|
إضاءات
يستدعي
الجمعُ بين الفيلسوف والعالِم العربي أبي
الوليد ابن رشد (1126-1198) وبين الفكر الحر
التساؤلَ عن الوجاهة الراهنة لأفكار هذا
الفيلسوف في المجتمعات العربية. وبالتالي،
ينطرح السؤال: أين تكمن أهميةُ ابن رشد اليوم
في خصوص مثقفين عرب يقيمون داخل البلاد
العربية وخارجها ويدعون إلى تحرر الفكر وإلى
تحرير المجتمع والإنسان من مختلف القيود
الاجتماعية والسياسية والدينية، ليس فقط في
بلدانهم، بل في العالم أجمع؟ بخلاف
نبرات تقديس إدوارد سعيد التي راحت تتصاعد
بعد وفاته، حاملةً معها خطرَ تحويله إلى "أيقونة"
وإضفاءَ طابع "العصمة" عليه، أرى أن عمل
سعيد لم يعد من الممكن أن يُفهَمَ حق فهمه من
غير ذلك النقد الذي انهمر سيولاً من كلِّ فجٍّ
وصوب، من اليمين واليسار، ما إن ظهر كتابُه الاستشراق
في العام 1978.
خـريطـة
القلـب الخرائطُ لا ترسم السلام، ولا الطرقُ ولا الدروبُ
الملتوية ترسمه. فالذاكرةُ واعية، والزمن
الذي مرَّ قصير، ومَن أتى راكبًا الشرَّ
ليأخذ أرضَ سواه مازال يراهن على الشرِّ،
يراوغ ويقبل ويرفض ويحيل حياةَ البشر في كلِّ
مكان جحيمًا يهدد الأرض وأبناءها أجمعين، في
حِمى دولة عظمى، ينظر سكانُ أرضها الأصليون
اليوم – حكماء الهنود الحمر – فيشاهدونها
مريضةً تنتفخ كضفدع مغرور فوق كوكب تتطور
روحُه، بينما قاطنوها متحجِّرون داخل أقفاص
التكنولوجيا والغطرسة.
لئن
تصور بعضُ الباحثين في فكر كمال جنبلاط أن
التدين لديه هو اندراج "إيماني" في مسلك
طقسي أو اندماج "عرفاني" في مسرًى وجداني
وحسب، فإن تصورهم هذا ينطلق من رؤية جدلية غير
مكتملة، هي أقرب إلى المادية المحض منها إلى
دينامية الجدل الجنبلاطي للتجاذب الديمومي
بين قطبَي الحقيقة الظاهرة – العقل واللاعقل
– المتضادين في فسحات تجلِّي المطلق.
هل يمكن لنا الحديثُ عن "إيمان" دينيٍّ خالٍ من التطرف؟ وهل يمكن لنا رسمُ خطٍّ فاصل بين الإيمان والتطرف يكون الفيصل بين حقيقة الإيمان وحقيقة
السِّياسيُّون،
في اللغة العربية، كلمةٌ واحدة تشمل صنوفًا
من المشتغلين بالسياسة العامة، معروفين في
اللغات الأوروبية بأسماء متعددة، يدل كلٌّ
منها على صناعة مختلفة، يبلغ من اختلافها في
بعض الأحيان أن مَن يصلح لإحداها لا يصلح
لغيرها! في حواره مع عبد الإله بلقزيز،
كما في حواره مع صقر أبو فخر الذي ضمَّه كتابُ ما
يشبه السيرة الذاتية، يحاول كريم مروة، من
خلال تجربة نضالية فكرية وسياسية ممتدة
عِبْرَ عقود طويلة، تقديمَ إجابة على تأملات
في
الفلسفة
والأخلاق والسياسة
في 29 آذار 1883، ألقى المفكر
والمؤرخ الفرنسي الكبير إرنست رينان، الذي
كان يومذاك في ذروة مجده وشهرته، محاضرةً
هامةً على مدرج جامعة السوربون في باريس
بعنوان "الإسلام والعلم"؛ وقد نُشِرَتْ
هذه المحاضرةُ في اليوم التالي على صفحات
دورية تدعى صحيفة المناظرات. عندما
ننظر اليوم إلى واقع الإسلام السياسي المعاصر
من جبهة الحاضر إلى الماضي، نرى تراكُم
القتلى والحروب والنزاعات المتواصلة، من
تكفير وتهجير وتدمير، فندرك أننا لم نرث من
هذا الواقع غير تراكمات التوحش على المستويات
كلِّها. وعندما ننظر إليه من جبهة الماضي إلى
المستقبل، نرى الكم الهائل من الأبطال
والشهداء والقرابين الذين ستبتلعهم الجنة
والنار في آنٍ واحد! لهذا يشعر معظم الجيل
المسلم، المولود من رحم هذه التناقضات
والصراعات كلِّها، بالفجيعة: فجيعة الأجيال
التي ترضع من هذا التاريخ السياسي المتورم
بالأوهام، المولع بصناعة الحرب وبإنتاج
أنواع القتلى من أجل مجهول يعشق اللغة
والكلام.
مَن منا لم تتردد على مسمعه
مئات المرات في أيام طفولته وشبابه عبارةُ
"أكبر منك بيوم أفهم بسنة"؟! جميعنا
استخدم العبارة نفسها، موجِّهًا النصح
والإرشاد إلى أولاده أو أولاد الجيران أو
الأصدقاء، أو حتى مَن حادثهم مصادفة! لقد
تربينا وكبرنا ونَمَتْ معنا القناعةُ بأن
خبرة الحياة تُثري المعرفة وترفع مستوى
الإدراك، فتميِّز الأكبر سنًّا عن أولئك
الأصغر بالفهم والحكمة والذكاء وحجم المعرفة، وبالتالي صحة الرؤية وصواب
الرأي،
وكنتيجة بديهية، إمكان البت في الأمور واتخاذ
القرار السليم في وقته – على عكس الشباب:
الأقل حنكة ومعرفة وقدرة على الاستيعاب
والسرعة في التوصل إلى جواهر القضايا!
|
|
|