اللاعنف والمقاومة

تموز وآب 2013

July & August 2013

 

 

بسام شاغوري: الأستاذ محمد علي عبد الجليل أنت تكتب في موقع معابر وتترجم كتب من الفرنسية حول موضوع اللاعنف والسلمية، ومنها قاموس اللاعنف للفيلسوف الفرنسي جان ماري مولر، وهو غير معروف بقدر جين شارپ الذي انشهر صيته خلال الفترة الأولى للثورة السورية حيث قام العديد من الناشطين بعرض بعض أفكاره ونقاشها لإبقاء الطابع السلمي على الثورة. فماهي نقاط اللقاء أو الافتراق ما بين مقاربة مولر وشارب لموضوع اللاعنف؟

محمد علي عبد الجليل: لا يوجد نقاط افتراق بين مقاربة الأمريكي جين شارپ Gene Sharp والفرنسي جان-ماري مولر. فبالإضافة إلى كونهما صديقَينِ على الصعيد الشخصي فإنَّ الاثنينِ يستقيانِ أفكارهما من وحي غاندي ويقرآن غاندي بالطريقة نفسها. وقد قال لي مولر أكثر من مرة إنَّ جين شارپ عبَّر له كثيرًا عن اتفاقه على الاستراتيجية نفسها للعمل اللاعنفي وعن موافقته على أفكار مولر الفلسفية. أي هما متَّـفقان على تصورات اللاعنف. وقد شاركا معًا في كثير من الندوات كان آخرها في بيت لحم في شهر كانون الأول، ديسمبر، 2005.

 

كانت حركة حق الاقتراع للمرأة في العقدين الأوليين من القرن العشرين، إحدى الحركات اللاعنفية، العابرة للحدود الوطنية، الأكثر تميزًا في العصر الحديث. نيوزيلاندا هي أول من منح حق الانتخاب في أواخر القرن التاسع عشر – بعد عقدين من تنظيم الجهود. عندما بدأ القرن الجديد، تعاظمت قوة حركات حق الاقتراع للمرأة في الصين، إيران، اليابان، كوريا، الفلبين، روسيا، سيرلانكا (سيلان فيما بعد) وفيتنام. وبعد عشرين عامًا كانت النساء تمارسن حق الاقتراع في جميع أنحاء العالم، من الأرغواي إلى النمسا، وهولندا إلى تركيا، وألمانيا إلى الولايات المتحدة. وإذا كان البعض من أولئك الذين قادوا حملات الاقتراع من أجل النساء قد اعتبروا نهجهم طريقةً للعمل اللاعنفي، إلا أن أحدًا منهم لم يمتلك أسُّسه الفلسفية أو حكمته الاستراتيجية. ومثل معظم الذين تحولوا إلى المقاومة المدنية، فإنهم فعلوا ذلك لأنها الطريقة المباشرة وليس استنادًا إلى تمثيل نيابي أو مؤسسات، بل لأنها طريقة نفعية لمقاومة وضع لا يحتمل.

 

منذ أيام المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ تشهد حوادث المقاومة السلمية ارتفاعًا لافتًا إذ يُمكن أن يكون اللاعنف طريقة آمنة وفعالة وكفيلة بالقضاء على الظلم. في الواقع، لقد اكتشف الباحثون مؤخرًا أنه من الممكن أن يكون تأثير اللاعنف مُضاعفًا مقارنةً بتأثير العنف في إزاحة الأنظمة الجائرة، وأسرع منه عادةً بثلاث مرات. يتطلب اللاعنف الشجاعة والتصميم، ولكنه وكأي ميدان آخر يتطلب أيضًا بعض المعرفة بكيفية عمله والاستراتيجية الصحيحة لتطبيق تلك المعرفة. إنه من المفيد جدًا أن بعض قادة حملات اللاعنف الناجحة – كالقائد الطلابي لحركة "أوتبور" في صربيا – قد اكتشفوا طرقًا جديدة لمشاركة الآخرين بما تعلموه، لكن العديد من الناس في هذه الأيام لا زالوا يجدون أنفسهم يلتحقون بثورة اللاعنف أو أي نوع آخر من الحركات، من دون أن يكون لديهم أدنى فرصة ليتعلموا عنها. وهذه بعض المبادئ العامة لممارسة العمل اللاعنفي بشكل أكثر أمانًا وفعالية، ويمكن للمرء أن يعتمدها وهو يستند أيضًا إلى الممارسات السلمية لتراثه الثقافي الخاص. إنها مشتقة من اثنين من التعاليم الأساسية التي بإمكاننا أن نتذكرها دائمًا:

 

ثمَّة مرض عميق في مجتمعنا. لنتمعن فقط في طريقة استهلاك الشبَّان للمخدرات كشكل من أشكال التناسي. تلك هي بذور الحرب، وعلينا فهمها إن شئنا تحويل المسار. علينا القيام بذلك يدًا بيد، متمعِّنين عميقًا في طبيعة الحرب وفي وعينا الجمعي. فالحرب كامنة في أرواحنا.

الكثيرون منا ليسوا مُعافين في الداخل، لا بل نحن ما زلنا نتطلَّع إلى الأشياء التي تؤذينا أكثر فحسب. نعود من العمل إلى البيت منهكين، لا نعرف كيف نرتاح. نشعر بنوع من الخواء في داخلنا، لذلك ندير جهاز التلفزيون. نحن نعيش في مجتمع نشعر فيه دومًا بفقدان شيء ما، ونريد ملأه. إن لم نشغِّل جهاز التلفزيون، نأكل أو نقرأ أو نتحدث على الهاتف. نحاول دومًا أن نملأ فراغنا بشيء ما. بل إن بعض الناس حتى يديرون حياتهم الاجتماعية أو السياسية بنفس الطريقة. لكن فعل هذا لا يجعلنا إلا أقل رضى وأكثر توقًا، فنرغب في المزيد من الاستهلاك. ونشعر بالنفور من أنفسنا؛ فهناك الكثير جدًا من الغضب والخوف في داخلنا، ونريد قمعه، لذا نستهلك المزيد والمزيد من الأشياء التي تزيد فقط من مستوى السُمِّية في داخلنا. نشاهد أفلامًا مليئة بالصراخ والعنف. نقرأ مجلات وروايات مليئة بالكراهية والتشوُّش. وليست لدينا حتى الشجاعة لإغلاق جهاز التلفزيون لأننا نخشى العودة إلى أنفسنا.

 

ليست مقاومة إغراء حمل السلاح ضد دكتاتور مستبد مجرد واجب أخلاقي يتوجب الالتزام به، إنها أيضًا الطريقة الأفضل لتحقيق النصر.

المقاومة السلمية وسيلة مثيرة للإعجاب، إلا أنها ليست بالضرورة فعالة

هذا ليس صحيحًا تمامًا. ففي اللحظة الجيوسياسية الراهنة التي نمر بها، قد يبدو من الصعب اعتبار المقاومة السلمية أكثر فعالية في الإطاحة بدكتاتور مستبد من المقاومة المسلحة. لقد أوشك المتمردون المسلحون في لبيبا، تدعمهم الضربات الجوية لقوات حلف الشمال الأطلسي، على إنهاء أربعة عقود من الحكم الاستبدادي للزعيم الليبي معمر القذافي. وفي الوقت ذاته، وإلى الشرق قليلاً من ليبيا، قتل الرئيس السوري بشار الأسد دون أن يخضع للمحاسبة أكثر من 2200 شخصًا خرجوا ضمن تظاهرات، كانت في غالبيتها سلمية، للإطاحة بحكم استبدت به عائلته لعقود طويلة.

 

روي عن البوذا أنه أوقف يومًا حربًا بين ملكين تنازعا على حق الاستفادة من مياه نهرٍ من خلال سؤال طرحه عليهما: أيهما أغلى، الدم أم الماء؟".

هل من سبيل لكي يستفيد الناس العاديون من حكمة كهذه – ومن شجاعة كهذه – لوضع الحروب التي نخوضها اليوم حول النفط أو الماء أو الهوية موضع المساءلة؟ المهاتما غاندي آمن بهذه الحكمة، وأنشأ فرقًا من المدنيين باسم (شانتي سينا) أو "جيش السلام" فأرسل عناصره إلى جميع مناطق الهند لدرء أعمال الشغب وتقديم بدائل سلمية للناس.

على مدى السنوات الـ 25 الماضية دأب نشطاء السلام على زيارة المناطق التي تشهد أعمال عنف أملاً منهم في إحلال قدر من السلام بين المتنازعين، والمساهمة في حماية الناس، ونشر ثقافة قدسية الحياة في مناطق الخطر. وعوضًا عن استخدام التهديد والقوة، يوظف هؤلاء استراتيجيات عديدة مثل المرافقة المعنوية للناس، التواجد معهم للحماية، المساهمة في مراقبة الحملات الانتخابية، وإنشاء مناطق أمان محايدة، وفي الحالات القصوى قد يلجؤون إلى التدخل جسديًا بين الأطراف المتنازعة، تمامًا كما فعل البوذا مع الملكين الغاضبين في الهند القديمة.

 

بينما كان غاندي يهتمُّ بمصير المنبوذين، كان من المفروض أنْ تستمرَّ حملةُ العصيان المدني. إلاَّ أنَّ نائب الملك غيرُ مستاء من رؤية سجينه يصبُّ اهتمامَ الهنود على مسألة النبذ الاجتماعي التي لا تهمُّ في المحصِّلة بريطانيا العظمى بصورة مباشرة. فأبرقَ إلى لندن بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1932 يقول:

يبدو من الثابت تمامًا أنَّ غاندي ينوي تكريسَ نفسِه لقضية المنبوذين حصرًا وأنَّ العصيان المدني لا بدَّ أنه انتقلَ إلى المرتبة الثانوية. هذا التطوُّرُ في الموقف يناسبنا جدًا، ولا أودُّ فِعْلَ أيِّ شيء للحيلولة دون ذلك.

ولم يعُدْ أعضاءُ حزبِ المؤتمر والمؤيِّدون، من جهتهم، يعرفون جيدًا أيةَ استراتيجية يطبِّقون. وعلى الرغم من عدم وجود أي تعارُض بين النضال ضدَّ النبذ الاجتماعي وبين العصيان المدني فإنَّ قادة حزب المؤتمر قد وجدوا صعوباتٍ حقيقيةً في التوفيق بينهما، بل في ربط أحدهما بالآخر.

 

>>>>>>>>>

<<<<<<<<<
\
 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني