|
المسيحيَّة والإسلام
ثمة، في الاصطلاح الديني، ثنائياتٌ من المفاهيم والمصطلحات، كثيرًا ما لا يميَّز فيما بينها ويجري الخلط، فينشأ الالتباس، وتظهر الاختلافاتُ والخلافات، وتتأزم الأمورُ وتصل إلى صراعات كلامية أو دموية. أما إذا تم التمييز بينها، توضحتْ في كلِّ موضوع جوانبُ التمايز، ومواقفُ كلِّ جهة، وأصبح في الإمكان التقدم معًا على طريق التفكير والاقتناع والالتزام. ومن ثنائيات المفاهيم والمصطلحات هذه: الإيمان/الدين، الدين/المذهب، المذهب/البدعة، الدين/الطائفة، الطائفة/الطائفية، التيارات المنفتحة/التيارات المنغلقة، التيارات الانقسامية/التيارات التوحيدية. تمييزات في الكتاب قبل التفصيل في كلٍّ من هذه التمييزات وإظهار النتائج السيئة التي تصدر من الخلط بدلاً من التمييز، من المفيد أن نستشهد ببعض التمييزات التي أجراها مَن قال عن ذاته إنه "الطريق والحق والحياة" (يوحنا 14: 6). من المسيح: ليس مَن يقول لي: "يا رب، يا رب" يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل بإرادة أبي الذي في السماوات. (متى 7: 21) ليس ما يدخل الفم [من مأكول ومشروب] ينجِّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجِّس الإنسان. (متى 15: 11) وقد فسَّر يسوع كلامَه هذا مجيبًا على سؤال بطرس: أحتى الآن أنتم بلا فهم؟ أما تفهمون أن كلَّ ما يدخل الفم يذهب إلى الجوف، ثم يُقذَفُ في الخلاء، أما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وهو الذي ينجِّس الإنسان؟ إذ من القلب تصدر النيات الخبيثة والقتل والزنى والفجور والسرقة وشهادة الزور والثلب [الطعن في صيت الآخرين] – ذلك ما ينجِّس الإنسان. أما الأكل بأيدٍ غير مغسولة فلا ينجِّس الإنسان. (متى 15: 16-20) واضح من هذه النصوص أن المسيح يميز بين "المتدين" سطحيًّا، الذي يكتفي بالعبادات من دون أيِّ التزام بما يتطلَّبه الله، وبين المؤمن الذي يعمل وفق منطق إيمانه، بين المتديِّن "الروتيني"، الذي يحافظ على الشرائع البشرية المادية (كعدم أكل ما يعتبره من المحرمات أو غسل الأيدي قبل تناول الطعام)، وبين المؤمن الذي يحيا بحسب وصايا الله. ويقول المسيح أيضًا: ويلٌ لكم، أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! فإنكم تؤدون العِشْر عن النعنع والشمرة والكمون، وتهملون أخطر ما في الناموس [الشريعة]: العدل والرحمة والأمانة. [...] أيها القادة العميان الذين يصفُّون الماء من البعوضة ويبلعون الجمل! (متى 23: 23-24) واضح هنا أيضًا أن المسيح يميِّز بين "المتدين" الذي يحافظ على شريعة الزكاة – وهذا سهل – وبين المؤمن، الملتزم بما هو أصعب: ما يتطلب من الإنسان تجاوُز أنانيته، كالعدل والرحمة والأمانة. أيها المراؤون، حسنًا تنبأ أشعيا عليكم، إذ قال: "هذا الشعب يكرِّمني بشفتيه، وأما قلوبهم فبعيدة عني جدًّا. فهم باطلاً يعبدونني، إذ هم يعلِّمون تعاليم من وصايا الناس." (متى 15: 7-8) هنا أيضًا التمييز بين "المتدين"، الذي يكتفي بتحريك شفتيه في ما يظنه إكرامًا لله، وبين المؤمن الذي يلتزم من قلبه – و"القلب"، في الكتاب، يعني الكيان، أعمق ما في الإنسان من إرادة وحرية. إن ابن البشر [المسيح] لم يأتِ ليُخدَم، بل ليخدم وليبذل نفسه فداءً عن الجماعة. (متى 20: 28) إني لم آتِ لأدين العالم، بل لأخلِّص العالم. (يوحنا 12: 47) في هاتين الآيتين، يميز المسيح بين ما كان المتدينون اليهود ينتظرونه من المسيح الذي تكلمتْ عنه نبوءاتُ العهد القديم كزعيم، بل كملك، يخدمه الجميع، يأتي ليدين العالم، وبين حقيقة المسيح الإيمانية التي تُخرِجُنا من هذا الانتظار والتصور البشري لتؤكد على المسيح الخادم، مخلِّص البشر أجمعين. من بولس الرسول: أرسل الله إلى قلوبنا روح ابنه ليصرخ فينا: "أبَّا" ["أيها الآب"]. فأنت إذًا لست بعدُ عبدًا، بل أنت ابن [...]. (غلاطية 4: 6-7) وهذا تأكيد على تحول الدين المستعبِد الإنسانَ إلى الدين الذي يصبح إيمانًا بأبوة الآب وبنوتنا. "امتحنوا كلَّ شيء، وتمسكوا بما هو حسن." (1 ثيسالونيقي 5: 21) وهذه وصية مهمة جدًّا هي الأخرى: إذ إن المطلوب من الإنسان لا أن يكون متدينًا متجمدًا عند بعض المقولات التقليدية، بل مؤمنٌ يستعمل عقله ليفحص عن جميع جوانب الدين والإيمان، فيختار ما هو حسن، ويتمسك به، على الرغم من انتقاد التقليديين الذين يخافون من العقل وتحليله الشؤون الإيمانية. ولا بدَّ من التذكير بأن المسيح لم يكتفِ بالطلب من تلاميذه أن يكونوا ذوي إيمان متجسد في الدين ووصاياه وأعماله. فلنتذكر حوارَه مع الشاب الغني الذي سأله: - يا معلِّم، أي عمل صالح أعمل لأحرز الحياة الأبدية؟ - إن أردتَ أن تدخل الحياة، فاحفظ الوصايا. - أية وصايا؟ - لا تقتل، لا تزنِ، لا تسرق، لا تشهد بالزور، أكرم أباك وأمك، [وأخيرًا] أحبب قريبك كنفسك. - كل هذا حفظتُه، فماذا ينقص بعد؟ - إن شئتَ أن تكون كاملاً، فاذهبْ وبِعْ ما هو لكَ وأعطِه للفقراء [...]، ثم تعال اتبعني. (متى 19: 16-22) وهذا تأكيد على كلمته في عظة الجبل: "كونوا كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل." (متى 5: 48) ولا شك أنها وصية متعذرة التحقيق، لكن الله يطلب من الإنسان أن يسعى دائمًا في اتجاه الكمال. وذلك إيمان الله بالإنسان، رجاؤه منه، ومحبته له. من القرآن الكريم: قالت الأعراب: "آمنَّا" قل: "لم تؤمنوا، ولكن قولوا: أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم" (الحجرات 14)؛ يمنُّون عليك أن أسلموا، قل: "لا تمنُّوا عليَّ إسلامكم، بل الله يمنُّ عليكم أن هداكم للإيمان إنْ كنتم صادقين" (الحجرات 17)؛ لا إكراه في الدين، قد تبيَّن الرشدُ من الغيِّ (البقرة 256)؛ ليس البر أن توَلُّوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب، ولكن البرَّ مَن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين [...] (البقرة 177)؛ أجعلتم سقاية الحاج وعِمارةَ المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله؟! (التوبة 19)؛ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكَّلوا إنْ كنتم مسلمين (يونس 84)؛ ربنا، إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان، أنْ آمنوا بربكم، فآمنَّا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفَّنا مع الأبرار (آل عمران 193) هذه آيات قرآنية نجد فيها التمييزات التالية: 1. إن الإسلام، كإيمان، ليس شأنًا بشريًّا وجهدًا ذاتيًّا محضًا يستطيع الإنسانُ أن يفتخر به – فذلك يكون دينًا سطحيًّا بشريًّا –، بل الإسلام عطية مجانية من الله. 2. إن الله يهدي إلى الإيمان، الذي يتطلب من الإنسان أن يتقبله ويمارسه في صدق – وإلا كان أيضًا دينًا سطحيًّا، بل رياء، لاسيما في المجتمعات التي تُعتبَر "دينية". 3. ليس "الإكراه في الدين" ضد الإيمان فقط، بل هو أيضًا ضد الدين، أي ضد الشرائع المنبثقة عنه. 4. إن الإسلام والإيمان لا يتماهيان، بل ليسا مترادفين، إذ يمكن القول: أ. الإسلام هو دين يشتمل على العقائد الإيمانية وعلى العبادات والمعاملات والشرائع، وينطوي على جهود إنسانية تتلاقى مع عمل الله في البشرية، بينما الإيمان هو العلاقة الحميمة بين الإنسان والله، وهو عطية مجانية تكون فيها المبادرة لله والتجارب للإنسان، فيمارسه المسلم من خلال الدين، ولكن من غير أن يتجمد أو ينحصر ضمن حدود الدين وحرفيته. ب. يمكن للمسلم أن يمارس العبادات والشرائع الإسلامية من دون أن يكون مؤمنًا إيمانًا حقيقيًّا بالله الذي "لا إله إلا هو" و"ليس كمثله شيء"، بينما "المؤمن" يمكن له أن يكون مسلمًا، مسيحيًّا، يهوديًّا، مجوسيًّا، إلخ. نتائج هذه التمييزات: ويمكن من خلال هذه الآيات استخراج النتائج العملية على صعيد العالم، ومنطقتنا، وبلادنا: 1. في العالم: لقد تكاثرت الأديان، ومافتئت تتكاثر، وأخذت الأديان الكبرى (لاسيما "التوحيدية" منها) تعيد النظر في الشؤون الدينية وفي طريقة تفاعلها مع الحداثة والديموقراطية والعَلمانية والتعددية والتنوع والنسبية والتطور المستمر؛ كما أخذت تتساءل عما إذا كان الإيمان الحقيقي بالله يتوافر لدى الكثيرين. ويجيب أكثر الباحثين الموضوعيين بالنفي، أو بالشك على الأقل. وقد أخذ الوعي ينمو عند مَن يسمونهم بـ"التقدميين" أو بـ"المنفتحين" في كلِّ دين، فيكتشفون أن التدين أقل أهمية من الإيمان، وأن دوافع التدين فيها الكثير من الشوائب التي تجعل من التدين مظهرًا اجتماعيًّا، سياسيًّا في بعض الأحيان، لا دخل للإيمان فيه، فيرددون آية القرآن من سورة الحجرات: "قولوا: أسلمنا، ولمَّا يدخل الإيمانُ قلوبكم". 2. في المنطقة: في المشرق العربي، حيث الأكثرية تدين بالإسلام، وفضلاً عما ذُكِر، ثمة مهمة يوردها الكثيرون من المسؤولين الدينيين والمحلِّلين الاجتماعيين والسياسيين في وسائل الإعلام، فيندِّدون بالخلط بين الدين ومظاهره وبين الإيمان ومتطلباته الروحية. 3. في بلادنا عند المسيحيين وفي المسيحية: يكفي، للدليل على ذلك، أن نقتطع من مقدمة الإرشاد الرسولي، الذي أُعطِيَ في بيروت بعد نهاية "السينودُس من أجل لبنان" بمناسبة زيارة البابا يوحنا بولس الثاني الراعوية في 10 أيار 1997 الفقرةَ التالية ونتمعَّن في مضمونها. يقول البابا الراحل: عندما دعوت في 12 حزيران 1991 سينودُس الأساقفة إلى جمعية خاصة من أجل لبنان، كان وضع البلاد مأسويًّا، ولبنان مزعزَعًا تمامًا في مقوماته كلِّها. فدعوت الكاثوليك المقيمين على هذه الأرض إلى المباشرة بمسيرة صلاة وتوبة واهتداء، تتيح لهم أن يتساءلوا أمام الرب عن أمانتهم للإنجيل، وعن التزامهم الفعلي في اتباع المسيح. وكان على الرعاة والمؤمنين[1]، من خلال عودة إلى الذات يقومون بها عن وعي وإيمان، أن يتمنكوا من تمييزٍ أفضل وتحديدٍ أدق للأولويات الروحية والرعائية والرسولية التي عليهم تعزيزها في وضع البلاد. (ص 5 و6) وتنتهي المقدمة بهذه التوصية: "واصلوا تحكيم العقل الناقد، وكونوا طيِّعين لعمل الروح القدس، واستلهموا إنجيل ربنا [...]." (ص 11) في هاتين الفقرتين حُكْم ضمني على "وضع الكنيسة الكاثوليكية الراهن في لبنان" الذي سيفصِّله الجزء الأول من الإرشاد الرسولي، وفيه: 1. إن على الكاثوليك أن "يصلُّوا ويتوبوا ويهتدوا": ويعني ذلك أنهم – وهم الذين يظنون أنفسهم على "الصراط المستقيم"! – قد يكونون على بعض التدين أو الكثير منه، وقد يمارسون دينيًّا، ولكن ينقصهم الإيمان الفاعل الذي عبَّر عنه البابا بـ"التوبة" و"الاهتداء". 2. إن البابا يطالب الكاثوليك بأن يصبحوا "أمناء للإنجيل" وأن "يلتزموا فعليًّا" – وهذان تعبيران عن الإيمان الجدي. 3. إن على الرعاة أنفسهم أن "يعودوا إلى ذاتهم"، هم وسائر "المؤمنين"، لأجل "تحديدٍ أدق للأولويات": ويعني ذلك أنهم لم يكونوا محدِّدين لها، سواء على الصعيد الروحي أو على الصعيد الرعائي أو الرسولي. 4. وأخيرًا، المطلوب من الجميع "تحكيم العقل الناقد"، و"طاعة الروح القدس"، و"استلهام الإنجيل"، أي استكمال عناصر الإيمان وعدم الاكتفاء بالممارسات الدينية "الروتينية". 3. عند المسلمين والإسلام: في أثناء اعتكافي بين 1992 و1999، أتيح لي أن أستمع إلى الإذاعات الدينية الإسلامية، وفي الآونة الأخيرة، أن أشاهد على الشاشة بعض أقطاب علماء الدين المسلمين، فوجدت أن الكثيرين منهم يشدِّدون على ضرورة تجاوُز الاكتفاء بالعبادات الخارجية من دون أيِّ مضمون روحي وإيمان، أكان ذلك في صوم رمضان أو صلاة الجمعة أو سائر العبادات الأخرى. أما بعضهم فكان ينسب حال الضعف السياسي وسيطرة الغرب على معظم البلدان الإسلامية إلى الابتعاد عن "الدين الصحيح" وعن "الصراط المستقيم"، أي الإيمان، والاكتفاء ببعض العبادات السطحية. وهم كثيرًا ما يردِّدون الآية: "يا أيها الذين آمنوا، لم تقولون ما لا تفعلون؟ كَبُرَ مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" (الصف 2-3). والبعض الآخر لا يكتفي بالتمييز بين الإيمان والإسلام، بين الباطن والظاهر، فيذكِّر بالحديث الذي يزيد عليهما البُعد الثالث والأسمى، وهو الإحسان. وقد يكون هذا تأويل الآية التالية: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات [نطاق الإيمان والدين]، ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا [أي أحسن من الإيمان والتقوى = الدين]، والله يحب المحسنين (المائدة 93) كما يفسرون الآية: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" (النحل 90) بأن العدل هو مجال الدين والإيمان، بينما الإحسان هو التوق الدائم إلى ما هو أحسن من العدل، وقد يكون اسمه "المحبة"، لأنه كما قيل: "قياس المحبة أن تكون بلا قياس"، "بلا حدود"، أي دائمة النمو من حسن إلى أحسن! الإيمان حاجة إنسانية ضرورية حاجات الإنسان كثيرة، ويمكن إرجاعها إلى ثلاث فئات: 1. الحاجات الجسدية، كالحاجة إلى الأكل والشرب، إلى الحركة والراحة، إلى العمل والنوم؛ 2. والحاجات النفسية، كالحاجة إلى الأمن والاطمئنان، وإلى كلِّ ما يلبِّي غريزة البقاء، أي الغريزة الأساسية عند الإنسان، والحاجة إلى اعتراف آخرين وتقديرهم ومحبتهم، والحاجة إلى كلِّ ما ينمي الطاقات الفكرية والعاطفية والابداعية؛ و 3. الحاجات الروحية، التي يختصرها بولس الرسول بثلاث: "الآن يثبت الإيمان والرجاء والمحبة – هذه الثلاثة، وأعظمهن المحبة." (1 كورنثوس 13: 13) الحاجات الجسدية والنفسية يعيها الإنسان عادة، لأنها، عند عدم تلبيتها، تنبِّه إلى وجودها بإشعاره بالنقص أو الألم. أما الحاجات الروحية، فلا وعي بها عند الكثيرين؛ وإذا كان ثمة حدس بوجودها، أو ممارسة لها، فلا يتم التعبير عنها لعدم معرفة جوهرها وأهميتها. فالإيمان، مثلاً، يمارسه كل إنسان في جميع جوانب حياته من دون أن يسمِّي ذلك إيمانًا. فهناك: - إيمان الأولاد وثقتهم بأمِّهم وأبيهم، من دون براهين عقلية بأنهما يحبانهم ويريدان لهما الخير، وهذا يبني شخصيتهم؛ و - إيمان الزوج بالزوج وثقة الواحد بالآخر، فيقال: "الحب أعمى"، أي بلا براهين. الإيمان، إذن، ضروري لأيِّ إنسان حتى يعيش مع الآخرين ويتعامل معهم. والإيمان ضروري حتى للرجاء والمحبة: فالرجاء هو الإيمان بالمستقبل، بأن الله كائن في المستقبل، وأن الإنسان قادر أن يتطور في المستقبل. و"المحبة" ليست كالحب البشري الذي يمر عبر الحواس: هي علاقة مع الله غير المنظور، وهي في حاجة، إذن، إلى الإيمان بالله. خاتمة الدين بلا إيمان لا قيمة له، بل قد يكون رياءً وغشًّا، يُستعمَل لمصلحة ذاتية أو فئوية. والإيمان، أي العلاقة الحميمة مع الله، لا يمكن له أن يوجد من دون دين، أي من دون ترجمة على أرض الواقع بالعبادات والمعاملات. لذلك فإن المسيحية والإسلام إيمان واحد تجسَّد في دينين مختلفين. وليس المطلوب من إيمان كلٍّ منهما أن يتصارع مع إيمان الآخر، بل أن يتحاورا ويتعاونا ويتكاملا. فكما يقول القرآن: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات 13)؛ ولكلِّ وجهة هو مولِّيها، فاستبقوا الخيرات (البقرة 148)؛ وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (المائدة 2) وكما يقول الإنجيل: سمعتم أنه قيل: "أحبب قريبك وابغض عدوك." أما أنا فأقول لكم: "أحبوا أعداءكم، وأحسِنوا إلى مَن يبغضكم، وصلُّوا لأجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم [...]. فإنه يسطع شمسه على الأشرار والصالحين، ويُمطِرُ على الأبرار والظالمين. فإنكم إنْ أحببتم مَن يحبكم فأي أجر لكم؟ (متى 5: 43-46) *** *** *** [1] هذا التعبير، الوارد في نصِّ المجمع الأصلي وفي الترجمة العربية، فيه خطأ (أو التباس على الأقل). فكأن المسيحيين فئتان: الرعاة والمؤمنون، والرعاة غير مؤمنين! والأصح أن تكون الترجمة والأصل: "الرعاة وسائر المؤمنين". |
|
|