إضاءات

أيار 2015

May 2015

 

 

مقدمة:

عندما نتحدث عن اللاعنف في التربية علينا أن ندرك أن تصرفات الطفل هي مرآة لسلوكنا كبالغين، فالبالغين لديهم معتقدات عن مفهوم التربية والطفل بمقدار ما لديهم من تجارب وخبرات، تكون مسؤولة عن شكل السلوك المتبع للتواصل مع الأطفال، والذي بدوره يؤثر على شكل ردة فعل الطفل، فبقدر ما تكون هذه المعتقدات إيجابية يكون السلوك إيجابي، وبالتالي تكون ردة فعل الطفل إيجابية، وبالعكس.

 

 

قتلَ الرومانُ أرخميدسَ. بعد ذلك بقليل قتلوا اليونانَ، كما كان الألمانُ سيقتلون فرنسا لولا إنكلترا. لقد اختفى العلْم اليونانيُّ اختفاءً كاملاً. ولم يبقَ منه شيءٌ في الحضارة الرومانية. وإذا انتقلَت منه الذكرى إلى القرون الوسطى فكان ذلك مع الفكرة المسماة غنوصية [عرفانية] في أوساط تعتمد المسارَرة [التنسيب]. وحتى في هذه الحالة، يبدو أنه كان هناك فقط حفْظ وليس استمرارية خلاَّقة: ربما باستثناء ما يتعلق بالخيمياء الذي نعرِف عنه القليلَ القليل.

مهما كان من أمر، في المجال العام، لم يُبعَثِ العلْمُ اليوناني إلاَّ في بداية القرن السادس عشر (إلاَّ إذا كان هناك خطأ في التاريخ)، في إيطاليا وفرنسا. وحقَّق بسرعة كبيرة انطلاقةً مذهلةً فاجتاح الحياةَ كلَّها في أوروبا. اليوم تحمل جميعُ أفكارنا تقريبًا وعاداتنا وردودِ أفعالنا وتصرُّفاتنا جميعًا علامةً تطبعها روحُ هذا العلْم أو تطبيقاته.

 

 

في مثل هذه السنة وهذا الشهر من القرن الماضي، أقدمت حكومة «تركيا الفتاة»، بدافع قومية شوفينية، على مجزرة ضد مواطنيها من الأرمن، أودت بحياة أكثر من مليون نسمة. مجزرة لا تزال الحكومة التركية تكابر في نفيها، ولا تزال دول «العالم الديموقراطي» تراوغ في فرضها. مجزرة استكملها «المستنير العلماني» كمال أتاتورك، حين أقدم على تطهير عرقي شامل أدى إلى طرد ملايين عدة من غير الأتراك المسلمين من ديارهم الأصيلة: ثلاثة ملايين من الأرثوذكس الناطقين أيضًا باليونانية، مئات الآلاف من الأقليات الآشورية والسريانية والكلدانية والمسيحيين العرب فضلاً عن بقايا الأرمن. ترافق ذلك مع الاستيلاء على أراض سورية تقع على امتداد سفح جبال طورس الجنوبي كانت حتى في عهد الدولة العثمانية التابعة لولاية حلب. وتمَّ ذلك بمباركة «الحلفاء» حين عمدوا، بهدف فصل تركيا عن حليفتها التاريخية ألمانيا لاستمالتها إلى جانبهم في صراعاتهم المقبلة، إلى تعديل قرارات «معاهدة سيفر» 1920، المنبثقة عن «مؤتمر فرساي» إثر الحرب العالمية الأولى، وفق رغبات أتاتورك في معاهدة لوزان 1923. وكانت آخر منطقة «مطهرة» لواء الاسكندرون وأنطاكية التي أهدتها فرنسا للدولة التركية قبيل الحرب العالمية الثانية. وتشير الوثائق التاريخية إلى أن هذا التطهير استمر حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، فشمل اليهود أيضًا. فأصبحت تركيا صافية العرق والدين، إلا من الأكراد الذين ساهموا في عملية التطهير، إلى أن انقلبت الدولة ضدهم. يمكن التأكد من ذلك بالرجوع إلى الوثائق التاريخية التي تتكاثر في هذه الأيام، وبعضها بقلم مفكرين أتراك تجاوزوا حدود الخوف (راجع مثلاً العدد الأخير من «لوموند دبلوماتيك»).

 

 

مات يوسف وجميع أخوته الذين أسكنهم في أرض جاسان التي يُفترض أنها تقع في منطقة دلتا النيل، ولكن ذريتهم نمت وتكاثرت جدًا. ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف، أقلقه تكاثر هؤلاء الغرباء وخشي إذا صارت حرب أن ينضموا إلى أعداء مصر، فوضعهم تحت الرقابة وسخرهم في أعمال البناء، فأشادوا للفرعون مدينتي مخازم فيثوم ورعمسيس. ولكن اضطهاد بني إسرائيل لم يعمل إلا على زيادة تكاثرهم، وهذا ما دفع الفرعون إلى إصدار أمرٍ بقتل كل مولودٍ ذكر يولد لهم (الخروج: 1). في هذه الأثناء:

 

 

أتحدَّث عن المدرسة في ما يلي بوصفها كينونةً اعتباريَّةً ومؤسَّسةً مستقلَّة.

أعلم أنَّه لا بدَّ من التَّمييز على أرض الواقع بين مدرسةٍ خاصَّة وأخرى حكوميَّة، وأعلم أنَّ المدارس الخاصَّة غالبًا ما تتبع أيضًا إلى مؤسَّساتٍ أوسع منها. لا يغيبنَّ عنَّا كذلك أنَّ المدارس الخاصَّة نفسها تخضع على العموم لأحكامٍ وقوانين عليها أن تتقيَّد بها... يعني هذا في المحصِّلة أنَّ حدود عمل وقرارات إدارة مدرسةٍ ما تبقى مقيَّدةً بطريقةٍ أو بأخرى. وإذا بدا أنَّني أقفز فوق كلِّ هذه الاعتبارات في ما يلي من حديث، فذلك أنَّني أتحدَّث عن المنشود أكثر من الرَّاهن، وعن المدرسة – الطموح أكثر ممَّا عن المدرسة في الواقع. وإذا كان تحقيق المنشود منوطًا بالجميع، فإنَّ ما أقدِّمه هنا هو دعوةٌ للتفكُّر موجَّهة إلى كلِّ شخصٍ بحسب موقعه وإمكانيَّاته، بدءًا من الأهل ومرورًا بالإدارات وأصحاب المدارس [أو أصحاب المؤسَّسات التي تضمُّ المدرسة] وصعودًا إلى الذين بيدهم القرارات الاستراتيجية في التربية والتعليم، محلِّيًّا وعالميًّا.

 

تمَّ اكتشاف أنقاض مملكة إيبلا القديمة في شمال سوريا في الربع الأخير من القرن العشرين على يد بعثة أثرية إيطالية بإشراف الباحث الآركيولوجي الآثاري الشهير باولو ماتييه، وتم العثور فيها على العديد من الألواح الحجرية المكتوبة بلغتين وهما لغة إيبلا (اللغة الآمورية السورية القديمة) واللغة السومرية. وهكذا تم العثور على أول قاموس مزدوج اللغة في التاريخ.

 

 

لعلَّنا نتفق جميعًا على أنه لا توجد معرفة بريئة، فالحياد النصيُّ وهم إيديولوجي والبراءة الفكرية ضرب من المستحيل، ما دام كلُّ خطاب معرفي يهدف – بالضرورة - إلى تمرير حمولة إيديولوجية. إن الإيديولوجيا ثاوية في الخطابات جميعها، وليس ثمَّة خطاب – من وجهة النظر هاته - يمكن أن يعرَّى تمامًا من الإيديولوجيا. في ضوء هذا الفهم سنحاول في هذا البحث إجلاء العلاقة الملتبسة بين المعرفة البلاغية والمطالب الإيديولوجية.

 

 

إنَّ القول بأنَّ إبراهيم شخصية تاريخية حقيقية أشبه بالقول بأنَّ "شتربة" في "كليلة ودمنة" شخصية تاريخية حقيقية!

على ضوء قصة "البيضة الذهبية" التي رواها أنتوني دو مِــلُّو في كتابه أغنية الطائر، أوضحنا في مقال سابق بعنوان "كيف نقرأ قصص الأنبياء؟* وجود مستويين على الأقل لقراءة القصص الديني:

1.    القراءة الحَرْفية، وهي قراءة متطرِّفة لا تتجاوزُ حَرْفية القصة، وهذه القراءة الحَرْفية ضربان:

·        قراءة متطرِّفة متقبِّـــلة تَـــتقبَّـــل المعنى الحَرْفي للقصة باعتباره حقيقة، وهي قراءة رجال الدين والمتديِّنين [بالمعنى الدارج لكلمة "متدِّين"]؛

·        وقراءة متطرِّفة رافضة ترفض القصة بأكملها باعتبارها سخافة منافية للمنطق وللخبرة البشرية، وهي وقراءة اللادينيين والملحدين والمؤمنين بعقيدة لا تقبل بهذه القصة؛

2.    القراءة التأويلية باعتبار القصة مَثلًا مضروبًا للعِبرة، أي باعتبارها حكايةً رمزية غير واقعية يجب تأويلها لفهم مغزاها. وقد أشار إلى هذه القراءة الواعية الباحث المصري محمد أحمد خلف الله عام 1947 في رسالة دكتوراه بعنوان الفنّ القصصي في القرآن الكريم رفضها الأزهر

 

 

كثيرًا ما شغلت علاقة دريدا بعصره نقاد وفلاسفة عصره، فانتقدوا أحيانًا صمته فيما يخصُّ العديد من القضايا الدولية الهامَّة كالقضية الفلسطينية وقضية الغزو الأمريكيِّ للعراق. كما انتقدوا غموض أفكاره وآرائه في أحيان أخرى. وبرَّر دريدا صمته بأنَّه لا يجد ما يقوله في كثير من الأحيان، وأنَّه لا يملك سلطة التأثير ولا التغيير أمام سلطة الإعلام الموجَّه الذي يؤثِّر في الرَّأي العام بقوة.

هذا لا يعدم انشغال دريدا بالمجال السِّياسيِّ، ويندرج ضمن إستراتيجيته التفكيكية التي وجَّهها إلى العقل السِّياسيِّ الغربيِّ وكشف التناقضات في مفاهيمه عن الديمقراطية والحوار والحرِّية، رابطًا ذلك بالأصل الذي نبعت منه هذه المفاهيم، ألا وهو الأصل الإغريقيُّ الذي لا تصلح بالضرورة كلُّ معانيه للغرب المعاصر، وللأقاليم المجاورة للغرب. ومثل هذا التفكيك السِّياسيِّ تشهد عليه كتب دريدا: "أطياف ماركس" و"مارقون" و"سياسة الصداقة" وكذا محاوراته الصحفية الكثيرة التي شكَّلت محاضرات ألقاها في كلِّ جامعات العالم، وخاصة في السنوات الأخيرة من حياته. فماذا قال دريدا أو ماذا استبق من أفكار في الشأن السِّياسيِّ؟

 

تحتوي المجتمعات الإنسانية على طبقات وفئات وتقسيمات واضحة لا يمكن تجاهلها، ويعمل الباحثون- منذ أمد بعيد- على دراستها وتقصِّي الأسباب التي تقود إلى مثل هذه الطبقيِّة الموسومة بتفاوت اجتماعي ظالم، محاولين تحديد الشروط التي تفصل بين فئة وأخرى وإبراز نتائجه؛ وهناك من يؤيد هذا التقسيم الذي كان وما يزال إشكاليًا، وهناك من يرفضه داعيًا إلى إحداث ثورة وتغيير على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي المقابل، توجد ظاهرة اجتماعية لم تخضع للكثير من الدراسة والبحث وتتمثل في معايير التمييز بين أشخاص "طبيعيين" أو "سليمين" أو "عاديين"، وبين أشخاص "معاقين" أو في حالة إعاقة. هنا، التمييز والتفريق والفصل والعزل ليس بين الطبقات أو بين المجتمعات، وإنما بين الأفراد أنفسهم. فانطلاقًا من معايير طبية و/أو اجتماعية و/أو ثقافية سائدة تُمارس المؤسسات هذا التمييز، ويُمارسه الأفراد، في كثير من الأحيان بشكل آليٍّ غير مُفكَّر فيه. وتأتي أهمية هذه المعايير، حسب ما يبدو، في قدرتها على الفصل بين أفراد يحوزون على نموذج "مثالي" صحة وسلوكًا وفكرًا وحتى هيئة عامة، وبين أفراد يخالفون هذا النموذج بسبب خلل أو ضعف ما؛ أي تقود هذه المعايير إلى إطلاق أحكام توصيفية و/أو قيمية إزاء الأشخاص مميزة بين أشخاص سليمين ومستقلين ومنتجين ومندمجين وأحرار، وبين آخرين يفتقرون لكلِّ ما سبق أو لجزء منه بشكل واضح أو غير واضح.

 

ثمة أقليات أخرى. الأحياء أقلية الأموات. المقابر في بلداننا حدائق نضرة العشب هذا الربيع، والحدائق مدافن. حولنا ووراءنا ميتات كثيرة، وموتنا الشخصي يتقدَّمنا إلى المستقبل. سنكون وحدنا المنتصبين سائرين بين القبور، في هذا الحاضر الدامي، بينما الجمهور الغفير المستلقي في ظلمات الأرض وظلمات الماضي لا يرانا. نفكر فيهم، ونقارن أعمارنا بأعمارهم المكتوبة أو المحفورة في الشواهد، ولا نقول (إذا لم يكن موظفو السجلات المدنية قد غيروا تواريخ ميلادنا) إننا انتبهنا إلى فراغ الطرف الثاني من العدد الذي سيلخصنا، وكيف ستأتي يد لتكتبه وتضع بين رقمين ذاك الفاصل الصغير الذي سيختزل حياة بأكملها.

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني