|
المسـيحيَّـة
والعـولمـة أ. مدخل عام في
المطلق، ليست العولمةُ حسنةً أو سيئة. تكون
على ما نريدها نحن البشر أن تكون. ليست
الأنظمة بوجه عام هدفًا في حدِّ ذاتها. لذا
علينا أن نعمل جاهدين لكي تغدو العولمة، كما
الأنظمة كلها، في خدمة الشخص البشري والخير
العام وتعزيز التضامن بين البشر. هذا الموقف،
الذي أطلقه البابا يوحنا بولس الثاني في حديث
له إلى أعضاء "المجلس الحَبْري للعلوم
الاجتماعية" منذ أكثر من ستِّ سنوات،
يشكِّل اليوم نقطة انطلاق وتلاقٍ لكثير من
المنظِّرين المسيحيين، بالأخص الكاثوليك
منهم، في خصوص علاقة العولمة بالدين ونظرة
الكنيسة لهذه الظاهرة المعاصرة. إن هذا
الإعلان المقتضَب يتضمَّن جميعَ العناصر
الأساسية للتفكير المسيحي في هذه الظاهرة. من ناحية أخرى،
ينطلق الحَبْر الروماني من موقع محايد،
متمايز وحذر، في النقاش المعاصر حول قيمة
العولمة، رافضًا أيَّ حكم مسبَّق أو مبرَم
على هذا النظام الجديد: ليست العولمة قَدَرًا
محتومًا، ولا هي برجاء خلاصٍ للبشرية.
فالكنيسة تعي أن هذه الظاهرة–الظهورة، في
سيرورتها وصيرورتها، مازالت في مرحلة تبلور
وانتشار. والكنيسة أيضًا، كما المراجع
الدينية كلها، تجد نفسها في طور التعرُّف إلى
هذه الظاهرة وتقرُّ بحاجتها للوقت للفحص عن
حقيقة هذا المعطى الجديد وعن تداعياته
الأخلاقية، مستندةً في بلورة موقفها إلى
مبادئ عقيدتها الاجتماعية الراسخة. إنه تطوُّر
يفرض نفسه على الجميع، لكنه ليس عصيًّا على
السيطرة. بل إن إدارته وإخضاعه لضوابط
أخلاقية – تسيِّره في اتجاه نصرة البشر
أجمعين، بالأخص المهمَّشين منهم – أضحيا
حاجةً ملحَّة لتثبيت العدالة والسلام في
العالم أجمع. من ناحية أخرى،
لا يعبِّر هذا الخطاب عن خصوصية كاثوليكية،
بل يرتقي إلى مستوى الفكر الديني في شكل عام،
بل وإلى مستوى الفكر الإنساني الذي يضع
الكائنَ البشريَّ في صدارة اهتماماته. ب. واقع
العولمة وعلم الأخلاق تعود بداياتُ
هذه المرحلة التاريخية إلى انهيار الأنظمة
الشيوعية والتوسع السريع لنظام السوق
الحرَّة الذي ينتشر حاليًّا في أنحاء العالم
كافة. وأهم نتائج هذا التحول ترابُط متزايد
للأنظمة الاقتصادية والاجتماعية وانتشار
لمُثُل فلسفية وأخلاقية جديدة مؤسَّسة على
أُطُر جديدة للعمل وللحياة. تشكِّل عولمة
الاقتصاد معطًى معقدًا يتطور تطورًا سريعًا.
ومن تجلِّياته إلغاء الحواجز التي تعوِّق
تنقُّل الأشخاص والثروات. إنها، أي عولمة
الاقتصاد، بشكل من الأشكال، انتصار لمنطق
السوق الحرَّة، مع ما يتبَعُها من تحولات
سريعة وموجعة في الأنظمة الاجتماعية
والحضارية. فالمهمَّشون في دول العالم أجمع
هم الضحايا الأولى لهذه التحولات: إذ إنهم
يتلقُّون هذا التغير كأمر فُرِضَ عليهم
فرضًا، وليس كتطور لهم في تحقيقه دورٌ فاعل. النقاش في
محاسن العولمة وسيئاتها غالبًا ما انحصر
وينحصر في البعد الاقتصادي لهذه الحركة،
متجاهلاً الأبعاد الأخرى التي لا تقلُّ
أهمِّية عنه. فتطور هذه الحركة يتخطَّى بكثير
الإطار الاقتصادي ليشمل الأبعاد الإنسانية
كافة ويدفع في اتجاه إيجاد حضارة عالمية
بكلِّ ما للكلمة من معنى. ولكي تكون هذه
الحضارة عادلة، أي لكي لا تنتصر لمصالح
أفراد أو جماعات على حساب فئات أخرى، عليها أن
تُعنى بتوثيق الترابط الصحيح بين الشعوب
المبني على التواصل والتعارف في جوٍّ من
الاحترام المتبادل. في الوقت الذي
تنخرط الإنسانيةُ تدريجيًّا في سياق
العولمة، لا يمكن لها أن تستغني عن شرعة أدبية
عامة تنظِّم هذا التطور وتكون مقبولةً
ومعترفًا بها من الجميع. وفي سياق البحث عن
هذه المبادئ، علينا أن نتنبَّه إلى خطرين أو
إلى حلَّين متطرِّفين: -
الأول يقوم
على فرض الحضارة المسيطرة نظامَها الاقتصادي
والاجتماعي وقيمَها ومقاييسَها على باقي
الحضارات. -
أما الخطر
الثاني فهو أن يؤدي إغفال العوامل والقيم
الأخلاقية الأساسية التي تجمع الحضاراتِ
كلَّها إلى نوع من النسبوية المطلقة التي
تسخِّف القيم كلَّها وتلغي أيَّ ضابط أدبي
يحدِّد تصرُّف الإنسان المعاصر. لذلك تجدنا
اليوم في حاجة ماسة إلى استنباط تلك القيم
الإنسانية العامة وإلى تبيانها، تلك القيم
الموجودة، ولو في أشكال مختلفة، في الحضارات
كلِّها، التي يُعوَّل عليها لكي تكون رافعةَ
كلِّ تطور أو تقدم. تستمد الآدابُ أسبقيَّتها
من حاجة جوهرية عند الشخص وعند البشرية جمعاء.
لكن ما كل الاتجاهات الأخلاقية سامية أو
جديرة بهذا الاسم: فبعضها، كالمنفعية utilitarisme،
لا يتعدى كونه عائدًا من العولمة ليس إلاَّ،
بحيث إنه يجعل من منفعة الفرد أو مجتمع ما
معيارًا للسلوك. لذلك ليس للتكنولوجيا أو
للتقنيات الحديثة التي تبحث دائمًا عن فاعلية
أقوى ومردودية أوفر أن تحدِّد القيم
الأخلاقية العامة التي يجب أن تُبنى فقط على
طبيعة الشخص البشري أو أن تفرض هذه القيم.
فالأخلاقية لا يمكن لها أن تقوم على تبرير
نظام اجتماعي ما أو تشريعه، بل عليها أن تكون ضمانة
لكلِّ ما هو إنساني في هذه الأنظمة؛ وعليها
أيضًا أن تعمل على تطويع النظام بحسب حاجات
الإنسان، لا أن تضحِّي بالإنسان في خدمة
النظام. عمليًّا، يجب أن تتمتع اللجان
الأخلاقية comités
éthiques التي أُنشِئَت وتنشأ
في القطاعات كافة باستقلالية تامة عن المصالح
المالية والإيديولوجية وعن التجاذبات
السياسية. ج. الديانات
السماوية والعولمة تتميز الرسالة
المسيحية ورسالة بعض الديانات الأخرى (كالإسلام
على سبيل المثال لا الحصر) بالنزعة إلى
العالمية والشمولية. إذ إن الخطاب المسيحي
يتوجَّه إلى كلِّ إنسان، بغضِّ النظر عن
الزمان والمكان اللذين يعيش فيهما وعن
الحضارة التي ينتمي إليها. العالمية بُعدٌ
أساسيٌّ من أبعاد الرسالة المسيحية؛ إذ إن
لها جذورًا كتابية واضحة. لذلك يضع هذا البُعد
المسيحية في موقع متميِّز تجاه حركة العولمة:
إذ إنها، بطبيعتها نفسها، عالمية، "كاثوليكية"
(بالمعنى الأول للكلمة)؛ لذلك فإن هذه الظاهرة
لا تُربِكُها، بل بالعكس، تتناسب مع رسالتها
الشاملة. من ناحية أخرى، وبما أن المسيحية
تمتلك هي الأخرى مشروعًا عالميًّا، فهي قادرة
أن تسدِّد، بقيمها وتعاليمها، هذه الحركة بما
يعود بالخير على البشرية جمعاء. دور الكنيسة في
العولمة الناشئة لا يمكن له أن ينحصر في إطار
تنظيري عام أو أن ينحسر إلى موقع تنزيهي، بل
إن على المسيحيين أن يطوِّروا نظرةً واقعيةً
وموضوعيةً تساهم في بلورة أجوبة واضحة على
الإشكاليات الجديدة التي تطرحها العولمة،
بما يساهم في تطويعها وتسديد حركتها في اتجاه
خير أكبر عدد ممكن من البشر. د. النموذج
البابلي للعولمة يقدِّم الكتاب
المقدس نموذجين لتواصل الشعوب بعضها مع بعض،
يعكس كلٌّ منهما مفهومًا وتصورًا مختلفين
للأُطُر التي تحقِّق هذا التواصل وتضمنه،
عنيت بهما النموذج "البابلي"، كما يقدم
له سفر التكوين (تك 11: 1-9)، والنموذج الذي
تحقَّق غداة حلول الروح القدس على رُسُل
المسيح (العنصرة) في عليَّة صهيون، بحسب رواية
القديس لوقا في سفر أعمال الرسل (أعمال 2: 1-13).
هاتان الروايتان تصلحان لأن تكونا نموذجين
مختلفين للعولمة: واحد يودي بالبشر إلى
الهلاك وآخر يقودهم إلى الحياة. ما يجمع
بينهما هو السعي إلى بناء وحدة تطاول الشعوب
كلَّها والبشر أجمعين، في حين أنهما يختلفان
في تحديد مفهوم كلٍّ منهما لهذه الوحدة
وللسبل المتبعة لبلوغها. يروي لنا سفر
التكوين في فصله الحادي عشر، بأسلوب أسطوري
مشوِّق، محاولة أبناء البشر إنشاء مدينة لهم
جميعًا – بابل – وتشييد برج في وسطها. هذه
المحاولة باءت بالفشل وأدت بهم إلى عكس ما
كانوا يشتهون. يقول الكتاب إن البشر، إذ كانوا
شعبًا واحدًا ينطقون جميعًا بلغةٍ واحدة،
تداعوا ذات يوم إلى بناء مدينة وبرج شاهق
يخترق السماء بعلوِّه، علَّهم يخلِّدون بذلك
ذكرهم بمشروع يعبِّر عن اقتدارهم وعظمتهم.
لكن ذلك لم يَرُقْ للرب، ساكِن السموات،
فقرَّر معاقبتهم على فِعلتِهم هذه، وعزم إذ
ذاك أن يُنزل بهم العقاب على شكلين اثنين: -
أولاً،
بلبل الرب لغتهم (في ذلك جِناس واضح وتلاعُب
باللفظ: بابل/بلبل) بتجزيئها إلى لغات عديدة،
بحيث إنه منع التواصل بينهم، "فلا يفهم
بعضهم لغة بعض". -
ثانيًا،
عزم الرب على تفريقهم من هناك على وجه الأرض،
فلا يجمعهم بعد ذلك مكانٌ أو مدينةٌ واحدة،
فتنتفي بذلك مقوِّماتُ وحدتهم أو قوميتهم،
فلا يعودوا شعبًا واحدًا، بل شعوب. تصلح هذه الرواية لأن تكون
استعارة لواقع العولمة في يومنا هذا: ألا نعيش
اليوم في قرية كونية تتقاصر فيها المسافاتُ
تدريجيًّا، وتفرض فيها لغةُ المعلوماتية
نفسها لغةً أساسيةً للتواصل بين الشعوب، على
اختلاف أجناسهم ومواقعهم؟ أما إذا فتشنا عن
علَّة هذا النموذج الوحدوي، فنجدها في هدفه
الأخير، ألا وهو إبراز عظمة الإنسان وجبروته
ليس إلاَّ. لقد اندثرت وحدة البشر لأنها
تحوَّلت إلى هدف في حدِّ ذاتها، لا كممرٍّ إلى
ما هو أسمى منها، أي كتعزيز لحياة الإنسان
وإعلاء شأنه. مفهوم الوحدة التي عمل في سبيلها
أهل بابل في النص الكتابي يقوم على التماثل uniformisme
والكلِّيانية totalitarisme:
إذ إنها تعمل على إلغاء التمايز بين الأرض
والسماء وبين الأفراد أنفسهم. ففي هذه النقطة
بالذات يكمن الاختلاف مع النموذج "العالمي"،
إذا صحَّ التعبير، الذي يظهِّره مشهدُ
العَنْصَرَة. يروي لنا سفر
أعمال الرسل في الفصل الثاني أن الروح القدس
حلَّ على تلاميذ يسوع، إذ كانوا مجتمعين في
أورشليم في مكان واحد بُعَيد صعود معلِّمهم
وربِّهم إلى السماء. على إثر هذا الحدث
الخارق، أخذ هؤلاء يتكلَّمون بلغات غير لغتهم.
وقد اتفق أن كان في أورشليم يهودٌ من كلِّ
أمَّة تحت السماء، فأخذ الرسل يخاطبونهم
ويحدِّثونهم بعجائب الله. لكن هؤلاء الحجَّاج
دُهِشوا جدًّا حين سمعوا أتباع يسوع
الجليليين يحدِّثون كلاًّ منهم بلغته.
فخطابهم الذي وحَّد هذه الجماهير على اختلاف
مشاربهم لم يُلغِ الفوارق في ما بينهم، بل دفع
بهم في اتجاه واحد: ألا وهو سماعُ كلمة الحياة
والخلاص والسيرُ على هَدْي منها. فالشمولية في
هذا السياق ليست هدفًا في حدِّ ذاتها، بل
ممرٌّ إلى بلوغ كلمة الحياة إلى الإنسانية
جمعاء. "العالمية" التي تروِّج لها
العَنصَرة تحمل في طياتها مشروعًا وحدويًّا
يتحقق من خلال احترام خصائص الأشخاص
والمجتمعات ومزاياها، وليس من خلال سحق هذه
الخصائص والمزايا وإلغائها. في هذا الجو
يحتفظ كل إنسان بلغته وهويته الخاصة التي لا
تعود تشكِّل عائقًا يمنعه من التواصل مع
الآخرين. هـ. العولمة
في تعليم الكنيسة الاجتماعي تنطلق الكنيسة
في تقويمها لكلٍّ وجه من أوجُه العولمة من
المبدأ الأدبي العام القائل بأن أيَّ تطور
اجتماعي جدير بهذا الاسم (تطور) عليه أن يطاول
كلَّ إنسان وكلَّ الإنسان، أي الإنسان في
كلِّيته. في عبارة أخرى، كل تطوُّر يبقى
ناقصًا إنْ هو أغفل بُعدًا واحدًا من أبعاد
الإنسان الحياتية (الاجتماعي، الديني، إلخ)
أو تعارَضَ معه، أو إذا استثنى، لسبب ما (الدين،
العرق، المستوى الاجتماعي، إلخ)، مجموعةً
بشريةً معينةً أو فردًا واحدًا حتى. على منافع
هذه السيرورة أن تطاول الإنسانية جمعاء وألا
تكون حِكْرًا على "نخبة" من الذين
يسيطرون على المعارف والتكنولوجيا ووسائل
الاتصالات والإعلام، بل وعلى الموارد
الطبيعية، على حساب السواد الأعظم من سكان
الأرض. هذا الهم عبَّر عنه في إسهاب
قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته تقدُّم
الشعوب Populorum progressio.
لذلك فإن كلَّ حكم على أيٍّ من مظاهر العولمة
يجب أن ينطلق من القيمة المطلقة للكائن
البشري التي هي في الأساس من الشرائع
كلِّها ومن كلِّ نظام اجتماعي. لا يمكن
للإنسان، لأيِّ سبب كان، أن يتحول إلى وسيلة
أو سلعة، بل يجب أن يكون، في آنٍ واحد، رائدَ
كلِّ تطور وغايته. من ناحية أخرى،
شدَّد قداسة البابا في حديثه المذكور آنفًا
أنه يجب على هذه الظاهرة، كحركة عالمية
جديدة، ألا تحترم القيمة المطلقة للإنسان
كفرد فقط، بل وقيمة كلِّ الحضارات البشرية
التي لا يحق لأيِّ سلطة، مهما علا شأنُها، أن
تحتقرها أو أن تدمِّرها. هذا المبدأ يقي
العولمة من خطر تحوُّلها إلى شكل جديد من
أشكال الاستعمار. فاحترام تنوع الحضارات في
إطار التآلف والتكامل بين الشعوب يشكل مدخلاً
رئيسيًّا لفهم الحياة في شكل عام. لذلك يترتب
على العولمة ألا تحرم الشعوب، وبخاصة الفقيرة
منها، مما بقي لها من تقاليد وعادات، وبالأخص
من إرثها الديني. فالمعتقدات والمناسك
الدينية ما هي إلا المظهر الأصدق والأسمى
لحرية الإنسان. خاتمة نختتم بالقول
إن العولمة تشكِّل، أولاً، معطًى حضاريًّا
وإنسانيًّا جديدًا يحفِّز الديانات للتأقلم
معه ولصوغ موقف واضح منه لكي يبقى لرسالتها
وجودٌ وفاعليةٌ في عالم اليوم. لكنه أيضًا، من
خلال ما يُسمَّى بالثورة التكنولوجية، أحدث
تغييرًا جذريًّا في واقع البشرية وفي أُطُر
العلاقات بين الشعوب والأديان. فالاتصال
المباشر والاحتكاك الدائم بين معتنقي
الديانات المختلفة يطرح على الأخيرة أسئلةً
ما كانت لتُطرَح في عالم كانت فيه حدودُ
الحضارات والمعتقدات واضحةً ومعترفًا بها
ضمنًا من الأطراف كافة. أما اليوم، فالتقوقع
والانكفاء داخل حصون دينية أو مذهبية أصبح
غير ممكن بعد أن غزت المعلوماتية بقاع الأرض
كافة. فالواقع الجديد هذا يشكل حافزًا
وتحديًّا كبيرين للديانات في تفاعُلها
لتنتقل من حيِّز المنافسة، التي تتحول إلى
تصادُم أحيانًا، إلى حيِّز السعي الدءوب
لبناء حضارة مشتركة يكون فيها الإنسان –
كلُّ إنسان – مركز اهتمامها جميعًا. فالأديان،
كافة، مدعوة لإعادة صياغة خطابها، وبالأخص
ذلك الذي تعبِّر فيه عن نظرتها إلى الآخر
وموقفها منه، ولاسيَّما أن المسافات بين
الشعوب والحضارات آيلةٌ إلى الانحسار وأن
الكثير من ملامح الاختلاف عن هذا "الآخر"
سائرةٌ إلى زوال. فزماننا زمان تَلاقٍ
وتفاعُل بقدر ما هو عصر أزمات في تحديد هوية
كلٍّ منا. وواجبنا، كرجال إيمان، أن نُبرِزَ
ما في تراثنا الديني من كنوز تُغنينا بقدر ما
تغني أولئك الذين يجهلونه. تجدنا في ذلك في
سباق مع الوقت وفي صراع مع تلك القوى
المتشنِّجة التي لا قدرة لها على قبول تحدِّي
إعادة صوغ هويتها الدينية. وسبيلنا إلى
الانتصار لخير البشرية وللسلام بين أبناء
القرية العالمية الواحدة هو جزمًا توسيع
مساحات التلاقي والحوار في ما بيننا. ***
*** *** [*]
عميد كلية اللاهوت، الجامعة الأنطونية،
بعبدا.
|
|
|