حمد العطار: ما هو رأيك بتدخل حزب الله الصريح على خط الصراع في سوريا دعمًا
لقوات النظام؟ هناك تصريحات لك تفيد أنك تتفهم هذا التدخل.
نعوم تشومسكي:
هنك فرق بين فهم دوافع التدخل وتبريره. لنكن واضحين، لا شيء يبرر تدخل حزب
الله. إذا سألتني ماذا يعتقدون، فسأجاوب عن رأيي فيما يعتقدون هم. ولكن إن
سألتني ما هو رأيي بقرارهم، فرأيي البسيط والواضح أنه لم يكن عليهم التدخل.
لكني لست أباهم الروحي وهم لم يطلبوا نصيحتي.
بالعودة إلى رأيي فيما يعتقدون هم: إن لم يتدخلوا في القصير، فإنها كانت ستبقى
في يد مقاتلي المعارضة، وهذا بالطبع يجسد انحدارًا في قوة النظام السوري،
وبالتالي حصار الإمدادات الواصلة إليهم من إيران، وبالتالي ضعف قوتهم العسكرية
تدريجيًا في وجه إسرائيل، وهي ذريعتهم الأساسية للاحتفاظ بالسلاح. مجددًا فإن
خياري، والذي من الواضح أنه ليس خيارهم، كان بعدم التدخل في سوريا والعمل على
تعزيز دورهم كقوة اقتصادية واجتماعية داخل لبنان، ومقاربة مفهوم قوة الردع
بطريقة أخرى، المفهوم الذي برأيي لم يعد قائمًا بنفس الطريقة التي يظنها البعض.
بصراحة لا يتم الانتباه هنا إلى ما يدور داخل إسرائيل في هذا الصدد، وهذا خطأ
كبير. هناك أحاديث أن الإسرائيليين تعلموا من حرب 2006 أن أي حرب قادمة في
لبنان لن تقوم على مبدأ خوض معركة برية طويلة مع حزب الله، الذي يملك ترسانة
صاروخية كبيرة، وإنما ستكون حربًا خاطفة وسريعة تسعى للتدمير الشامل، ربما
تدمير لبنان خلال يومين. وقوة الردع عند حزب الله لن تمنعهم.
يحتوي
النص القرآني على مجموعة من القصص الخاصة بإحياء الموتى وبعثهم، منها قصتان
تردان في آيتين طويلتين من سورة البقرة. تتحدث الأولى عن إحياء أحد الأنبياء
بعد مئة عام على موته وبعث حماره أمام عينيه، وتتحدَّث الثانية عن إحياء أربعة
طيور أمام النبي إبرهيم.
تقول الآية الأولى: "أو كالذي مر على
قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة
عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يومًا أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر
إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام
كيف ننشزها ثم نكسوها لحمًا فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير"
(البقرة:
259).
تتميز
المنهجية (القراءة) الأركونية في الدراسات الإسلامية بسمات عدة: أولاها
انطلاقها من مكتسبات الحداثة الغربية، ومحاولتها ثانيًا تقوية الوظيفة النقدية
للعلوم الاجتماعية من خلال تطبيقها على التراث الإسلامي. وهذه القراءة تختلف عن
القراءات السائدة في الشرق والغرب، قديمًا وحديثًا لأنها تتسلح بالنقد، وتنقب
في طبقات التراث لاستخراج مكبوته ولا مفكَّره، كما إنها تتوجه كذلك إلى الحداثة
الغربية لتبرز مناقبها ومثالبها موظفة أداة أو آلية دعاها أركون "بالإسلاميات
التطبيقية" من جهة و"الإسلاميات القانونية" من جهة أخرى.
فالأولى تروم دراسة التراث وفق منهجية حفرية تطال المكتوب والمُقال والمُعاش،
كما تتوجه إلى الإسلاميات الكلاسيكية لنقدها وإبراز محدوديتها.
كانت
سورية مفتاح المنطقة للغزاة والفاتحين، فعند سقوطها كانت المنطقة بأكملها تسقط
بعدها بعدد من السنين لا يتجاوز أصابع اليدين، مثلما حصل مع الاسكندر المقدوني
ثم المسلمين إثر معركة اليرموك، أو أكثر قليلاً بحد لا يتجاوز ثلث قرن (الرومان
حين سقطت سورية بيدهم عام 64 قبل الميلاد ثم مصر في 31 قبل الميلاد)، فيما كان
الزمن أقل مع السلطان سليم الأول بعد معركة مرج دابق عام 1516 إذ سقطت مصر
والحجاز في العام التالي ثم العراق عام 1534، وفي عام 1918 كان تداعي الدولة
العثمانية بعد سقوط دمشق في 1 تشرين الأول (أكتوبر) 1918 بيد الحلفاء لا يتجاوز
تسعة وعشرين يومًا حين وقعت صكوك الاستسلام في جزيرة مودروس، فيما هذا لم يحصل
لدى انفلات بغداد والقدس من يديها عام 1917 ولا القاهرة في 1882. وفي عام 1955
لم يكن انحياز سورية إلى عبدالناصر سببًا فقط في موت حلف بغداد وإنما أيضًا بعد
الوحدة المصرية-السورية في 22 شباط (فبراير) 1958 كان طريقًا أدى إلى سقوط نوري
السعيد في 14 تموز (يوليو) 1958 وعدنان مندريس في 27 أيار (مايو) 1960
بانقلابين في بغداد وأنقرة فقدا الحكم وحياتهما بعدهما، فيما لم تؤد الهيمنة
الأميركية على القاهرة منذ 1974، ثم سقوط بغداد بيد واشنطن في 9 نيسان (ابريل)
2003، إلى استقرار المنطقة بيد الأميركي، ما دامت دمشق خارج هذا السياق.
قرأ
ابن خلدون الخططَ – الوظائفَ –
السلطانية، والرتبَ الملوكية – ومن بينها الحجابة والقيام بشأن الباب السلطاني
– في سياقها التاريخي المرتبط بتطوُّر الدولة والعمران وأشكال الحكم والإدارة
منذ ما قبل الإسلام، مرورًا بالخلافة الراشدة، وصولاً إلى انقلاب الخلافة إلى
مُلْك عضوض، ومجيء رسوم السلطان وألقابه.
وهو يميِّز بإلحاح بين هذه الوظائف – السلطانية – وبين الخطط الدينية الخلافية،
أي الوظائف في ظل دولة الخلافة. ويؤكد باستمرار على أنَّه قد تكلَّم على
الوظائف السلطانية – والحجابة واحدة منها – بما "تقتضيه طبيعة العمران في
الوجود الإنساني... لا بما يخصُّها من أحكام الشرع"، لافتًا النظر إلى تمايز
صنيعه عن فقه الأحكام السلطانية، وخصوصية منهجه القائم على قراءة الظواهر
العمرانية في سياق تطوُّرها التاريخي-الاجتماعي، وفي ارتباطها الوثيق بأشكال
الحكم وأطوار الدولة.
قِطَّةُ
شرودنغر هي مفهوم قدَّمه الفيزيائي النمساوي إرﭭـن شرودنغر (Erwin
Schrödinger)
(1887 – 1961) ليشرحَ من خلاله تصوُّرًا مختلفًا عن تفسير مَدْرسة كوبنهاغن في
ميكانيك الكَمّ والذي تبَـنَّـاه كلٌّ من العالِـمَينِ: الفيزيائي الدانماركي
نيلس هنريك داﭭــيد بور [بوهر] (Niels
Henrik David Bohr)
(1885 - 1962) والفيزيائي الألماني ﭭـرنر كارل هَـيزنبرغ (Werner
Heisenberg)
(1901 - 1976).
تخيَّـلَ شرودنغر تجربةً ذهنيةً تتمثَّـلُ في حبسِ قِطَّةٍ داخلَ صندوقٍ
مزوَّدٍ بغِطاءٍ وفيه عدَّادُ غيغر [جيجر أو غايغر] (compteur
Geigerou Geiger-Müller)،
وكميةٌ قليلةٌ من مادةٍ مُشِعَّة بحيث يَـكونُ احتمالُ تحلُّلِ ذَرَّةٍ واحدةٍ
خلالَ ساعةٍ ممكنًا. فإذا تحلَّلَتْ ذَرَّةٌ فإنَّ عدَّادَ غيغر يضرِبُ ضربةً
تكسر زجاجةً تحتوي حامضَ الهدروسيانيك
acide
cyanhydrique
[حمض سيان الماء] السَّامّ الذي يسيلُ ويقتلُ القِطَّةَ فورًا. يقف المُشاهِدُ
أمامَ الصندوق المغلَق ويريد معرفةَ هل القطةُ حيةٌ أمْ ميِّتة. بحسب الميكانيك
الكمومي [فيزياء الكَمّ]، القطةُ حيةٌ وميتةٌ في الوقت نفسه، لأنَّ الذَّرَّةَ
تضمحِلُّ ولا تضمحلُّ في الوقت نفسه، أيْ أنَّ القِطَّة في حالة مركَّبةٍ من
الحياة والموت. ولكنْ إذا تدَخَّلَ راصدٌ خارجيٌّ وفتحَ الصندوقَ فلابدَّ أنْ
يجدَ القطةَ في إحدى الحالتين (إما حية وإما ميتة)، ولا يمكن أنْ يراها في
الحالتين معًا، لأننا لا نَعرِفُ حالةَ تراكب بين الحياة والموت. فبمجرد أنْ
يتدخَّـلَ الراصدُ الخارجيُّ يَظهَـرُ معنى واحد.
من
أكثر المفاهيم التي تسيطر على الحقول الثقافية والسياسية في عصرنا الحالي هو
مفهوم الدولة، من حيث تاريخها ووجودها وأهمَّيتها ودورها ومصادر شرعيَّتها. ولا
تكاد أيَّة إيدليوجيا أو نظرية سياسية تخلو من تبنِّي مفهوم محدَّد للدولة
تشترك به مع إيدلوجيات أخرى في تبنِّي ذات المفهوم، أو تطبع مفهومها الخاص عن
الدولة ولا يقتصر الأمر على الإيدلوجيات التي هي حديثة النشأة نسبيًا بطبيعة
الأمر، بل الأمر أعمق من ذلك فهو حديث له جذوره في جوف التاريخ. وقد يكون
سابقًا للتاريخ ذاته. فقد وجدت الدولة قبل وجود النظريات المؤسِّسة أو
المفسِّرة لها. وقبل وجود الفلسفة ذاتها، لذلك فإنَّ النصَّ الفكري، أو الفلسفي
إن شئنا، الذي ينطوي على تأصيل أو تفسير لمفهوم الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر
وجد في كلِّ الفلسفات الكبرى. ولا يوجد تقريبًا مفكِّر أو فيلسوف إلا تحدَّث أو
تفلسف قصدًا أو من خلال سبيله إلى بناء رؤيته ونظريَّته الفلسفية بشكل عارض عن
الدولة وقدَّم لمفهوم يتَّفق أو يختلف به مع أقرانه في فهم ما يمكن أن نطلق
عليه "شأن أو حقل الدولة" في النتاج الفكري لهذا أو ذاك من الفلاسفة القدامى
والمعاصرين وأقرانهم من المفكِّرين في الشأن السياسي والاجتماعي.
ما
معنى كلمة الإله في عبارة "مات الإله"؟ لا يمكننا في هذا الصدد الانطلاق من أي
بداهة للإجابة عن هذا السؤال. لا يمكننا ذلك خصوصًا إذا كان الإله قد مات
فعليًا. وكما يحدث مع الموتى الذين لم يعد قبرهم إلا شاهدة ممحية أو متربة، فمن
المحتمل أن ذكرى هذا الذي يتعلق به الأمر تحت اسم "الإله" متوارية ومبددة
ومهملة. هنا على أية حال يكمن الفرق كله بين مقولة "الإله غير موجود" والمقولة
التاريخية والواقعية "مات الإله". المقولة الأولى، على شكل نظرية (كقولنا إنه
لا وجود لعدد صحيح يعبر عن العلاقة بين ضلع المربع وقطره)، تفترض أن الإله
عبارة عن مفهوم، ونظرية عدم وجوده التي يمكن البرهنة عليها بشكل لامتناه تعيد
المعنى لهذا المفهوم في كل مرة. في المقابل تجعل مقولة "مات الإله" من الإله
اسم علم، كما نقول عن الجد كاسمير دوبوا إنه مات،
وذلك
ربما من دون أن نفهم شيئًا خارج موته من هذه الفردية الحية اللامتناهية التي
تنتظم تحت التركيب اللغوي المحكم
"كاسيمير دوبوا".
تشير
الكلمة اللاتينية
sacer
التي اشتق منها مصطلح
sacred
(المقدَّس)، إلى التمييز بين ما هو متعلق بالآلهة وما لا
علاقة له بها. وفي أسلوب ليس بالبعيد عن هذا، فإن الأساس العبري لكلمة
k d
sh
التي تترجم عادةً بـ
Holy
"القدسيّ"،
يقوم على فكرة الفصل بين المقدَّس والمدنَّس فيما يتعلق بالإلهي. أيًا كان
التعبير المحدَّد للمقدَّس،
فإن هناك تقسيمًا ثقافيًا شاملاً إلى حدٍّ ما يشكل المقدَّس وفقًا له ظاهرةً
مميزةً ومبجلةً ومختلفةً عن كل الظواهر الأخرى التي تشكل المدنس أو الدنيوي. مع
ذلك، فإن هناك اعتقادًا قديمًا في الديانة الهندوسية يرى أن كلاً من المقدَّس
والنجس ينتمون إلى مقولة لغوية واحدة. وهكذا، فإن الفكرة الهندوسية عن التدنيس
ترى بأن المقدَّس وغير المقدّس ليسا بالضرورة متضادين تمامًا؛ بل من الممكن أن
يكونا في مقولتين مترابطتين؛ فما هو طاهرٌ بالنسبة لشيء ما قد يكون نجسًا
بالنسبة لشيء آخر، والعكس صحيح.