اللاعنف: سبعة مبادئ

 

مايكل ناغلر

 

منذ أيام المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ تشهد حوادث المقاومة السلمية ارتفاعًا لافتًا إذ يُمكن أن يكون اللاعنف طريقة آمنة وفعالة وكفيلة بالقضاء على الظلم. في الواقع، لقد اكتشف الباحثون مؤخرًا أنه من الممكن أن يكون تأثير اللاعنف مُضاعفًا مقارنةً بتأثير العنف في إزاحة الأنظمة الجائرة، وأسرع منه عادةً بثلاث مرات. يتطلب اللاعنف الشجاعة والتصميم، ولكنه وكأي ميدان آخر يتطلب أيضًا بعض المعرفة بكيفية عمله والاستراتيجية الصحيحة لتطبيق تلك المعرفة. إنه من المفيد جدًا أن بعض قادة حملات اللاعنف الناجحة – كالقائد الطلابي لحركة "أوتبور" في صربيا – قد اكتشفوا طرقًا جديدة لمشاركة الآخرين بما تعلموه، لكن العديد من الناس في هذه الأيام لا زالوا يجدون أنفسهم يلتحقون بثورة اللاعنف أو أي نوع آخر من الحركات، من دون أن يكون لديهم أدنى فرصة ليتعلموا عنها. وهذه بعض المبادئ العامة لممارسة العمل اللاعنفي بشكل أكثر أمانًا وفعالية، ويمكن للمرء أن يعتمدها وهو يستند أيضًا إلى الممارسات السلمية لتراثه الثقافي الخاص. إنها مشتقة من اثنين من التعاليم الأساسية التي بإمكاننا أن نتذكرها دائمًا:

-       نحن لسنا ضد الآخرين بحد ذاتهم، بل فقط ضد ما يفعلونه.

-       في النتاج، الوسائل هي الغايات؛ ففي المآل لا يمكن أن يصدر عن العنف ما هو خيِّر ( في حين أنه على المدى البعيد لا يمكن أن يَنْتج عن اللاعنف إلا ما هو خيِّر)٭.

***

المبادئ السبعة

1. احترمْ الجميع- بمن فيهم ذاتك: بقدر ما نحترم الآخرين يمكننا بفعالية أكبر مقاومة الازدراء الذي يواجهوننا به. لا تلجأ مطلقًا إلى الإهانة – أو تتقبل الإهانة من الآخرين؛ فإن ذلك يُذِل الجميع. يقول مارتن لوثر كينغ: "إن الظلم في أي مكان هو تهديد للعدل في كل مكان"، وهذا نفسه ينطبق على الكرامة الإنسانية. وهنا من المفيد أن تتذكر بأنه لا يمكن لأحد إذلالك إذا رفضت قبول انطباعهم الدونيِّ عنك.

إن النجاح الحقيقي في اللاعنف، الذي يختلف كليًا عن العنف، لا يكمن فقط في قدرته على علاج الظلم بل وعلاج العلاقات أيضًا. أدرك غاندي إمكانية أن "نكره الخطيئة لا المخطئ" حتى عندما يُقابَل اللاعنف بالعنف الشديد، كالحرب مثلاً. ففي عام 1942، عندما خشيت الهند، المحتلة من بريطانيا، من الغزو الياباني، نصح غاندي أبناء بلده بما يلي:

إذا كنا بلدًا حرًا، فمن الممكن أن تحدث الأمور بشكل سلمي لمنع اليابانيين من دخول البلد. وبذلك، فإن المقاومة السلمية من الممكن أن تبدأ من اللحظة التي يختار فيها اليابانيون النزول إلى بقعة ما. وهكذا، فإن المقاومين السلميين سيرفضون تقديم أي مساعدة لهم، حتى الماء لأنه ليس جزءًا من واجبهم مساعدة أحد في نهب بلدهم. لكن إذا أضاع ياباني طريقه وكان يحتضر من شدة العطش وطلب المساعدة ككائن بشري، فإن المقاوم السلمي، الذي قد لا ينظر لأحد كعدوه الشخصي، سوف يعطي الماء للعطشان. لنفترض أن اليابانيين أجبروا المقاومين على إعطائهم الماء، فيجب على المقاومين أن يموتوا وهم في فعل المقاومة.

2. تبنَّى دومًا "البرنامج البنَّاء": إن الإجراء الملموس هو دائمًا أكثر قوة من الرمزية المُجرَّدة، خاصة عندما يكون ذلك الإجراء المادي بنَّاءً مثل: إنشاء المدارس، الصناعات المنزلية، المزارع التعاونية، وهكذا... أطلق غاندي برنامجًا من ثمانية عشر مشروعًا يمكِّن الهنود من المساهمة في مجتمعاتهم الخاصة، جاعلاً التخلي عن الحكم البريطاني أكثر سهولة بالنسبة لهم، وواضعًا لهم الأسس لدولتهم الديمقراطية عندما يتحقق التحرر. للعمل البنَّاء فوائد كثيرة منها:

-        يمكًن الناس من إنهاء اعتمادهم على النظام الحاكم وذلك عن طريق خلق خدماتهم ومنتجاتهم الخاصة. لا يمكنك التخلص من طاغية في حال اعتمادك عليه بشيء ما أساسي.

-        إنه تغييريٌّ، فأنت لا تقاوم الاعتداءات فقط، ولكنك تسيطر عليها. هذا يساعدك على إزاحة الانفعال والخوف والضعف.

-        وفي الوقت نفسه أيضًا، هو ليس مواجهة (بالضرورة)، إذ إن كمونه الثوريُّ لا يظهر دائمًا لخصمك أو لمن يهددك، وهكذا فإن بإمكانه القيام بعمله من دون أن يحث على العنف غير الضروري بالمقابل.

-        إنه يمنح استمرارية للحركة، فهو بإمكانه أن يستمر في أوقات تكون فيها المقاومة المباشرة غير مستحسنة.

-        إنه يبني الجماعات، فقد أثبتت الدراسات أن العمل الجماعي هو من أكثر الطرق فعالية لتوحيد البشر. يطمئن البرنامج البنَّاء عامة الشعب بأن حراككم لا يُشكل خطرًا على النظام الاجتماعي.

وهناك أيضًا ما هو أكثر أهمية:

-       فالبرنامج البنّاء يُنشئ البنى التحتية التي ستكون ضرورية حال سقوط الأنظمة القمعية. إن العديد من الانتفاضات قد نجحت فقط في إيجاد مجموعة جديدة من الطغاة.

-        إذًا، الدليل الذي علينا أن نتَّبعه يتلخَّص بـ: كن إيجابيًا كلما أمكن، وعصيًّا عند الضرورة.

3. كن متيقظًا للأجل الطويل: للعمل اللاعنفي دائمًا نتائج إيجابية وأحيانًا تكون أكثر مما نبتغي. في عام 1950، عندما اجتاحت الصين مجاعة قاسية، أنشأ الفرع الأمريكي لمجموعة المصالحة حملة للضغط على الرئيس أيزنهاور لإرسال فائض الطعام للصين. وقد شارك فيها حوالي 35 ألف أمريكي. رسالتنا للرئيس كانت عبارة بسيطة من النبي أشعيا: "أطعم عدوك إذا جاع". ولكن على ما يبدو لم يكن هناك رد. وبعد مرور خمسة وعشرين عامًا على ذلك اكتشفنا أننا تجنبنا بذلك مخططًا لتفجير أهداف في أرض الصين الأساسية خلال الحرب الكورية. وقد صرَّح الرئيس في اجتماع رئيسي لهيئة الأركان المتحدة قائلاً: "سادتي، بما أن 35 ألف أمريكيًا يطالبوننا بإطعام الصينيين، فهذا ليس الوقت المناسب للشروع بقصفهم".

العنف "ينفع" في بعض الأحيان، وبمعنى آخر يفرض تغييرًا معينًا، لكن على المدى البعيد قد يكون سببًا في خلق المزيد من البؤس والفوضى. لا يمكننا السيطرة على النتائج النهائية لأفعالنا، لكن نستطيع أن نتحكم بالوسائل التي نستخدمها، بما في ذلك أيضًا مشاعرنا وحالة فكرنا. تذكَّر هذه الوصفة المفيدة:

-       العنف "ينفع" في بعض الأحيان، ولكنه لا يفيد (بمعنى آخر لا يجعل الأمور أو العلاقات أفضل)، أما اللاعنف فهو "ينفع" في بعض الأحيان و مفيد دائمًا.

-       في اللاعنف قد تخسر كل المعارك لكنك تظل في الطريق إلى كسب الحرب!

4. اعرف أهدافك الحقيقية: هنالك بعض الأمور التي لا يمكننا المساومة عليها، كالكرامة الإنسانية، لكن في حال كنا واضحين حول مبادئنا، فيجب أن نكون على استعداد لتغيير طرقنا أو المساومة على أي شيء آخر. ولذلك تجنب صنع الرموز لما هو غير جوهري. وعلى مستوى المبدأ فإن إرادتهم تميل لأن تكون أقل رغبة في الصراع. وفي المآل، نحن لسنا في صراع على السلطة (حتى ولو اعتقد الخصم أننا كذلك) وإنما نحن في صراع مشترك من أجل الكرامة الإنسانية.

5. ابحث عن حلول "الفوز مقابل الفوز" فذلك سيرضي الاحتياجات الفعلية لجميع الأطراف: تذكر أنك تحاول إعادة بناء العلاقات، إذا كان ذلك ممكنًا، وليس تسجيل "انتصارات". وبخلاف ذلك، من الممكن أن نعتقد بأنه لكي تفوز جهة ما، فعلى الأخرى أن تخسر. ولكن هذه ليست الحقيقة. مع اللاعنف نحن لا نسعى لنكون الرابحين أو نتغلب على الآخرين، بل نسعى لنتعلم ونجعل الأمور أفضل للجميع.

في أثناء مفاوضات مُكثَّفة حول القوانين العنصرية في مونتغمري في ولاية ألاباما، قدم مارتن لوثر كينغ ملاحظة مثيرة للاهتمام تتمثَّل بكونه مرتبطًا مع منظمة "التقدم نحو الحرية". في تلك المفاوضات أوضح وكيل شركة حافلات نقل المدينة الذي وقف في وجه مطالب الشعب الأمريكي الإفريقي لإزالة التمييز العنصري السبب الحقيقي لرفضه بالقول:

إذا منحنا الزنوج مطالبهم، سوف يشرعون بالتفاخر بالانتصار الذي حققوه على البيض، ونحن لن نؤيد هذا.

وعلى العكس من ذلك، فقد نصح مارتن لوثر كينغ المشاركين بالحملة بعدم الشماتة أو التفاخر، مذكِّرًا إياهم بأنه: "من خلال اللاعنف نتفادى إغراء الانجرار نحو "سيكولوجيا المنتصرين"". ينتمي مصطلح "سيكولوجيا المنتصرين" إلى الدينامية القديمة المتمثِّلة بـ"أنا ضدك"، لكن الشخص السلمي ينظر للحياة كتطور مشترك نحو المجتمع المتحابِّ الذي يمكن للجميع فيه أن ينجح. في انتصاراتنا، من الممكن أن تُفسد الشماتة مكاسبنا التي حققناها بصعوبة.

6. كن على علم بقوتك: نحن مكيَّفون (وخاصة في الغرب) لنعتقد أن القوة "تنتج عن فوهة بندقية". هناك بالفعل نوع من القوة التي تنتج عن التهديد والقوة الهمجية، لكن من الممكن أن ترتد ضعفًا إذا رفضنا الإذعان. هناك نوع آخر من القوة ينتج عن الحقيقة، وبإمكاننا توظيف هذا النوع لإيقاظ ضمير الخصم. بتحمل مسؤولياتنا بدلاً من التسبب بالألم، برفض الظلم ولكن مع بقائنا منفتحين على تقبل اختلاف الآخر، بإمكاننا كما قال غاندي "ليس فقط مخاطبة العقل، ولكن التوجه إلى القلب أيضًا". يُعرف هذا بـمبدأ Satyagraha أو "قوة الحقيقة". في حال فشل عرائض التظلُّم والحوارات، فإن ساتياغراها تكون الخطوة التالية. في الحالات المستعصية ربما يجب علينا أن نقدم ساتياغراها مخاطرين بحياتنا (ولذلك من الجيد أن تكون شديد الوضوح حول أهدافك!). افعل ذلك بحذر. لقد أظهر التاريخ، وكذلك خبرتنا في أغلب الأحيان، أنه حتى أعمال العنف القاسية من الممكن أن تتلاشى مع هذا النوع من القناعات التي تسعى لتفتيح بصيرة الخصم بدلاً من إكراهه. على سبيل المثال، إذا رفض ديكتاتور أن يستقيل، فإن الإكراه السلمي قد يكون مطلوبًا من أجل الاقتصاد في المعاناة؛ ولكن يجب علينا عند الإمكان أن نستخدم قوة الصبر والقناعة التي تأتي من الصمود وألم المعاناة وتقود إلى التغيير الدائم. الطرق الصارمة كالإضراب عن الطعام يجب أن نلجأ إليها كوسيلة أخيرة فقط٭٭.

7. اعرف تراثك: نحن لسنا بحاجة "لإعادة اختراع الدولاب". فأن تكون على علم بتاريخ حركات اللاعنف وتبقى على اتصال بآخرين ساهموا بمحاولات مشابهة في هذه الأيام، فإن ذلك يساعدك في تجنب الأخطاء المكلفة. (انظر موقعنا لمعرفة المصادر). كن على يقين دائم بأنك إذا كنت تستخدم اللاعنف بشجاعة وعزيمة واستراتيجية واضحة، فإنك ستنجح على الأرجح. حتى لو تراءى لك أنك لم "تفُز"، فإنك سوف تكون مؤديًا لدورك في تغيير كبير للعلاقات البشرية التي يعتمد عليها مستقبلنا.

هذه المبادئ السبعة قائمة على الاعتقاد بأن الحياة بكاملها مترابطة، وأنه عندما ندرك احتياجاتنا الحقيقية لن نكون في منافسة مع أحد. في الواقع، كما قال مارتن لوثر كينغ:

نحن محكومون بشبكة محكمة من التبادلية، مُرتبطة برداء القدر الوحيد... لا يمكن لي أن أصبح ما ينبغي أن أكونه حتى تصبح أنت كذلك. كما أنه لا يمكنك أن تصبح ما ينبغي أن تكونه حتى أصبح أنا كذلك.

إنه الشرف الممنوح لنا كي نعيشَ وعد تلك الرؤية.

ترجمة: ريم النبواني

*** *** ***


 

horizontal rule

٭ ستجد المزيد على موقعنا www.mettacenter.org.

٭٭ للمزيد حول كيف ومتى نلجأ إلى الإضراب عن الطعام، انظر موقعنا على الويب.

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني