إضاءات

تشرين الأول 2014

October 2014

 

 

لنتصور مع لوك رينهارت Luke Rhinehart في إنسان النرد، أننا نخضع لقاعدةِ لعبةٍ اعتباطية. لنبتكر حالة قَدَرية صغيرة جدًا لا مكان فيها لمشكلة الإرادة. هكذا، يقرر البطل يومًا ما أن يرهن حياته لحجر النرد. فهي وحدها من سيقرر في ما إذا كان عليه أن يُغري هذه المرأة مثلاً، أو أن يقطع صلته بذلك الصديق، أو أن يذهب إلى آسيا الجنوبية، أو أن لا يفعل شيئًا وينسحب بكل بساطة، أو أن ينتحر.

المصادفة هي الحكمة الإلهية الأكثر قدمًا في العالم... حررتُ للتو كافة الأشياء من نير الغائية. فالروح خاضعة للغائية والإرادة، لكنني سأحررها لأعيدها إلى فكرة الحدث الإلهي، إلى الخُبث البديع.

 

إذا كان مارتن هيدجر قد تساءل عن ماهية العلم وماهية التقنية، فإن يورغن هابرماس – الفيلسوف الاجتماعي الألماني الشهير ووريث مدرسة فرانكفورت النقدية يتساءل هنا عن علاقتهما بالممارسة الاجتماعية باعتبارهما أصبحا أهم قوة إنتاجية. وللإجابة عن السؤال يقيم حوارًا نقديًا مع أعلام الفكر الغربي من هيجل إلى ماركس وماكس فيبر وهربرت ماركيوز وآخرين، ويريد من وراء ذلك معرفة الطريقة التي يمكن بها استعادة طغيان حق التصرف التقني إلى دائرة إجماع المواطنين الفاعلين والمتحاورين، أو كيف يُتوسط للتقنية والعلم والديمقراطية في ظل شروط المجتمع الرأسمالي الصناعي المتقدم.

 

 

إن الباحث في القضايا الفلسفية التي طرحها فلاسفة اليونان يجد كثيرًا من تلك القضايا أثارت جدلاً واسعًا وتركت أثرًا واضحًا في الفلسفات على مرِّ العصور منذ نشأة التفكير الفلسفي، ومن القضايا التي ينطبق عليها ذلك "مفهوم التغير والثبات" ومؤداها: هل الوجود متغير أم أنه ثابت؟ لقد كانت

فلسفة التغير والثبات في الفلسفات الطبيعية قبل سقراط هي محور التفكير الفلسفي منذ بدء التفلسف: ولا تزال لها أهمية عند الفلاسفة والعلماء حتى اليوم. فقد بدأ الفلاسفة قبل سقراط بالرد على التساؤلات التي طرحها عن أصل الكون وتغير ظواهر الطبيعة من حولهم ذلك بالملاحظة والتأمل العقلي المجرد غير التجريبي فقد اتجه هذا الاهتمام ليعالج المشكلات التي تتعلق بطبيعة العالم وتغير ظواهر وثباتها.

 

قدَّمت الأساطيرُ والأديانُ والفلسفاتُ عدةَ نظريات لتفسير نشأة الكون، ومنها: نظرية "الخَـــلْق" création (التي تبنَّــــتْها الأديانُ الإبراهيمية، اليهودية والمسيحية والإسلام، المعروفة بتوجُّها النقلي لا العقلي والأسطوري لا العلمي)، ونظرية "التجلِّي" manifestation (التي تُـــفهَم أحيانًا كمرادِف لنظرية "الصُّدور" ["الخُروج" أو "الانبثاق"] procession)، ونظرية "الفيض" émanation (خاصةً عند الفارابي وإخوان الصفا)، ونظرية "الواحدية" أو "الحلولية" ["الحلول"] ["الكل هو الله"] panthéisme، ونظرية "وحدة الوجود" ["الكل في الله"]panenthéisme  (أو بترجمة أدق: unité de lÊtre) (عند ابن عربي بصورة خاصة)، ونظرية "الأزلية" ["قِــدَم العالَم" أو "الدهرية"] éternité.

 

هناك نوع آخر من الاقتلاع يجب دراستُه لمعرفةٍ أشمل بمرضنا الرئيسي. إنه الاقتلاع الذي يمكن أنْ نسمِّيَه اقتلاعًا جغرافيًا، أي بالنسبة للجماعات التي تقابل الأقاليمَ. لقد اختفى تقريبًا المعنى نفسُه لهذه الجماعات، باستثناء واحدة هي الأمة. ولكنْ هناك الكثير غيرها. بعضُها أصغر، صغيرة جدًا: مدينة أو مجموعة قرى، إقليم، منطقة؛ وبعضها يضم عدةَ أمم؛ وبعضها يضم عدةَ أجزاء من أمم.

الأمَّة وحدها حلَّت محلَّ كل هذا. والأمة تعني الدولةَ؛ لأنه لا يمكن إيجاد تعريف آخر لكلمة أمة إلاَّ التعريف الذي يقول بأنها مجمل الأقاليم التي تعترف بسلطة دولة واحدة. يمكن القول بأن المال والدولة قد حلاَّ في عصرنا محلَّ جميع التعلُّقات الأخرى.

 

 

نحن نعاني، هذه حقيقة. لا أتحدث هنا عن صورتنا أمام الآخرين وكلامنا وادِّعاءنا بأننا سعداء، والأمر نسبي، لكن ما أقصده هو تلك الزاوية التي ننزوي فيها بمفردنا لأننا عاجزون عن التواصل مع ذواتنا قبل كل شيء وإدراك حجم تعاستنا وانعزالنا ورغباتنا في أن نكون أفضل! أقصد تلاشي هويتنا الواضحة ما يعكس تحولنا إلى أدوات، فحتى تتحقق الهوية الإنسانية ينبغي أن نكون ذواتًا وليس أدوات. ربما نحن ضحايا، أؤكد أننا فعلاً ضحايا. كل ما حولنا يقول بأننا سيئون، الإعلانات على التلفاز دومًا تذكرك بأن هناك شيء لا تملكه وبالتالي أنت لست في أفضل حال وكل ما تحتاجه هو الذهاب واستهلاك أي شيء لتأمين رضىً مؤقت سرعان ما يزول وذلك باستهلاك وسائل التسلية السلبية عبر الفيديو أو الأفلام أو التعنت الشرائي لكل ما هو متاح، وتحول الحياة النفسية للإنسان إلى شعار "أنا موجود بقدر ما أملك وبقدر ما أستهلك". إن هذه الحقيقة الهشة لحياة الإنسان الآن هي التي تجعله في حالة من الضياع وتدفعه ليقول دائمًا ما هذه الحياة؟ إنها لا تحتمل. وعلى الرغم من هذا يستمر المرء بأن يكون جزءًا من هذه الدوامة التي لا تحتمل!

 

طوال ألفين أو ثلاثة آلاف عام وحتى الآن، وفي ثقافات كثيرة وحضارات كثيرة، تعاملت المجتمعات مع نصوص محددة بأسلوب خاص مُلفت. هذه النصوص التي نسميها الكتب المقدسة استُدعيت في التاريخ البشري كي تخدم فكرة تشمل مواقف متعددة. لكن ربما علينا التذكير أولاً أن "الكتاب المقدس Scripture" مصطلح غربي خُصص للعهدين القديم والجديد اللذين حظيا بإجلال اليهود والمسيحيين، وإن بشكل مختلف، ولم يخضع هذا المصطلح ولا مضمون ما يمثله إلى إعادة نظر إلا بصعوبة وفي وقت متأخر. ولذلك تأخر ما نعرفه الآن من اختلافات عبر القرون، عدا عن الاختلافات بين المجتمعات والنصوص والمعالَجات، كما لم يُفكَّر مليًا وبكفاية لا بالتشابهات ولا بالتباينات. ويظهر من الفحص الدقيق أن تحول كتاب إلى كتاب مقدس ليس خاصية أصلية لنص معين، أو لنوع من النصوص، بقدر ما هو علاقة تفاعل بين ذلك النص وجماعة الناس (حتى لو أن هذه العلاقة لم تكن ثابتة)، بل لعل المرء يتحدث عن ميل واسع للتعامل مع النصوص وكأنها "كتب مقدسة": أي ثمة نزوع لدى البشر لتقديس كتاب.

 

تُعدُّ كتابةُ تمهيدٍ لإعادة نشر صفحات نشرناها منذ ثلاثين عامًا وكأنها تمهيد لكتاب مؤلِّفٍ آخر، باستثناء أننا وعلى الفور نرى ونستشعر نواقصه بمرارةٍ. النص الذي سنقرؤه موجزٌ لمحاضرات أربع ألقيت عامي 1946 و1947 تحت عنوان الزمان والآخر، وذلك خلال السنة الأولى من عمل الكوليج فيلوسوفك التي أسسها جان وول في قلب الحي اللاتيني. نُشر للمرة الأولى ضمن مجموعة مشتركة عام 1948 تحت عنوان الاختيار، العالم، الوجود؛ أولى منشورات الكوليج فيلوسوفك. كنَّا حينها مسرورين للعمل مع جان إيرش، وألفونس دو ويلينس، إضافة إلى جان وول. لا شك في أنَّ الأسلوب (أو اللاأسلوب) المحكي لهذا النص، خصوصًا في انعطافات محددة، كان حادًا وغير متقن. يوجد أيضًا في هذه المحاولات طروحات لم تكن سياقاتها قد اكتملت بعد، ولم يتم المضي ببداياتها حتى النهاية، ولا تنظيم شتاتها. كنا قد أشرنا في ملاحظة تمهيدية عام 1948 إلى كل هذه العيوب التي ربما أدانها تقدم هذا النص في الزمن.

 

 

وسيبقى الشعب وفق هذه المنظومة عالقًا في ثنائية العالِمْ والمُتعلِّم. ورغم سيادته الظاهرية فقط سيستمر هذا الشعب أداةً لنقل أفكار ووصايا ومصالح الغير. وسيكون بين هذا الوضع وما ندعوه الحرية - أعني الحرية الحقيقية - فجوة، وسيعود القمع والعبودية بأشكالهما القديمة ولكن بشروط جديدة، وحيثما توجد العبودية هناك البؤس والوحشية. ولا توجد المادية الاجتماعية الحقيقية بين الجموع الشعبية فقط ولكن بين الطبقات صاحبة الامتيازات.

ففي سعيهم إلى تأليه كل ما هو إنساني ينتهي المثاليون دومًا بانتصارهم للماديَّة الفظَّة brutal materialism لسبب واحد وبسيط؛ فكل ما هو إلهي يتبخر ويرتفع عائدًا إلى موطنه الخاص، أي إلى الجنة، بينما كل ما هو وحشي يبقى على الأرض.

 

يخطئ من يعتقد أن الأفراد هم المسؤولون عن إصدار فتاوى التكفير، إذ بذلك يتم تجاهل التأثير الذي ما زالت تمارسه تجارب الصراع والحرب المستمرين بين الأديان، أو بين توجهات معينة من داخل الدين الواحد. كما يتم التغاضي عن مجموعة من النصوص الدينية في القرآن والسنة تشير جميعها إلى حالة الارتداد الديني وتوضح أشكال العقاب الدنيوي أو الأخروي المترتبة عنها؛ ففي القرآن مثلاً ورد في سورة البقرة: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (الآية 217). والعقاب في هذه الآية عقاب في الحياة الأخروية يقوم به رب العالمين. وفي السنة ورد: "من بدل دينه فاقتلوه". والعقاب هنا من جنس العقاب الدنيوي يقوم به أشخاص معينون.

 

 

مع بداية سبعينيات القرن الماضي، وفي غمار حركات تحرُّر المرأة، شرعت لوس إريغاراي في الكتابة الفلسفية حول الذَّات النسوية. ويمكن تصنيف محاولتها في خانة إيجاد مكان لخطاب المرأة، مفكِّكة بذلك الخطاب الذكوري بدءًا من فرويد، وماركس ونيتشه وهيدغر لتحديد ما يتعلَّق بسؤال المرأة.

تُـعدُّ المحللة النفسانية وعالمة اللسانيات الفرنسية ذات الأصول البلجيكية لوس إيريـغاراي Luce Irigaray واحدة من أهمِّ وأصعب رائدات الحركة النسوية الفرنسية، نظرًا لأسلوبها المعقَّد في الكتابة. وغالبًا ما يقترن اسمها بإلين سكسو Hèléne Cixous، وسيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir وجوليا كريستيفا Julia Kristeva لتبنيها نظريات التحليل النفسي من أجل مناقشة المسائل النسوية وإثارة قضايا الاختلاف. لهذا يُعدُّ البعد الأكثر شهرة في فكر إريغاراي، استثمار التناقضات والافتراضات الجندرية في عمل كل من فرويد وزميله جاك لاكان، موظِّفة المقاربة التفكيكية؛ حيث نادت بضرورة تفكيك اللغة لإنشاء نظير نسوي لـمقولات التحليل النفسي التقليدية. إن النساء باعتبارهن ذوات، يقبعن تحت وضع مقلق، ومتناقض

 

 

 

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني