|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
شهد وطن العرب توسعًا أفقيًا في عدد المدارس والجامعات، وعدد حملة الألقاب الجامعية، خلال العقود الأربعة الماضية. كما شهد تزايدًا هائلاً في عدد المساجد والمصلين والحجاج والمعتمرين وحفظة القرآن الكريم. لكن هذا التوسع في هاتين الساحتين الهامتين المركزيتين لم يلجم العنف وتمجيده لدرجة أصبح معظم القتلى في العالم هم في الوطن العرب وبلاد المسلمين. وإن معظم الرصاص والقذائف التي تطلق إنما يطلقها مسلمون ضد مسلمين أو غيرهم من المواطنين، أو يطلقها محتلون ضد ضحاياهم. وفي جميع الحالات فإن الدماء التي تسفك هي دماؤنا والقتلى الذين تزهق أرواحهم هم أهلنا. والعنف يترك لنا كثيرًا من الأرامل والثكالى والأيتام والمعاقين، وكذلك الباحثين عن طريق للهروب من الوطن نحو الأمان والاستقرار.
نظرًا للوضع اللامتعادل وضمن معنى اللامساواة هذا، والذي يسود بين المعلِّم والتلميذ، لا يمكن لعلاقتهما ألاَّ تكونَ نزاعية. إن مسؤولية عدم إلغاء هذه النزاعات من خلال الحصول على خضوع الطفل مهما كلَّف الثمن تقع على عاتق الراشد. مع ذلك، لا يجوز لتربية مسؤولة أن تقوم على عدم توجيه شبيهٍ بإباحة مطْلَقة. ينبغي على المدرِّس، أمام النزاعات، ألاَّ يختار بين الإباحة الكلِّية والمعاقبة الكلِّية. فكلا الخيارين يُظهِر نقصًا في السلطان. وفي كلا الحالتين يفقد المدرِّسُ اعتبارَه. فيصبح عاجزًا عن أن يُسمَع ويُحترَم. وسرعان ما يصبح جو الصف لا يطاق. فكلا الطريقتين تؤدي بالمدرسين إلى طريق مسدود. ويخسر الجميع. ينبغي على المربِّي أن يبحث عن حل بَنَّاء للنزاعات الحاصلة بترك مكان لحاجات الطفل ومطالبه وبمساعدته على الثقة بنفسه. فإعطاء الطفل الثقةَ بنفسه ليس غايةَ التربية فحسب، وإنما وسيلتها أيضًا. إن الحل الإيجابي لأي نزاع ينطوي على مشاركة الطرفين، على تعاون.
المنارة هي صورة مستوحاة، وقد استوحيتها هنا في السجن، وبنيتها في مخيلتي، لأنه من غير المسموح بالنسبة لي أن أستخدم الفراغ. لكني ما زلت أملك عقلي بالكامل، وهذا ما جعل الفنار جزءًا من رؤيتي ومن حلمي بالحرية والكرامة الإنسانية. تقع المنارة خارج السجن، أمَّا دور المرساة فهو تأمين التجذُّر والأمان. وأنا في حاجة للاثنين معًا – أنا في حاجة إلى الفنار ليعطيني توجهًا لرؤيتي، بينما تمكنني المرساة من فهم أين هو مكاني الحالي. وأنا في حاجة لأن أكون متوازنًا وواقعيًا كي أتمكن من العمل ضمن واقع يفتقد للتوازن بالكامل. وأنا في حاجة إلى أن أتحدى وإلى أن أتغير. أنا في حاجة، جميعنا في حاجة، لأن نتغير. والمنارة تبين لي كيف وإلى أين ومن أجل ماذا. ليس من السهل امتلاك العنصرين، وخاصة بالنسبة للسجناء "الجدد" من أجل الحرية؛ فأنا ما زلت أصنَّف بالجديد رغم أنه قد مضى ما يقارب النصف عام على اعتقالي. فالعديد من السجناء قضوا ما يقارب الـ"23" إلى "24" عامًا. لذلك أعتبر جديدًا نسبيًا هنا. لكن بالنسبة لي، فإن كلَّ يوم يمر هو وقت طويل جدًا، مع كل ما يتضمنه من عذاب ومن تفكُّر في واقع كوني فلسطينيًا في وطني.
في رسالته المفتوحة التي وجهها عام 1939 إلى المهاتما غاندي ردًا على مقالته الشهيرة التي بعنوان اليهود في فلسطين، دعا الفيلسوف والحصيدي اليهودي الكبير مارتن بوبر إلى: ... التفتيش عن سُبُل جديدة للتفاهم والاتفاق الودي بين الأمم... لكن أحدًا لم يعر في حينه الانتباه الكافي لهذه الدعوة المخلصة الصادرة عن إنسان كان ينتمي حقًا كما قال: ... إلى جماعة من القوم لم يتوانوا، منذ احتلال الإنكليز فلسطين، عن النضال من أجل عقد سلام حقيقي بين اليهودي والعربي...
خلافًا للفكرة الرائجة في الغرب، لا تعد الهندوسية، التي هي ديانة غاندي، ديانةً تدعو إلى اللاعنف. وخاصةً منها سفر الـبْهَغَفَدغيتا، الذي كان غاندي يعتبره "ذلك الكتاب الذي من الممكن اعتباره بامتياز مقدمة من أجل الوصول إلى الحقيقة"، والذي قدَّم صورةً للإله المسلَّح. فالغيتا ليست سوى بعضٍ من كتاب سنسكريتي ضخم يتألف من أكثر من اثني عشرة ألف صفحة يدعى الـمهابهارتا. وهذا الأخير يروي لنا قصة حربٍ كانت في منتهى الشراسة، وخاضتها، من أجل السيطرة على الأرض، عشيرتان لهما نفس الجذور العائلية هما: عشيرة البانداڤاس وعشيرة الكاوراڤاس. أمَّا أرجونا، بطل الغيتا فقد كان أحد الأخوة الخمسة الذين كانوا يقودون جيش البانداڤاس.
لماذا هذا الدليل؟ يهدف هذا الدليل إلى تعبئة فراغ في المكتبة الفلسطينية فيما يتعلق بالدلائل التي توضح مفاهيم وقيم المواطنة للشباب الفلسطيني، كما وتدلهم على الطرق والآليات التي تساعدهم في الحصول على حقوقهم/ن، كما والآليات التي تساعدهم على التحول إلى مواطنين فاعلين/ات في المجتمع. وبشكل أكثر تحديدًا فإن الدليل يأتي في وقت يسود فيه الخلط بين المواطنة بما هي حقوق وواجبات متبادلة مع الدولة/السلطة، وبينها بمعنى الانتماء للوطن. وفي هذا الإطار يذهب الدليل إلى ما وراء ذلك مركزًا على المفاهيم التربية المدنية/المواطنية على الأصعدة الاجتماعية والأهلية والسياسية، وليس على الصعيد السياسي لوحده، كما يركز على المواطنة في المجال التربوي، ومجال التنشئة الاجتماعية، مع وضع آليات لتفعيل المواطنة على كافة هذه المستويات. |
|
|