جذور الحرب
تيك
نات هانه
ثمَّة
مرض عميق في مجتمعنا. لنتمعن فقط في طريقة استهلاك الشبَّان للمخدرات كشكل من أشكال
التناسي. تلك هي بذور الحرب، وعلينا فهمها إن شئنا تحويل المسار. علينا القيام بذلك
يدًا بيد، متمعِّنين عميقًا في طبيعة الحرب وفي وعينا الجمعي. فالحرب كامنة في
أرواحنا.
الكثيرون منا ليسوا مُعافين في الداخل،
لا بل نحن ما زلنا نتطلَّع إلى الأشياء التي تؤذينا أكثر فحسب. نعود من العمل إلى
البيت منهكين، لا نعرف كيف نرتاح. نشعر بنوع من الخواء في داخلنا، لذلك ندير جهاز
التلفزيون. نحن نعيش في مجتمع نشعر فيه دومًا بفقدان شيء ما، ونريد ملأه. إن لم
نشغِّل جهاز التلفزيون، نأكل أو نقرأ أو نتحدث على الهاتف. نحاول دومًا أن نملأ
فراغنا بشيء ما. بل إن بعض الناس حتى يديرون حياتهم الاجتماعية أو السياسية بنفس
الطريقة. لكن فعل هذا لا يجعلنا إلا أقل رضى وأكثر توقًا، فنرغب في المزيد من
الاستهلاك. ونشعر بالنفور من أنفسنا؛ فهناك الكثير جدًا من الغضب والخوف في داخلنا،
ونريد قمعه، لذا نستهلك المزيد والمزيد من الأشياء التي تزيد فقط من مستوى
السُمِّية في داخلنا. نشاهد أفلامًا مليئة بالصراخ والعنف. نقرأ مجلات وروايات
مليئة بالكراهية والتشوُّش. وليست لدينا حتى الشجاعة لإغلاق جهاز التلفزيون لأننا
نخشى العودة إلى أنفسنا.
في الليلة التي سمعتُ فيها أن الرئيس
بوش يصدر أوامره بمهاجمة العراق، جافاني النوم. كنتُ غاضبًا ومقهورًا. وفي الصباح
التالي، في منتصف محاضرتي، توقفتُ فجأة وأبلغتُ أصدقائي: "أنا لا أعتقد أني سأذهب
إلى أمريكا الشمالية هذا الربيع". انطلقت كلماتي كالشرر، ثم استأنفت محاضرتي. بعد
الظهر، قال لي أحد الطلاب الأمريكيين: "ثاي، أعتقد أن عليك الذهاب إلى الولايات
المتحدة. فالكثير من الأصدقاء هناك يشاطرونك الشعور، وسيكون من المفيد لو ذهبت
لمؤازرتهم". التزمتُ الصمت، ومارستُ التنفس والمشي والجلوس، وبعد بضعة أيام قرَّرتُ
الذهاب. ورأيت أنني كنت واحدًا مع الشعب الأمريكي، مع جورج بوش، ومع صدام حسين. لقد
كنتُ غاضبًا من الرئيس بوش، لكني بعد التنفس بصورة واعية والنظر بعمق، رأيتُ نفسي
مثل الرئيس بوش. لم أقم بما يكفي لتغيير هذا الوضع. ورأيتُ أن صدام حسين لم يكن
الشخص الوحيد الذي أحرق آبار النفط في الكويت. جميعنا مددنا أيدينا وأشعلنا الآبار
فيها معه.
ثمة بعض بذور للاعنف في وعينا الجمعي.
والرئيس بوش بدأ فعلاً بعقوبات اقتصادية وعسكرية، لكننا لم ندعمه أو نشجعِّه بما
يكفي، لذا انتقل إلى أسلوب أكثر عنفًا. لا يمكننا إلقاء اللوم عليه وحده، فالرئيس
سلك الطريقة التي سلكها لكوننا سلكنا الطريقة التي سلكناها. والسبب في ذلك هو أننا
لسنا سعداء إلى حدِّ أننا خضنا حربًا. لو كنا أكثر سعادة لما لجأنا إلى الكحول
والمخدرات والحرب والعنف. يخبرني الشباب أن الهدية الأكثر قيمة التي يمكن أن يهديها
لهم أهالهم هي سعادتهم الخاصة. فإذا كان الأب والأم سعيدين، فسوف يستقبل الأطفال
بذور السعادة في وعيهم، وعندما يكبرون، سيعرفون كيف يجعلون الآخرين سعداء أيضًا.
وعندما يتشاجر الأهال، فإنهم يزرعون بذور المعاناة في قلوب أطفالهم، ومع هذا النوع
من الميراث، سيكبر الأطفال وهم غير سعداء. هذه هي جذور الحرب. فإن كان الأطفال غير
سعداء فسيبحثون عن أمور أخرى تشبه الحرب تحديدًا – كالكحول، والمخدرات، وبعض برامج
التلفزيون، والمجلات، والأفلام و"منتجات ثقافية" عنيفة أخرى.
مجتمعنا مريض. فإذا وضعنا أحد الشبَّان
في هذا المجتمع من دون أن نحاول حمايته، أو حمايتها، فإنه (أو أنها) سيتلقى العنف
والكراهية والخوف كل يوم ويغدو مريضًا. فمحادثاتنا، وبرامجنا التلفزيونية،
وإعلاناتنا، وجرائدنا، ومجلاتنا... كلها تسقي بذور المعاناة لدى الشباب، ولدى غير
الشباب.
كيف بوسعنا تغيير وعينا الفردي والوعي
الجمعي لمجتمعنا؟ كيف يمكننا الإحجام عن استهلاك منتجات ثقافية أكثر سُمِّية؟ نحتاج
إلى خطوطٍ موجِهةٍ – إلى حمية –، كما نحتاج إلى سقاية بذور السلام والبهجة والسعادة
في داخلنا. والممارسة الأكثر أهمية للحيلولة دون الحرب هي في البقاء على تماس مع كل
ما هو منعش ومعافى وبهيج في داخلنا، وفي داخل من حولنا. فإذا مارسنا المشي بيقظة،
وكنا على تماس مع الأرض والهواء والأشجار وأنفسنا، نستطيع شفاء أنفسنا، وسيشفى
المجتمع بكامله أيضًا. فحين تمارس كامل الأمَّة سقاية بذور الفرح والسلام، وليس
بذور الغضب والعنف فقط، ستتحول عناصر الحرب في داخل كلٍّ منا.
يجب أن نستعد، سواء كانت أمامنا دقيقة
واحدة أم عشر سنوات أم ألف سنة. فإن لم يكن لدينا الوقت، لا فائدة من مناقشة
السلام، لأنك لا تستطيع ممارسة السلام بدون وقت. فإذا كانت لديك دقيقة واحدة، أرجوك
استخدم تلك الدقيقة للتنفس بهدوء شهيقًا وزفيرًا وازرع بذور السلام والفهم في نفسك.
وإن كان لديك عشر سنوات، فاستخدمها، رجاءً، لمنع حرب قادمة. وإن كانت لديك ألف سنة،
فرجاءً استخدم هذا الوقت للحيلولة دون تدمير كوكبنا.
التحوُّل ممكن، لكنه يستغرق وقتًا.
فهناك بذور سلام في داخل أولئك الذين ندعوهم بـ"الصقور"، بيد يحتاجون إلينا من أجل
سقاية بذورهم تلك؛ وإلا فسوف تستمر بذور الغضب والعدوانية متحكِّمة بهم. لا تشعر
بخور همَّتك. فقط عن طريق أسلوبك في النظر إلى الأشياء والقيام بها، وبوسعك التأثير
في الآخرين. تقرَّب من كلِّ الناس بمحبة وطول أناة، وحاول أن تنمي فيهم البذور
الإيجابية. علينا مساعدة بعضنا بعضًا، وأن نكون حاذقين ولطفاء ومتفهِّمين. فاللوم
والغضب لا يفيدان مطلقًا. لقد شاهد الناس في كل مكان شرطة لوس أنجلس يضربون "رودني
كينغ".
وعندما شاهدت للمرة الأولى شريط الفيديو على القناة التلفزيونية الفرنسية، شعرتُ
أني أنا الذي يتلقَّى الضرب، فعانيت كثيرًا. وأعتقد أنه لا بد من أن يتملَّكك نفس
الشعور. جميعنا كنا نُضرَب في الوقت ذاته. كلنا كنا ضحايا للعنف والغضب وسوء
التفاهم وفقدان الاحترام لكرامتنا الإنسانية.
لكن كلما تعمقَّتُ في النظر أكثر، رأيت
أن رجال الشرطة الذين كانوا يضربون "رودني كينغ" لم يكونوا مختلفين عني أنا. كانوا
يفعلون ذلك لأن مجتمعنا مليء بالكراهية والعنف. فكل شيء شبيه بقنبلة موقوتة، وكلنا
جزء من تلك القنبلة؛ نحن جميعًا مشاركون في المسؤولية. جميعنا، رجال الشرطة منا
والضحايا.
في ممارسة الانتباه، نغذِّي القدرة على
النظر بعمق إلى طبيعة الأشياء والبشر، وتكون الثمرة هي البصيرة والفهم والمحبة.
ولأننا لم نمارس الانتباه بعمق كافٍ، أصبح العنف جوهر مجتمعنا. وحجز رجال الشرطة
للمخالفين في السجن لن يحلَّ هذه المشكلة الجوهرية. إننا نتقبَّل العنف كطريقة في
الحياة وكطريقة في التعامل مع المشاكل. إن لم نكن يقظين – إن لم نحوِّل معاناتنا
المُشتركة عبر الرحمة والفهم العميق – فذات يوم سيكون طفلنا واحدًا من الذين
يُضرَبون، أو من الذين يقومون بالضرب. إنها قضيتنا الأكثر إلحاحًا. علينا تفحُّص
جذور المشكلة، وليس السطح فقط.
ترجمة: غياث جازي
*** *** ***