|
أبناء الأرملة... (الجزء الثاني) (محاولة)
بقلم:
أكرم أنطاكي
"...
أين أنا؟ ماذا تراني أفعل هنا؟ أتراهم يسخرون
منّي؟ ألن
أخجل من نفسي مستقبلاً حين أعود لأتذكر كل
هذا؟..." ليف تولستوي على لسان الكونت بيير
بيزوغوف
الحرب والسلم مقدمة... لأن
القضية، وفي حالنا هذه تحديداً، هي قبل كل
شيء، قضية مساررة... وهذا منطقي وطبيعي
بالنسبة لجماعة عرَّفت نفسها بكل وضوح منذ
البداية بأنها "تنظيم
مسارّي نقلي...". ولأنه لكل مساررة
تقاليدها وطقوسها. كذلك الأمر بالنسبة
للماسونية العملية
أو التأملية. خاصةً وانه كما قال رونيه غينون
" ... لم يبقى في العالم الغربي، وكتنظيم
مسارّي يستطيع الادعاء بنسب تقليدي حقيقي،
إلاّ معلمي الكار والماسونية..."[1]
لذلك،
فإننا سنحاول في هذا القسم من بحثنا، ومن أجل
تفهم أكبر لطبيعة الماسونية وأبنائها، تسليط
بعض الضوء على ما نعتقد أنه
أهم ما لديهم. نقصد، طقوسهم ورمزيتها... مؤكدين
خاصةً – واستناداً إلى ما يقولونه عن أنفسهم -
على الدرجات الثلاثة الأولى. ثم سنحاول،
واستناداً إلى نفس المرجعية، فتح نافذة قد
تنير الطريق بالنسبة لما قد تعنيه درجاتها
العليا... ونبدأ أول ما نبدأ بـ... 1 الأدوات...
والتي
هي تلك التي يحتاجها البنّاء كي يتمم عمله.
لأن الأدوات الأساسية التي تستعملها
الماسونية مجازاً ورمزاً هي في الأصل، تلك
التي كان يستعملها البناؤون العمليون في
الأزمنة القديمة. وأول هذه الأدوات وأهمها –
الأمر الذي يجعلها مقترنة بالماسونية كشعار،
إن لم نقل رمزها الأساسي – هي الزاوية
والفرجار...
اللوحة الأولى – شعار
الماسونية واهم أدواتها الرمزية، الزاوية
والفجار حيث
تمثل الزاوية العنصر السلبي أو الجامد لكن،
الضروري والذي لا غنى عنه لتحديد استقامة
وصحة قائمية الحجر و/أو المنشأة. بينما يمثل
الفرجار العنصر الإيجابي أو المتحرك الذي
يؤكد على ملكة الفكر وتحكمه بالمادة. هذا
وتختلف في الرمزية الماسونية، وحسب الدرجات،
إن لم نقل، حسب مقدرة البنّاء على التحكم
بطبيعة الأشياء، وضعية كل من الفرجار
والزاوية أحدهما بالنسبة للآخر. ففي الدرجة
الأولى التي هي درجة
المبتدئ، ولما كانت المهمة الأساسية
المطلوبة من هذا الأخير تتمحور حول صقل نفسه،
بحيث تتطور من حجر أصم إلى حجر مصقول
ومنحوت يمكن استعماله في البناء، نجد أن
الزاوية تأتي من حيث وضعيتها
فوق الفرجار الذي ما زال على المريد تعلم
كيفية التحكم به واستعماله كما يجب. أمّا في الدرجة
الثانية والتي هي درجة
الرفيق فنلاحظ تداخل الإثنين ببعضهما
البعض. بينما في الدرجة الثالثة أي في درجة
الأستاذ فإننا نلاحظ ركوب الفرجار،
الذي هو استحقاقاً أداة المعلم، فوق الزاوية...
ونتابع
استعراض باقي الأدوات، وفقاً لأهميتها
فننتقل إلى المطرقة والإزميل...
اللوحة الثانية – ومن
أهم الأدوات أيضاً، المطرقة والإزميل اللتين
هما الأدتين الرئيسيتين المستعملتين من قبل
البنّاء لتشذيب وصقل الحجر الأصمّ. وهذه
ترتبط في الماسونية بدرجة المبتدىء أي
بالدرجة الأولى. لكنها ايضاً، وخاصةً منها
المطرقة، تعتبر من الأدوات الأساسية لرئيس
المحفل ولمراقبيه ومن رموز سلطتهم. ونلاحظ
هنا أيضاً أننا أمام عنصرين أولهما أيجابي (الا
وهو المطرقة) وثانيهما سلبي (الذي هو الإزميل).
هاتان الأداتان اللتان يتحدث عنهما أوزفالد
فيرث حين يقول أنه "... يستلزم الأمر
بطبيعة الحال أداتان (لنحت الحجر الأصم):
الأداة الأولى تمثل ما نقرره أصلاً في صميم
أنفسنا: وهو الإزميل الذي نتناوله باليد
اليسرى، أي العنصر السلبي، الذي يرمز إلى ما
نتلقاه فكراً ونميزه تحليلاً. بينما
الأداة
الأخرى التي تجسد الإرادة المنفّذة: أي
المطرقة، فهي رمز السلطة، التي نشهرها
باليد اليمنى، أو لنقل العنصر الإيجابي،
المرتبط بالطاقة الفعالة والإرادة الأخلاقية
التي ينبع عنها كل تحقق فعلي على أرض الواقع..."[2].
وأيضاً...
من
الأدوات الأساسية التي يستعملها البنّاء، القائم
و... المستوي...
اللوحة الثالثة
والرابعة – ومن
الأدوات أيضاً، القائم والمستوي هذا
(المستوي) الذي كما قال بلانتاجينيت "...
يمثل... العدالة الفطرية التي لا علاقة لها
بتدرج القيم إنما يذكرنا دائماً بأن علينا
معالجة كل الأمور بصفاء..."[3]
امّا القائم فهو كما قالت جيدالج "... رمز
البحث - المتعمق – في الحقيقة، ورمز الثقة
بالنفس والتوازن الذي يبدو وكأنه يقود إلى
غرفة الوسط..."[4]
لهذا،
يقولون في الماسونية، أنه عندما يصبح المبتدئ
رفيقاً فإنه ينتقل من المستوي إلى القائم. وأخيراً
كأدوات، هناك المسطرة والعتلة
والمالج... تلك التي تتجلى
قيمتها بكامل أبعادها في الدرجة الثانية أي
في درجة الرفيق، من خلال ما يرمز إليه كل منها
خلال "الرحلات الخمس" لهذه الدرجة،
والتي هي (حسب الطقس) كما يلي: جدول
يبين الأدوات حسب الرحلات والطقس بالنسبة
لمريد الدرجة الثانية أي الرفيق
وهي رموز سنحاول
توضيحها بشكل أفضل ضمن سياق بحثنا الذي
يقودنا بطبيعة الحال إلى بعض التوسع في
الدرجات الأساسية للماسونية. ونبدأ بـ... 2 رمزية الدرجة الأولى
أو... المبتدئ...
اللوحة الخامسة
والسادسة – المبتدىء وشعار الدرجة الأولى
حيث نلاحظ وضعية الزاوية فوق الفرجار 1
– لأنه حين يدخل
"المريد" الذي ما زال جاهلاً (profane)
غرفة التأمل. وهي (كما
يفترض) غرفة صغيرة متشحة بالسواد. فإنه يجد
أمامه بقايا هيكل عظمي وجمجمة ومنضدة صغيرة
وضع عليها بعض أدوات الكتابة – محبرة وريشة
وورق – وأيضاً... يجد على المنضدة نفسها قطعة
خبز وإبريق ماء وإبريق آخر يحتوي على بعض
الكبريت ووعاء يحتوي على بعض الملح... وعلى
جدران هذه الغرفة يجد معلقاً بعض الشعارات
الغريبة التي تبدو وكأنها تخاطبه حين تقول
مثلاً وليس حصراً أنه: "
إن دخلت إلى هنا بدافع من
الفضول فاخرج من فضلك... " و...
" إن شعرت بالخوف
يتملك نفسك فتوقف ولا تستمر... " ولكن... " إن قررت
الاستمرار، فستتحرر من عناصرك، وتخرج من
أعماق الجحيم، وترى النور..." ويجد أيضاً، (معلقاً)
على أحد الجدران، لوحة رمزية تزين الغرفة،
وعليها رسوم وكلمات غريبة. كصورة ديك. وأحرف V.I.T.R.I.O.L.
وأشياء أخرى...
اللوحة السابعة –
اللوحة الرمزية المتعلقة بدرجة المبتدىء ذلك أنه يتوجب على
المريد في هذا "السجن" إعادة التفكير
بحياته الماضية وتحديد ما يبتغيه من حياته
الجديدة المفترضة. كما يتوجب عليه الإجابة
بصدق على الأسئلة الثلاثة التي ستطرح أمامه.
وأن يكتب وصيته... فماذا يعني كل هذا؟ إنه يعني اولاً،
أنه بعد خروجه من هذا المكان سيكون المريد قد
مات بالنسبة لحياته الماضية. وأنه أصبح
مستعداً لمجابهة مسؤوليات ما تتطلبه حياته
الجديدة. تلك التي يتوجب عليه ههنا (وفي هذه
الغرفة بالذات) أن يتهيأ لها. وهذا يعني ثانياً،
وكتحصيل حاصل، أن عليه من أجل ذلك الغوص في
أعماق نفسه؛ إن لم نقل في أعماق جحيمه. وهذا
تحديداً ما تعنيه إختصاراً أحرف V.I.T.R.I.O.L.
التي إن أعدناها إلى أصلها اللاتيني " Visita
Interiora Terrae Rectificando Invenice Ocultum Lapidem
”
تعني "قم بزيارة باطن الأرض تجد صخرة الحكمة
المستورة"...
وحيث الكبريت والزئبق (و/أوالديك) والملح هي
المبادىء الباطنية الثلاثة التي يرمز أولها
إلى العنصر المذكر وثانيها إلى العنصر المؤنث
وثالثها إلى العنصر الحيادي... أما الخبز
والماء فهما يرمزان إلى ما هو أساسي في هذه
الحياة حيث يتوجب على المريد تعلّم ضرورات
التقشف وأهميته. ويجيب "المريد"
كتابةً على ما يطرح أمامه من أسئلة ثلاثة قد
تكون ربما "من أين اتينا؟ ومن نحن؟ وإلى أين
نسير؟" ويكتب ما يصطلح على تسميته "وصيته
الفلسفية". ثم... يجرَّد من معادنه (أي
مما هو بحوزته في حينه من مالٍ وزينةٍ وأشياء
مادية أخرى) فيسلمها إلى الأخ "خادم المحفل".
ويُكشف عن الجانب الأيسر من صدره، وبعد
تجريده من نعليه يكشف عن ركبته اليمنى، ويلبس
خفّاً في قدمه اليمنى، ثم تعرى قدمه اليسرى.
وتغطى عيناه بضماد كثيف يمنعه من الرؤيا...
اللوحة
الثامنة – وتمثل حال المريد )المبتدىء(
وهو على وشك دخول المحفل ما يعني رمزاً أن
عليه أن يكون صادقاً (ما يرمز إليه كشف منطقة
القلب)، متواضعاً (ما يرمز إليه كشف الركبة
اليمنى)، وأن يحترم المكان المقدس الذي هو على
وشك تجاوز عتبته (ما ترمز إليه تعرية القدم
اليسرى). وأنه ما زال حتى هذه اللحظة أعمى (ما
يرمز إليه الضماد الذي يمنعه من الرؤيا). 2
-
ثم يؤذن له بعد هذا، بأن يطرق بوابة المحفل
التي تنفتح أمامه بصخب... تلك البوابة التي
يُسمح له بتجاوز عتبتها شريطة أن يكون حرّ
المولد وحسن الأخلاق... فيتقدم إلى داخل
المحفل ورأس سيف متألق يضغط بنعومة على صدره.
ويقوم برحلاته الرمزية الثلاثة. تلك التي
يصفها أوزفالد فيرث[6]،
كما يلي... الرحلة الأولى:
"... لأن مسار المرء الذي يبدأ التدرب على
التفكير الحرّ يكون بادىء ذي بدء كمسار
الأعمى. فإننا نراه ينطلق مبتدئاً من الغرب (الذي
يرمز إلى العالم الحسّي والملموس)، فيتجه نحو
ظلمات الشمال عبر تلك الغابة التي وصفها دانت
وحيث يتواجد مختبئاً الغصن الذهبي الذي هو
رمز مفتاح أبواب الجحيم. فيتعلم التعميم
والاستنتاج وغالباً ما يخطىء... لذلك نراه
يعيد الكرة من جديد مصححاً أخطاءه. ما يقوده
شرقاً إلى عالم التجريد... ثم يدفعه غرباً (إلى
العالم الحقيقي)... وتكون رحلته الأولى هذه
مليئةً بالأشواك، فيرتفع فيها إلى القمة ثم
يهبط فجأة إلى الأعماق. ويشعر في نهايتها بتعب
شديد. وبشعور مرير بالفشل...". وتكون... الرحلة
الثانية:
" ... لأن فشله في الأولى لا يدفعه إلى
اليأس. لذلك نراه يحاول تلمّس مسببات أخطائه.
فيعود أدراجه. ويتقدم بحذر فتتملك الحيرة
نفسه...لكنه، في هذه الرحلة، التي تتحقق فيها
معموديته الفلسفية (بالماء)، تعود إليه ثقته
بنفسه... فيتعلم التفكير بحرية بمفرده، من دون
أن يصبح أسيراً لرأي الآخرين... لكن، الحكمة
التي تعلمها في هذه الرحلة لا تكفي حيث ما زال
عليه إتمام..." الرحلة
الثالثة:
"... تلك التي يتوجب عليه فيها التعرف إلى
مملكة الجحيم، وهي رمز الحقيقة المختبئة في
أعماق قلبه. وأن يجرب لهيب نارها... لكن المريد
السائر بخطى واثقة سرعان ما يتجاوز هذه
المرحلة بلا صعوبة ويصل إلى هدفه. فيتملكه
شعور عميق بالراحة وبالثقة. تلك الثقة
الناتجة خاصةً عن حبه العميق للآخرين. وعن
هذه النار التي يفترض أن تبقى دائماً في قلبه
متألقة لا تنطفىء..." ويشرب المريد بعد هذا
من "كأس المرارة". والتي هي (رمزاً)
كأس المسؤولية والحرية. ثم، بعد أدائه القسم
أمام الهيكل، و... تعلّم الإشارة وكلمة السرّ
المتعلقة بدرجته... تعاد إليه معادنه، ويصبح
المريد المبتدىء متدرباً. 3 في رمزية الدرجة
الثانية أو... الرفيق...
الللوحة التاسعة
والعاشرة – الرفيق وشعار هذه المرتبة حيث
نلاحظ تداخل الزاوية مع الفرجار لأنه
"... عندما يتملك المتدرّب ما يكفي من
الفهم النظري بحيث يصبح بوسعه استيعاب طقوسية
مساررته الأولى، يصبح بإمكانه التطلع إلى
المساررة الثانية. عندئذ، يعود الأمر لأستاذه
كي يقترح تقديمه إلى المحفل من أجل الحصول على
الترقية التي أضحى يستحقها. لكن المشغل لا
يعطي قراره إلاّ بعد الاستماع إلى المرشح
الذي يتوجب عليه، وأمام باقي الممتهنين،
الإجابة على ما يطرح أمامه من أسئلة تتعلق
بالدرجة الأولى... ولعل أهم سؤال يتوجب على
المريد إجابته في حالنا هو من نحن؟.."[7]
ويحضّر
المريد لتلقي راتبه الأعلى لكن التحضير في
هذه الدرجة، وحسب أوزفالد فيرث، هو تحضير
أخلاقي من حيث الأساس[8].
بمعنى أنه في هذه المرحلة بات يتوجب عليه أن
يوضِّح لإخوانه في المحفل
"... ماذا أعدّ في قلبه للحصول على
درجته الثانية..."[9] ونسجل
هنا مع الأسف، ما نلاحظه بشكل عام في الحياة،
أن هذه الدرجة التي يفترض أن تكون الأهم
والمرتكز والأكثر اتساعاً في الماسونية، هي
عملياً على أرض الواقع أقلها اتساعاً، وأقلها
أهميةً. وهذا قد يعود ربما – حسب جول بوشيه[10]
- الى عدم تفهم الماسون بمعظمهم لما تعنيه
رمزية "الرحلات الخمسة"
المرتبطة بهذه الدرجة الأساسية.
تلك الرحلات التي يقوم بها المريد بعد أدائه
القسم والتي سنحاول إيجازها كما يلي:
الرحلة الأولى: التي من المفترض أن
يكتشف المريد فيها ما تعنيه الحواس الخمسة،
أو ربما كما عبر أوزفالد فيرث رمزاً "...
تعلم استعمال أدوات مهنته...". "... لأن
النظرية تبقى بلا فائدة ما لم تقدنا إلى
التطبيق العملي. كما أن العمل يفرض نفسه بنفسه
على المريد ما دام يرى الأمور بوضوح وما دامت
الغشاوة قد زالت عن عينيه. لهذا فإن من أهم
واجبات الرفيق التدرب على العمل من خلال
الثقافة المنطقية وقوة الإرادة. لأن عليه
إتمام تنوير نفسه وتعلم استعمال هذه الإرادة.
وأدواته المعبرة في هذه الرحلة هي المطرقة
والإزميل..."[11]
أمّا في... الرحلة الثانية: فيتعلم المريد
الطامح لأن يصبح رفيقاً معنى الأنظمة
الهندسية الأربعة (أو الخمسة حسب بعض المراجع).
تلك التي أدواتها الرئيسية الفرجار والمسطرة
حسب الطقس الأسكوتلندي (أو الزاوية والفرجار
حسب الطقس الفرنسي و/أو الحق الإنساني). "...
لأن المسطرة والفرجار يعلمان كيف نوفق بين
المطلق والنسبي؛ ما يعني ان لا نرفع مثاليتنا
أعلى مما تتوجبه الأمور؛ ما يعني أيضاً أن لا
نطلب أبداً شيئاً يستحيل تنفيذه؛ وما يعني
أخيراً أن نتجنب الوقوع في أي تصلّب عقائدي
غالباً ما يخطىء مساره على أرضية الواقع. من
هذا الإدراك، لا يبقى من عائق أمام النفس سوى
تلك العوائق التي تضعها المادة والتي يتوجب
قياسها وتجاوزها بصبر وذكاء..."[12]
خاصةً، وأنه ما زال يتوجب على الرفيق أن يتفهم
كل أوجه وأبعاد مهنته، ما يعني رمزاً متابعة
المسير أو لنقل القيام بـ... الرحلة الثالثة: تلك التي أدواتها
الرئيسية، وفي مختلف الطقوس، المسطرة
والعتلة. والتي يربطها الطقس الفرنسي رمزاً
بالعلوم بينما يربطها الطقس الأسكوتلندي
بالفنون الحرّة السبعة التي يتوجب على
الماسوني كما يقول بلانتاجينيت "... أن
يصونها كصميم إيمانه، وكما كان يقدمها رمزاً
الدستور القديم للـ(البنائين) العمليين.
تلك التي هي تعداداً القواعد والبلاغة
والمنطق والحساب والهندسة والموسيقى وعلم
الفلك، هذه الفنون التي يتلقى المريد
المبتدىء، وإلى يومنا هذا، التعاريف
المتعلقة بها..."[13]
وتتجسد هذه العلوم من حيث الرمز بالعتلة
التي "... كما تتجلى في المساررة،
ليس بوسع أي شيء أن يقاوم قوتها. إلى حدّ ان
أرخميدس حين تحدث عنها كمسار ادعى أن بوسعه
بواسطتها رفع العالم..."[14].
ونتابع مع... الرحلة الرابعة: التي أدواتها وفق
الطريقة الأسكوتلندية المسطرة والزاوية.
وحيث يتعرّف المريد (حسب نفس الطريقة) إلى
الفلاسفة الخمسة، والذين هم تعداداً وفق هذه
الطريقة: صولون، سقراط، ليسورج، فيثاغوراس
ويسوع... وهو تعريف يتجاهله أوزفالد فيرث الذي
يفضل من ناحيته هنا أيضاً (وقد يكون محقاً من
وجهة نظرنا)، التقيد برمزية الأدوات. تلك التي
هي في الحقيقة مسار في منتهى العمق. لأنه
يوصلنا في النهاية إلى... الرحلة الخامسة والأخيرة لهذه
الدرجة، والتي يؤكد أوزفالد فيرث بشكل أساسي
على طابعها التأملي. "... لأنه، وبعد أن
يكون قد بذل كل جهده، يصبح من واجب الرفيق
تكريس بعض الوقت للتأمل. أي للاستيعاب
الداخلي للملاحظات التي تراكمت عنده خلال
رحلاته الماضية. وهي اكتشافات عميقة بات عليه
هضمها. وهذا أمر لا يتم مباشرة ولا بسهولة..."[15] إن
الطابع العملي لهذه الرحلات قد يفسر ربما،
حسب جول بوشيه، عدم الاهتمام الكافي للماسون
بهذه المرتبة.[16]
لكنه، من وجهة نظرنا، لا يبرره إطلاقاً. لأن
التجاوز السريع لهذه المرتبة، دون استيعابها
كما يجب، هو في الحقيقة تكرار ولو رمزي، ولو
غير مقصود ربما، لقتل حيرام الذي يدعي
الماسون الانتساب إليه... الأمر الذي
سنحاول تفسيره بمزيد من التفصيل لدى تعرضنا
لرمزية الدرجة الثالثة. تلك التي قبل
الانتقال إليها نجد من الضروري التوقف قليلاً
أمام بعض أهم الرموز المتعلقة بالدرجة
الثانية؛ والتي نستقيها من اللوحة الرمزية
التالية المتعلقة بها...
اللوحة الحادية عشر –
اللوحة الرمزية للدرجة الثانية ونبدأ
بالنجمة المتوهجة أو النجمة
الخماسية.
اللوحة الثانية عشر –
النجمة المخمسة لأن
هذا الرمز هو الأكثر أهمية في هذه المرتبة.
لذلك يتوجب على الرفيق التأمل ملياً في
معانيه. وذلك ربما لأنه كان من أكثر رموز
الفيثاغوريين قداسةً. لأنه يعيدنا مباشرة إلى
الرقم الذهبي الذي كان هؤلاء أول من اكتشفه...
و/أو لإنه قد يكون ربما مشتقاً من أكثر الرموز
المصرية القديمة قداسةً، ونقصد بهذا رمز
الصليب المصري أو العنخ...
اللوحة الثالثة عشر – لقد كان العنخ أحد
أهم الرموز المصرية القديمة أمّا
حرف الـ G
الذي يتوسط هذه النجمة وكما يظهر في اللوحة،
فإنه قد يكون اختصاراً لكلمة إله God
بالإنكليزية
حسب البعض، أو قد يعني أيضاً المجد Glory
أو العظمة Greatness
أو الهندسة Geometry
أو الغنوص Gnosis
في نفس اللغة حسب البعض الآخر؛ وهو قد يكون
ربما أيضاً اشتقاقاً لرمز الملح حسب
السيميائيين. و/أو قد يعيدنا أصله إلى الحرف
اليوناني G والذي هو أصلاً
رمز الزاوية. وأيضاً... هناك
العمودان اللذان
أنشأهما حيرام لبوابة الهيكل. وهما كما ورد
ذكرهما في العهد القديم (التوراة) "...
العمود الأيمن ودعا اسمه ياكين... (و) العمود
الأيسر ودعا اسمه بوعز..."[17]
وهما يشكلان مدخل الهيكل أو لنقل في حالنا،
مدخل المحفل.
هذان
العمودان اللذان يقف مراقبا المحفل أمام كل
منهما. فيقف المراقب الأول أمام العمود
الأيمن (أو الجنوبي) ويقف المراقب الثاني أمام
العمود الأيسر (أو الشمالي). وايضاً...
اللوحتان الرابعة عشر
والخامسة عشر – العمود الأيمن ويدعى ياكن...
والعمود الأيسر ويدعى بوعز هناك
الدرجات السبعة التي
ترمز ربما، حسب أوزفالد فيرث، إلى السنوات
السبعة التي كان على المريد المبتدئ (وفق
التقاليد الفيثاغورية) قضاؤها قبل أن يسمح له
بأن يصبح رفيقاً. ما يؤكد، ربما أيضاً، صحة
وجهة نظرنا المتعلقة بالأهمية القصوى لهذه
الدرجة التي ضمرت وأضحت مهملة، والتي أضحى
المرور بها يتم كمرور الكرام. وأيضاً هناك... النوافذ الثلاثة التي يتلقى منها
الرفيق في المحفل النور من الخارج. علىعكس ما
كان عليه الأمر في درجة المبتدىً حيث كان
المريد المبتدىء يتلقى النور من داخل الهيكل
فقط.. وأيضاً،
هناك السيف المتوهج
الذي يرمز لواجب الدفاع عن المحفل والمقرون بالمالج
تلك الأداة الأساسية التي كان يستعملها
البناء في المقابل لتحريك وتناول الإسمنت (أو
الجبصين) كعنصر ضروري يؤمن لحمة وتماسك حجارة
البناء. وأخيراً... هناك
لوحة الكتابة أو المرسم.
والتي هي أساساً من أدوات الأستاذ لكن، التي
من المفترض أن يطلع عليها ويتفهمها الرفيق كي
يتمكن من قراءة المخططات واستعمال الأحرف
والأرقام الرمزية التي تلقنه هذه المرحلة
مبادئها الأولية. وهذا ما ينقلنا بشكل طبيعي
إلى... 4 رمزية الدرجة الثالثة
أو... الأستاذ...
اللوحتان السادسة عشر
والسابعة عشر – المعلم وشعار هذه المرحلة حيث
نلاحظ وضعية الفرجار فوق الزاوية تلك
المرتبة التي يفترض أن يكون الأستاذ الماسوني
قد تعلم فيها نظرياً ممارسة أسرار فنّه. ذلك
الفنّ الذي تدعوه الماسونية بـ"الفنّ
الملوكي". فما هو هذا الفنُّ يا ترى؟
أتراه كما قال بلانتاجينيت[18]
الذي كان يعتقد بأن جماعة الوردة
+ الصليب هم أصل الماسونية التأملية "...
فنّ الحكم في ظل الفعل الشمسي، أي الحكم ليس
بالقوة المباشرة وإنما بقوة الروح. حكم هو في
الحقيقة للإنسانية وليس للأمم. حكم ليس مجاله
الكون اللانهائي إنما محدودية هذه الأرض التي
هي أرضنا. لذلك نتفهم لماذا نسبت ممارسة الفن
الملوكي إلى الماسونية. فممارسة السلطة على
أرض الواقع قد أفسدت الملوك والحكام جاعلةً
من "حقهم الإلهي" الذي تستند إليه سلطتهم
مجرد شعار أفرغ من محتواه؛ عندما أصبح هذا
الفنّ على يدهم مجرد ممارسة ظاهرية لحكمة زال
عنها كل ما كان يجعلها في الماضي سرانية
ومتلقاة. لذلك نلاحظ إعادة إحياء هذه الحكمة
في هياكلنا، لأن كنائسنا التي دنست الديانات
باطنيتها قد شوهت وحورت تعاليمها..." ؟ أم
تراه كما عبّر أوزفالد فيرث[19]
مجرد "... سرّ ديني تناقله البناؤون منذ
القدم. سرٌّ لم يعد قويماً حين لم تعد
المسيحية المنتصرة في زمانها تتقبل أية عقيدة
إلاّها. مما فرض على البنّائين من باب
الاحتراز التستر وراء سليمان. الأمر الذي
أضعف الشكوك بالتقاليد المعمارية المتوارثة
والتي أضحت آنذاك مسيحية..."؟ على كل حال،
وسواء صحّ التفسير الأول، أم التفسير الثاني،
أم الإثنان معاً، فإن سرّ الفنّ
الملوكي وما يتبعه من رمزية لهذه
المرتبة إنما يدور بشكل أساسي حول أسطورة
باني هيكل سليمان، نقصد،
أسطورة
حيرام...
حيرام
الذي كان، كما سبق وأسلفنا في القسم الأول من
بحثنا، البنَّاء
الحقيقي لهيكل سليمان؛ والذي كما تقول
الأسطورة الماسونية، قتله رفاق سوءٍ حاولوا
أن ينتزعوا منه "الأسرار المقدسة لمرتبته
المهنية العليا". إن هذه الأسطورة الأساسية
والأجمل في الماسونية، هي التي يتوجب أن
يعيشها رمزاً، وبكامل طقسوها، الرفيق الطامح
إلى الأستذة. وهذا ما يقصّه علينا راجون[20] حين يقول أنه: "...
كان هناك مهندس متمكن
من مهنته، معلم يدعى حيرام، ويتمتع بكل
المهارات والمزايا. وقد جاء من تلك البلاد
التي يلد النور منها، وعمل سبع سنوات متتالية
في بناء هيكل كان يبغي من خلاله جمع البشر تحت
سقف عقيدة واحدة، ألا وهي عقيدة الحقيقة. وكان
هذا المعلم ينسِّق بين مكونات وأجزاء عمله
بفن وبحكمة.
فيستيقظ مع الصباح، ويراقب خلال النهار
سيرورة العمل وتقدمه. متابعاً عماّله الكثر
الذين كان قسّمهم إلى ثلاث مراتب هي:
المتدربين، والرفاق والأساتذة (أو المعلمين)؛
بحيث كان لكل مرتبة كلمة سرّها الذي بموجبه
كانت تقبض استحقاقها. فكان المتدربون يقبضون
راتبهم عند العمود (ي...)؛ والرفاق يقبضون
راتبهم عند العمود (ب...)؛ أمّا الأساتذة
فكانوا يقبضون راتبهم في غرفة الوسط. وكانت
الأعمال قد شارفت على نهاياتها، عندما قرر
ثلاث رفاق، غير راضين بما كانوا يتقاضونه من
استحقاق، ومتعطشين للحصول بسرعة على المرتبة
الأعلى، (قرروا) أن بوسعهم بالقوة انتزاع كلمة
سرّ هذه المرتبة. وكان هؤلاء يعلمون أنه عند
الظهيرة وحين يذهب الجميع للغداء، كان حيرام
يتفقد ورشات البناء لوحده. لذلك قرروا، ومن
أجل تحقيق مآربهم الدنيئة، انتظاره عند
بوابات الهيكل الثلاث. ويحضر حيرام عند الباب
الجنوبي؛ فيجد رفيقاً يطلب منه مهدداً تلقينه
كلمة سر المعلم؛ فيجبه حيرام أن ليس بوسعه
الحصول عليها بهذه الطريقة، وأن عليه من أجل
هذا أن ينتظر بصبر حلول وقته. لكن الرفيق الذي
لم يعجبه الجواب، ضرب المعلم بالمسطرة على
رقبته. فيتراجع حيرام متفاجئاً نحو البوابة
الثانية حيث يجد رفيقاً ثانياً بانتظاره
ليسأله نفس الطلب؛ والذي، أمام رفضه
الاستجابة ضربه مجدداً ضربةً قويةً بالزاوية
على قلبه. فيهرب حيرام مترنحاً من الألم نحو
البوابة الثالثة حيث كان ينتظره الرفيق
الثالث؛ والذي أمام رفضه المتكرر إعطاءه كلمة
سر المعلم ضربه ضربة قويةً بالإزميل على
جبينه، وتكون هذه هي الضربة القاضية التي
أردته قتيلاً. ويجتمع القتلة بعدما فعلوا
فعلتهم ويتساءلون حول كلمة سرّ المعلم التي
لم يستطيعوا الحصول عليها. فيتملكهم اليأس
لارتكابهم جريمة من دون جدوى. ويقررون إخفاء
آثار هذه الجريمة، فيحملون الجثة ويخبئونها
بين الأنقاض أولاً؛ ثم عندما يحل الظلام،
يأخذونها إلى خارج المدينة حيث يدفنونها في
التراب عند أسفل تلة قرب الغابة ويغطون
المكان للتمويه بغصن من نبتة السنط أو الفصّة.
ولكن... سرعان ما يتنبه العمّال لغياب المعلم.
فيسودهم شعور بأن كارثةً وقعت بسبب أولئك
الرفاق الثلاثة الذين تغيبوا في حينه عن
النداء. وبسرعة يجتمع المعلمون في غرفة الوسط
التي جللوها بالسواد، وبعد أن تركوا العنان
بعض الوقت لعواطفهم المتأججة من هول الكارثة،
يقررون بذل ما في وسعهم كي يجدوا جسد رئيسهم
ليدفنوه (إن كان ميتاً) في قبر يليق بمقامه.
ويرسلون للبحث عنه تسعة معلمين قسّموا إلى
ثلاث مجموعات. وتذهب كل مجموعة في اتجاه مختلف..."
وبعد بحث مضن، يجد أحد هؤلاء المعلمين حفنة
تراب بدت له وكأنها قد ردمت حديثاً وتغطيها
نبتة السنط (أو الفصّة). فينتزع النبتة وتبدو
أمامه جثة المعلم التي كانت بدأت تتفسخ. فيصرخ
صرخة رعب عظيمة ويستنجد بزملائه...
اللوحة الثامنة عشر –
نبتة السنط (Acacia)إحدى أهم الرموز الماسونية للدرجة
الثالثة ونتوقف
هنا قليلاً. لأنه لما كانت كل الغاية من هذه
القصة - الأسطورة - التي تشكل في الماسونية
التأملية أساس رمزية طقس الدرجة الثالثة أو
الأستاذ هو، حسب نفس المرجعية[21]، "...
إفهامنا بأن الكذب والجهل والطموح الفارغ هي
الأوبئة الرئيسية المدمرة التي تسبب شقاء
البشر. فإنه من الأهمية بمكان إعطاء هذه
المرتبة وطقوسها كامل ما تستحقه من اهتمام
وشروحات أخلاقية وفلسفية...". ونعود
إلى أوزفالد فيرث الذي يقدم شرحاً متميزاً
للطقسية النقلية لهذه المرتبة مبتدئاً بما
يدعوه السير التراجعي (La
Rétrogradation)[22] يقول "...
أنه عندما يصبح الرفيق جديراً بهذه المساررة
العظيمة، فإنه يقاد إلى مدخل مكان مظلم حيث
يدعى إلى السير ببطء متدرجاً نحو الخلف وظهره
باتجاه الظلام. ذلك (الظلام) الذي سرعان ما
يحجب بكثافته رؤية ذلك الشخص الجسور الطامح
إلى النور الكامل. لأنه ككل شيء في الماسونية،
كذلك فإن لهذا المسير التراجعي تأويلاته
المختلفة... (هذه التأويلات التي من أهمها
ربما) أنه للحصول على الأستذة فإنه من
الضروري جداً التملك العميق لكامل تعاليم
الدرجتين الأولين. من هنا تأتي ضرورة استعادة
الأستاذ المقبل لكامل مساره المهني وحتى هذه
اللحظة. ويعيد
الرفيق مساره متطلعاً إلى النجمة المتوهجة في
اللوحة المعلقة ما بين العمودين ي... وب... .
لأنها وحدها نجمة الإدراك هذه تنيره خلال
تراجعه مبتدئاً بالرحلة
الخامسة... والتي عليه فيها هذه المرة التأمل
بما تعنيه تصوراته الخاصة... وحيث (متجرداً من
أوهامه) يتوجب عليه أن يدرك بأن جميع الأشياء
إنما هي رموز في النهاية؛ لذلك فلا ننخدع
بالمُرَمَز إنما دعونا ندخل إلى عمق الرمز
نفسه. ويدرك
الرفيق أن ليس بوسعه البتة، في الواقع، تملك
الحقيقة الكلّية. تلك التي لا يمكن لأية
معادلة الإحاطة بها. لكن، ولمّا كان ما زال
يتوجب عليه العمل بثقة، لهذا نراه سرعان ما
يجد أمامه وقد عاد إلى رحلته الرابعة، أدوات
هذه الرحلة؛ نقصد الزاوية والمسطرة... وأيضاً،
لما كان لا يكفي المعلم مجرد الثقة بنظامه
الخاص. ولأنه إن كان بتحقيقه الحجر المكعب
المنحوت، إنما يؤثر حتماً على محيطه الذي
يرفعه إلى حال تبلور مشابه؛ فإنه يبقى من
المفترض أن يعمل بحزم وبقوة لرفع أثقل
الأحمال... مما يستدعي استعماله للعتلة التي
هي أداة رحلته الثالثة خلال مساره الرفاقي. ...
(ثم) يعيد رحلته الثانية مستلهماً المسطرة
والفرجار... (المسطرة التي تعيده دائماً إلى
الواقع من خلال محدودية قياسها) لأنه وإن
كان الفرجار هو أداة المعلم استحقاقاً فإن
الإحساس بالواقع (أي المسطرة) هو ما يجعل
منه في النهاية أستاذاً. ولأن
على المعلم أن يتعلم القيادة من خلال استعمال
المطرقة والإزميل، فإنه لن يتردد في استعادة
رحلته الأولى كرفيق. ما يذكّره دائماً بأن
عليه، وباستمرار، السعي والعمل على تحسين
نفسه... ورغم
أن الرفيق يكون قد حاول جاهداً أن لا يفقد من
ناظره خلال رحلاته التراجعية الخمس هذه
النجمة المتوهجة، إلاّ انه سرعان ما يلاحظ
بأن نورها قد بدأ يتلاشى عن ناظره، ما يعيده
مجدداً لحال يسود حوله فيها ظلام دامس. فيشعر
وكأن الضماد قد عاد ليوضع مرة أخرى على عينيه.
ويعود ليتجرع مجدداً من كأس المرارة. ما يعني
أن عليه تحمل كل الصعاب في سبيل أداء مهمته..." وبالتالي،
استمرار المسار التراجعي من خلال استعادة
الرحلات الثلاث لتلك المرحلة التي كان فيها
مبتدئاً. ما يفهمه بأن عليه دوماً التعلم
وإعادة التعلم بلا كلل؛ الأمر الذي يعيده في
النهاية إلى ما قد يبدو بالنسبة له من جديد
وكأنه غرفة التأمل. وحيث يتساءل عن "... تلك
الهياكل العظمية المضيئة التي يراها امامه
وعن هذه الدموع المتألقة التي تتحرك على
الجدران. وكأن أمواتاً عدة قد ملأوا هذه
الغرفة..."[23]
اللوحة التاسعة عشر –
اللوحة الرمزية للمرتبة الثالثة ويكون
الرفيق – المعلم قد أصبح في الواقع في غرفة
الوسط. تلك الغرفة التي يكرَّس فيها
الأستاذ والتي نستعيد بعضاً مما قاله عنها
بمنتهى العمق الرمزي والجمالية، المعلم
أوزفالد فيرث حيث قال "... كما كان الأمر
بالنسبة لـ(الأسرار الصغيرة) في العصور
القديمة، والتي كانت تهيء فقط النفوس
المنتقاة للمسارّة الكبرى المخصصة، كذلك هو
الأمر حالياً بالنسبة للماسونية التي يجري
تلقينها على مرحلتين؛ لأن ما يتعلمه المتدرب
المبتدئ والرفيق يتتاليان، ثم سرعان ما
نراهما يتحدان ليشكلا معاً مجمل البرنامج
التحضيري الذي يستكمله الأستاذ. لأنه لا يمكن
الحصول على هذه المرتبة مسبقاً. فهي المحصلة
المنطقية للتقدم الحاصل بسبب ما سبقها. لذلك
فإنه من الواجب التملك العميق للمرتبتين
الأوليين قبل التطلع إلى الثالثة. من هنا تأتي
الأهمية الرمزية للمسار التراجعي من أجل
العودة إلى نقطة البداية، والانطلاق منها في
اتجاه جديد. لكن
تراجع طالب الأستذة لا يؤدي به إلى السرداب
الضيق لدفنه حيث مات في المرحلة الأولى، إنما
يجعله يغوص أعمق بكثير هذه المرة في باطن
الأرض إلى حد ولوج ذلك المركز حيث يتكون فكره
الخلاّق. فوحده هذا الفكر الخلاّق بوسعه أن
يحي الحقيقة الميتة وأن يعيد الحياة إلى تلك
المؤسسات التي دمرها الفساد. فقد
أصبح الآن في هذه المغارة العميقة حيث تحاك
تلك المؤامرة الأزلية. أصبح في كهف ميترا حيث
يعود ليحيا ذلك النور المحتجب بشكله الأكثر
تألقاً. في هذا القبر حيث يدفن الماضي ويتكون
المستقبل. في هذا المكان الباطني والمستور
الذي لا يمكن ولوجه إلاّ من قبل المسارّين
الجديرين بتلقي أعلى التجليات. إن هذا الحرم
الذي لا يعرفه إلاّ الأساتذة (المعلمين)، إن
هذا المكان هو غرفة الوسط. الدرجات العليا... تلك
التي نكتفي فيما يتعلق بها بنقل ما يقوله عنها
بعض الأساتذة. كالمعلم أوزفالد فيرث مثلاً
الذي يرى "... أن القمة (في الماسونية) هي
الأستذة: فمن يشعر بنفسه أستاذاً عن حق وحقيق
لا يفترض أن يطمح لأي شيء آخر. لكن، لما كان
الواقع ليس كذلك مع الأسف. لما كان كل من مثل
دور حيرام لم يتشبع حقيقة روح طقسه. لما كان
معظم من تلقى هذا الطقس إنما تلقاه بشكل منفعل
ومن دون أن يتأثر به في العمق. لذا نراهم بقوا
كما كانوا (على حالهم). ما يجعلنا نتساءل: كم من
أصل أولئك الأربعة ملايين ماسوني الذين
يحملون المرتبة الثالثة، هم في الواقع أساتذة
عن حق وحقيق؟! وحول كم من المحافل يحق لها
الادعاء حقيقةً بأنها محافل "صاحبة حق
وكاملة"، وهل من يديرها هم أساتذة عن حق
وحقيق؟! ونجد
أن الماسونية الرمزية بمجملها ما هي في
الواقع، ومع الأسف، إلاّ رمز لما كان يفترض ان
تكون في الحقيقة. و(نجد أن الماسون) قد انتبهوا
إلى هذا الأمر منذ القرن الثامن عشر. أي منذ
بدأت الماسونية بالانتشار. حيث لوحظ أن من
كانوا يُدعَون الأستذة، لم يكونوا أساتذة
فعلاً. وأن من كانوا يبتغون تطوير أستذتهم،
إنما كانوا بحاجة إلى مشاغل أنشئت خصيصاً
لهذا الغرض. لهذا،
افترض الواقع أن يتم انتقاء الأفضل من بين
المعلمين الإيكوسيين الذين برّروا في العام
1740 تشكيل درجة رابعة من المعلمين الفعليين
الذين كانوا ينقصون في المحفال الزرقاء (رمز
الدرجات الثلاثة الأول). وأصبح اللون الأحمر
هو لون مشاغل الدرجات العليا. لكن،
لمّا لم توفق الدرجة الرابعة عملياً في تجاوز
تلك الثالثة على أرض الواقع، فإن كل ما حصل
كان مجرد مزاودة أدت إلى مضاعفة الدرجات التي
لم تتوقف عند الرقم 4. ولم التوقف عنده والرقم 7
أكثر روعة منه؟ وكان هذا ما حصل... إنه من أجل
هدف نبيل، هو تحسين مستوى الماسونية والتحقيق
الفعلي للأستذة الحقيقية، انبرت العديد من
الطقوس للعمل على وضع تراتبيات لا تنتهي من
الدرجات التي أضحت تعرف بالعليا. من
هنا، نفهم لماذا انتقد جميع الذين تعمقوا في
دراسة الثلاثي الأساسي والحقيقي للماسونية،
بقسوة، ما أسموه "زؤان الدرجات العليا"
معتبرين إياها مجرد ترّهات لا
تسهم إلاّ في ضياع الروح وفي تشويه الصورة
الحقيقية الماسونية. ونحن
نعتقد أن هذا النقد مبرر إلى حدّ كبير. لأنه إن
كانت طقسية الدرجات الثلاث "الرمزية"
الأولى تحمل إلى حد كبير في طياتها بصمة
المعلمين. فإن لا شيء في المقابل أقل جدارة من
رمزية تلك الدرجات التي أسمت نفسها بالفلسفية.
فمن كل شيء فيها تفوح رائحة الابتذال. وهي لم
تنعكس إطلاقاً، كتركيب مضيء، للفكرة
المسارية... لكن
دعونا لا نلقي الحجارة رغم هذا على مخترعي تلك
لدرجات العليا لمجرد أنهم أخطأوا في إلهامهم.
فهدفهم كان نبيلاً ألا وهو التوصل إلى
الأستذة حقيقية. لذلك، نحن نعتقد إنهم إن
أخطأوا المرمى خلال بحثهم عن اللغز الأكبر،
فإن جهودهم المخلصة تستحق كل التقدير. كما
تستحق أخطاءهم المزيد من التعمق والمزيد من
الدراسة..."[29]
ويختتم أوزفالد فيرث تحليله العميق جداً لهذه
الظاهرة قائلاً "... وباختصار، فإن ما
بوسعنا استنتاجه في المحصلة هو أن الحاجة إلى
تلك الدرجات العليا ما كانت لتظهر لو لم تتحول
الدرجات الثلاثة الأساسية الأولى إلى مجرد
أحرف ميتة. لأنه لو لم يحصل هذا، لو كان بوسع
المحافل تخريج معلمين حقيقيين، فإنه سرعان ما
ستفقد هذه الدرجات (العليا) مبرر وجودها...
لذلك، وبانتظار تحقق هذا الأمر، دعونا لا
ندمّر شيئاً مما تم بناءه..."[30]
أمّا
إدمون كارتييه لا تانت الذي
وإن
كان يشارك فيرث في النتيجة، لا يتفق معه في
قسوة تقويمه للدرجات العليا فيقول "... أنه
لو كان علينا النظر إلى الماسونية من منظور
مجرد أو لنقل نظري، فإن تلك الانتقادات
القاسية جداً "لزؤان الدرجات العليا"
مبررة جداً مع الأسف. ولكن، علينا أن نأخذ كل
الاحتمالات بعين الاعتبار، كما علينا أن نبدي
ما بوسعنا من تسامح فيما يتعلق بعامل الضعف
الإنساني. فجميع أنصار الفنّ الملوكي يكتفون
فقط بتلقي درجاته الرمزية؛ لكنهم في الحقيقة
لا يحصلون عليها. فالذي بين أيديهم هو مجرد
كنز يجهلون قيمته وبالتالي، لا يعرفون كيفية
الاستفادة منه. لأن الغاية او الهدف من
الدرجات العليا في الماسونية ما هو إلاّ
إفهام ما يعنيه العمق الباطني للدرجات الثلاث
الأساسية الأولى. خاصةً وأن هذه الدرجات التي
لا تدّعي كشف المزيد من الأسرار؛ إنما يقتصر
طموحها على مجرد شرح إبعاد هذه الأخيرة من
خلال ما تحركه في قلوب أتباعها الساعين
للتدرب الفعلي كيف يكون بوسعهم أن يصبحوا
رفاقاً حقيقيين وأساتذة حقيقيين. فالدرجة
العليا هي الهدف والمثل الذي يجب أن نسعى إليه
والذي يتجاوزنا حقيقةً. لأن هيكلنا لن يكتمل
أبداً ولأن أي منّا لا يمكنه أن يعيش تماماً
في أعماقه حقيقة القيامة الفعلية لحيرام
الخالد..."[31]
آ – المحافل
الزرقاء أو الرمزية وهي تتضمن الدرجات
التالية: 1.مريد، 2. رفيق، 3. أستاذ
ب – محافل او
ورش الإتقان الخضراء وهي
تتضمن الدرجات التالية: 4. أستاذ
مكتوم، 5. أستاذ كامل، 6. أمين ثقة، 7. قاض
وحَكَم، 8. مدير الأبنية، 9. أستاذ مختار
التسعة، 10. أستاذ مختار الخمسة عشر، 11. فارس
أعلى منتخب (أو رئيس الأسباط الاثني عشر)، 12.
مهندس معلِّم أعظم، 13. الفلك الملكي، 14.
معلِّم قديم كامل. ج – المحافل
أو الورش الحمراء وهي تتضمن
الدرجات التالية: 15.
فارس السيف، 16. أمير بيت المقدس، 17. فارس الشرق
والغرب، 18. الأمير الأعظم للصليب الوردي. د
– المحافل أو الورش الفلسفية او السوداء وهي
تتضمن الدرجات التالية:
19. الحبر العظم أو الإيكوسي
الأعظم، 20. معلِّم أعظم محترم لجميع المحافل،
21. فارس بروسي أو أستاذ أعظم لمفتاح
الماسونية، 22. الفأس الملكي أو أمير لبنان، 23.
رئيس المظلة، 24. أمير المظلة، 25. فارس الثعبان
البرونزي، 26. أمير الرحمة، 27. القائد الأعلى
للمعبد، 28. فارس الشمس، 29. الاسكتلندي الكبير
للقديس أندراوس الإيكوسي، 30. المنتخب الأعظم
فارس قدوش. ه
– ديوان القضاة ويتضمن الدرجة: 31.
القائد المفتش المحقِّق الأعظم. و
– مجمع الكرادلة ويتضمن الدرجة:
32.
الأمير السامي للسرِّ الملكي ز – المجلس
الأعلى (ولونه الأبيض) ويتضمن الدرجة: في النتيجة أو
المحصلة لهذا الفصل... [1]
- René
Guénon - Aperçus
sur L’Initiation, 1946, p. 103 [2]
- Oswald Wirth; Le livre du compagnon. [3]
- Plantagenet; Causeries en chambre de compagnons. [4] - Dic. Rhea. Art. “Fil a plomb”. [5]
-
هذا الكتاب هو عادة توجهات المنحى الذي
يتبع له المحفل. [6]
-
Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à
ses adeptes – L’apprenti. [7]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à
ses adeptes – Le Compagnon [8]
-
هذا بالنسبة للطقس الفرنسي، أما في الطقس
الاسكتلندي، فإن طقوس التحضير، حسب جول
بوشيه، مشابهة إلى حدّ كبير لطقوس التحضير
للدرجة الأولى. [9]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à ses
adeptes – Le Compagnon [10]
- Jules Boucher; La symbolique Maçonnique. [11]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à ses
adeptes – Le Compagnon [12] - Ibid. [13]
- Plantagenet; Causeries en Chambre de Compagnon; p. 79 [14]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à
ses adeptes – Le Compagnon [15] - Ibid. [16]
- Jules Boucher; La Symbolique Maçonnique. [17]
-
العهد القديم؛ الملوك الأول؛ الإصحاح
السابع – 21. [18]
- Plantagenet; Causeries en Chambre du Milieu. [19]
- Oswald Wirth; Les Mystéres
de l’Art Royal. [20]
- Ragon; Rituel du grade de Maitre. [21] - Ibid. [22]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à
ses adeptes – Le Maitre. [23] - Ibid. [24] - Ibid. [25]
- Jules Boucher; La Symbolique Maçonnique [26]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à
ses adeptes – Le Maitre. [27] - Ibid. [28] - Ibid. [29]
- Oswald Wirth; La franc-maçonnerie
rendue intelligible à
ses adeptes – Le Maitre. [30] - Ibid. [31]
- Ed. QUARTIER LA TENTE. Les Grades et
les Rites Maçonniques. |
|
|