|
إضاءات
شارل
دُه مونتسكيو هو مؤلِّف
الكتاب الشهير روح الشرائع الذي كان
رفاعة رافع الطهطاوي قد عرَّبه منذ فجر
النهضة العربية الحديثة؛ وهو أيضًا مؤلِّف
العمل الشهير الرسائل الفارسية الذي
تُرجِمَ إلى أغلب اللغات الحية، حيث قدَّم
صورةً للمجتمع الفرنسي، بكلِّ "غراباته"،
عبر ملاحظات مسافرَين فارسيَين دوَّناها عن
فرنسا في رسائل وجَّهاها للأهل وللأصدقاء. فقد كانت
الكنيسة الكاثوليكية تقدِّس اللغة
اللاتينية، لغة الدين والعلم في العصور
الوسطى، وكانت تعتبر اللغات العامية أو
الشعبية "لهجات منحطة". وكان أول ما فعله
لوثر في عصر النهضة هو ترجمة الكتاب المقدس من
اللغة اللاتينية إلى اللغة الألمانية
الدارجة، وذلك في غضون الأعوام 1522-1530، وكان
يعتبر أفضل قاموس في العالم هو قاموس
الأمَّهات في البيوت والأطفال في الشوارع
والرجل العادي في السوق. وهو القاموس الذي
استفاد منه في الترجمة، والذي أبدع من خلاله
غوته وشيللر وهُلدرلِن، من بعده، روائع الأدب
الألماني العالمي. -
ألم
يحن الوقت لأرباب الحرب أن
يتقاعدوا عن حروبهم الدامية وعن استثمار
الغيب لتشويه روحانية الإنسان وإعداد
القرابين للمجهول؟ -
ألم
نشعر، نحن المسلمين، بثقل هذه القرابين
إنسانيًّا ووجوديًّا وبأننا لم نحصد من
ورائها إلا "المجهول" العالق في
ذاكراتنا الممتلئة بالبطولات الفارغة؟ -
متى
يأتي الوقت الذي يكتفي فيه "الرب" بهذا
القدر من الذبائح على دكَّة "الدين"؟ –
هل هو سؤال مقيَّض له أن يبقى بلا إجابة؟!
مَن
يلوذ بالعقل ومَن يحتمي
بتصوراته ومفاهيمه؟ هل يقف العقل على الجهة
المقابلة – أقصد في وجه الخرافة والأسطورة –
أم أنه يتبضَّع حمولتَه "البريئة" في
معظمها من التراث؟ أنا لا أقصد الجواري أو "ملك
اليمين" وإعلاء الذكورة والمنبرية اللغوية
المجوفة وغير ذلك. فأنا لا أريد للعقل أن
يتردد أمام قضايا العدل والمساواة وأنْ لا
فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، سواء كان عبدًا
أو سيدًا. نحن عادة لا نسأل كثيرًا في شأن هذه
الخروق الصغيرة لأننا أشد انشغالاً بالنصِّ
الخطابي وحده. لن نسأل عمَّن سرق أو قتل أو زنا
أو أثار الفتن والحروب، عمَّن خان وتسلَّط
وسام الرعية الخسف والويلات – فهذا كله غير
مهمٍّ إذا قال النص كذا وكذا باسم "مصلحة
الأمة"! نحن دائمًا نسكت ونتغاضى لخاطر
الصالح العام؛ دائمًا لدينا "صالح عام"
يؤجل عمليات المحاسبة، ودائمًا لدينا "مرحلة
حرجة" تمر بها الأمَّة – ولا ساعة مرت دون
مرحلة حرجة! فهناك طبقة قعدت وتغاضت متذرعةً
بمبررات مزعومة أو مفتعلة؛ أي أنها قعَّدت
المظالم ومظاهر النفاق. العولمة
ليست مؤامرةً كبرى، ولا
مخططًا استعماريًّا خبيثًا، ولا بلاءً
محضًا، بل هي واقع موضوعي أنتجه العقلُ
البشري. وهو يعج بالتحديات ويفرض نفسه، بحيث
لا يمكن لنا تجاهُله ولا تجاوُزه (نحن نفرِّق
هنا بين العولمة، كواقع موضوعي، وبين
العولمة، كإيديولوجيا). ومسألة الهوية
تثور في مقابل العولمة، لأنها تفرض للهوية
معنًى جديدًا. ومهما قيل عن الزمان والمكان
الذي دخل فيه المفهومان وعي البشر، فإن
الحقيقة المهمة التي يجب استحضارُها دائمًا
هي أن العولمة، كواقع موضوعي، هي خلق إنساني،
وأن هذا الخلق الجديد هو الذي أثار موضوع
الهوية وأدخلَه وعي البشر بهذه الطريقة
الصاخبة (صاخبة في مجتمعاتنا، لأننا لم نحسم
خياراتنا الثقافية حسمًا نهائيًّا)، بما أحدث
من تغيير في معنيَي الزمان والمكان. العولمة
تحدٍّ للهويات الجماعية. ويمكن لنا القول إن
صراع العولمة والهوية مشكلة عالمية على
مستويات مختلفة. لكن الثقافات الحية
تستطيع التكيف بإعادة بناء الهوية من أفق
العالمية، بصياغة إستراتيجيات إنسانية.
النقاطُ التي
نثيرها هنا تدور حول الأزمة الشاملة التي
يعاني منها المجتمعُ العربي، ويمكن لنا
اختصارُها في أسئلة ثلاثة: -
أولاً: ما
هي الأسباب التاريخية والاجتماعية التي أدت
إلى أزمة الوضع الراهن؟ -
ثانيًا: كيف
يمكن تحليل الوضع الراهن بنيويًّا، أي من
خلال الأسُس والعلاقات الداخلية، لا من خلال
العوارض الخارجية فحسب؟ -
ثالثًا: ما
العمل؟ كثيرًا ما
نتأفَّف من انهيار المجتمع حولنا، من غياب
الدولة أو هزالة العائلة. أي منَّا يخشى على
نفسه وعلى أولاده من السقوط العميم، من ظلم
الدول للدول – فهذه كلها تلحق به لأنه يسبح في
هذا البحر الهائج، وعسير عليه جدًّا أن يعزل
نفسه عن العاصفة. هذا يذكِّرني بهياج المياه
التي غرَّقتْ عشراتِ الآلاف في جنوبيِّ آسيا
وشرقيِّها. ما عسى الذين كانوا تحت المياه
يفعلون إلا أن يغرقوا؟! عندما ابتدأ الاعتصام
والتخييم في ساحات الـDowntown وأرصفته في الأول من
كانون الأول من العام المنصرم [2006]، شعرت،
كغيري، بخطورة هذا الخيار وبتسارع تعميق
الشرخ المتنامي في بنيان الاجتماع اللبناني
وبالانقسام الإضافي الذي سيتسبب فيه.
|
|
|