|
قيم خالدة
قام فكرُ مارتن هيدغِّر على نقد الفلسفة الغربية منذ نشأتها الإغريقية، حيث رأى أنها أخطأت موضوعها. ذلك أنَّها، بدلاً من التفكُّر في "الكون" Sein, être, esse, einai في حدِّ ذاته، أي في الكينونة أو الوجود المحض، انصرف اهتمامُها إلى "الكائن" das Seiende, lʼétant، أو مجموع الكائنات التي يتجلَّى فيها الكون. وقد صوَّرها هيدغِّر بـ"المربع" das Geviert, le quadripartite، وهو مجموع السماء والأرض والإلهيِّين والفانين. فكان، إلى خطأ التخلِّي عن الكون للاهتمام بالكائن، خطأ السهو عن هذا الخطأ بالذات، فالسهو عن الكون وعن الفرق الأونطولوجي بين الكون والكائن.
كلَّما ظهر شعورٌ في المجتمع بضرورة إعادة بناء العلاقات القائمة بين البشر لا بدَّ أن ينتعش النقاشُ حول المسائل الأخلاقية. والواقع أن من الطيش الحديث عن إعادة بناء البنيان الاجتماعي دون التفكير في مراجعة المفاهيم الأخلاقية. ولهذا السبب يستيقظ هذا الاهتمامُ النشطُ بالمسائل الأخلاقية. لذا قررتُ أن أتحدث عن علم الأخلاقيات ethics، أي عن أسُس المفاهيم الأخلاقية ومنشئها في الإنسان. في الآونة الأخيرة، ظهرت أعمالٌ غير قليلة حول هذه المسألة؛ غير أني سأتوقف عند المحاضرة التي ألقاها، منذ مدة وجيزة، الپروفسور المعروف من جامعة أكسفورد ت. هَكْسلي، وهي بعنوان التطور والأخلاق.
أودُّ بدايةً أن أقول إنني، في هذا المقال، أسعى إلى الكشف عن حقيقة الموت والحياة على جميع الأصعدة، معتبرًا إيَّاهما مظهرين متعارضين، وفي الوقت ذاته متكاملين، لسيرورة كلِّية واحدة. ويجدر بي، قبل التعمق في بحث معضلة الحياة والموت، أن أطرح على نفسي السؤال التالي: ماذا أتوقع من دراسة كلمتَي "الموت" و"الحياة" وأنا أطرحهما على مستواهما الأعم والأجلى والأعمق؟ عندما أتحدث عن "حياة" إنسان بلغ السبعين من عمره، أعلم أن حديثي يدور حول "استمرار" وجود معيش واحد بعينه، وأجد، على الرغم من التغيرات الطارئة على السمات والتفاصيل التابعة لأحداث المصير الفردي وأعراضه، أن هذا الاستمرار يحتفظ، في عمقه، بوحدة الهوية والذاتية. فعندما يتوقف القلب عن الخفقان نتيجة مرض أو حادث، أو عندما تتوقف الحياة الفسيولوجية والنفسية، أتحدث عن "الموت".
رأى ميشيل فوكو أن عصرنا يحاول جاهدًا، بالوسائل كلِّها، أن يتخلص من قبضة فلسفة هيغل، سواء عن طريق المنطق، أو عن طريق الإپستمولوجيا، أو عن طريق ماركس، أو عن طريق نيتشه: - فأما المنطق التداولي، فلأنه، في نظر فوكو، يستطيع أن يكشف عن "تناقضات" الهيغلية بعدما ادَّعتْ معرفة المطلق بالعمل الديالكتيكي؛ - وأما الإپستمولوجيا، فلأنها تؤكِّد "ميتافيزيقية" فلسفة هيغل، البعيدة كلَّ البعد عن المعرفة "الحقيقية" التي يسعى إليها الإنسان – وعصرنا، كما هو معروف، هو عصر الإپستمولوجيا التي، مع بداية القرن العشرين، لم تترك مجالاً لحضور الميتافيزيقا، منبئةً بنهايتها؛
لذلك
قيل إن المجنون هو أسعد إنسان في هذا
العالم، وإن العبقري طفل استعيد قصدًا، وإن
المهرِّج ضمير لا يوارِب.
أ. مدخل عام في المطلق، ليست العولمةُ حسنةً أو سيئة. تكون على ما نريدها نحن البشر أن تكون. ليست الأنظمة بوجه عام هدفًا في حدِّ ذاتها. لذا علينا أن نعمل جاهدين لكي تغدو العولمة، كما الأنظمة كلها، في خدمة الشخص البشري والخير العام وتعزيز التضامن بين البشر.
|
|
|