|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
إنَّ مبدأ اللاعنف، الذي بشَّر به، منذ قديم الزمان، ومارسَه حكماءٌ من نحو البوذا ومو تسُه والمسيح وبعض الرواقيين، وفي العصر الحديث، جمهرةٌ من مؤسِّسي المذاهب أو الفلاسفة، قد مَنْهَجَه غاندي في القرن العشرين لتحقيق غايات سياسية واجتماعية (تحرير الهند من السيطرة الإنكليزية، إلغاء نظام المراتب الاجتماعية castes، المصالحة بين الهندوس والمسلمين). فبحسب تعبير القس الأمريكي مارتن لوثر كنغ: "المسيح أعطى الروح، وغاندي بيَّن كيفية استعماله." وبذا فإن الفنون التي استُكمِلَ إتقانُها قد ثبتتْ فعاليتُها في الهند، فأصبح اللاعنف، بدلاً من أن يظل مثاليةً غير قابلة للتطبيق في الظاهر، أداةَ نضال ذات قوة هائلة. وقد مورِسَ منذئذٍ في بلدان عديدة، وبالأخص في أيرلندا في الكفاح من أجل الاستقلال، في الولايات المتحدة في مطالبة السود بحقوقهم المدنية وبالمساواة العرقية، في إيطاليا ضد البؤس في صقلية، وفي فرنسا ضد حرب الجزائر.
قال قائد قوات الاحتلال لعمدة القرية الجبلية: "نعلم أنكم تخبئون خائنًا. فإذا لم تسلمه إلينا سوف نتحرش بك وبقومك بكلِّ ما أوتينا من وسائل." كانت القرية تخفي بالفعل رجلاً بدا صالحًا وبريئًا وكان محبوبًا من الجميع. ولكن ماذا كان بوسع العمدة أن يعمل الآن وسلامة القرية في خطر؟ لم تؤدِّ أيامٌ من المناقشات في مجلس القرية إلى نتيجة. لذا أخذ العمدة أخيرًا الأمر على عاتقه مع الكاهن، فقضى الاثنان ليلةً كاملةً يفتشان في الكتب المقدسة، حتى توصلا أخيرًا إلى النص الذي يقول: "خيرٌ لكم أن يموت رجلٌ واحد عن الشعب ولا تهلك الأمَّة بأسرها." وهكذا سلَّم العمدة الرجل البريء الذي تردَّد صدى صراخه عبر القرية وهو يُعذَّب ويُعدَم.
مع أن دزموند توتو لم يكن قد التقى أبدًا بستيڤن بيكو، فهو الذي طُلِبَ منه في العام 1977 أن يؤبِّن هذا المجاهد الأسود الذي لَقِيَ حتفَه في ميتة فظيعة تحت التعذيب في إحدى مخافر شرطة جنوب أفريقيا. كان أكثر من 30000 شخص حاضرين الجنازة، ينتابهم شعورٌ بالحزن ممتزج بشعور بالغضب يكاد أن يتعذَّر كظمُه. إذ لم يفقد هؤلاء في ستيڤ بيكو زعيمًا ساعدَهم على تنظيم صفوفهم وحسب، بل رجلٌ رفع من معنوياتهم أيضًا، مقويًا فيهم الاعتزازَ بلون بشرتهم ومذكِّرًا إيَّاهم بتاريخهم المجيد. يومذاك، كلَّمهم دزموند توتو على الغفران، كما كان فعل مرات عديدة من قبلُ وكما فعل تكرارًا من بعدُ – الغفران للشهداء وللخونة على حدٍّ سواء –، فحثَّ أصدقاءَ الفقيد على "الصلاة من أجل قادة البلاد ومن أجل الشرطة – ولاسيما قوى الأمن وحرَّاس السجن – حتى يدركوا أنهم بشر هم أيضًا. إنِّي أسألكم أن تصلوا من أجل البيض في جنوب أفريقيا." يعرف دزموند توتو، على غرار غاندي ومارتن لوثر كنغ وستيڤن بيكو، أن "القمع ينزع الإنسانية عن القامع بقدر ما ينزعها عن المقموع". إنه ينصح لأصحابه أن يصونوا كرامتهم ويذكِّرهم بأن لا أحد بمقدوره أن يسلبهم إيَّاها. وهو مافتئ يدعو إلى حلٍّ لاعنفي في الكفاح من أجل الحرية الذي نهض له السودُ في جنوب أفريقيا. وقد مُنِحَ جائزة نوبل للسلام في العام 1984 تقديرًا لجهوده.
قرأت لتوِّي ببالغ الانتباه النصوص التي
تقدِّم حملة التعبئة تضامنًا مع الشعب
الفلسطيني والتي أقرَّها "منتدى المنظمات
غير الحكومية الفرنسية من أجل فلسطين"[2] – حملةً المزمع أن تتسنَّم ذروتَها في
تجمُّع كبير سوف ينعقد في 17 أيار 2008 في حديقة
المعارض ببوابة ڤرساي. وفي حواري الودي مع
هذه المنظمات، أود أن أحاول التعبير عن ماهية
تحليلي للوضع الحالي في الشرق الأدنى.
لا
يسوغ التعريفُ عن فضيلة
إلا بالاقتراب من أصحابها. وهذا يصح بالدرجة
الأولى على الوداعة لأنها ليست من الأرض
الفاجرة المليئة، منذ قايين، بروح العنف
وإقصاء الآخر. القاعدة أن سواي الذي ينافسني
يجب أن يموت. لكن الموت هو الوسيلة القصوى
التي دونها مخاطر كثيرة وعدم ألفة مع الدم
وخشية الثأر في المجتمعات القديمة أو السجن
أو الإعدام. القتل يحتاج إلى بهيمية كبيرة
لطَّفَها المجتمعُ وإلى تفعيلٍ للبغض قلَّما
نملك ثمنَه. غير أن الفظاظة إذا لم تصل بنا إلى
الذبح نعيشها في القلب على الكثافة
نفسها، فإذا بنا قتلة بلا سلاح!
|
|
|