عن رفضها
لهذا الظلم بمظاهرات جماعية حاشدة، شاركت
فيها النساءُ مشاركةً قوية وفعالة، وتميزن
بظهورهن سافرات الرأس والوجه، خلافًا
لمظاهرات 1922، مما يكشف مدى التقدم الاجتماعي
المحقَّق آنذاك بفضل قيادة الكتلة الوطنية
ومستنيريها. مظاهرة
نسائية في العام 1939. أما فيما يتعلق
بقضية اغتيال الدكتور الشهبندر، التي ما تزال
غامضة إلى اليوم، فقد استُهدِفَت الكتلة
ككلٍّ بتوجيه الاتهام لقادتها: القوتلي
والحفار والجابري ومردم. وقد رُكِّز خاصة على
مردم باعتقال سكرتيره عاصم النائلي. وحين رأت
الكتلة أن النية مبيَّتة لاستهدافها، قررت
تهريب الثلاثة المستهدَفين بالاعتقال، أي
الجابري والحفار ومردم، وألَّفت لجنة من
المحامين ضمت، حينذاك، السادة صلاح الدين
الطرزي وإميل لحود ومنير العجلاني وفؤاد
القضماني ورزق الله الأنطاكي والمحامية
بوران الطرزي. فكان حكمٌ بالبراءة للجميع.
ونسجِّل أن معظم الذين تناولوا هذه القضية،
كالحفار والعظم وعبد الله حنا، حمَّلوها
للانتداب الذي هدف إلى تفتيت الصف الوطني
وتحطيم الكتلة. لذلك فمن المفيد عند الحديث عن
هذه القضية استعراض بيئتها الدولية والمحلية. ففي 10/05/1940، بدأ
الغزو الألماني لفرنسا. وفي 18/05، أصبح الجنرال
پيتان نائبًا لرئيس الحكومة. وفي 28/05، عُيِّنَ
الجنرال ميلتهاوزر رئيسًا لجيش المشرق. وفي
17/06، طلب پيتان الهدنة معترفًا بهزيمة فرنسا.
وفي اليوم التالي مباشرة – 18/06 – تمرد ديغول
وطالب بتحرير فرنسا. وخطط الجنرال ميلتهاوزر
للتمرد على القوات الفرنسية الموجودة في
سورية الموالية لپيتان وللانضمام إلى
التحالف البريطاني–الفرنسي، أي إلى قوات "فرنسا
الحرة" بقيادة ديغول، لكنه تراجع في آخر
لحظة. أما الجنرال دولارمينا، فقد تابع
التمرد ووزع 100 نسخة من بيان أعده على الضباط
والقطعات العسكرية التي سادت فيها الفوضى.
لكن القيادة المشتركة، البريطانية
والفرنسية، لجمت تحركه خوفًا من تحريك
الوطنيين في الشرق الأوسط كلِّه. ثم طردت عصبة
الأمم فرنسا پيتان من العصبة، واعترفت بديغول
ممثلاً لفرنسا. أما على الصعيد
الوطني السوري، فقد كان الوطنيون يدركون
تاريخية لحظة سقوط الشرعية الدولية للانتداب.
فأبدى القوتلي ميلاً تجاه المحور. أما
الشهبندر، غير المثقل بتبعيات سقوط معاهدة
العام 1936، فكان قد بدأ يتوهج كسياسيٍّ وطني
بارز قريب من البريطانيين، وداعٍ إلى اتحاد
عربي معقود اللواء للأمير عبد الله حاكم
الأردن. وكانت مساعٍ لرأب الصدع بين الكتلة
والشهبندر، جرت جلساتها في القصر الجمهوري.
ما يعني أن الوضع الفرنسي كان مربَكًا إلى
حدِّ الاصطدام المسلح، بينما كان الجانب
الوطني يتجه نحو التماسك مسلحًا بوضع دوليٍّ
مؤاتٍ جدًّا. لذلك فإن حدثًا كبيرًا، قد يصل
حدَّ الزلزال، قد يكون فسحة لسلطات الانتداب
آنذاك. وقد اغتيل الشهبندر في 07/06/1940، وكان
فعلاً زلزالاً ضعضع الصف الوطني. فبتاريخ 05/08، أي
بعد أكثر من شهر ونصف على الاغتيال، استدعت
المحكمة للاستجواب جميع قادة الكتلة
الوطنية، ماعدا الأتاسي، وكان من بينهم
القوتلي ومردم والجابري والحفار، الذين
عادوا إلى بيوتهم في اليوم نفسه. وبعد ذاك،
تسربت شائعات عن تضارُب في الإفادات بين
المعتقلين، في محاولات جادة لزجِّ قيادة
الكتلة في الجريمة. ثم بعد شهرين وعشرة أيام،
في 15/10، استُدعي الجابري ومردم والحفار
للتحقيق معهم مرة أخرى (دون القوتلي). وتأكدت
الكتلة من أن النية مبيَّتة للنيل منها،
فقررت إبعاد مردم والجابري والحفار إلى
الخارج حتى تتضح الأمور. ثم صدر قرار اتهام
بحقِّهم في 26/10، وكانت مجريات المحاكمة متجهة
نحو التركيز على جميل مردم عبر تركيز الاتهام
على تورط سكرتيره النائلي. وأخيرًا صدر الحكم
ببراءة الجميع في 07/01/1941[31]. وتسلَّم
القوتلي زعامة الحركة الوطنية تحت مسمَّى "الحزب
الوطني" في العام 1941. وزامله جميل مردم حتى
إنجاز الجلاء عبر منعرجات تاريخية، تمت
الاستفادة منها بمهارة فائقة، أحكم فيها ربطُ
التصعيد الداخلي بالعوامل الدولية المساعدة،
مما أكد وطنية هذه القيادة وثقة الشعب السوري
بها. أما خلال حرب
"نكبة" فلسطين، في العام 1948، التي
خُوِّنَت فيها "الرجعية العربية" عمومًا
والحكام الذين "باعوا فلسطين"، مرورًا
بالعديد من أهلها ممَّن باعوا أملاكهم و
بيوتهم، فإن حرب تموز 2006 والهجرة الجماعية
لأهل الجنوب اللبناني قد أنصفت هؤلاء، كما
أنصفت الشعب الفلسطيني. لأننا لو تصورنا ماذا
كان يمكن أن يحدث لو أن إسرائيل اجتاح الجنوب
اللبناني، فوجده أرضًا وبيوتًا خاوية، لا سمح
الله! ونذكر هنا أن حرب 1948 كانت أطول الحروب
العربية–الإسرائيلية وأكثرها كلفة على
إسرائيل، الذي بلغ خسائره آنذاك 4074 عسكري و2000
مدني، على الرغم من التفاوت الهائل في
الإمكانات والقدرات. ونستعيد من تلك
الأيام، في خصوص سورية، كيف تركزت الحملة على
جميل مردم بك، وكيف تُوِّجَتْ هذه الحملة
آنذاك بقصيدة السيد عمر أبو ريشة "أمتي"
التي أشرت إليها في المقدمة. ومطلع هذه
القصيدة كان يقول:
وقد جاء فيها
فعلاً...
وقد طُوِّرَتْ
لاحقًا، وأُلصِقَ بها بيتان إضافيان يقولان:
وهما بيتان نشك
في نسبتهما إلى أبى ريشة. لأننا حين رجعنا إلى
ديوانه[32]،
وجدنا القصيدة منشورةً دون هذين البيتين
السابقين. وقد عادت الدار نفسها فنشرت أعماله
الكاملة، كما جاء بها جامع أعماله السيد
عمر الشبلي في العام 2005، ووجدنا القصيدة
خالية أيضًا من هذين البيتين. وفي التوضيح
المرفق بتلك الأعمال جاء أنه: مازالت
مخطوطات شعره أو مطبوعاته محفوظةً لدى زوجته
السيدة منيرة مراد منظمة في مصنفات خاصة،
وكذلك كل الجرائد والمجلات التي نشرت له. وقد
وُضِعَتْ كلها تحت تصرف جامع شعره السيد عمر
الشبلي. لكن، في إشارة
إلى البيتين السابقين، دون ذكرهما، نشير إلى
أن القصيدة أُلقِيَتْ في مهرجان شعبي في حلب
لمناسبة حرب 1948، حضره عدد من المسؤولين الذين
كان من بينهم قائد الجيش السيد حسني الزعيم.
وقد احتج بعض المسؤولين على مضمون القصيدة
كما ألقيت آنذاك، وساد الهرج والمرج، حيث: التفَّت
بعض النسوة حول الشاعر واستزدنه، فأعاد
وحوَّر. لذلك رُوِيَت القصيدة ربما بأشكال
مختلفة. أما حسني الزعيم فيقال إنه اجتمع
يومها بعدد من الشباب الموجودين في الحفل
ووعدهم بتحقيق مطالبهم.[33] وقد ردَّ على
قصيدة أبو ريشة الشاعر محمد عبد الرحمن
الدندشي بقصيدة أخرى جاء فيها:
وفي قصيدة
الدندشي دفاع واضح عن جميل مردم بك، وتأكيد
على موقفه، الجريء والصائب حينذاك، بقبول
قرار التقسيم – ذلك الموقف الذي لم يجرؤ عليه
غيره، على الرغم من علم الجميع بتداوله في
الأوساط الدولية منذ لجنة التحقيق الملكية
البريطانية في العام 1936. أما فيما يتعلق
بالأسلحة الفاسدة، فيوضح السيد خالد العظم في
مذكراته جهوده الفاشلة لشراء الأسلحة
نظاميًّا من الدول المصنِّعة عن طريق
مكلَّفين آخرين، ودور النفوذ الصهيوني في
عرقلة ذلك ومنعه[34]،
ليعود فيتهم فيها في مكان آخر السيد حسني
الزعيم بشراء العتاد والمعدات الفاسدة[35]،
التي وضعها في مقدمة أسباب انقلابه في العام
1949[36].
ونعود في... 4 الخاتمة إلى جميل مردم
الذي كانت صدمته الأقوى اضطرارُه إلى فرض
الأحكام العرفية في حلب، وإعلان الزعيم
بيانًا بتوليه الحكم[37].
ونتذكر أنه في نهاية 1948، استقالت آخر وزارة
شكَّلها السيد جميل مردم، الذي غادر بعد ذلك
إلى القاهرة في بداية 1949، مقيمًا فيها حتى
وفاته في العام 1960. وقد حالفه حظ كبير، حيث
أتيح له أن يُدفَن في دمشق، معشوقته الأبدية.
وقد أعلن جميل مردم اعتزاله السياسة في العام
1954، حين دُعِيَ للعودة إلى دمشق بعد سقوط
الشيشكلي. ونتذكر أنه نصح يومذاك بعودة السيد
القوتلي تأكيدًا على الشرعية الدستورية
التي أطاح بها انقلابُ الزعيم. في أيامه
الأخيرة، وفي غربته، حمل في قلبه سورية
والسوريين. فسورية بلد متوسطي وواجهة شبه
الجزيرة العربية عليه. وعلى الأرض السورية
نشأت وتفاعلت الحضارات القديمة جميعًا،
لتستقر مناهج فكرية وأخلاقية ومظاهر أولية
للفنون. وسورية أعطت روما بضعة من القياصرة
الذين كان منهم كركلا. وفي سورية، في أنطاكية،
نودي حواريو المسيح لأول مرة بـ"المسيحيين".
ومنها دخلت العبقرية العربية إلى تفكير روما
من خلال القانون الروماني. سورية التي في
العصر الأموي تُوِّجَتْ بأعزِّ أمجادها
عندما قرر الأمويون اعتماد دمشق عاصمة لهم
وعبَّروا منها عن إرادتهم بلعب دور على
الصعيد العالمي. والسوريون
يحافظون على حيوية مدهشة وقدرة على التكيف،
جعلتْهم أصحاب الكلمة الأولى. وفد عليهم
الكثير من الغزاة والفاتحين والتجار، لكنهم
كانوا قادرين دائمًا على فرض مدنيتهم وطباعهم
على الجميع وقادرين، بالتالي، على التحرر[38].
وهذه القدرات على التكيف يشير إليها التطور
السريع في الوطنية السورية، والشعور بالواجب
الوطني والالتزام المدني اللذان ينموان
دائمًا، لأن المواطن السوري يشعر أنه في بلد
ناهض ذي سيادة، يشارك فيه بتحمل مسؤوليات
الحكم ويواجه بشجاعة التجارب كلَّها، حتى تلك
المريرة منها، مثل خسارة الإسكندرون وتخفيض
العملة[39].
وأيضًا... أحب جميل مردم
أنطاكية عاصمة سورية المسيحية، وكان
مستعدًا، كي لا نخسر كل شيء، لأن يبادل بها
نصف اللواء، مما أثار نقمةً كبيرة عليه. كما
أحب دمشق حبًّا شكَّل لديه هاجسًا، فسَّر
بموجبه الكثيرَ من الحوادث على أنها موجَّهة
ضد دمشق والروح الدمشقية[40]. كما انحاز جميل
مردم إلى الديموقراطية الاجتماعية، حيث مرر
قانونًا للانتخابات، على درجة واحدة،
متعاونًا بذلك مع السيد أكرم الحوراني. كما
تجاهل اعتراضات الجماعات الإسلامية، بقيادة
"الجمعية الغراء" في دمشق برئاسة الشيخ
عبد الحميد الطباع، على السفور والاختلاط[41]. وقد حمل قلبه
المليء بالحب لسورية والسوريين الكثير من
المرارة تجاه الانتداب والغرب بصورة عامة.
لكنه، على الرغم من كلِّ شيء، كان يؤكد دائمًا
على ضرورة عدم الابتعاد عن الغرب أو
الانعزال، حيث لا مجال، بحسب رأيه، للدول
الصغيرة المتخلفة أن تتقدم بمفردها أو في
معزل عن الدول المتقدمة. وقد رأى في الحروب
الصليبية قدرًا فُرِضَتْ على مصر وسورية
مواجهته، مما سبب سوء تفاهم مازال الطرفان
الغربي والعربي يعانيان من مفاعيله إلى الآن[42].
وأيضًا، فهم امتيازات الأوروبيين في الدولة
العثمانية على أنها حقوق لهم، دأبوا عل
تعظيمها لمصالحهم على حساب الدولة المانحة،
وليس على أساس تسهيل المبادلات التجارية
لصالح الجميع، مما رتب المزيد من سوء الفهم
الذي استمر قرونًا وأساء إلى العلاقات بين
الشرق والغرب[43]. أما الانتداب،
فكان مذاقه عنده شديد المرارة، لأنه ليس أشق
على النفس من وضع كشف نهائيٍّ للخسائر
الفادحة التي لحقت بالطرفين بسببه، وخاصة حين
نتذكر أنه في العام 1919 تنازلت فرنسا عن محافظة
الموصل (التي كان يمكن أن تكون سورية) الغنية
بالنفط والتي مساحتها 120 ألف كيلومتر مربع،
وأنها في العام 1920 تنازلت لتركيا عن كيليكية،
– وأكثر سكانها من المسيحيين السريان،
ومساحتها 50 ألفًا، – ثم أكملت أخطاءها في
العام 1939 بإلحاق لواء الإسكندرون – وفيه
أنطاكية، عاصمة سورية القديمة المسيحية
وميناء إسكندرون السوري – بتركيا. وبذلك تكون
سورية قد خسرت أكثر من نصف أراضيها. وعلى
الصعيد البشري، بلغت الخسائر السورية خلال
الانتداب حوالى 20 ألف إنسان والفرنسية 10 آلاف
إنسان[44].
كما حطَّم الانتداب دولتنا السورية الأولى
المدنية، الديموقراطية، ثم جمهوريتنا
البرلمانية. وعلى الجانب
الاقتصادي، يعدِّد جميل مردم خسائر الطرفين،
حيث بلغت خسائر فرنسا 14 مليار فرنك، وانهار
الاقتصاد السوري وعملتُه مع البطالة
المتزايدة، مما أساء إلى النفوذ الفرنسي في
الشرق. لكنه، على الرغم من كلِّ شيء، لم
يُغفِل أبدًا إيجابيات فرنسا في التعليم
والنقل والمجالات الأخرى[45]،
فكان يؤكد دائمًا، على الرغم من كلِّ شيء، أنه
كي ينهض بلد صغيرٌ ضعيف لا بدَّ له من التحالف
مع دولة قوية متقدمة[46]. ولقد كره جميل
مردم الحروب والعنف، ورأى فيها وقفًا لتقدم
الشعوب وإغلاقًا لمجالات التآخي فيما بينها،
مما دفعه دائمًا إلى البحث عن القواسم
والمشتركات وعن التسويات. نكتفي بحديثنا
عن جميل مردم بك حاليًّا بهذا القدر، وقد تكون
للحديث صلة. ***
*** *** [1]
من المؤسف ملاحظة أن بيان "إعلان دمشق"
في عيد الجلاء لهذا العام لم يشذ عن نهج "الإقصاء"
المشار إليه. فهو، إذ يستعرض النضال من أجل
الجلاء، يستذكر الثورات السورية ورموزها
حتى العام 1927، ثم يقول إن السوريين تابعوا
مسيرتهم الاستقلالية، مع إغفال ذكر أيِّ
حزب أو رمز لهذه المرحلة الممتدة على عشرين
عامًا من التاريخ السوري فقط: فلا وجود
لهاشم الأتاسي، ولا لشكري القوتلي، ولا
لسعد الله الجابري، ولا لغيرهم؛ لم تكن
هنالك كتلة وطنية ولا حزب وطني – راجين أن
يكون هذا سهوًا وليس عمدًا! [2]
جورج كدر، سيريانيوز، "الجلاء". [3]
فيليپ خوري، أعيان المدن وسياسة القومية
العربية، ص 26. [4]
المصدر السابق، ص 78. [5]
المصدر السابق، ص 82. [6]
محمد شريف الصواف، الأسر
والأعلام الدمشقية. [7]
فيليپ خوري، مصدر سابق، ص 118. [8]
منير موسى، الفكر العربي في
العصر الحديث، ص 24. [9]
المصدر السابق، ص 154. [10]
المصدر السابق، ص 164. [11]
راجع: سهيلة الريماوي، العربية
الفتاة، دراسة وثائقية، لتجد شرحًا
وافيًا لهاتين الحلقتين. [12]
منير موسى، مصدر سابق، ص 198. [13]
سهيلة الريماوي، مصدر سابق، ص 305. [14]
ذوقان قرقوط، تطور الحركة
الوطنية في سورية: 20-39، ص 51. [15]
يوسف الحكيم، سورية والانتداب
الفرنسي، الجزء 4، ص 51. [16]
عبد الله حنا، عبد الرحمن
الشهبندر: رائد نهضوي، ص 153. [17]
قرقوط، مرجع سابق، ص 65. [18]
يوسف الحكيم، مرجع سابق، ص 116. [19]
قرقوط، مرجع سابق، ص 104. [20]
سلمى مردم بك، أوراق جميل مردم
بك، ص 21. [21]
حنا، مصدر سابق، ص 154. [22]
من المؤسف في هذا السياق أن السيدة سلمى
مردم لم تطلق حتى الآن، على حدِّ علمي،
أوراقه كلَّها، بل جزءٌ منها وحسب المتعلق
بالأعوام 39-45، وهي مرحلة هامة وحاسمة في
الاستقلال. [23]
وهي فقرة لم تتجاوز نصف صفحة من الصفحات
المشار إليها والبالغة 70 صفحة، بعد استبعاد
مقدمة السيد الشلق. [24]
سلمى الحفار الكزبري، لطفي
حفار، ص 246. [25]
مجيد خدوري، قضية الإسكندرون،
ص 7. [26]
خدوري، نفس المصدر، ص 24. [27]
خدوري، نفس المصدر، ص 41. [28]
خدوري، نفس المصدر، ص 50. [29]
خدوري، نفس المصدر، ص 70. [30]
خدوري، نفس المصدر، ص 73. [31]
سلمى الحفار، مصدر سابق، ص 298. [32]
ديوان عمر أبو ريشة،
دار العودة، بيروت، 1971. [33]
عمر أبو ريشة، الأعمال الكاملة،
ص 19-20. [34]
خالد العظم، مذكرات، ج 1، ص 343،
345-347. [35]
نفس المصدر، ص 384. [36]
خالد العظم، مذكرات، ج 2، ص 185،
191-192. [37]
خالد العظم، مذكرات، ج 1، ص
364. [38]
سلمى مردم بك، مصدر سابق، ص 33-34،
36-37. [39]
نفس المصدر، ص 86. [40]
نفس المصدر، ص 57. [41]
خالد العظم، مذكرات، ج 1، ص
333. [42]
سلمى مردم بك، المرجع السابق، ص
39. [43]
المرجع السابق، ص 51. [44]
المرجع السابق، ص 59. [45]
المرجع السابق، ص 63. [46]
المرجع السابق، ص 77.
|
|
|