مقدمة
يعتبر الاتجاه الأداتي امتدادًا طبيعيًا للمدرسة البراغماتية التي
يمثلها الفيلسوفان الأمريكيان تشارلز بيرس (1839 – 1914)، ووليم جيمس
(1842 – 1910). وقد نظرت تلك الفلسفة إلى المعرفة باعتبارها تعبيرًا
ذاتيًا ونفعيًا عن العالم. فالحقيقة هي التصور الذي نحققه فنجعله
صادقًا بتصديقنا إياه، وبالتالي فإن المعرفة هي اختراع شيء جديد،
كاكتشاف شيء سبق وجوده، ولكن هذا الاختراع ليس اختراعًا تعسفيًا، بل هو
كالاختراع الصناعي الذي إنما يتقدم بفضل فائدته العملية فقط. فالقضية
الصادقة هي التي تزيد من سيطرتنا على الأشياء، ونحن نخترع الحقائق
لنستفيد من الوجود، كما نخترع الأجهزة الصناعية لنستخدم القوى
الطبيعية، فمثلاً دوران الأرض لا يستند إلى تجربة بمعنى الكلمة، لكنه
عبارة عن فرض مفيد في تصور الظواهر، وهو أكثر فائدة من فرض دوران الشمس
حول الأرض، لذلك تحول هذا القانون إلى قانون علمي.
تفترض
نظرية المبادئ والمتغيرات
Principles and Parameters
أو ما تعرف اختصارا ب&ب
(P&P)
وجود مبادئ عامة لعمل اللغة، وتفترض وجود أساس بيولوجي لهذه المبادئ
(مما يفسر وجود الظاهرة اللغوية عند كل البشر)، ومن أهداف النظرية
تحديد هذه المبادئ العامة أو الكلية (النحو الكلي،
Universal Grammar،
أو
UG)
وتحديد المتغيرات التي تتنوع عبرها اللغات. فبالنسبة إلى ب&ب
جميع الفروق بين اللغات ما هي إلا اختلافات ظاهرية وكل هذا التنوع
محكوم بعدد من المتغيرات التي تتفاعل مع المبادئ العامة أو النحو الكلي
لتعطي الإنكليزية أو العربية... فتهدف النظرية لإيجاد هذه المبادئ
والمتغيرات بحيث تظل النظرية مترابطة وبأبسط شكل ممكن مما يساعدنا على
فهم، ولو جزئيًا، عمل اللغات وكيفية اكتسابها. وبذلك نكون قد حللنا
لغزًا من أهم ألغاز الدماغ إذا لم يكن أهمها على الإطلاق. فالسطور
التالية ترصد بشكل العام التطور
المنهجي للنظرية الأساسية في اللسانيات الحديثة أي النظرية التوليدية
Generative Enterprise
وتركز على الانتقال/الطرح الذي جرى من نظرية ب&ب باتجاه برنامج عمل
(بالمعنى الابستمولوجي للكلمة) أوسع هو البرنامج الأدنوي في اللسانيات
Minimalist Program In Linguistics.
التعليم الحواريُّ هو نهج تعليمي يختلف جذريًا عن سبل التعليم
الواحدية. وتَصف اليوم جميع الأنظمة التعليمية ذلك النهج الواحدي في
التدريس بأنه نهج يكون فيه رأي وفكر المعلم متسيِّدًا بشكل مطلق في
غرفة الصف. يكون هدف الكتب المدرسية في النهج الواحدي جعل الطلبة
يتكلمون ويكتبون "بشكل صحيح"، ويكون وقت الدروس قصير لدرجة تخلق عقبات
أمام المعلمين تمنعهم من تغطية كل النقاط "المهمة" المفروضة في المنهاج
المدرسي والمؤسسة التعليمية. في المقابل، في النهج الحواريِّ يتشارك
المعلم والطلبة في التحكم بعملية التعلم والتعليم، وتكون آراء الطلبة
مهمة وقيمة. ويسير التعليم الحواري في الصف بتقسيم الطلبة إلى مجموعات
تتمرن على "الحديث الاستطلاعي" و"التفكير العقلاني" ويكون هذان الأمران
هما الهدف من وراء تبادل الآراء. وتبادل الآراء يكون على نحو لا يُعنى
بانتصار رأي على رأي آخر. ويصبح هنا دور المعلم هو تسهيل العملية
الحوارية دون أن يحكم على ما يراه. فدوره هو أشبه بدور المرشد. ويمكن
وصف التعليم الحواري بالكرنفال حسب نظرية باختين. ففي الكرنفال لا توجد
أي سلطة عليا. تبيِّن هذه الدراسة كيف يمكن لأفكار باختين المختلفة في
نظرية الحوارية أن تمهد الطريق نحو إطار عمل نظري فعال في التعليم
والتعلم.