معيار التمييز بين شخص سليم وشخص معاق
دراسة ونقد
د. ماهر اختيار
تحتوي
المجتمعات الإنسانية على طبقات وفئات وتقسيمات واضحة لا يمكن تجاهلها،
ويعمل الباحثون- منذ أمد بعيد- على دراستها وتقصِّي الأسباب التي تقود
إلى مثل هذه الطبقيِّة الموسومة بتفاوت اجتماعي ظالم، محاولين تحديد
الشروط التي تفصل بين فئة وأخرى وإبراز نتائجه؛ وهناك من يؤيد هذا
التقسيم الذي كان وما يزال إشكاليًا، وهناك من يرفضه داعيًا إلى إحداث
ثورة وتغيير على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي
المقابل، توجد ظاهرة اجتماعية لم تخضع للكثير من الدراسة والبحث وتتمثل
في معايير التمييز بين أشخاص "طبيعيين" أو "سليمين" أو "عاديين"، وبين
أشخاص "معاقين" أو في حالة إعاقة. هنا، التمييز والتفريق والفصل والعزل
ليس بين الطبقات أو بين المجتمعات، وإنما بين الأفراد أنفسهم.
فانطلاقًا من معايير طبية و/أو اجتماعية و/أو ثقافية سائدة تُمارس
المؤسسات هذا التمييز، ويُمارسه الأفراد، في كثير من الأحيان بشكل
آليٍّ غير مُفكَّر فيه. وتأتي أهمية هذه المعايير، حسب ما يبدو، في
قدرتها على الفصل بين أفراد يحوزون على نموذج "مثالي" صحة وسلوكًا
وفكرًا وحتى هيئة عامة، وبين أفراد يخالفون هذا النموذج بسبب خلل أو
ضعف ما؛ أي تقود هذه المعايير إلى إطلاق أحكام توصيفية و/أو قيمية إزاء
الأشخاص مميزة بين أشخاص سليمين ومستقلين ومنتجين ومندمجين وأحرار،
وبين آخرين يفتقرون لكلِّ ما سبق أو لجزء منه بشكل واضح أو غير واضح.
بناء على ذلك، يتولَّد لدينا عدد من الإشكاليات والأسئلة إزاء صور
المعايير هذه، ومنها:
ما هو المعيار؟ ومن أين يستمدُّ مشروعيته ومعقوليته؟ ومن هو الشخص
المعياري أو الطبيعي أو المألوف، وما هي الصفات أو الخصائص التي
تميِّزه عن غير المعياري أو غير الطبيعي أو الغريب؟ كيف يمكن تقسيم
الأشخاص إلى "سليم" و"معاق" ووضعهم داخل فئات جامدة مع العلم بأن قدرات
الإنسان متعددة ومتنوِّعة وليست جامدة؟ ألا يبدو معيار التمييز بين شخص
"سليم" وآخر "معاق" شبيهًا بقانون ظالم يحبس من يحمل إعاقة في فئة
جامدة متجاهلًا غنى الطبيعة البشرية والطاقات الكامنة التي تحملها، تلك
غير القابلة للقياس ولا للتصنيف الكميِّ أو لحساب الأعداد؟ ألا تعمل
مثل هذه المعايير على خلق حدود إضافية بين الأفراد بدلًا من تنظيم
حياتهم والتقليل من المعاناة التي تحيط بهم؟ سنحاول في هذه المقالة
الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال شرح معنى المعيار والبحث في مشروعيته.
وسنعرض بعض تعاريف الإعاقة وتوضيحات حول من يحملها لأجل مناقشة مدى
صوابية أو نسبية أو خطأ جوانب في المعايير الطبية والاجتماعية
والمؤسساتية التي تقود إلى ذاك التمييز- المقبول بشكل عام، والذي لم
يخضع للكثير من الدراسة والنقد- بين شخص "سليم" وشخص "معاق".
1-معيار، ومعياري
تُعرِّف الموسوعة الفلسفية العالمية المعيار
la norme
بأنه
يدلُّ
على القاعدة أو القانون أو الغاية، كما يدلُّ على النموذج أو على ما هو
مثالي[1].
ويشير المعيار في ميدان الاجتماع إلى
القواعد التي توجِّه الفاعلين الاجتماعيين [...] وتتضمن تعاليم المعيار
معنى وبُعدًا عامًا: فلا تكون قاعدة ما بمثابة معيار من دون الاعتراف
بها من قِبل عدد كثير من الأشخاص[2].
ويعرض قاموس الكامل في اللغة الفرنسية عدة معان للمعيار: ففي
الحديث، مثلًا عن الصحة، يبدو المعيار مجسِّدًا لِما هو "ضد المرض"[3].
وقد يبرز المعيار بوصفه "القدرة على العودة طبيعيًا [بعد الإصابة، أو
نتيجة مرض ما]: أي استعادة الصحة أو القدرة على استعادة الصحة"[4].
ويشير
المعيار من الناحية النفسية إلى أنه ليس لدى "الشخص أي اضطراب عقلي.
ويكون الضدُّ هو: الغبي، واللا متَّزن، والمجنون، واللا متأقلم،
والمريض العقلي"[5].
وبما أن المعيار هو حالة اعتيادية أو مألوفة، وبعيدة عن أي اضطرابات
تؤدي إلى خلل غير متوقع، فيمكن، أيضًا، تعريف المعيار بأنه
التقليد أو العُرف، أي هو كل ما ينسجم مع القواعد المقبولة من جانب
المجتمع. فالسلوك الجمعي وعقليته تعكسان أحكام قيمية واجتماعيّة. ويكون
الضدُّ هو الغريب، والفردي، وغريب الأطوار[6].
وبالنتيجة، وبحسب هذا القاموس، فإن الشخص المُنسجم مع المعيار هو "كلُّ
مَنْ يتأقلم مع نماذج جماعته أو مع نوعه، وهو من لا يخضع للتغيير"[7].
بدوره، يشرح القاموس الثقافي في اللغة الفرنسيّة المعيار
la norme بأنه "طريقة في
التصرف وفي التفكير، تبدو غالبًا عامة. ويتمُّ استحسان هذه الطريقة
اجتماعيًا ومعاقبة من يخالفها، وذلك بناءً على مرجعية مُبطَّنة أو
ظاهرة. كما يُعدُّ المعيار أحد المراجع الواجب الرجوع إليها، مثل
القانون، والقاعدة، والحقِّ"[8]. هذا في حين تعرِّف
فيغونيك بيلون المعايير بأنها
تمثِّل صورًا من البنية ومن التماسك ومن التنظيم الاجتماعي؛ كما تجسِّد
المعايير من وجهة نظر المجموعات الاجتماعية، التوجيهات والمعالم
ومرشدات السلوك الاجتماعي [...] إنها ضمانة الحياة الاجتماعية[9].
إذًا يبدو لنا، من خلال المعطيات السابقة، أن معيار التمييز بين شخص
"سليم" وآخر "معاق" هو بمثابة القانون أو القاعدة أو النمط الذي يشير
إلى المعدل الوسطي السائد بين الناس، ويبلور أيضًا ما هو مثالي. هذا
المعيار لا يخطئ، إذ هو يوجِّه الأفراد ويصوغ سلوكهم وأفكارهم، فهو
حاصل على تأييد السواد الأعظم من الناس. فمن الناحية الصحية، معيار
تمييز "السليم" هو، ببساطة، غير المريض أو هو البريء من خللٍ وضعف
دائمين، أو هو الشخص القادر على استعادة عافيته بعد إصابته بمرض ما؛
وهو من يحمل مرضًا مؤقتًا، أو بمعنى آخر هو الشخص الذي يقوده مرضه إما
إلى الشفاء أو إلى الموت. كما أن معيار التمييز بين الشخص "السليم"
و"المعاق" - دائمًا وفقًا للمعطيات السابقة - قائم على الفصل بين ما هو
جمعي وما هو فردي، وبين ما هو مألوف وسائد بين الناس وبين ما هو مختلف
وغريب الأطوار. بالنتيجة، ليس من الصعوبة بمكان تمييز الإنسان "السليم"
عن ذاك المصاب بإعاقة ظاهرة أو غير مرئية[10].
إذًا، تبدو المعايير هي التي تميِّز الأشباه عن الأغيار؛ وهي التي ترسم
معالم الشخص الصحيح جسدًا وحواسًا وسلوكًا وعقلًا وتعزله عن حامل الضعف
والخلل والفساد. وهي تساعد وتقود أيضًا إلى امتلاك توازن شبه دائم في
ميدان الصحة الجسمية والنفسية والعقلية، وفي ميادين المجتمع والاقتصاد
والسياسة؛ وما يخالفها هو غير المنظم وغير المتوازن بشكل دائم أو شبه
دائم. لذلك دعونا الآن نبحث في فكرة مَن هو، تحديدًا، الإنسان
المعياري، أو النموذجي، أو الطبيعي، أو ما يدعى بالإنسان "السليم" من
أجل توضيح صفات الشخص الذي يخالف المعيار وما الذي يميزه.
يشرح قاموس لاغوس معنى "معياري"
normal بالقول:
1.
هو الذي يتلاءم مع القاعدة العامة؛ أو هو الشيء المنبثق من طبيعة
الأشياء [كما ألفناها]، مثال: حجم هذا الطفل طبيعي أو مألوف قياسًا
لعمره.
2.
هو كلُّ من لم يتأثر بأي تشوُّه، أو بأية آفة، أو بأي اضطراب محسوس يؤدي إلى تغيير في الشكل، أو
ينتج خللًا وظيفيًا. مثال: حالة القلب طبيعية.
3.
- هو كلُّ ما يتفق مع ما هو مألوف، ومع ما هو مُتوقع؛ وهو كلُّ ما لا
يؤدي إلى مفاجأة، مثال: كلُّ شيء عاد طبيعيًا بعد الأزمة [ الصحية أو
السياسية ..الخ]، ومثل ما هو مألوف[11].
وهناك مَن يشرح من هو "سليم"، أو ما هو معياري بأنه
مَن
يبدو كما يجب أن يكون. والطبيعي أو المألوف هو ما نجده لدى الأغلبية،
أو ما هو موجود لدى أغلب الحالات المنتمية لنوع ما؛ أو هو الذي يؤسِّس
للمتوسط، أو للنمطية، أو لموديل من الصفات القابلة للقياس[12].
وتعزِّز قواميس أخرى هذا المعنى لدرجة أن الكامل في اللغة الفرنسية
يشرح الطبيعي أو المعياري بأنه
هو
الذي يكون مطابقًا لِما هو مُتكرِّر أو اعتيادي؛ وهو كلُّ ما هو خالٍ
من الصفة الاستثنائية [...] وهو أيضًا، المنسجم مع الحالات الأكثر
عمومية[13].
كما يكشف لنا جمعة سيد يوسف - من خلال معالجته لموضوعات تتعلق بالمرض
العقلي - بأن التخلف العقلي ناتج عن تراجع إزاء المتوسط العام للذكاء،
وأن هناك معايير محدَّدة تقود إلى تحديد الأشخاص المختلِفين،
والمُتخلِّفين عن اللحاق بمن يُنظر إليه على أنه شخص "سليم". يقول:
إن
التأخر العقلي هو "مستوى الأداء العقلي العام دون المتوسط، ينشأ أثناء
فترة الارتقاء، ويصحبه خلل في جانب أو أكثر من الجوانب التالية: 1-
النضج. 2- التعلم. 3- التوافق الاجتماعي[14].
إذًا، كلُّ مَن يكون دون المستوى المتوسط في نموه ونضجه الجسدي والحسي
والعقلي، أو في قدرته على التعلم مثل أقرانه، أو من لديه مشاكل في
توافقه مع وسطه الاجتماعي، فإنه يدخل في دائرة الأشخاص "غير العاديين".
كما يُبين الكاتب بأنه ليس من الصعوبة بمكان تمييز الأفراد المنحرفين
عن السليمين، أو عن الطبيعيين، لأنه توجد لدينا آليات متعددة تساعدنا
في تمييزنا هذا، ومنها التحديد الإحصائي بصدد السلوك العام والآخر
المضطرب. إذ يعتمد هذا التحديد "على نسبة تكرار أشكال هذا السلوك في
الجمهور العام. وعليه فالسلوك المضطرب هو الذي يحدث بشكل غير متكرر
نسبيًا، وغير شائع بين أفراد الجمهور[15].
بحسب ما سبق فإن الشخص المعياري أو "السليم" هو ذاك الذي يقوم بما هو
مُتوقع منه، أو هو الذي يفعل ما يفعله الكثير من الأفراد. بمعنى آخر،
الإنسان "السليم" هو صاحب الهيئة العامة والسلوك والفكر الذين يتضمنون
صبغة تكرارية بعيدة عن الاستثنائية. بالمقابل، الإنسان البعيد عن
المعيارية، وعن تلك الصفات المنسجمة مع المعيار السائد، هو الذي تأثر
جسده و/أو شخصيته بتشوه معين، أو هو الذي أصيب باضطراب يقود إلى تغيير
مرئي في شكله و/أو في سلوكه و/أو في فكره. والشخص غير المتفق مع معيار
السلامة والتوازن والصحة الدائمة هو الذي لا يقوم بما هو مُتوقع منه،
وهو الاستثنائي الذي لا يعزز من، أو لا يساعد في ترسيخ نمطية الشكل
العام، وفي تعزيز السلوك والتصرفات المقبولة اجتماعيًا وثقافيًا.
2-مفهوم الإعاقة و"المعاق"
بناءً على هذه الأفكار بشأن المعيار والمعياري، يتقبل الأفراد
والمؤسسات التعريفات السائدة حول الإعاقة وحول من يحملها من دون محاولة
تأمل محتواها وتفنيد بعض النقاط التي تتضمنها. فالمعيار يميِّز بوضوح
وبشكل غير قابل للنقاش الإنسان "السليم" أو المعياري من ذاك "المعاق"
أو البعيد عن المعيار. فدعونا، إذًا، نُلقي نظرة سريعة على نتائج قبول
وتقبُّل - من دون نقاش - ما يتضمنه المعيار والمعيارية من أفكار في
ميدان تعريف الإعاقة و"المعاق":
تُعرِّف، على سبيل المثال، منظمة الصحة العالمية الإعاقة بأنّها
تتعين
في
كلِّ قصور يعاني منه الفرد نتيجة الإصابة بمرض عضوي أو جسدي أو عقلي
يؤدي إلى حالة من العجز الذي لا يُمكِّنه من أداء واجباته
الأساسية معتمدًا على ذاته أو في ممارسة عمله والاستمرار فيه بالمعدل
الطبيعي.[16]
ونجد تعريفًا آخر للإعاقة ضمن التقرير الذي قدمته الهيئة
الفلسطينيَّة المستقلة لحقوق المواطن، إذ أشار فريق العمل إلى أن
الإعاقة تعني
قصورًا أو عيبًا وظيفيًا يصيب عضوًا أو وظيفة من وظائف [جسم] الإنسان
العضوية أو النفسية، بشكل يؤدي إلى خلل في عملية تكيف هذه
الوظيفة مع الوسط الاجتماعي[17].
كما شرح آلان بلان أنه
مهما
كانت طبيعة أو سبب أو درجة الإعاقة، فإن هذه الأخيرة تفترض وجود جسد
فيه عيب
défaillant، وتنطوي أيضًا (الإعاقة) على قيود وظيفية
fonctionnelles[...] وتتصف عيوب هذا الجسد بامتلاكه لإمكانيات متراجعة أو متأخرة
قياسًا عمَّا هو مُنتظر منها، أو قياسًا عما هو مُلاحظ لدى الآخرين في
المجتمع[18].
ويحاول بعض الباحثين، في تعريفهم للإعاقة، التطرُّق إلى جوانب أكثر
عمقًا قاصدين إبراز عناصر غير مرئية ضمن الإعاقة المرئية أو اللامرئية
وما ينتج عنهما. إذ يقول شارل كاردو إن الإعاقة
خليط
من الوحدة والتناقض: فيعني حضورها وجود علامة ظاهرة ومستمرة [تتأرجح]
ما بين المعيار
norme وما هو خارج المعيار
hors-norme، وبين التوازن واللا توازن، وبين الصحة والمرض. وتهدد الإعاقة
مرجعيتنا التقليدية، ويقيننا المُؤسَّس مسبقًا[19].
في حين يؤكد هنري-جاك ستيكير أن
الإعاقة تقود، بوصفها شكلًا من أشكال الغرابة، إلى حالة من الحدِّ أو
العتبة
liminalité
[...] وتجسِّد (الإعاقة) مرآة تعكس حالنا وما نحن
عليه، وتعكس أيضًا الجانب الذي لا نريد أن نكونه، أي ما لا نريد أن
يصيبنا[20].
وبدوره يشرح كييوم لوبلان أن المعاقين لديهم قدرات مختلفة وضيقة، وهذا
يعني "قدرات محدودة تعمل على تقليص أشكال الحياة"[21].
كما يشرح كريستوف دارجير وجهة نظره حيال الأسباب العامة التي تدعونا
للقول بأن شخصًا ما معاق:
يكون
المظهر الخارجي مدعاة لوصمة
stigmate [أو لمَطعن، أو لعيب] عندما يكون الجسد مشوَّهًا
difforme أو
غريبًا، وضامرًا
atropgié،
ومعقدًا. وتبدو صورة الإنسان كذلك (أي مدعاة للوصم من جانب الآخرين)
عندما تبتعد عما يُدعى بالصورة المرجعية
visage de référence (أي بحسب المعيار المألوف)[...]. ويبرز، أحيانًا، التشوُّه الجسدي
أو الحسي عند أول تقابل مع الشخص وقبل أي اتصال مباشر معه، إذ يمكن
ملاحظة التشوُّه عبر نظرة بسيطة لحركات أو إيماءات [شخص ما]، مثل المشي
المُتعثر لدى من لديه إعاقة حركية؛ والتردُّد لدى من لديه تشوُّه بصري؛
ولغة الإشارة لدى من لديه خلل سمعي[22].
نلمس الحضور القوي لمعيار التمييز بين الشخص "السليم" والآخر "المعاق"
في تعريفات هؤلاء الكتَّاب وشرحهم للإعاقة ولحالة من يحملها، ويمكننا
مما سبق استنتاج الآتي:
1-
تشمل
الإعاقة كل حالة تبتعد عن
المُعدل الوسط وما هو سائد في بيئة ما؛ والإعاقة هي حالة لشخص يفشل في
بلوغ الحدود الطبيعية المألوفة بين الناس؛ كما أنها وضع يُسبب لصاحبه
اضطرابًا في صحته ومرضه، أي وضعٌ لا يسمح برسم حدود واضحة بين صحة
الشخص وبين مرضه، بين توازنه ولا توازنه.
2-
من السهولة بمكان تمييز الشخص "السليم" من الشخص "المعاق"، لأن هذا
الأخير مختلف عن الآخرين. لا بل يمكن تمييزه من دون التكلم معه، فهو
يبدو مختلفًا عن الناس "العاديين" في شكل جسده، و/أو في وظائف حواسه،
و/أو في طريقة كلامه، و/أو في حضوره الاجتماعي والثقافي، و/أو بالقياس
لما هو مُتعارف عليه. بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الشخص "المعاق" إلى
وسائل حياة خاصة ومختلفة عمَّا يتطلبه الآخرون خلال حياتهم وأثناء
أدائهم لأعمالهم.
3-
يجمع مفهوم الإعاقة كلَّ شخص ليس لديه اكتفاء ذاتي، ويجد نفسه في حاجة
مستمرة إلى معونة الآخرين؛ ويتسع هذا المفهوم لكي يشمل أيضًا الأشخاص
الذين يجدون صعوبة في التكيُّف مع الوسط الذي يعيشون فيه. كما يتضمن
هذا المفهوم أشخاصًا محدودي الإنتاجية، وذلك لوجود عتبات أو حدود لا
يستطيعون، مهما اجتهدوا، بلوغها أو تجاوزها.
4-
يبدو الأشخاص "المعاقون" وكأنهم منتمين ﻠ"فئة" يقال - مسبقًا
وبشكلٍ شبه آلي غير مُفكر فيه - أن أفرادها محدودي القدرات
والإمكانيات، وهذا ما يجعلهم مختلفين عن الآخرين. ﻓ"المعاقون" لا
يقدِّمون ما هو مُنتَظر، عادةً، من أفراد المجتمع. بمعنى آخر، إن ما
يقدِّمونه من أعمال ومن نشاطات يبدو مختلفًا، كمًا وكيفًا وزمنًا،
قياسًا بما يقدِّمه "السليمون". فهم يشكِّلون "فئةً" تحتاج إلى
قوانين خاصة، وإلى مراكز عناية جسدية و/أو نفسية و/أو عقلية و/أو
اجتماعية خاصة، و/أو طرق متباينة ووسائل نقل مخصصة لهم دون سواهم. إن
هذا التباين وهذه الخصوصية اللتين تحيطان ﺒ"المعاقين" تعززان وترسخان
مضمون معيار التمييز بين "سليم" و"معاق"، فالاختلافات واضحة بينهما في
السلوك وفي نمط الحياة.
5-
يبدو بحسب وجهات النظر السابقة، أن "المعاقين"، من جهة أولى، ناقصو
الاستقلالية، ولا تتفق حالتهم، جزئيًا أو كليًا، مع معايير الصحة،
والجمال، أو تلك المتعلقة بالتوازن والانسجام الاجتماعي والنفسي
السائدين في مجتمع من المجتمعات. لذلك من السهل على المرء معرفتهم
والإشارة إليهم أو تمييزهم. فهم بحاجة دائمة ومستمرة إلى الآخرين، ولا
يستطيعون العيش من دون دعم عائلي أو مؤسساتي. ومن جهة أخرى، يتم تقبل
وجود أجسام "المعاقين" من دون الاعتراف بالقدرات الكامنة لديهم؛ إذ
يتمّ التعاطف معهم، كما فعل الأجداد، وكما نصت عليه نصوص الأديان،
وأوجبت قوانين الدول والبلدان، ولكن من دون إعادة التفكير، أو التساؤل
حول إمكانية صدق هذه المعايير النسبي، ومدى انسجامها الظرفي مع مرحلة
تاريخية من دون أخرى.
بعد هذا العرض المختصر لما يعنيه المعيار وما هو معياري، وبعد ملاحظتنا
للدور الجوهري الذي يؤديانه في بلورة تعريفات الإعاقة وتمييز الأشخاص
الذين يحملونها، نريد دراسة وإعادة مناقشة هذا المعيار الذي يعمل على
إحداث فصل جامد بين شخص "معاق" وآخر "غير معاق"، بين شخص "سليم" وآخر
"غريب" أو "غير عادي". فكما رأينا، إن معيار التمييز يقوم على أساس
الاختلاف الجسدي و/أو الحسي و/أو السلوكي و/أو العقلي بين الأفراد؛ أو
يُبنى على قاعدة التفريق بين الصحة وبين غيابها المؤقت أو الدائم؛
وهناك معايير تُحدِّد مَن هم الأشخاص "المعاقين" بناءً على قياس مدى
استقلالية الفرد، ومدى إنتاجيته، وإلى أي حدٍّ يتفق نمط حياته مع نمط
حياة الأفراد من حوله. بمعنى آخر، إن معيار التمييز هذا يقوم على فصل
الشخص الاستثنائي عن الآخرين القادرين على تعزيز النمطية السائدة في
مجتمع ما. لكن الأسئلة المُلِحَّة التي نريد الإجابة عنها هي: هل صدق
معيار التمييز بين شخص "سليم" وآخر "معاق" هو صدق مطلق؟ وهل يشمل كل
الأفراد والحالات والأوضاع من دون استثناء؟ أليست المعايير نسبية في
صدقها وفي تطبيقها؟ أليست إمكانية تفنيدها وتغييرها دليل على مقاربتها
للموضوعية، والعكس صحيح، أي إن شموليتها وإمكانية تطبيقها في كل زمان
ومكان وعلى كل الأفراد دليل على غياب حيادية قواعدها واستبدادية
أحكامها؟ ألا يتعارض غنى الطبيعة البشريَّة مع جمود معايير التمييز بين
شخص "سليم" وشخص "معاق"، ثمَّ ألا تتخطَّى "الطبيعة البشرية" الحدود
الموجودة في التعاريف، وقادرة على كسر القيود التي تفرضها القياسات
والإحصاءات؟
3-مناقشة ونقد
لأجل إعادة مناقشة المعيار الذي يتمُّ على أساسه فصل الشخص "السليم" عن
الشخص "المعاق" نريد الإشارة بدايةً إلى ما يلي: تبدو الكثير من
المعايير بمثابة قواعد تكافئ كل فرد يمتلك هيئة جسم وأطراف وحواس
مألوفة، ولديه نمط حياة ينسجم مع قواعدها وأحكامها، ولكنها تعاقب -
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - كل من يخالفها[23].
ولا يكون، بالضرورة، محتوى هذه المعايير ذو قيمة جمالية أو أخلاقية أو
منطقية لدى الفرد الفاعل، وإنما يتقيد أو يحاول أن يتقيد بما تُلزمه
المعايير سعيًا إلى نيل رضا الآخرين وتجنُّبًا لسخطهم. بمعنى آخر، يسعى
الفرد هنا - في امتثاله للمعايير - لأن يكون شكله العام وسلوكه وأفكاره
ونمط حياته مشابهين لما هو موجود لدى الآخرين، وليس مختلفين. إذ يتضمن
التشابه ومحاكاة الآخرين وتبنِّي أفكارهم قيمًا إيجابية لدى الفرد،
فالتشابه في الشكل والحركة والسلوك يجنِّبه العزلة والإقصاء، ويبعد عنه
النظرات المستهجنة أو المُشفقة. فعندما يكون الشخص شبيهًا بأقرانه،
شكلًا ومضمونًا، فيعني فيما يعنيه أنه لا داعي للخوف من، أو للتساؤل
حول، غرابة الـ "أنا" التي تعبِّر عنه. بالمقابل، نجد أن اختلاف شكل
الفرد وسلوكه يتضمن قيمًا أيضًا، ولكنها تبدو سلبية بشكل عام،
فالاختلاف يثير علامات الاستغراب لدى الآخرين؛ أولئك الذين يفضِّلون
التعامل مع أشباههم والابتعاد - خوفًا أو لا مبالاةً، وقصدًا أو عن غير
قصد - عن كل فردٍ يبدو غير طبيعي مقارنةً بما هو مألوف، أو عن كل فرد
يبدو شكل جسده وعدد حواسه لا يتفقان مع معيار الصحة ومعيار العقلية
السائدة. ويعني ما سبق أن الفرد يحاول أن يبدو وأن يتصرف - في امتثاله
للمعايير ولما تتضمنه من نماذج - سواءً كان مُدرِكًا ذلك أو غير
مُدرِك، بمقتضى بُعدٍ نفعي يساعده في تعزيز استقراره، وفي نيل الاعتراف
بوجوده جسدًا وذاتًا حرة وحاسة وواعية.
إن الامتثال للمعايير هو حالةٌ لا تتجزأ ولا تنفك عن حالة أخرى تفيد
بأن هذا الامتثال يتولَّد من رغبة الفرد بالانتماء إلى مجموعة اجتماعية
معينة، ومن ميله إلى الاندماج في شبكة من العلاقات الاجتماعية
والإنسانية. وخضوع الفرد للمعايير في هذه الحالة ليس، بالضرورة، نابعًا
من قناعته بصحة قواعدها وأوامرها ومقاييسها وأحكامها، وإنما من حرصه،
بشكل أساسي، على الاندماج ضمن، أو أن يكون مقبولاً من جانب، المجموع.
إذًا، لا ينتج - في كثير من الحالات - الامتثال للمعايير عن إجراء
محاكمة عقلانية من قبل الفرد، ولا بفضل أو بسبب قناعته بأهمية تبنِّي
المعايير وممارسة محتواها، وإنما ينتج لأن الفرد يريد أن يكون عضوًا
غير منفصل، أو غير منعزل عن السواد الأعظم من الناس[24].
لذلك تقول فيغونيك "يتمُّ فرض
المعايير من خلال، أو انطلاقًا من، العضوية الطوعية وتلك الإلزامية"[25].
تبعًا لما سبق، فإننا نلمس إشكالية واضحة بخصوص مسألة حيادية المعيار
وموضوعيته إزاء تمييزه بين شخص "سليم" وآخر "معاق"، لأنه يصعب الفصل
بين المعيار والقيم، أو بين ما هو كائن وما يجب أن يكون أو ما يجب أن
يسود في مرحلة زمنية معينة. إن الخلط بين التوصيف والتقييم، وتوظيف
المعايير لأجل دمج أو عزل الأفراد يحيلها (نقصد المعايير) إلى أدوات
جامدة وظالمة، وبعيدة جدًا عن مبدأ العدالة الاجتماعية. لذلك هناك من
يؤكد أنه "لا يمكن تجنب معنىً اعتباطيٍّ
arbitraire إزاء مسألة المعيار
والمعيارية [أو ما هو طبيعي]، وكل ما يتعلق بهذين المفهومين: فمع أن
الأصل في استخدامهما هو تقني، إلا أن لهما توظيف عام جدًا، وهما يقدمان
معانٍ متعددة، تتضمن بدورها الكثير من الغموض"[26]. بالمقابل، يحاول
بعض الباحثين توخِّي الحذر في تناول هذه المفاهيم؛ فهناك من يشرح، على
سبيل المثال، الحدود الفاصلة بين المعايير والقيم ويدعو لعدم الخلط
بينهما:
هناك
مقاييس تساعد على الفصل بين مفهومي القيم والمعايير: على سبيل المثال،
القيم بالأساس، متعدِّدة وسِجالية، في حين تسعى المعايير إلى الوحدة
والانسجام والانتظام. تكون القيم مُبرَّرة، أو بشكل أكثر تحديدًا، تكون
موضوعة انطلاقًا من شكل الحياة ومن طبيعتها، أما المعايير فهي مُصاغة
بعد اختبار عام. وتكون القيم ذات نظام غائي؛ في حين أن المعايير ذات
نظام أداتي[27].
انطلاقًا من أهمية هذا التمييز بين المعايير والقيم، نؤكد أن المعايير
المقترحة أو المفروضة لا تهدف "دائمًا وأبدًا" ولا يجب أن تهدف إلى
تحقيق قيمة ما. أي لا يمكن القول إن المعيار - الذي يميز بين الشخص
"السليم" والآخر "المعاق" - يُمثِّل، بشكل قطعي، الأداة التي تعزل
الخير عن الشر، وتفصل النور عن الظلام، وترسم حدودًا بين العلم والجهل.
ففي بعض الحالات تكون حالة اللامعيار أو الحالة التي تخالف المعيار
ضرورية لأجل تحقيق حالة تقود إلى إيجاد معيار مختلف؛ وربما ما يجده بعض
الأشخاص طبيعيًا وصحيًا وسليمًا ومتفقًا مع المعيار السائد، يكون لدى
آخرين غير طبيعي وغير سليم ويؤدي، لديهم، إلى حالة من اللاتوازن
واللاانتظام. إذًا، لا يتمُّ فرض كل المعايير من الخارج، ولا تقود
جميعها إلى ميادين الصحة والسلامة والتوازن العام؛ إذ يوجد، مثلًا،
داخل كل جسم معايير بيولوجية خاصة بكلِّ إنسان، وتكون المعيارية، أو
معيار الصحة والتوازن لدى هذا الأخير، مرتبطة بالبنية الخاصة لجسمه
ووظائف حواسه، وليس متعلقًا بمقاييس أو بمعايير موجودة في القوانين
ومفروضة من جانب مؤسسات صحية أو اجتماعية. ففي هذه الحالة، لا يحافظ
الفرد على توازنه وصحته واستقراره الخاص من خلال امتثاله لقانون أو
لمعيار خارجي موجود لدى الآخرين ومقبول من جانب العقلية السائدة، وإنما
ينجح في ذلك بفضل توازن داخلي يخصُّه هو ذاته، ومن خلال الحفاظ أيضًا
على انتظام بيولوجي وسلوكي ونفسي منسجم مع حالته هو، وليس مقارنة أو
قياسًا مع حالة الآخرين. إذ يستطيع، على سبيل المثال، الشخص الحامل
لإعاقة سمعية أو بصرية أو حركية أو اجتماعية امتلاك توازٍ معين تبعًا
لمعايير خاصة به تساعده على تحقيق استقرار واستقلالية شبه دائمين.
وتكون هذه المعايير مختلفة عن تلك السائدة، ولكن الاختلاف هنا ليس
مهمًا، فالأهم هو قدرة الشخص على أن يكون متَّزنًا وفاعلًا ومندمجًا،
وممارسًا لوعيه ولحريته في مجتمعه على الرغم من نمط حياته المختلف.
نجد، في هذا الصدد، أفكارًا مهمة لـ جورج كانغلهم
Georges
Canguilhem،
فقد ناقش هذا الفيلسوف والطبيب الفرنسي بعمق الحدود الفاصلة بين
الطبيعي والمرَضي، أو بين الصحة وغيابها، وبَرْهن على تعدُّدية الأبعاد
التي يتضمنها المعياري (الشخص السليم)، أو اللامعياري (الشخص المعاق)؛
كما أكَّد على تنوُّع معنى ما هو طبيعي أو ما هو لا طبيعي بحسب الظروف
وبحسب خصوصية وظائف كل عضو لدى الإنسان، وبرهن على تباين الحالات التي
يقال عنها إنها تتفق مع معيار الصحة أو تلك البعيدة عن ذلك. فأكَّد:
ما هو
معياري
normal بالنسبة لكائن طبيعي في ظروف معطاة ومحددة، قد يكون مَرَضيًا
pathologie في
ظرف آخر وحالة أخرى [...] إن الشخص ذاته هو من يحكم على حالته، لأنه هو
الذي يعاني في اللحظة التي يشعر فيها بعدم استقرار وظائف جسمه[28].
ويشرح في مكان آخر:
لا
تعني الحالة المرضية أو غير الطبيعية
anormal غيابًا تامًا للمعيار
norme. فالمرض
maladie هو أيضًا معيار في الحياة، ولكن قد يكون معيارًا أدنى [...بمعنى]
أنه لا يستطيع أن يتغير أو يتحوَّل إلى معيار آخر [أي، التحوُّل إلى
حالة معيارية أخرى][29].
إذًا، يجب، وفقًا لهاتين الفكرتين، فصل المعايير عن القيم، لأنها
(المعايير) نسبية ومتعدِّدة الجوانب والأبعاد. فلا ينبغي، بحسب
كانغلهم، مقارنة شكل أعضاء جسم شخص ما وعدد حواسه مع أعضاء أجسام أشخاص
آخرين وحواسهم، لأن توازن هذا العضو وتوافقه مع معيار الصحة يتمثَّلان
في قدرته على خدمة صاحب الجسم، وعلى جعله متَّزنًا اتزانًا داخليًا
خاصًا به. وقدرة حاسة ما على أداء وظيفتها وانسجامها مع معيار الفاعلية
يختلفان من فرد إلى آخر. إذًا، تتباين معايير الصحة، ويختلف ما هو
معياري وما هو طبيعي من شخص إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة
تاريخية إلى أخرى. فإذا كان يُنظَر إلى الشخص المصاب بضعفٍ في نظره، في
مرحلة تاريخية سابقة، على أنه "معاق" أو في حالة إعاقة وذلك لعدم قدرته
على القيام بأفعال وتصرفات تشابه ما يقوم به الآخرون، فإنه قد تمَّ
تخطِّي هذه النظرة المعيارية في مراحل لاحقة، وذلك عبر اختراع النظارات
الطبية التي تسمح لحاملها بأن يقوم بأعمال لا تختلف عمَّا يقوم به
أقرانه، وبالتالي لا يمكن النظر إليه على أنه في حالة إعاقة. وقد
يُنظَر - في مرحلتنا المعاصرة - إلى من يحمل إعاقة حركية على أنه غريب
ولا ينسجم مع معايير التوازن والصحة الدائمين في مجتمع غير مجهز بطرق
خاصة تيسِّر له تنقلاته على كرسيه المتحرك؛ في حين يُنظَر إلى الشخص
ذاته في مجتمع آخر على أنه فرد حامل وحائز على الصحة والتوازن، ولكنه
يستخدم "فقط" وسيلة نقل مختلفة، وذلك في حال وفَّرت له مؤسسات المجتمع
وسائل وطرق تساعده في تنقلاته بحيث لا تُبرِز اختلاف معايير توازنه
الخاصة، ونمط حياته المُميَّز.
إن رفض كانغلهم الفصل التام بين المعيار واللامعيار، وبين الطبيعي وغير
الطبيعي، وبين الصحة والمرض، يقود إلى رفض إجراء تصنيف قطعي وجامد ما
بين شخص "سليم" وشخص "معاق". فليس كل من لديه خلل عضوي، أو عطل وظيفي
في جسده يخالف بالضرورة المعيار السائد، فالمريض، أو من لديه عطب في
عضو من أعضائه أو ضعف في حاسة من حواسه يحمل معاييره الخاصة، وتكون
حالته طبيعية ومتفقة مع ما هو صحي في اللحظة التي يستطيع فيها تخطِّي
الخلل الوظيفي الذي يعيشه - وهذا الخلل يُمثل مرحلة معيارية خاصة -
منتقلًا إلى مرحلة أخرى يتمُّ فيها إصلاح هذا الضعف أو الخلل، أو يتمُّ
فيها الانسجام أو المصالحة مع هذه الثغرة الشكلية أو الحسية أو
الجسدية. بمعنى آخر، الانتقال إلى مرحلة معيارية، أو مرحلة طبيعية
مختلفة عن الأولى.
وتجذبنا أفكار أخرى كتبها كانغلهم في دراساته حول المعيار، وحول خصائص
ما هو طبيعي أو معياري، يقول: "لا يمكن تقدير ما هو لا طبيعي [أو لا
معياري] إلا بموجب علاقة
relation"[30]. أي لا يمكن،
مباشرة وبشكل آلي، وصف إنسان حامل لإعاقة معينة بأنه غير طبيعي، أو غير
عادي أو أنه يخالف معايير الصحة والسلامة السائدة، وذلك لأن ما هو لا
طبيعي ينشأ ويترسخ ويتطور بمقتضى ظروف وشروط محددة، وبمقتضى علاقة
واضحة مع الوسط البيئي والاجتماعي والثقافي الذي يعيش فيه هذا الإنسان.
فالكثير من الحالات يُصنَّف أصحابها على أنهم مخالفون لمعيار الصحة
والتوازن بسبب عجز محيطهم عن إيجاد حلول جذرية للعوائق التي يعانون
منها، أو بسبب عدم قيام مؤسسات الدولة والمجتمع بخلق وسط يساعد هؤلاء
الأشخاص على إيجاد معايير خاصة بهم، أي معايير تُعزِّز صور الاستقرار
والتوازن والاستقلالية والإنتاج لديهم. ويختم كانغلهم كتابه بتوضيح
التالي:
يقترح
المعيار نموذجًا ممكنًا لتوحيد التنوُّع، ولأجل التقليل من الاختلاف
وتسويته. ولكن الاقتراح لا يعني الأمر أو الإلزام. فعلى العكس من قانون
الطبيعة، لا يفرِض المعيار نتائجه وآثاره. أي إن المعيار لا يمتلك
معناه وحيدًا أو معزولًا.
وكما نلاحظ، يضيف كانغلهم معنى الممكن إلى مفهوم المعيار ويميزه عن
مفهوم القانون الطبيعي، فهو يرى بأنه على الرغم من اعتبار المعيار
مرجعًا ومُنظِّمًا إلا أنه يتضمن ممكنات، وهذه الأخيرة "تتضمن ممكنات
أخرى، وبالتالي ربما تؤدي إلى العكس. فلا يجسِّد المعيار إمكانية
مرجعية
la possibilité
d’une référence
إلا عندما يكون مُؤسِّسًا، أو تمَّ اختياره بوصفه حالة تفضيلية
préférence [أي حالة تمَّ
تفضيلها مؤقتًا مقارنةً بغيرها]، وأداة قابلة لأن تُستبدَل في حال
فشلها. وفي كلِّ الأحوال، تترافق، دائمًا، خطوة تفضيل نظام [أو معيار]
ممكن مع نظام ممكن آخر"[32].
إذًا، لا يجسِّد المعيار بشكل عام- ومعيار التمييز بين شخص "سليم" وآخر
"معاق" بشكل خاص- القانون النهائي والقطعي، الذي لا يصيبه الخطأ أو
النقص في معطياته وفي نتائجه؛ ولا يشير المعيار "دائمًا وأبدًا" إلى ما
هو سليم وسوي ومتزن بحسب ما هو مألوف وسائد؛ كما لا تمثِّل هيئة
الإنسان المعياري ولا يجسِّد سلوكه ونمط حياته الوضع المثالي الواجب
تعميمه أو الذي ينبغي إلزام الأفراد ببلوغه. وإنما يقترح المعيار
نموذجًا ممكنًا وقابلًا للتعميم في مرحلة ما، أي نموذج تمَّ اختياره
بشكل مؤقت من بين عدة نماذج أخرى. ولا يعني اختيار النموذج وتفضيله أنه
حائز على معطيات ونتائج يقينية وقطعية ونهائية، وإنما يأتي التفضيل
مقارنةً بالنماذج الأخرى الموجودة، والناتجة هي أيضًا عن نوع من
التوازن والتنظيم الخاصين بأفراد معينين. كما تعود مسألة تفضيل نموذج
متضمن معايير محددة مقارنة بآُخرى إلى تميُّز قدرات الأفراد وتنوُّع
إمكانياتهم المتاحة، وإلى خصوصية شروط الوسط الذي يعيشون فيه. فعلى
سبيل المثال يتمُّ تفضيل نموذج الإنسان الذي يمشي على قدميه مقارنة
بشخص يستخدم كرسيًا متحركًا في وسط غير مجهزٍ بطرق خاصة لمرور هذا
النوع من الكراسي؛ ويتمُّ تفضيل نموذج الشخص الذي يتكلم لغة مفهومة
وسائدة قياسًا بشخص يستخدم لغة الإشارة في وسط لا ينظِّم دورات خاصة
لتعليم لغة الإشارة للجميع.
نستنتج، بناءً على ما سبق، أن معيار التمييز بين شخص "سليم" وآخر
"معاق" هو معيار نسبي وظرفي، إذ لا ينبغي تعميمه على كل الحالات وفي كل
المجتمعات، لأن الإعاقة تُوجد وتتبلور ضمن شروط ذاتية وموضوعية، فلا
يجب القول إن فلانًا من الناس معاقٌ، وإنما هو في حالة إعاقة.
أي في حالة إعاقة ناتجة عن سياق سيء الشروط والظروف، أو ناتجة عن علاقة
مع محيط يعمل على زيادة العوائق والحواجز - المادية منها والنفسية
والاجتماعية - التي تواجه حامل الإعاقة، بدلًا من التخفيف منها. وإذًا،
لا يمكن تعميم معيار الصحة والمرض، أو معيار التوازن واللاتوازن، أو
معيار المألوف وغير المألوف تعميمًا اعتباطيًا لأن المعايير نسبية في
صدق مضمونها، وظرفية أيضًا في عكسها لحالة الأفراد والمجتمعات،
وبالتالي ما تقترحه هو احتمالي في معطياته وفي قواعده وأحكامه ونتائجه.
ويذهب باحثون في هذا الاتجاه رافضين تعريف المعيار بأنه قانون قطعي أو
نموذج متضمن قواعد يجب اتباع معطياتها؛ أي لا يتفقون مع الرأي القائل
بأن المعيار مثل القانون ذو قواعد إلزامية تسعى إلى تنظيم حياة الناس
وإلى تعزيز وحدة مجتمعهم وتماسكهم وترابط العلاقات فيما بينهم. ولذلك
يؤكدون أنه "ينبغي الانتباه إلى عدم الخلط بين ما هو معياري أو طبيعي
وبين ما هو إجباري أو حتمي. فالمعيار ليس بالضرورة قانونًا، أو أمرًا:
يمكن أن يكون مثاليًا، ولكن من دون أن يتضمن خاصية إجبارية"[33].
إن تبني فكرة أن المعيار يؤسِّس لنمط حياة ممكن من بين أنماط أخرى
ممكنة أيضًا، يساعد في الابتعاد عن الدلالات الغامضة، وفي تجنُّب
المعاني التي فيها الكثير من الإبهام والعمومية إزاء مفهوم المعيار،
وإزاء آلية تمييزه الجامدة بين ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي.
وبدورنا نميل إلى رفض فكرة أن ما ينسجم مع معيار الصحة والتوازن
والجمال يبلغ مرتبة ما هو مثالي، وبأن مضمون المعيار يمثل دائمًا كلَّ
ما هو سائد ومألوف، ويعبِّر، سلوكًا وفكرًا، عن المتوسط العام. وهنا
نشير إلى ملاحظتين هامتين:
الأولى:
إن القول بأن كلَّ شخص حائز على عناصر منسجمة مع ما هو معياري يسهم في
بلورة المتوسط العام هو قول يتضمن ميلًا إلى التعميم ويحاول قولبة
الناس وتصنيفهم بموجب مفاهيم عامة وغير دقيقة. كما يتضمن إهمالًا
واضحًا لكل شخص لا يتماهى نمط حياته وشكل جسده مع المجموع، وتجاهلًا
لجوانب التعددية وصورها التي تتمتع بها الطبيعة الإنسانية. فقد يعكس
المتوسط العام سلوك الأغلبية وطريقة تفكيرها، ولكنه لا يعكس مطلقًا
التنوُّع في الطاقة، وفي الإمكانيات التي يتمتع بها الإنسان.
والملاحظة الثانية: إذا قلنا إن مضمون المعيار يجسِّد فقط
المتوسط العام، وإن الشخص المعياريَّ يبلغ مرتبة ما هو مثالي، فهذا
القول سيؤدي بنا إلى القبول بحالة يقتصر فيها طموح الناس على بلوغ
"فقط" هذا المتوسط العام الذي هو الكمال، وهو المثالي وهو النموذج
الأعلى. لا بل سيصبح، أيضًا، من المثالي أن يحافظ الناس على الصفات
والسلوكيات الموجودة لدى الأغلبية متجاهلين صفات ونماذج من السلوك ومن
التصرفات موجودة لدى أشخاص آخرين. أي سنقبل من دون نقاش مسألة أنه من
الطبيعي، لا بل من المثالي، أن يتكلم الإنسان وأن يمشي عندما يبلغ
العاشرة من عمره. ولكن سيكون لا طبيعيًا أو سيكون بعيدًا عن المثالية
كل إنسان لا يتكلم مع أنه يتقن لغة الإشارة؛ وسيكون بعيدًا عن
المعيارية كل شخص لا يمشي، مع أنه يستخدم الكرسي المتحرك. وسيجد،
أيضًا، كبار السن أنفسهم خارج ما هو طبيعي، وبعيدين عمَّا هو مثالي
ونموذجي لأنَّهم لا يستطيعون، أو لا يستطيع الطب - خلال المرحلة
الحاضرة - علاج بعض الأمراض التي أصيبوا بها؛ أو لأنّهم لا يستطيعون،
ببساطة، وبعد أن تقدم بهم العمر، القيام بتصرفات وأنشطة متنوعة تُشبه
ما يقوم به الأغلبية، أو تُماثل ما يشير إليه المتوسط العام.
يمكن القول بناء على ذلك أنه لا توجد حياة معيارية واحدة، أو حياة
نموذجية ومثالية واحدة، وإنما توجد مجموعة من العوالم الممكنة
والمُعاشة التي لا يشعر بها أو لا يستطيع التعبير عنها إلا أصحابها.
فلكلِّ إنسان طريقته الخاصة في الفعل، وفي التعبير عن وجوده، وفي رسم
فرحه وحزنه وترجمة رغبته في الاستمرار والمشاركة في بناء الوسط الذي
يعيش فيه وتطويره. "لا توجد حياة معيارية واحدة، إذ تعمل كل حياة على
صياغة مقاييسها ومعاييرها الخاصة"[34].
بمعنى آخر، إن المعيار يقترح نموذجًا ممكنًا من التصرفات والسلوكيات
والأفكار والشكل العام لجسم الإنسان قد تكون مشابهة لما هو سائد أو
مختلفة عنه؛ وبالتالي فالمعيار، من ضمن معايير أخرى ممكنة، يقترح نموذج
حياة ممكنًا من ضمن نماذج أخرى. ما نسعى إلى قوله هو:
يستمد معيار التمييز بين شخص "سليم" وشخص "معاق" مشروعيته من المعارف
والقوانين السائدة، ومع أن هذه الأخيرة (المعارف والقوانين) في حالة
مستمرة من التغيُّر والتطوُّر إلا أن هذا التمييز لم يطرأ عليه،
غالبًا، أي تعديل أو تغيير. فالواضح أن الباحثين في ميدان الطبِّ
ينجحون في إيجاد حلول وعلاجات إزاء العديد من الألغاز والأوبئة والضعف
والخلل الوظيفي داخل جسم الإنسان، وهي علاجات ما كانت مكتشفة في
الماضي. لذا يجب أن يتوازى هذا النجاح مع تغيير وتطور في معايير
التمييز بين شخص "سليم" وآخر "معاق"، لأن هناك إعاقات تمَّ التغلُّب
عليها أو تمَّ التأقلم معها من خلال أدوات خاصة، بحيث لم يعد حاملها
يعاني من الصعوبات الناتجة عنها خلال ممارسته نشاطات معينة في حياته
الشخصية والمهنية. فليس كل حامل خلل في أطرافه معاقًا؛ وليس كل من لديه
لغة خاصة يحمل إعاقة؛ وليس كل مصاب بإحدى حواسه يُختَزل إلى إصابته؛
وليس كلُّ من لديه نمط حياة خاص هو في حالة إعاقة.
ختامًا نقول: ينبغي أن تترافق محاولة وضع معيار تمييز بين الأشخاص مع
فكرة أن قواعد هذا المعيار نسبية الصدق، وأن أحكامه لا تنطبق على جميع
الأفراد؛ ومن المهم تجنب جعل معيار التمييز هذا عبارة عن قيد يسجن
الأفراد ضمن فئات ضيقة، لأن الإنسان، أيًا كان شكله ولون بشرته، وأيًا
كان تصنيفه سليمًا أو معاقًا، يمتلك قدرات لا يمكن تجاهلها؛ لا بل
ينبغي النظر إلى الإنسان انطلاقًا من هذه القدرات وليس بناء على أحكام
سابقة وموروثة أو منقولة بشكلٍ آليٍّ عن الماضي أو عمَّا هو سائد بين
الناس. فإذا كان يُنظر إلى حامل إعاقة بصرية على أنه معاق بسبب نقص في
استقلاليته، ولأنه بحاجة دائمة إلى آخر يقرأ ويكتب له ويرافقه في
الشارع، فإن التقنية الحديثة أتاحت لمثل هؤلاء الأشخاص برامج تقرأ
وتكتب بشكل آليٍّ؛ ولعل تجهيز الطرقات وتخصيص ممرات وعلامات خاصة
بحاملي الإعاقة البصرية، تساعد، أيضًا، هؤلاء الأشخاص على إبراز
استقلاليتهم، وقطف ثمار القدرات الكامنة لديهم. وبالنتيجة، ينبغي إعادة
تأمُّل معيار التمييز بين شخص "سليم" وآخر "معاق" فالنقص أو الخلل
أصبحا لا يمنعا مثل هؤلاء الأشخاص من إنجاز الكثير من الأعمال
والنشاطات بمفردهم، وباستقلالية شبه كاملة. إذًا، علينا أن نتجاوز
الأحكام المسبقة، ونعترف بأن الاختلاف في الشكل وفي السلوك وفي نمط
الحياة هو بنية أساسية من البنى التي يتضمنها المجتمع، فليس كلُّ مختلف
هو "معاق"، وإنما كلُّ متشابه عاجز عن إبداع الجديد - مع توافر الشروط
والظروف - هو "معاق"؛ وليس كلُّ من لديه نقص هو "معاق"، طالما يستطيع
تعويض هذا النقص بطريقته الخاصة وبأسلوبه الخاص، ويكون قادرًا على
الإنتاج والاندماج والتعبير عن وعيه وعن حريته في الوسط الذي يعيش فيه.
*** *** ***
[1]
Encyclopédie philosophique
universelle: les
notions philosophique, II, volume dirigé par Sylvain Auroux,
éd. Presses universitaires de France, Paris, 1990, p. 1768.
[8]
Dictionnaire culturel en langue française, tome III,
sous la direction d’Alain Rey, Dictionnaire le Robert,
Paris, 2005, p. 1003.
[9]
Pillon, Véronique, Normes et déviances, éd. Bréal,
Levallois-Perret, 2014, p. 10.
[10]
تشير بعض القواميس إلى وجود ثلاثة معانٍ للمعيار، وإلى أن هذا
الأخير يتخذ إحدى، أو يتخذ معًا، الصور التالية: 1- إلزامي
impératif
أو توجيهي
prescripti:
يجسِّد المعيار هنا ما يجب فعله، أو ما لا يجب عمله، ويمثل
أيضًا كل ما هو جائز، وإجباري أو ما هو ممنوع. 2- تقديري
appreciative:
يدُّل المعيار في هذه الحالة على كل ما هو جيد وصحيح، وسيء أو
غير جيد، أو يدل على كل فعل أو تفكير أو شعور من الخطأ القيام
به. 3- وصفي
descriptif:
تمثل المعايير هنا طرائق الوجود والفعل والتفكير والشعور،
وتكون هذه الطرائق هي الأكثر انتشارًا لدى سكان معينين". انظر:
Dictionnaire d’éthique et
de philosophie morale,
sous la direction de Monique Canto-Sperber, éd. Presses
universitaires de France, Paris, 1996, p. 1054.
[11]
Grand Larousse de la langue française, tome quatrièmr,
éd. Libraire Larousse, Paris, 1975, p. 3662.
[12]
Vocabulaire technique et critique de la philosophie,
par André Lalande, éd. 15, Presses universitaires de France,
Paris, 1985, p. 689.
[13]
Trésor de la langue française: dictionnaire de la
langue du XIXe et XXe siècle
(1789-1960), tome douzième, op. cit, p. 231-232.
[14]
جمعة سيد يوسف، سيكولوجية اللغة والمرض
العقلي، العدد 145، المجلس الوطني للثقافة والفنون
والآداب، الكويت، 1990، ص 179.
[17]
تقرير قدمته الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن بعنوان
حقوق المعوقين في المجتمع الفلسطيني، المسؤول المباشر
عن فريق العمل: بهاء الدين السعدي، ص 8. ويمكن الإطلاع على هذه
التقرير على الموقع التالي:
http://www.ichr.ps/pdfs/sp47.pdf
[18]
Blanc, Alain, Sociologie du handicap, éd. Armand
Colin, Paris, 2012, p. 21.
[19]Charles
Gardou, Fragments sur le handicap et la vulnérabilité:
pour une révolution de la pensée et de l’action, éd.
Erés, Toulouse, 2013, p. 19-20.
[20]
Henri-Jacques Stiker, Corps infirmes et sociétés, éd.
Dunod, Paris, 2006, p. 283.
[21]
Le Blanc, Guillaume," La personne handicapée est-elle une
personne à réadapter: réflexion sur la vie trouble", in
L’éternel singulier: questions autour du handicap, éd.
Le brod de l’eau, Lormont, 2010, p. 209.
[22] Dargère,
Christophe, Enfermement et discrimination, éd.
Presses universitaires de Grenoble, Grenoble, 2012, p. 41.
[23]تشرح
فيغونيك بيلون هذه الفكرة كما يلي: "تستمد المعايير صلابة
جوانبها الإلزامية من العقوبات المرتبطة بها بشكل وثيق. فهناك
عقوبات إيجابية، مثل المكافآت والمكرمات، تفضل سلوكًا
محددًا. وهناك العقوبات
السلبية أو الجزائية التي تعاقب [الأفراد] إما بطريقة صريحة من
خلال تطبيق القانون الجنائي، أو بطريقة ضمنية، من خلال
الاستنكار، والتجنُّب، والسخرية" انظر:
Pillon,
Véronique, Normes et
déviances, op. cit., p. 11
[24]
انظر:
Encyclopédie philosophique
universelle: les
notions philosophique, II, op. cit., p. 1769.
[28] Canguilhem,
Georges, Le normal et le pathologique, éd. Presses
Universitaires de France, Paris, 12e édition,
2013, p. 156.
[33]
Vocabulaire technique et critique de la philosophie, par
André Lalande, éd.15, op. cit., p. 691.
وهناك من يضيف وجهة نظر في هذا الصدد مؤكدًا على ضرورة التمييز
بين المعيار والقانون الطبيعي: "ما يميز، على سبيل المثال،
المعيار-والقوانين الإنسانية- عن القانون الطبيعي هو أنه يتمُّ
تعريف هذا الأخير من خلال استبعاد كلِّ ما هو استثنائي، وكلِّ
ما يمكن أن يخترقه. وأيضًا في حالة القانون الطبيعي، يتم
الاهتمام بالوقائع، فعدم الاهتمام بالوقائع يجعل من هذه
القوانين خطأ وغير كاملة. أما في حالة المعيار، فإن إمكانية
الخرق والمخالفة جوهرية، لا بل تبدو بنائية [...] وبمعنى ما،
لا توجد المعيارية من دون اللا معيارية التي تتوافق معها".
انظر:
Dictionnaire culturel en langue française,
tome III, op. cit. p. 1005.
[34] Le Blanc,
Guillaume, "La personne handicapée est-elle une personne à
réadapter: réflexion sur la vie trouble", in L’éternel
singulier: questions autour du handicap, op. cit., p. 216.