يمثِّل
التصوف الديني القدرة التأويلية للفكر الإنساني في تجاوز ظاهر النص
للوصول إلى أعماق أكثر اتساعًا وبلوغ حقائق أكثر يقينية، وفي سبيل ذلك
يسعى العارف إلى تجاوز الفعالية العقلية ومدارك المحسوسات المادية
بانتخاب ملكات الذوق ومحجَّات الحدس لاستشراف رؤيته القلبية في معرفة
خفايا الكون واكتناه أصل الوجود،
كذلك تتبدى الرؤية الفنية في قدرتها على الحركة في فضاء لازمني أفقه
مفتوح دائمًا نحو انبعاثات مستمرة تردم الهوة بين الواقع المتناهي
والإبداع الخلاق.
يسعى هذا
البحث
إلى الكشف عن صوفية شعرية جديدة عند أدونيس من خلال هذه الصلة الجوهرية
بين الإشراق الصوفي والرؤية الفنية في الحداثة الشعرية، والتي تتعدى
الأقفاص العابرة للغة في محاولة الوصول إلى ذلك المعدن اللامرئي للوجود
وتلك اللحظة الإكسيرية لنقاء العالم، وهو الذي سعى إلى خلخلة أرض اللغة
لكتابة دم الآلهة
حاملاً في مهيض جراحته نبض ارتجافة الإنسان حتى ترن أجراس الكون بصلاة
آلام إنسانية عظيمة، وقد جعل من اللغة مدار تحولاته، مغيبًا ذاته في
حبر المعنى لملابسة إشعاع لحظة الخلق الشعري المطلق التي تنفرج كانبعاث
ضوء موشوري يمتد من محيط العدم حتى سرمد الإحاطة.
"سخافة" في عالمٍ مأزوم: الفرح
لا ينقضي يوم من غير أن يقوم خبراء - بحسب اختصاصاتهم العلميَّة –
بتحليل الأزمة التي يجتازها العالم حاليًّا: فمن الانهيارات
الاقتصاديَّة إلى تلوُّث البيئة، ومرورًا بفقدان القيم الأخلاقيَّة،
تصيبنا بالتُّخمة وتستهدفنا وغالبًا ما تحشرنا في مواجهة جدار من
التَّشاؤم، المعطياتُ المختلفة والنَّظريَّات والتَّخمينات، الكارثيَّة
بالأولى، التي يقدِّمها العلماء بهدف إنذار الجنس البشريِّ وكوكبه.
ينبئنا المنطق إذًا أنَّ الوقت قد حان كي يلجأ البشر إلى تحت الأرض، كي
يكدِّسوا احتياطاتٍ غذائيَّة في مخازن محصَّنة عميقة، وفي أسوأ
الأحوال، كي يستعدوا للجلاء في حشود إلى كواكب أخرى.. إنَّ اقتراحي هنا
هو عدم الاستسلام إلى النظرة التَّشاؤميَّة. ألاَّ نقتصر على اتِّباع
طريق المنطق العلميِّ (الضروريِّ مع ذلك) بل، عبر قلبٍ فعليٍّ للوجهة،
أن نغتنم الفرصة
التي تقدِّمها لنا هذه الأزمة لكي ندمج في حياتنا قيمةً يبدو أنَّ
الناس قد نسَوها ألا وهي الفرح.
على
صعيد الخير والشر، يمكن أن يكون هناك امتثال أو عدم امتثال لإرادة الله
بحسب العلاقة بالخير وبالشر. يقوم الإيمان بالعناية الإلهية على اليقين
بأن الكون في كُلِّيَّته ممتثل لإرادة الله ليس فقط بالمعنى الأول ولكن
بالمعنى الثاني أيضًا؛ أي أن الخير يغلب الشرَّ في هذا الكون. وهنا لا
يمكن أن نقصد سوى الكون بكُلِّيَّته،
لأننا في الأمور الجزئية لا يمكننا للأسف أن نشكَّ في وجود الشر. وهكذا
فإن موضوع هذا اليقين هو ترتيب أزلي وكلِّي يشكِّل أساسَ النظام الثابت
للعالَم. إذا لم أخطئْ، لا تظهر العنايةُ الإلهية أبدًا بغير هذا الوجه
لا في الكتب المقدسة للصين والهند واليونان ولا في الأناجيل.
كثيرًا
ما توصَف الحياة بأنَّها المدرسة الحقيقيَّة. ويتزامن من حيث الواقع
دخول الطفل "معترك" الحياة مع دخوله إلى المدرسة، فهو من جهةٍ يبدأ
بتكوين استقلاليَّته وصداقاته ويبدأ بوعي حقوقه بقدر ما يُطلَب منه
الالتزام بواجباته.. ومن جهةٍ أخرى يزداد عدد الأطفال الذين يلجون
"معترك" الحياة بارتيادهم، إلى جانب المدرسة، مراكز تعليميَّة أو
تربويَّة أخرى يتَّسع طيفها بما لا يسمح لنا بالمرور عليها جميعًا...
سوف نعود إلى المدرسة مرَّة أخرى وفي فصلٍ مستقلٍّ، لنتحدَّث عن
المدرسة من الدَّاخل أو عن المدرسة بحدِّ ذاتها... أمَّا هذا الفصل
فسنتابع فيه الحديث عن علاقة المدرسة بالمؤسَّسات التَّربوية الأخرى،
وما سأتحدَّث عنه الآن هو نماذج من مؤسَّسات يمكن أن يتردَّد إليها
الأطفال بالتَّزامن مع عمر المدرسة.
مقدمة:
عندما نتحدث عن اللاعنف في التربية علينا أن ندرك أن تصرفات الطفل هي
مرآة لسلوكنا كبالغين، فالبالغين لديهم معتقدات عن مفهوم التربية
والطفل بمقدار ما لديهم من تجارب وخبرات، تكون مسؤولة عن شكل السلوك
المتبع للتواصل مع الأطفال، والذي بدوره يؤثر على شكل ردة فعل الطفل،
فبقدر ما تكون هذه المعتقدات إيجابية يكون السلوك إيجابي، وبالتالي
تكون ردة فعل الطفل إيجابية، وبالعكس.
في مثل هذه السنة وهذا الشهر من القرن الماضي، أقدمت حكومة «تركيا
الفتاة»، بدافع قومية شوفينية، على مجزرة ضد مواطنيها من الأرمن، أودت
بحياة أكثر من مليون نسمة. مجزرة لا تزال الحكومة التركية تكابر في
نفيها، ولا تزال دول «العالم الديموقراطي» تراوغ في فرضها. مجزرة
استكملها «المستنير العلماني» كمال أتاتورك، حين أقدم على تطهير عرقي
شامل أدى إلى طرد ملايين عدة من غير الأتراك المسلمين من ديارهم
الأصيلة: ثلاثة ملايين من الأرثوذكس الناطقين أيضًا باليونانية، مئات
الآلاف من الأقليات الآشورية والسريانية والكلدانية والمسيحيين العرب
فضلاً عن بقايا الأرمن. ترافق ذلك مع الاستيلاء على أراض سورية تقع على
امتداد سفح جبال طورس الجنوبي كانت حتى في عهد الدولة العثمانية
التابعة لولاية حلب. وتمَّ ذلك بمباركة «الحلفاء» حين عمدوا، بهدف فصل
تركيا عن حليفتها التاريخية ألمانيا لاستمالتها إلى جانبهم في صراعاتهم
المقبلة، إلى تعديل قرارات «معاهدة سيفر» 1920، المنبثقة عن «مؤتمر
فرساي» إثر الحرب العالمية الأولى، وفق رغبات أتاتورك في معاهدة لوزان
1923. وكانت آخر منطقة «مطهرة» لواء الاسكندرون وأنطاكية التي أهدتها
فرنسا للدولة التركية قبيل الحرب العالمية الثانية. وتشير الوثائق
التاريخية إلى أن هذا التطهير استمر حتى ما بعد الحرب العالمية
الثانية، فشمل اليهود أيضًا. فأصبحت تركيا صافية العرق والدين، إلا من
الأكراد الذين ساهموا في عملية التطهير، إلى أن انقلبت الدولة ضدهم.
يمكن التأكد من ذلك بالرجوع إلى الوثائق التاريخية التي تتكاثر في هذه
الأيام، وبعضها بقلم مفكرين أتراك تجاوزوا حدود الخوف (راجع مثلاً
العدد الأخير من «لوموند دبلوماتيك»).
مات
يوسف وجميع أخوته الذين أسكنهم في أرض جاسان التي يُفترض أنها تقع في
منطقة دلتا النيل، ولكن ذريتهم نمت وتكاثرت جدًا. ثم قام ملك جديد على
مصر لم يكن يعرف يوسف، أقلقه تكاثر هؤلاء الغرباء وخشي إذا صارت حرب أن
ينضموا إلى أعداء مصر، فوضعهم تحت الرقابة وسخرهم في أعمال البناء،
فأشادوا للفرعون مدينتي مخازم فيثوم ورعمسيس. ولكن اضطهاد بني إسرائيل
لم يعمل إلا على زيادة تكاثرهم، وهذا ما دفع الفرعون إلى إصدار أمرٍ
بقتل كل مولودٍ ذكر يولد لهم (الخروج: 1). في هذه الأثناء:
تمَّ
اكتشاف أنقاض مملكة إيبلا القديمة في شمال سوريا في الربع الأخير من
القرن العشرين على يد بعثة أثرية إيطالية بإشراف الباحث الآركيولوجي
الآثاري الشهير باولو ماتييه، وتم العثور فيها على العديد من الألواح
الحجرية المكتوبة بلغتين وهما لغة إيبلا (اللغة الآمورية السورية
القديمة) واللغة السومرية. وهكذا تم العثور على أول قاموس مزدوج اللغة
في التاريخ.