كثيرًا
ما شغلت علاقة دريدا بعصره نقاد وفلاسفة عصره، فانتقدوا أحيانًا صمته
فيما يخصُّ العديد من القضايا الدولية الهامَّة كالقضية الفلسطينية
وقضية الغزو الأمريكيِّ للعراق. كما انتقدوا غموض أفكاره وآرائه في
أحيان أخرى. وبرَّر دريدا صمته بأنَّه لا يجد ما يقوله في كثير من
الأحيان، وأنَّه لا يملك سلطة التأثير ولا التغيير أمام سلطة الإعلام
الموجَّه الذي يؤثِّر في الرَّأي العام بقوة.
هذا لا يعدم انشغال دريدا بالمجال السِّياسيِّ، ويندرج ضمن إستراتيجيته
التفكيكية التي وجَّهها إلى العقل السِّياسيِّ الغربيِّ وكشف التناقضات
في مفاهيمه عن الديمقراطية والحوار والحرِّية، رابطًا ذلك بالأصل الذي
نبعت منه هذه المفاهيم، ألا وهو الأصل الإغريقيُّ الذي لا تصلح
بالضرورة كلُّ معانيه للغرب المعاصر، وللأقاليم المجاورة للغرب. ومثل
هذا التفكيك السِّياسيِّ تشهد عليه كتب دريدا: "أطياف ماركس" و"مارقون"
و"سياسة الصداقة" وكذا محاوراته الصحفية الكثيرة التي شكَّلت
محاضرات ألقاها في كلِّ جامعات العالم، وخاصة في السنوات الأخيرة من
حياته. فماذا قال دريدا أو ماذا استبق من أفكار في الشأن السِّياسيِّ؟
تحتوي
المجتمعات الإنسانية على طبقات وفئات وتقسيمات واضحة لا يمكن تجاهلها،
ويعمل الباحثون- منذ أمد بعيد- على دراستها وتقصِّي الأسباب التي تقود
إلى مثل هذه الطبقيِّة الموسومة بتفاوت اجتماعي ظالم، محاولين تحديد
الشروط التي تفصل بين فئة وأخرى وإبراز نتائجه؛ وهناك من يؤيد هذا
التقسيم الذي كان وما يزال إشكاليًا، وهناك من يرفضه داعيًا إلى إحداث
ثورة وتغيير على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي
المقابل، توجد ظاهرة اجتماعية لم تخضع للكثير من الدراسة والبحث وتتمثل
في معايير التمييز بين أشخاص "طبيعيين" أو "سليمين" أو "عاديين"، وبين
أشخاص "معاقين" أو في حالة إعاقة. هنا، التمييز والتفريق والفصل والعزل
ليس بين الطبقات أو بين المجتمعات، وإنما بين الأفراد أنفسهم.
فانطلاقًا من معايير طبية و/أو اجتماعية و/أو ثقافية سائدة تُمارس
المؤسسات هذا التمييز، ويُمارسه الأفراد، في كثير من الأحيان بشكل
آليٍّ غير مُفكَّر فيه. وتأتي أهمية هذه المعايير، حسب ما يبدو، في
قدرتها على الفصل بين أفراد يحوزون على نموذج "مثالي" صحة وسلوكًا
وفكرًا وحتى هيئة عامة، وبين أفراد يخالفون هذا النموذج بسبب خلل أو
ضعف ما؛ أي تقود هذه المعايير إلى إطلاق أحكام توصيفية و/أو قيمية إزاء
الأشخاص مميزة بين أشخاص سليمين ومستقلين ومنتجين ومندمجين وأحرار،
وبين آخرين يفتقرون لكلِّ ما سبق أو لجزء منه بشكل واضح أو غير واضح.
ثمة
أقليات أخرى. الأحياء أقلية الأموات. المقابر في بلداننا حدائق نضرة
العشب هذا الربيع، والحدائق مدافن. حولنا ووراءنا ميتات كثيرة، وموتنا
الشخصي يتقدَّمنا إلى المستقبل. سنكون وحدنا المنتصبين سائرين بين
القبور، في هذا الحاضر الدامي، بينما الجمهور الغفير المستلقي في ظلمات
الأرض وظلمات الماضي لا يرانا. نفكر فيهم، ونقارن أعمارنا بأعمارهم
المكتوبة أو المحفورة في الشواهد، ولا نقول (إذا لم يكن موظفو السجلات
المدنية قد غيروا تواريخ ميلادنا) إننا انتبهنا إلى فراغ الطرف الثاني
من العدد الذي سيلخصنا، وكيف ستأتي يد لتكتبه وتضع بين رقمين ذاك
الفاصل الصغير الذي سيختزل حياة بأكملها.
تشكِّل الحرب حدثًا تأسيسيًا في حياة الشعوب، لأنها تدفع إلى إعادة
النظر في تكوين الذات وحضورها التاريخي، سواء تعلق الأمر بالنصر أو
بالهزيمة. ورغم أن الحرب كانت دومًا تمثل الخطر الأقصى الذي ينبغي دفعه
واستبعاده عن الأمة، إلا أنها مع ذلك وفي حالة قيامها فهي تنبني على
أخلاقيات صارمة، تتعلق مثلاً في حالة الإسلام باحترام العدو وعدم
التنكيل بأطفاله ونسائه، كما تفرض أيضًا قيودًا صارمة بضرورة احترام
الطبيعة وعدم تسميمها، فالحرب ينبغي أن تتمَّ في نوع من الممارسة
الفروسية النبيلة، والانتصار غير المستحق ليس انتصارًا شريفًا وإنما هو
هزيمة مقنَّعة. إن المبدأ العام الذي كانت تقوم عليه معارك الماضي هو
أن الهزيمة بشرف خير من الانتصار الغادر. كانت الحرب حتى في أبشع صورها
أخلاقية لأنها لم تكن هدفًا في حد ذاتها، بل هي وسيلة من أجل وضع
القانون وخلق نظام اجتماعي ما. غير أن المنعطف الذي تعرفه الألفية
الثالثة بعيد كليًا عن هذا الأفق، فنحن لأول مرة في تاريخ البشرية نتجه
نحو تأبيد الحرب وجعلها علامة مميزة للحضارة المعاصرة.
لا
قوةَ على هذه الأرض إلاَّ القوة، وهي التي تنقل القوةَ إلى المشاعر،
بما فيها الرحمة. يمكن ذِكْر مئة مثال عن ذلك. فلماذا كان السِّلْميون
بعد عام 1918 أرقَّ بكثير على ألمانيا منهم على النمسا؟ ولماذا ظهرَتْ
ضرورةُ الإجازات المأجورة لكثير من الناس كمُسَلَّمة ذات بديهية رياضية
عام 1936 وليس عام 1935؟ ولماذا هناك أناس كثيرون جدًا للاهتمام بعمال
المصنع أكثر من اهتمامهم بالعمال المزارعين؟ وهلُمَّ جرًّا.
كذلك الأمر في التاريخ. نُعجَب بالمقاومة البطولية للمهزومين عندما
يجلب تعاقُبُ الزمن نوعًا من الانتقام؛ وليس غيرَ هذا. فليس لدينا رحمة
للأشياء المدمَّرة كليًا. ومَن الذي يمنح رحمةً لأريحا
Jéricho،
لغزة، لصُوْر، لصيدا، لقرطاج، لِـ"نُومَـنْسِيا"
Numance،
لصِقِلِّية Sicile
اليونانية، للـﭙـيرو Pérou
قبل كولومبوس؟
استهلال
بدأ الأدب الأمريكي
Amerrican literature
بداية متواضعة، ثم ما لبث أن أخذ مركزه بين الآداب
الأولى في العالم. ومن إيجابياته أنه يمجد: المثل العليا، وصفات
الاعتماد على النفس، والاستقلالية، واحترام الإنسان، والتأكيد على
الديمقراطية، وحب الطبيعة والخروج على التقاليد الأدبية من أجل كل
إبداع جديد.
وتعد الفكاهة عامة، والساخرة بخاصة، من الخصائص المميزة لهذا الأدب.
وقد شهد تطور الأدب الأمريكي عدة مراحل هي: أدب المستعمرات (1765 –
1608م)، وعصر الازدهار الأول (1765 – 1850م)، ثم ظهرت أشكال أدبية
جديدة بعد الثورة الأمريكية
American Revolution.
فقد أشعل الاستقلال السياسي رغبة قوية للاستقلال في فن الأدب، ولأول
مرة انفصل أدباء أمريكا عن ماضيهم الأوروبي. ويبدو ذلك بوضوح في
كتاباتهم عن السياسية وتحرير العبيد، وما لبث الأدب الأمريكي أن بلغ
مرحلة النضوج عام (1850 - 1900م).
مع
الارتفاع الحاصل في استعمال وسائل التواصل الاجتماعية عند المراهقين،
فإن قضية هل يفضي هذا الاستعمال إلى محصِّلات إيجابية أو سلبية هي قضية
تسوِّغ فهمًا أكبر قدرًا. تُراجع هذه المقالة نقديًا الأدبيات المتعلقة
بهذا الموضوع المهم. نفحص على وجه الخصوص كيف يؤثر استعمال وسائل
التواصل الاجتماعية في الترابطية الاجتماعية من جهة عناصر ثلاثة من
عناصر تطور المراهق: حس الانتماء، والرفاهية النفسية-الاجتماعية، وتطور
الهوية وسيروراتها.
نُشرت تقارير عن مكتشفات مختلطة فيما يتعلق بالدور الذي تلعبه وسائل
التواصل الاجتماعية في تعزيز الترابطية الاجتماعية، مما يوحي بأن
الناشئة قد يختبرون محصلات نفسية-اجتماعية إيجابية وسلبية معًا. نتيجة
لذلك، تحاجج هذه المقالة بأن الأدوات الشابِكية
تُحدث مفارقة في ما يتعلق بالترابطية الاجتماعية. إنها، من جهة تزيد من
سهولة تشكيل الأفراد للزمر والجماعات الشابِكية وإحداثهم لها، لكنها قد
تُحدث من الجهة الأخرى مصدرًا للاغتراب والنبْذ.
حاملوا
مشاريع مستقبليَّة، غارسوا أمل، منجزوا تغييراتٍ حدَّ الانقلابات،
مبدعون ثقافيُّون... لهم جميعًا، على اختلاف بلدانهم،
قاسم مشترك في تبنِّي نظرة شاملة ومتكاملة للعالم (...) في إعادة وضع
الإنسانيِّ في قلب المجتمع، (...) في التَّفكير في حلول جديدة للمسائل
الشخصيَّة أو الاجتماعيَّة (...)
إنَّهم يدعون في معظمهم إلى العودة إلى فلسفة للحياة تدور حول
السَّعادة، إضافة إلى قيم أساسيَّة، مثل الهناء الفرديِّ والجمعيِّ،
التَّكافل الإنسانيُّ، السَّلام...
يبتكرون، وهم المبدعون، محرِّكين الرَّكائز التي تدعم جميع مجالات
المعرفة الإنسانية، والتَّعليم أوَّلها.
لا يُفهَمنَّ هذا التَّحريك، على صعيد المدرسة الابتدائية بشكل خاصٍّ،
على أنَّه مجرَّد إدخالٍ لتقنيَّات جديدة إلى قاعة الصَّفِّ، بل على
اعتباره سيرورة تحديث للرؤيا التَّعليمية وللمناهج التربوية المختارة
كي تُدرَّس.