|
إضاءات
قلت
أمس إنني جئت إلى هذه الحلقة لأنها تتعلق
بالحرية – وهي أسمى هدف للمرء في حياته، لأن
الحياة، في نظري، انغلاق فانطلاق: تنغلق
الحياة في البيضة، لتنطلق منها نسرًا أو
هزارًا؛ وتنغلق في البذرة، لتنطلق زهرة أو
عشبة أو شجرة أرز؛ وتنغلق في الرَّحِم،
لتنطلق إنسانًا أو فيلاً أو خلدًا... وفي كلِّ
حال، إنه انغلاق فانطلاق. فإذا عرفنا أن وراء
الانغلاق والانطلاق نظامًا شاملاً، وَجَبَ
علينا أن ندرس ما وراء هذا الانغلاق
والانطلاق.
ربَّما
سيُقالُ في المستقبل عن التَّاريخ الرَّاهن
الذي تكتبه، على الأخص، السِّياسةُ
الأمريكية، وتشارك فيه السِّياسَةُ
العربيَّة والسِّياسةُ الإسرائيليَّة
بنصيبٍ كبير، إنَّه ليس إلاَّ بلاغةً
تُعمِّمها وسائلُ الإعلام الكثيرة
المتنوِّعة للتوكيد على أمرين: 1.
العالم سلعةٌ. 2.
السِّياسة –
لغةً – هي فنُّ التَّسْليع.
كثيرًا ما يقذفونني بأسئلة من مثل: "ما هو
انتماؤكَ الطائفي و/أو المذهبي و/أو الديني و/أو
القومي و/أو الحزبي؟" ويكون جوابي
دائمًا بأنني، حتى الآن، لا أعرف – ذلك أنني
لم أقررْ بعد!
لأن
القضية، وفي حالنا هذه تحديداً، هي قبل كل
شيء، قضية مساررة... وهذا منطقي وطبيعي
بالنسبة لجماعة عرَّفت نفسها بكل وضوح منذ
البداية بأنها "تنظيم
مسارّي نقلي...". ولأنه لكل مساررة
تقاليدها وطقوسها. كذلك الأمر بالنسبة
للماسونية العملية
أو التأملية. خاصةً وانه كما قال رونيه غينون
" ... لم يبقى في العالم الغربي، وكتنظيم
مسارّي يستطيع الادعاء بنسب تقليدي حقيقي،
إلاّ معلمي الكار والماسونية..."لذلك،
فإننا سنحاول في هذا القسم من بحثنا، ومن أجل
تفهم أكبر لطبيعة الماسونية وأبنائها، تسليط
بعض الضوء على ما نعتقد أنه
أهم ما لديهم. نقصد، طقوسهم ورمزيتها... مؤكدين
خاصةً – واستناداً إلى ما يقولونه عن أنفسهم -
على الدرجات الثلاثة الأولى. ثم سنحاول،
واستناداً إلى نفس المرجعية، فتح نافذة قد
تنير الطريق بالنسبة لما قد تعنيه درجاتها
العليا... ونبدأ أول ما نبدأ بـ...
لا
يمكننا
تناوُل موضوع الهوية بمعزلٍ عن جملة من
المسائل المتداخلة والمتشابكة في تعقيد
مدهش، لأنَّ تجاهل أيِّ عنصر منها يؤدي إلى
قصور في الدراسة. يتيح لنا المنظور الجديد
إلى العالم، المنبثق عن التطور الهائل في
حقول العلوم العملية، استعارة مقترب الشبكة،
الذي يُرى من خلاله العالمُ كنسيج من
العلاقات اللامتناهية، بحيث باتت الأولوية
فيه تُعطى للـسيرورة–العلاقة، بدلاً من
"البنية"، التي اعتُبِرَتْ، فيما سبق،
أساسًا لأية منظومة فكرية، فغدا من المتعذر،
بالتالي، التعامل مع الجزء إلا من خلال الكل.
وهكذا فإنَّ رؤية كهذه تجعلنا أقرب إلى معرفة:
لماذا نعيش في عالم من الهويات؟
|
|
|