|
|
أيار 2004
|
في هذا
الإصدار
|
|
|
أود، بادئ ذي بدء، أن
أشكر السيد العميد جرجورة حردان على دعوته
الودودة لي إلى هذا الحدث الهام: الاحتفال
بالذكرى الـ25 لتأسيس كلِّية الآداب والعلوم
الإنسانية. كما يطيب لي أن أتكلَّم من هذا
المنبر العالي من منابر الثقافة في لبنان،
حيث دافع صديقي، الشاعر العظيم أدونيس، عن
أطروحة الدكتوراه في الآداب. ولقد اقترح
عليَّ البروفيسور حردان أن أتكلَّم على
التفاعل المعاصر بين العلوم المضبوطة
والعلوم الإنسانية.
لماذا اختُرِع مصطلحُ الحقيقة؟ لا شكَّ أنه
اختراع مذهل! إن السبب الكامن وراء اختراع
المصطلح يتجاوز في أهمِّيته المصطلحَ في حدِّ
ذاته. يرتبط مصطلح الحقيقة بالتفسير. فهل
التفسير ضروري؟ إننا جميعًا ننزع إلى
التفسير، لكن الطبيعة لا تعطي أيَّ تفسير.
فعندما نجرِّب تكتفي الطبيعة بإعطائنا
الإجابة دون أية زيادة.
هذا الشهر:
لم تعد وحدةُ الإنسانية نظريةً فلسفية أو
شعورًا عاطفيًّا، بل حقيقةٌ تتجسَّد أمام
أعيننا أكثر فأكثر. وهي حقيقة لا يقرُّها
العلم وينادي بها فحسب، بل إنها تزداد
تكريسًا وتبلورًا بنموِّ العلم والتكنولوجيا
وتقدمهما. وفي هذا البحث نضع الإنسان من
الطبيعة في الموقع الذي جعله فيه عالِمُ
التطور الكبير تيار دُهْ شاردان، حيث اعتبر
الإنسانية نموذجًا جديدًا لمتعضِّية
يتحتَّم عليها تحقيقُ إمكاناتٍ جديدة لتطوير
الحياة على كوكب الأرض. فالإنسان هو، من جهة
أولى، ثمرة صيرورة طويلة من التطور، تُقاس
بعمر الأرض نفسها، أي بعدَّة مليارات من
السنين؛ وهو، من جهة أخرى، النقطة الفاصلة من
عملية التطور، حيث تعي هذه العمليةُ فيه
ذاتَها وتصبح قادرةً على توجيه نفسها.
|