|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
المنارة هي صورة مستوحاة، وقد استوحيتها هنا في السجن، وبنيتها في مخيلتي، لأنه من غير المسموح بالنسبة لي أن أستخدم الفراغ. لكني ما زلت أملك عقلي بالكامل، وهذا ما جعل الفنار جزءًا من رؤيتي ومن حلمي بالحرية والكرامة الإنسانية. تقع المنارة خارج السجن، أمَّا دور المرساة فهو تأمين التجذُّر والأمان. وأنا في حاجة للاثنين معًا – أنا في حاجة إلى الفنار ليعطيني توجهًا لرؤيتي، بينما تمكنني المرساة من فهم أين هو مكاني الحالي. وأنا في حاجة لأن أكون متوازنًا وواقعيًا كي أتمكن من العمل ضمن واقع يفتقد للتوازن بالكامل. وأنا في حاجة إلى أن أتحدى وإلى أن أتغير. أنا في حاجة، جميعنا في حاجة، لأن نتغير. والمنارة تبين لي كيف وإلى أين ومن أجل ماذا. ليس من السهل امتلاك العنصرين، وخاصة بالنسبة للسجناء "الجدد" من أجل الحرية؛ فأنا ما زلت أصنَّف بالجديد رغم أنه قد مضى ما يقارب النصف عام على اعتقالي. فالعديد من السجناء قضوا ما يقارب الـ"23" إلى "24" عامًا. لذلك أعتبر جديدًا نسبيًا هنا. لكن بالنسبة لي، فإن كلَّ يوم يمر هو وقت طويل جدًا، مع كل ما يتضمنه من عذاب ومن تفكُّر في واقع كوني فلسطينيًا في وطني.
في رسالته المفتوحة التي وجهها عام 1939 إلى المهاتما غاندي ردًا على مقالته الشهيرة التي بعنوان اليهود في فلسطين، دعا الفيلسوف والحصيدي اليهودي الكبير مارتن بوبر إلى: ... التفتيش عن سُبُل جديدة للتفاهم والاتفاق الودي بين الأمم... لكن أحدًا لم يعر في حينه الانتباه الكافي لهذه الدعوة المخلصة الصادرة عن إنسان كان ينتمي حقًا كما قال: ... إلى جماعة من القوم لم يتوانوا، منذ احتلال الإنكليز فلسطين، عن النضال من أجل عقد سلام حقيقي بين اليهودي والعربي...
خلافًا للفكرة الرائجة في الغرب، لا تعد الهندوسية، التي هي ديانة غاندي، ديانةً تدعو إلى اللاعنف. وخاصةً منها سفر الـبْهَغَفَدغيتا، الذي كان غاندي يعتبره "ذلك الكتاب الذي من الممكن اعتباره بامتياز مقدمة من أجل الوصول إلى الحقيقة"، والذي قدَّم صورةً للإله المسلَّح. فالغيتا ليست سوى بعضٍ من كتاب سنسكريتي ضخم يتألف من أكثر من اثني عشرة ألف صفحة يدعى الـمهابهارتا. وهذا الأخير يروي لنا قصة حربٍ كانت في منتهى الشراسة، وخاضتها، من أجل السيطرة على الأرض، عشيرتان لهما نفس الجذور العائلية هما: عشيرة البانداڤاس وعشيرة الكاوراڤاس. أمَّا أرجونا، بطل الغيتا فقد كان أحد الأخوة الخمسة الذين كانوا يقودون جيش البانداڤاس.
لماذا هذا الدليل؟ يهدف هذا الدليل إلى تعبئة فراغ في المكتبة الفلسطينية فيما يتعلق بالدلائل التي توضح مفاهيم وقيم المواطنة للشباب الفلسطيني، كما وتدلهم على الطرق والآليات التي تساعدهم في الحصول على حقوقهم/ن، كما والآليات التي تساعدهم على التحول إلى مواطنين فاعلين/ات في المجتمع. وبشكل أكثر تحديدًا فإن الدليل يأتي في وقت يسود فيه الخلط بين المواطنة بما هي حقوق وواجبات متبادلة مع الدولة/السلطة، وبينها بمعنى الانتماء للوطن. وفي هذا الإطار يذهب الدليل إلى ما وراء ذلك مركزًا على المفاهيم التربية المدنية/المواطنية على الأصعدة الاجتماعية والأهلية والسياسية، وليس على الصعيد السياسي لوحده، كما يركز على المواطنة في المجال التربوي، ومجال التنشئة الاجتماعية، مع وضع آليات لتفعيل المواطنة على كافة هذه المستويات.
كثيرة هي الأحداث العظيمة في شهر رمضان الأبرك، وكثيرة هي الفضائيات التي خصصت برامج ولقاءات وندوات ومسلسلات عن هذه الأحداث، التي جرت في شهر رمضان، كمعركة بدر، وفتح مكة، وفتح عين جالوت. ورغم تفاوت نشاط وفعالية الدعاة والخطباء والفضائيات وعدد مشاهديها فإن هناك ما هو مشترك بينها، وهو التعتيم على ذكرى اغتيال سيدنا الإمام علي بن أبي طالب، الذي جرى في 19 رمضان 40 هجرية، في مدينة الكوفة، بينما كان أمير المؤمنين خارجًا من منزله متوجهًا إلى المسجد، داعيًا الناس، الصلاة، الصلاة. كمن له عبد الرحمن بن ملجم المرادي وسدد له ضربة على جبهته بسيف مسموم صارخًا: "الحكم لله لا لك يا علي". و"الحكم لله" هو الشعار الأساسي للخوارج الذي رد عليهم الإمام علي قائلاًَ: "كلمة حق يراد بها باطل". وكان من وصية الإمام: "لا تقاتلوا الخوارج من بعدي فليس من أراد الآخرة فأخطأها كمن أراد الدنيا فأصابها".
المسيحية، في معناها الحق، تقوِّض الدولة. هكذا فُهمت منذ البداية لذا صُلب المسيح، وفهمها دائمًا على هذا النحو الناس غير المقيَّدين إلى ضرورة تبرير الدولة المسيحية. فقط منذ اعتناق رؤساء الدول مسيحيةً اسميةً ظاهريةً بدأوا بابتكار كل تلك النظريات المعقدة المستحيلة التي يمكن بموجبها الجمع بين المسيحية والدولة. لكن بالنسبة لأيِّ شخصٍ صداقٍ وجادٍّ في زماننا لا يمكن ألا تكون جليةً استحالة الجمع بين المسيحية الحق – تعليم الوداعة وغفران الإساءة والمحبة – وبين الدولة بإكبارها العنف والإعدام والحروب. إنَّ المسيحية الحق لا تنفي فقط إمكانية الاعتراف بالدولة بل وتقوِّض أسسها. لكن حتى إذا كان الجمع بين المسيحية والدولة صائبًا فمن الطبيعي أن ينشأ السؤال التالي: ما الذي يلزم أكثر لخير الإنسانية، ما الذي يكفل خير الناس أكثر: شكل الحياة الدولتية أم تقويضه واستبدال المسيحية به؟ |
|
|