|
قيم خالدة
كلَّما ظهر شعورٌ في المجتمع بضرورة إعادة بناء العلاقات القائمة بين البشر لا بدَّ أن ينتعش النقاشُ حول المسائل الأخلاقية. والواقع أن من الطيش الحديث عن إعادة بناء البنيان الاجتماعي دون التفكير في مراجعة المفاهيم الأخلاقية. ولهذا السبب يستيقظ هذا الاهتمامُ النشطُ بالمسائل الأخلاقية. لذا قررتُ أن أتحدث عن علم الأخلاقيات ethics، أي عن أسُس المفاهيم الأخلاقية ومنشئها في الإنسان. في الآونة الأخيرة، ظهرت أعمالٌ غير قليلة حول هذه المسألة؛ غير أني سأتوقف عند المحاضرة التي ألقاها، منذ مدة وجيزة، الپروفسور المعروف من جامعة أكسفورد ت. هَكْسلي، وهي بعنوان التطور والأخلاق.
أودُّ بدايةً أن أقول إنني، في هذا المقال، أسعى إلى الكشف عن حقيقة الموت والحياة على جميع الأصعدة، معتبرًا إيَّاهما مظهرين متعارضين، وفي الوقت ذاته متكاملين، لسيرورة كلِّية واحدة. ويجدر بي، قبل التعمق في بحث معضلة الحياة والموت، أن أطرح على نفسي السؤال التالي: ماذا أتوقع من دراسة كلمتَي "الموت" و"الحياة" وأنا أطرحهما على مستواهما الأعم والأجلى والأعمق؟ عندما أتحدث عن "حياة" إنسان بلغ السبعين من عمره، أعلم أن حديثي يدور حول "استمرار" وجود معيش واحد بعينه، وأجد، على الرغم من التغيرات الطارئة على السمات والتفاصيل التابعة لأحداث المصير الفردي وأعراضه، أن هذا الاستمرار يحتفظ، في عمقه، بوحدة الهوية والذاتية. فعندما يتوقف القلب عن الخفقان نتيجة مرض أو حادث، أو عندما تتوقف الحياة الفسيولوجية والنفسية، أتحدث عن "الموت".
رأى ميشيل فوكو أن عصرنا يحاول جاهدًا، بالوسائل كلِّها، أن يتخلص من قبضة فلسفة هيغل، سواء عن طريق المنطق، أو عن طريق الإپستمولوجيا، أو عن طريق ماركس، أو عن طريق نيتشه: - فأما المنطق التداولي، فلأنه، في نظر فوكو، يستطيع أن يكشف عن "تناقضات" الهيغلية بعدما ادَّعتْ معرفة المطلق بالعمل الديالكتيكي؛ - وأما الإپستمولوجيا، فلأنها تؤكِّد "ميتافيزيقية" فلسفة هيغل، البعيدة كلَّ البعد عن المعرفة "الحقيقية" التي يسعى إليها الإنسان – وعصرنا، كما هو معروف، هو عصر الإپستمولوجيا التي، مع بداية القرن العشرين، لم تترك مجالاً لحضور الميتافيزيقا، منبئةً بنهايتها؛
لذلك
قيل إن المجنون هو أسعد إنسان في هذا
العالم، وإن العبقري طفل استعيد قصدًا، وإن
المهرِّج ضمير لا يوارِب.
أ. مدخل عام في المطلق، ليست العولمةُ حسنةً أو سيئة. تكون على ما نريدها نحن البشر أن تكون. ليست الأنظمة بوجه عام هدفًا في حدِّ ذاتها. لذا علينا أن نعمل جاهدين لكي تغدو العولمة، كما الأنظمة كلها، في خدمة الشخص البشري والخير العام وتعزيز التضامن بين البشر.
هل يصلح
هذا عنوانًا لمقال عابر؟ ربما كان الأوْلى
به كتابٌ يستغرق جهد مؤرخ ضليع وكبير
للفلسفة لسنوات عديدة، ثم قد لا يخلو من
فجوات ولا ينجو من عثرات. ربما يكون جهدًا
من هذا القبيل قد بُذِل، وربما تعددت فيه
الاجتهاداتُ وتنوعت وتباينت وتنازعت. إذ
ليست المعرفة كلها "تذكُّرًا"، بحسب
نظرة أفلاطون إليها أو نظريته فيها. نبضُها
ومحرِّك تطورها ومُخصِبُ نموِّها ومفجِّر
حيويتها اشتقاقٌ واكتشاف وابتداع.
كيف أبرِّر معتقدي وتفكيري؟
كيف أنشئ محاكمةً عقليةً سليمةً تتجاوز
الانفعال السلبي وتبلغ نطاق الروح الذي
يزهر فيه الإيمان؟ ما هو الشعور أو الحدس
الذي يتحرك في داخلي ويتمخَّض عن إيمان
يتمثل في اليقين؟ هل يمثِّل إيماني يقين
الاعتقاد؟ وهل تتأسس علاقةٌ وثيقةٌ بين
عقلي وإيماني؟ وبالتالي، ما هو موقف العقل
من كلِّ ما يتمثَّله الإنسانُ بفكره
المنطقي وشعوره وحدسه؟ إلى أيِّ حدٍّ ينسجم
عقلي وإيماني في تكامُل أو تآلُف روحي؟ هل
يخرج الإيمان عن نطاق المعرفة العقلية التي
تستغرق ذاتها في وسط يمتلئ بتأمل الحقيقة
الإلهية السامية؟ كيف يفهم عقلي ذاته ويعي
حقيقته؟ كيف يتأمل عقلي ذاته وهو ينشد
الحقيقة في عالم الداخل وعالم الخارج؟ كيف
يؤمن عقلي بحقيقة معرفته ووعيه؟ كيف يتأمل
العقل الحقيقة المطلقة ويستغرقها؟ كيف
تتجلَّى هذه المعرفة في ظاهراتها الطبيعية
والكونية؟ هل تعبِّر كل ظاهرة عن اعتقاد أو
موقف فكري أو إيمان؟ ماذا أسمِّي وسيلة
التعبير عن هذا المنظور؟ ألا يُحتَمل أن
أدعوها إيمانًا مؤسَّسًا على يقين بما يُرى
وبما لا يُرى؟
|
|
|