حول اللاعنف
حوار مع
محمد علي عبد الجليل
بسام شاغوري: الأستاذ محمد علي عبد الجليل أنت تكتب في موقع معابر وتترجم كتب من
الفرنسية حول موضوع اللاعنف والسلمية، ومنها قاموس اللاعنف للفيلسوف الفرنسي
جان ماري مولر، وهو غير معروف بقدر جين شارپ الذي انشهر صيته خلال الفترة الأولى
للثورة السورية حيث قام العديد من الناشطين بعرض بعض أفكاره ونقاشها لإبقاء الطابع
السلمي على الثورة. فماهي نقاط اللقاء أو الافتراق ما بين مقاربة مولر وشارب لموضوع
اللاعنف؟
محمد علي عبد الجليل:
لا يوجد نقاط افتراق بين مقاربة الأمريكي جين شارپ
Gene Sharp
والفرنسي جان-ماري مولر. فبالإضافة إلى كونهما صديقَينِ على
الصعيد الشخصي فإنَّ الاثنينِ يستقيانِ أفكارهما من وحي غاندي ويقرآن غاندي
بالطريقة نفسها. وقد قال لي مولر أكثر من مرة إنَّ جين شارپ عبَّر له كثيرًا عن
اتفاقه على الاستراتيجية نفسها للعمل اللاعنفي وعن موافقته على أفكار مولر
الفلسفية. أي هما متَّـفقان على تصورات اللاعنف. وقد شاركا معًا في كثير من الندوات
كان آخرها في بيت لحم في شهر كانون الأول، ديسمبر، 2005.
إذا
كان هناك من فرق (وليس اختلاف) فإن شارپ لم يعمل على فلسفة اللاعنف كما فعل مولر.
بل اشتغل على الجانب العَمَلي وقدَّمَ تحليلاً سياسيًا براغماتيًا للعمل اللاعنفي.
في حين أنَّ مولر طوَّرَ أُسُسَ فلسفةِ اللاعنف. كما أنَّ الاستراتيجية التي يحددها
جين شارپ تنسجم تمامًا مع الفلسفة التي يطوِّرها مولر.
لا
أدري لماذا اشتُهِرَ شارپ أكثر من مولر كما تقول. ربما لأن شارپ يكتب بالإنكليزية
مما يتيح لأفكاره انتشارًا عالميًا أوسع ومقروئية أكثر. في حين أن أعمال مولر
اللاعنفية تُرجِمَت إلى عدة لغات منها العربية والإسبانية والبولونية ولكنْ لم
تُترجَم إلى الإنكليزية (باستثناء كتاب اللاعنف في التربية الذي نشرتْه
اليونسكو بالإنكليزية والفرنسية والذي لم يتطرَّق إلى استراتيجية العمل اللاعنفي).
ب. ش.: على عكس ما يعتقد الكثيرون ويروج البعض، فإن اللاعنف لا يعني التخلي عن
الحقوق ولا قبول الظلم أو الدكتاتورية. كما أن أشهر الداعين لللاعنف ناضلوا من أجل
قضايا الحرية والمساواة والعدالة وأحيانًا دفعوا حياتهم لها. ويكفي الاستشهاد بمثل
غاندي ومارتن لوثر كنغ لإثبات ذلك. ما هو برأيك الدافع من تقديم اللاعنفين وكأنهم
متواطئون مع السلطة أو مع ظلمها وكيف يمكن الرد؟
محمد علي عبد الجليل:
في
الحقيقة ليست السلطة هي من تتهم اللاعنفيين بالتواطؤ معها. إنما الذين اختاروا
العنفَ استراتيجيةً لمواجهة عنف السلطة هم الذين يسخرون من اللاعنفيين ويتَّهمونهم
بالتواطؤ مع السلطة. في الواقع، السلطةُ تخاف من العمل اللاعنفي أكثر مما تخاف من
العمل العنيف.
وبما أن الإيديولوجيا السائدة تمجِّد الحربَ وترفع من شأن المزايا الحربية وتجعلها
بطولاتٍ فإنَّ الرأي العام ينظر إلى السلمية نظرةً سلبية (كما يؤكد مولر في قاموسه)
وبالتالي فإنه يرفض اللاعنفيين لأنهم سِلْميون ويتهمهم بالخيانة والجبن والتواطؤ مع
ظلم السلطة.
نعرف مدى حضور الأديان وأهميتها في مجتمعاتنا. والأديانُ [أو المؤسسات الدينية]،
كما يشير مولر وكما يؤكد التاريخ، تجاهلَت فريضةَ اللاعنفَ الفلسفية واعتبرَت
العنفَ حقًا طبيعيًا للدفاع المشروع عن النفس والمصالح فقدَّسَت العنفَ، ولكنْ "لم
يتقدسِ العنفُ بل تدنَّسَ الدين" بحسب تعبير مولر. وهكذا عملَتْ الثقافةُ السائدة
على التقليل من شأن اللاعنفيين بل وعلى تشويه صورتهم من خلال اتهامهم بالجبن
وبالتواطؤ مع السلطة. علمًا أنَّ محاكاة عنف السلطة هو التواطؤ معها بعينه.
فالتواطؤ، لغةً، هو التوافق. وهو القيام بنفس الفعل لتقويته. فعندما يقوم المظلومُ
أو المعنَّـفُ بمواجهة ظلم الظالم أو عنف العنيف من خلال ظلمٍ أو عنفٍ مشابِه أو
أشد فإنه في الحقيقة يقوِّي ظُـلمَ الظالم وعنفَ العنيف ويوسِّع دائرتَهما.
وبالتالي فإنَّ مواجهة العنف بالعنف والظلم بالظلم هو تواطؤ مع العنف ومع الظلم.
ولذلك فإنَّ اللاعنفي يرفض أنْ يتواطأ مع أي عنف من خلال رفضِه أنْ ينجرَّ إلى
العنف، فيقول لأخيه العنيف: "لئنْ بَسَطْتَ إليَّ يدَكَ لِـتَـقْـتُـلَني ما أنا
بباسطٍ يديَ إليكَ لِأَقتـلَكَ" (المائدة، 28).
ب. ش.: تقول في إحدى مقالاتك المنشورة في معابر (الذي للأسف، غادرنا مؤخرًا
أحد
مؤسسيه ومديره، الأستاذ أكرم أنطاكي) بعنوان ملاحظات في مفهوم الجهاد ما
يلي: "حتى إنْ كان الجهاد في حب العدوِّ أصعبُ من الجهاد في محاربته فإنَّ الجهادَ
في حبِّه هو الطريق الوحيد لكسبِه. الجهاد هو عدمُ الأذى، هو اللاعنف"[1].
تبدو هذه الفكرة شديدة المثالية وصعبة التحقيق، خاصة في الوضع الحالي في سوريا.
فكيف يمكن أن تقدمها بحيث تصبح أكثر واقعية ومفهومة أكثر ومقبولة من السوريين؟
محمد علي عبد الجليل:
عندما نقول يجب أنْ نحبَّ "عدوَّنا" فلا يعني الحبُّ هنا أنْ نعشقَه أو أنْ نحبَّه
كما نحب زوجتَنا وأهلنا وصديقنا. حبُّ "العدوّ" يعني احترامَ إنسانيته وعدم أذاه.
يعني أنْ نحبَّ الإنسانيةَ التي فيه. واحترامُ "العدوّ" ومحبته كإنسان ليست فكرة
مثالية.
عندما لا يكون هناك إرادة كافية تلجأ النفسُ إلى لعبة الذهن وهي تقديم الأعذار.
فنقول: هذه فكرة شديدة المثالية وصعبة التحقيق. إذا استطاع شخص واحد أنْ يطبِّق هذه
الفكرة فهذا يعني إذًا أنها قابلة للتطبيق وليست مستحيلة. هل عدمُ الأذى صعبُ
التحقيق؟ إذا أردنا أنْ نلجأ إلى الأعذار لتبرير تقصيرنا فيمكن أنْ نقول عن أية
فكرة أخلاقية أنها مثالية وصعبة التحقيق. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، يجب أنْ أنتبهَ
إلى معنى الكلمات التي أستخدمها. من هو "العدوّ"؟ ومن هو "الآخر"؟ هل الشخص "الآخر"
و"العدوّ" هو شخص غيري أنا؟ نبيُّ الإسلام يؤكِّد على أنَّ "أعدى عدوِّك نفسُك التي
بين جنبيك". ويُعبِّر أدونيس عن ذلك بقوله: "أنتَ لا تكرهُني، أنتَ تكره الصورةَ
التي كوَّنْـتَها عني، وهذه الصورةُ ليست أنا، إنها أنت". نحتاج فقط إلى الانتباه
لما نفعل ونقول. يكفي أن نتحقَّق من أنَّ القانون الفيزيائي "مصونية الطاقة" [حفظ
الطاقة]: الطاقة لا تفنى ولا تُستحدَث إنما تنتقل من شكل إلى آخر، ينطبق على كل
شيء. أيْ أنَّ الطاقة الأخلاقية هي مصونة أيضًا (وهذا هو قانون "الجزاء"، قانون
"الفعل وردِّ الفعل"). وقانون مصونية الطاقة هذا ليس مثاليًا ولا صعب التحقيق. إنه
واقع. هناك شواهد كثيرة في القرآن والتراث الإسلامي تشير إلى هذا القانون، منها:
"فمن يعملْ مثقالَ ذرَّةٍ خيرًا يرَه ومن يعملْ مثقالَ ذَرَّةٍ شرًا يرَه"
(الزلزلة، 7 و8)؛ "كلُّ نفسٍ بما كسبَتْ رهينة" (المُـدَّثِّـر، 38)؛ "فبما كسبَتْ
أيديكم" (الشورى، 30)؛ "ولِيُوَفِّيَهم أعمالهم وهم لا يظلمون" (الأحقاف، 19)؛
حديث: "يا عبادي إنما هي أعمالُكم تُــرَدُّ إليكم".
ونجد صدى هذا القانون في كل الأديان والثقافات: ففي إنجيل متى نقرأ: "بالكيل الذي
تكيلون يكال لكم". ونقرأ في القانون الأخلاقي للأمريكيين الأصليين: "الطاقة السلبية
التي تبثُّها في الكون سوف تتضاعف عندما تعود إليك". هذا القانون نعرفه جميعًا ولكن
معرفة نظرية. نحتاج إلى الانتباه إلى ردود أفعالنا. ولو نظرنا إلى الأمر من وجهة
نظر اقتصادية فإن الجهاد لكي نقتل الآخر (الذي نظنه "عدوًا") مكلف أكثر من جهاد
أنفسنا لكي نحبَّه أو نحترمَه، هذا بالإضافة إلى أنَّ جهاد القتل مدمِّر لنا أولاً
وللآخر الذي هو صورتنا ثانيًا.
علَّمونا أنَّ الإسلام يقوم على مبدأ التقوى وأنَّ مِن صفاتِ المتقين كظم الغيظ:
"والكاظمين الغيظَ والعافين عن الناس واللهُ يُحِبُّ المحسنين" (آل عمران، 134).
هذا يعني إنَّ أبسط الصفات التي ينبغي أن نتحلَّى بها لكي نكون من المتَّقين هي أنْ
نتحكَّم بانفعالاتنا فلا نغضب، ثم أنْ نعفوَ عن المسيء، وحتى أنْ نحسنَ إلى المسيء.
"وأنْ تَعْفوا أَقرَبُ للتقوى" (البقرة، 237). ومن صفات المؤمنين: "وإذا خاطبهم
الجاهلون قالوا سلامًا" (الفرقان، 63). يعني حتى العنف في القول منبوذ في الإسلام.
ألم
يؤكد القرآنُ والأحاديث النبوية على عدم الغضب وعدم الرد على الإساءة بإساءة: "لا
تكونوا إمَّعةً، تقولون: إنْ أحْسَنُ النَّاسُ أحسنَّا وإنْ ظلموا ظلَمْنا، ولكن
وطِّنوا أنفسَكم: إنْ أحسنَ النَّاسُ أنْ تُحسنوا، وإنْ أساءُوا فلا تظلموا" (رواه
الترمذي عن حُذيفة)؛ "ادفعْ بالتي هي أحسَنُ فإذا الذي بيْنَكَ وبيْنَه عداوةٌ كأنه
وليٌّ حميم" (فُصِّلَت، 34)؛ حديث: "صِلْ مَن قطعَكَ، وأعطِ من حرمك، واعفُ عمَّن
ظلمك"؟ ألم يؤكد الحديثُ على إماطة الأذى عن الطريق؟ وعبارة "إماطة الأذى" قريبة من
مصطلح ahimsa
السنسكريتي بمعنى اللاأذى والذي ترجم بكلمة اللاعنف؟
ب. ش.: من جهة أخرى أنت تستند على مرجعية إسلامية لكي تثبت هذه الفكرة وغيرها من
أفكارك اللاعنفية، مع أن مثل هذا النهج نادر بين الفقهاء أو الدعاة (هنا علينا أن
نذكر الأستاذ جودت سعيد)، فهل هناك مدارس إسلامية انتهجت نفس منطق اللاعنف ويمكن
الاستناد إليها للدفاع عن هذه الفلسفة؟
محمد علي عبد الجليل:
عندما نتوجّه إلى قوم، يجب أنْ نتكلَّم بلغتهم وثقافتهم. والإسلامُ كغيره من
الأديان يحتوي على قيم لاعنفية ينبغي التركيز عليها. في تاريخ الإسلام، لا نعرف إنْ
كان هناك مدارس أو حركات أو تيارات لاعنفية متمايزة باستثناء حالات فردية صوفية
تُقدِّم قراءةً لاعنفية للإسلام. في التاريخ الحديث، بالإضافة إلى جودت سعيد وخالص
جلبي، هناك الشيخ السوداني محمود محمد طه. وهناك المرجع العراقي محمد الشيرازي الذي
ألَّفَ كتابًا بعنوان اللاعنف في الإسلام. وكذلك الشيخ محمد تقي باقر، أمين
عام منظمة اللاعنف العالمية (مسلم حر) الذي يعمل على نشر ثقافة اللاعنف.
ب. ش.: في مقال آخر تقول: "قد يبرِّر البعضُ لجوءَهم إلى العنف بغياب العدالة
وبأنَّ الظلم يؤدي إلى العنف؛ ولكنَّ استخدامَ الوسائل العنيفة لتحقيق غاية عادلة
يجعل الغايةَ عنيفةً أيضًا".
كيف يمكن سحب هذه الفكرة على الثورة السورية اليوم؟
محمد علي عبد الجليل:
يؤكد جان-ماري مولِّر في قاموس اللاعنف (الوسائل) على أنَّ اختيار الوسائل
ليس أهم من اختيار الغاية (إذْ لا انفصال بين الوسيلة والغاية) وأنَّ الوسائل لا
تكون عادلةً إلا إذا كانت الغاية عادلة. فالغاية العادلة لا يمكن أنْ تُبرِّر
استخدامَ وسائلَ غيرِ عادلة. والوسائل غير العادلة لا تجعل القضية عادلة. إنَّ
الوسائل العنيفة تُسبِّب الظلمَ والأذى، ولا يمكن للظلم أنْ يحققَ العدلَ. من يريد
الحرية لا يقتل. من يريد إزالةَ الظلم لا يمكنه بلوغ غايتِه بارتكاب ظلم آخر. وإلا
أصبح المظلوم ظالمًا. ومن أرادَ أنْ يتخلَّصَ من قيود الظلم لا يمكنه أنْ ينجح إذا
قام بظلم آخر لأنَّ كارما الظلم الذي سيقوم به سيقيِّده وسترتدّ نتائجه عليه عاجلاً
أم آجلاً.
إن
الوسائل العنيفة لا يمكن أن تحقق الحريةَ والسلامَ المنشودَين ولا يمكن إلَّا أنْ
تزيدَ من الآلام والقيود.
خاصية العنف أنه دوامة عمياء. فما إنْ يختار الإنسانُ وسائلَ عنيفة حتى تجرُّه هذه
الوسائلُ إلى أوحال العنف. فالعنف أعمى كالغضب، كما يؤكد مولر وﭙـول ﭭـاليري.
العنف لا يلد إلا عنفًا. إنَّ عُنفَ بعضِ المعارضين للسلطة هو نتيجة وسبب في آن
واحد: نتيجة لعنف السلطة وسبب في خلق سلطة أخرى عنيفة. ولا مفر من العنف سوى
بالخروج من دائرة العنف. وللخروج من العنف يجب مقاومة مسببات العنف مقاومةً
سِلْمية. ومن مسببات العنف: الظلم والتطرف والطائفية والتسليح والاستبداد.
ب. ش.: يذكر جان ماري مولر في مقال (عن الكلام) في قاموس اللاعنف، فكرة هامة
جدًا، وهي أن العنف بالنسبة للمحرومين أو المظلومين هو تعبير أكثر منه فعل، إذ يصبح
نوعًا من الهوية: "أنا عنيف إذن أنا موجود"، هوية تهدف إلى إثبات وجوده. ثم يربط
هذا، كما يفعل المحللون النفسيون، بعدم إتاحة الفرصة لهم للتعبير بالكلام. ألا يوحي
هذا التحليل أن العنف ليس استمرارًا للسياسة بوسائل أخرى، وإنما نفي لها. كيف يمكن
الاستفادة من هذه الفكرة من أجل تفكيك العنف في سوريا من خلال عمل فكري ومدني، وهل
هناك أمثلة على هذا العمل في أماكن أخرى؟
محمد علي عبد الجليل:
للتنويه، إنَّ فكرة "العنف هو استمرار للسياسة بوسائل أخرى" هي بالأصل مستوحاة من
قول المنظِّر العسكري الـﭙروسي كارل فون كلاوزِﭭيتس (Clausewitz
(1780 – 1831: "الحرب هي مجرد امتداد للسياسة بوسائلَ أخرى". ولكن جان-ماري مولر
يرى بأنَّ الجنرال الپروسي لم يكن يقصد أنَّ السياسة هي أصلاً الحرب، بل إن الحرب
يجب أن تكون هي الأخرى عملاً سياسيًّا.
العنفُ، كغضبٍ أعمى، هو ضد السياسة التي هي فن يهدف إلى إحلال السلام وإدارة العمل
المشترك والإدارة اللاعنفية للنزاعات. العنف هو إخفاق السياسة.
عندما تصادَر حريةُ التعبير، يحاوِل الإنسانُ التعبيرَ عبر العنف. وهذا العنف يحلُّ
محلَّ الكلام الذي أُنكِرَ عليه. فهو يعبِّر عن معاناة؛ إنه "نداء استغاثة"، كما
يرى مولر.
تشير سيمون ﭭـايل في كتاب التجذر إلى أنَّ حرية التعبير هي إحدى الحاجات
الأساسية للنفس البشرية. وبعدم إشباعها تصبح النفسُ مريضة تمامًا. وعندما تصبح
مريضةً قد تلجأ للعنف لإشباع حاجتها. وقد أشار إلى المعنى نفسه الشيخ محمد تقي باقر
بقوله: "من يمارس العنفَ إنسان مريض وعليه مراجعة طبيب نفساني". تقول سيمون ﭭـايل:
"حرِّية التعبير الكاملة وغير المحدودة عن أي رأي مهما كان وبدون أي قيد أو شرط أو
تحفُّظ هي حاجة مطلقة للعقل. وبالتالي فإنها حاجة للنفس، لأنه إذا لم يكن العقل
مرتاحًا فستكون النفسُ بكُـلِّيتها مريضةً". كلامُ سيمون ﭭـايل هذا يؤكده أدونيس:
"بِقَدْرِ ما تَضيق مساحة القول والفعل عند الإنسان، تضيقُ مساحة وجوده، ويضيقُ
معناه".
وبالتالي فإنَّ العنف في سوريا هو نتيجة لعوامل عديدة منها غياب حرية التعبير.
وبالتالي فإنَّ الحرمان من حرية التعبير هو تكرار للخطأ الذي ساهم في العنف في
سوريا والذي سيؤدي من جديد إلى العنف.
وهكذا فإنَّ اختيار معارضي السلطة للعمل اللاعنفي هو ضمان لسقوط السلطة العنيفة.
أما إذا اختار المعارضون العنفَ لمواجهة سلطة عنيفة فإنَّ خيارهم هذا سينقلب عليهم
وسيجعلهم في وضع أدنى مقارنةً بعنف السلطة. إنَّ من مصلحة السلطة العنيفة أنْ تجر
معارضيها إلى ساحة العنف حيث تتفوق فيها على أي عنف. ولكن لا يمكن إجبار الناس على
اختيار استراتيجية اللاعنف. إنهم ببساطة سيحصدون نتائج خياراتهم.
ينبغي في سوريا تفعيل الكلام المسالم. فالكلام يفضح الظلم ويساعد في تفريغ الغضب.
لأنه، كما وردَ في الحديث: "أَفْضل الجهاد كلمة عدل [وفي رواية: حق] عند سلطان
جائر"، ولأنَّ كلمة الحق، كما يقول مولر، لها وحدها القدرةُ على وضع حدٍّ للكذب
الذي يغطِّي الظلم. وهذا يتطلب شجاعة. لقد صرخ نزار قباني في وجه الاستبداد قائلاً:
"مولايَ\ لا أريدُ منكَ ياقوتًا ولا ذَهَبْ\ [...]\ كلُّ الذي أرجوهُ أن
تَسْمَعَني\ [...]\ إنْ كنتَ - يا مولايَ - لا تُحِبُّ الشعرَ والصُداحْ\ فقلْ
لسيَّافكَ أنْ يمنحَني\ حُرِّيةَ النباحْ".
من
الأمثلة العامة على نجاح العمل اللاعنفي: سقوط جدار برلين. كما أنَّ العمل اللاعنفي
وخاصة اللاتعاون أطاح بنظام دكتاتور الفليبين فيرديناند ماركوس عام 1986. من جهة
أخرى فإن جميع الحالات التي استُخدِم فيها العنفُ باءت بالفشل.
أجرى الحوار: بسام شاغوري
*** *** ***
صفحة
AGORA
على الفيسبوك