لماذا المسائل الجنسانية لبناء السلام
ماري اليزابيت كِنغ
كانت
حركة حق الاقتراع للمرأة في العقدين الأوليين من القرن العشرين، إحدى الحركات
اللاعنفية، العابرة للحدود الوطنية، الأكثر تميزًا في العصر الحديث. نيوزيلاندا هي
أول من منح حق الانتخاب في أواخر القرن التاسع عشر – بعد عقدين من تنظيم الجهود.
عندما بدأ القرن الجديد، تعاظمت قوة حركات حق الاقتراع للمرأة في الصين، إيران،
اليابان، كوريا، الفلبين، روسيا، سيرلانكا (سيلان فيما بعد) وفيتنام. وبعد عشرين
عامًا كانت النساء تمارسن حق الاقتراع في جميع أنحاء العالم، من الأرغواي إلى
النمسا، وهولندا إلى تركيا، وألمانيا إلى الولايات المتحدة. وإذا كان البعض من
أولئك الذين قادوا حملات الاقتراع من أجل النساء قد اعتبروا نهجهم طريقةً للعمل
اللاعنفي، إلا أن أحدًا منهم لم يمتلك أسُّسه الفلسفية أو حكمته الاستراتيجية. ومثل
معظم الذين تحولوا إلى المقاومة المدنية، فإنهم فعلوا ذلك لأنها الطريقة المباشرة
وليس استنادًا إلى تمثيل نيابي أو مؤسسات، بل لأنها
طريقة نفعية لمقاومة وضع لا يحتمل.
ما
هو بالضبط الرابط بين حقوق المرأة، المساواة بين الجنسين، العمل اللاعنفي، وبناء
السلام؟
نشأت كلمة الجنسانية
gender
مع الفرنسية القديمة، ومؤخرًا تعلقت، في المقام الأول،
بالتطبيقات اللغوية والنحوية لتصنيف الكلمات إما مذكر، مؤنث أو (في بعض اللغات)
محايد. يورد قاموس أكسفورد استخدامها
بالإنكليزية القديمة عام 1384. كما استخدمها
تشاوسر بالتهجئة الفرنسية
gender
في 1389. أشارت اللغة المحايدة للمبادئ التوجيهية لليونسكو إلى
كلمة
gender
بأن جنس الشخص هو مسألة كروموسومات، بينما جنسانية الشخص هي
بنية اجتماعية وتاريخية - نتيجة للشروط. علاوة على ذلك أود أن أوضح أن مشروع
"النسوية" هو نضال من أجل تحرير المرأة والإصرار على أن المرأة يجب أن تكون حرة
كبشر لاتخاذ الخيارات الأساسية في حياتها.
ليست الجنسانية اسمًا آخر لتحرر المرأة، ولا هي القول - فيما يتعلق بالعمل اللاعنفي
- بأن المرأة تتمتع بسمات أمومية أو تملك مصلحة ذاتية
انفعالية في صنع السلام. إن مفهوم ميل المرأة "الطبيعي" نحو المصالحة
والسلام أدى لنزع الشرعية عن أصوات النساء في السياسة والعلاقات الدولية. وإلى حد
ما، كما تُظهر سوزان موللر أوكين: "إضفاء الطابع المؤسسي الاجتماعي للفروق الجنسية"
يدخل في صميم السياسة، وبالتالي يدخل في صميم السلام.
في
جامعة السلام حيث أعمل، يؤكد قسم الجنسانية وبناء السلام على أهمية دراسة العمل
اللاعنفي من قبل بناة السلام الشباب. ويرتبط هذا التأكيد جزئيًا بفكرة أوضح من قبل
بام ماكاليستر، الذي يزعم أن "معظم ما نسميه عادة تاريخ المرأة هو في
الحقيقة تاريخ دور المرأة في تطوير العمل اللاعنفي".
قد
تم التأكيد بشكل متزايد على البرامج والإجراءات لتمكين المرأة باعتبارها أساسية
لتحقيق السلام الدائم. وتظهر البيانات التي جمعت على مدى العقود الثلاثة الماضية أن
التحسينات في التعليم ووضع المرأة وتحقيق الاستقرار يساهم في رفعٍ كاملٍ للمجتمعات.
تم الآن وعلى نطاق واسع التوصل لفهم أنَّ رفع مستوى المرأة ومشاركتها في السياسة
العامة ضروري للنمو الاقتصادي، الحالة الصحية، الحد من الفقر، الحفاظ على البيئة،
وتعزيز الديمقراطية في كل المجتمعات، بما في ذلك المجتمعات التي خضعت طويلاً للتسلط
والاستبداد.
إن
الشيء الأساسي في بناء السلام هو فهم أن الأيدلوجيات وهياكل السلطة الأبوية هي من
بين أكثر أنظمة الهيمنة مطاطية (هشاشة) في تاريخ البشرية، وترتبط صراحة بالتنشئة
الاجتماعية للرجال كمحاربين واستبعاد المرأة من الحياة السياسية. المبررات مثل
"طبيعة المرأة" والمصادقة عليها دينيًا ساعدت في إطالة عمر وتعزيز هذا النظام
الاجتماعي. واخترق النظام الأبوي الهيكليات والسلطات المفترضة والاقتصاد، بما في
ذلك أشكال العمل، الهيئات البرلمانية التمثيلية، العقيدة الدينية والمعتقدات
التقليدية من التقاليد الدينية والقيادة، الخدمات العسكرية، ومفهوم الأمن.
في
افريقيا، يتم الآن ربط استبعاد النساء بالأسباب الجذرية للصراعات العنيفة الحادة.
على سبيل المثال غياب النساء بسبب التقاليد والأعراف في رواندا هو جزء من خلفية
أحداث المائة يوم عام 1994 حيث تم ذبح ما يقرب من مليون شخص أعزل. كانت الجرائم
مستمرة وظلت القوى الدولية صامتة. (تجدر الإشارة إلى أن المرأة شاركت في الإبادة
الجماعية، وكذلك في قتل النساء الأخريات أو تحريض الرجال على الاغتصاب وقتل نساء
التوتسي، كما في قضية بولين نيراما سوهوكو - الآن قيد المحاكمة في المحكمة الجنائية
الدولية لرواندا في أروشا تنزانيا). في عام 2002، وأثناء زيارة وفد جامعة السلام
التي كنت أنا جزءًا منها، قالت الأمينة العامة لوزارة المساواة بين الجنسين، وهي
الآن عضوة في مجلس الشيوخ المنتخب، بأن الحكم الرواندي قد استبعد النساء تقليديًا
من الشؤون العامة. "لم يكن لدى رواندا على الإطلاق تقليدَ أن تكون المرأة قادرة على
التحدث في الأماكن العامة"، وتحدثت عن فترة الاستعمار وما بعده.
كان
من المفترض أن يتحدث الأب، الأخ أو الزوج من أجل المرأة. في الماضي، لم يكن للنساء
مكانًا في الأماكن العامة، ومن غير المسموح لهن التحدث في الاجتماعات أو جلسات
الشيوخ. نعتقد بأن إقصاء المرأة واستبعادها مرتبط بشكل كبير بالأحداث المحزنة في
رواندا.
عدد
النساء الممثل بشكل نسبي وكامل في البرلمان في رواندا أكثر من أي هيئة تشريعية أخرى
في جميع أنحاء العالم. هذه النتيجة ملفتة للنظر.
كما
أن منح جائزة نوبل للسلام لعام 2011 لامرأة من ليبيريا، ليما غبوي،
يجسد الروابط بين الجنسانية والحرب، السلام والنضال اللاعنفي. كما توضح المقابلة
التي أجرتها ميريام أورايلي على بي بي سي تلك الروابط؛ ففي خضم الحرب الأهلية التي
قادها أمير الحرب تشارلز تايلور، حشدت ناشطة السلام غبوي، عن طريق شبكة المرأة
لبناء السلام، آلاف النساء المسلمات والمسيحيات لتنفيذ اعتصام في ملعب لكرة القدم،
لممارسة تحديهن الشعبي ضد "كل أعمال العنف من حولنا". "كان لابد من الاحتجاج".
وتؤكد: "لا توجد احتمالات أخرى. ليس لدينا حرية الاختيار في المشاركة بمحادثات
السلام. بقينا هناك كرمز". طالبت النساء بوقف إطلاق النار فورًا. وعندما تم انتهاك
ذلك، لجأت الشبكة إلى أسلوب لاعنفي آخر
lysistratic
nonaction
الامتناع عن ممارسة الجنس مع أزواجهن.
أُطلق هذا الاسم على هذه الطريقة نسبة لمسرحية هزلية لأريستوفاليس عام 411 قبل
الميلاد، تم عرضها للمرة الأولى في أثينا التي أنهكتها الحرب البيلونيسية. مثلت
مسرحيته الناجحة
lysistrata
إضرابًا جنسيًا من قبل نساء أنهكتهن الحرب من كلا الجانبين
لإنهاء أعمال العنف. قالت غبوي لـ بي بي سي إن فكرة الإضراب الجنسي بسبب الإحباط،
لدفع رجال ليبيريا الصامتين وبالتالي المتواطئين في الحرب والعنف إلى فعل شيء،
مؤكدة أنه سينفذ الصيام كعمل من أعمال الحرمان. لقد قررت النساء الليبيريات، طالما
أنهن في حالة الاحتجاج لن يكنَّ حميميات مع أزواجهن. وأضافت: "دعونا نضع أجسادنا
المسحوقة في الشوارع". تتابع حديثها: "دعونا نظهر للعالم بأننا قادرات أن نشفي
الأمة بذواتنا المحطمة".
طالبت الرئيسة المنتخبة حديثًا ألين جونسون سيرليف، وآخرون من الحائزين على جائزة
نوبل للسلام عام 2011، رسميًا بتسليم تايلور، ولدى وصوله إلى مونروفيا، تم نقله إلى
عهدة الأمم المتحدة، وبقي محتجزًا في وحدة الاحتجاز لللأمم المتحدة في لاهاي، حيث
يحاكم لدوره في الحرب الأهلية.
إن
تبني الجنسانية جديًا في عملية بناء السلام، مهمة الجميع وليس فقط النساء. طالبٌ
سابق لي في البرلمان النيجيري يعمل جنبًا إلى جنب مع العديد من الذكور في موضوع
الجنسانية. ويقوم طلاب سابقون لي في غرب إفريقيا بأعمال هامة واستراتيجية. طالبة
باكستانية أكملت الدكتوراة في موضوع الجنسانية بجامعة لندن للاقتصاد، ستعود قريبًا
إلى وطنها للتعليم في المناطق
التي يسودها أشكال عديدة للعنف. وأيضا طالبٌ سابق
إسرائيلي، أتم دراسة الدكتوراة، يعمل لصالح منظمة للمجتمع المدني وهو ناشط في حركة
السلام. وأخيرًا، كلٌّ بطريقته الخاصة يدرك بأن بناء سلام دائم يجب أن يشمل تبني
قضايا الجنسانية بشكل جدي.
ترجمة: حميدة تعمري
*** *** ***