|
إضاءات
حبٌّ في حشا الغريب في شهر آب المنصرم، اشتد الحصار على إحدى مناطق ريف دمشق. يومها، وقبل أن يُدمَّر المكان، اعتلى القناصون سطوح البنايات المجاورة، وبدأت طائرات الهليكوبتر بإمطار منازل الأهالي بنيرانها. أحد الناشطين المعروفين في المنطقة، الذي لم يكن من البلدة المنكوبة، لم يستطع البقاء في منزله الآمن البعيد، فأصدقاؤه يُقتَلون! من أجل هذا، قرر الغريب التسلل إلى مكان الموت، ونجح بعد محاولات عدة في الوصول إلى المستشفى الميداني حيث تمَّ اسعاف الجرحى. سجَّل ليلتها اسماء سبعة عشر شهيدًا، ولا يزال أنين الجرحى الثلاثين الممددين على البلاط حيًا في ذاكرته. عند الخامسة فجرًا هدأت النيران قليلاً، فاغتنمت العائلات الفرصة للنزوح إلى حدائق دمشق هربًا من الموت المقبل. ساعد ناشطو الحي، ومعهم الغريب، الأهالي بالفرار، لكن شعور العجز أمام فداحة المشاهد كان أشد قسوةً من أن يستطيع صديقنا احتماله، لكن ما العمل؟ لم يبق عند الشاب المسكين نقودٌ يساند بها الأهالي، فقد أعطى القليل الذي عنده حتى القرش الأخير! إحدى الممرضات المقربات من صديقنا قررت ليلتها، في لحظة يأس، أن تحمل سلاحاً تدافع به عن أهلها، أما هو فقد خطرت على باله فكرةٌ أخرى، بثَّها بهدوء في أذن الفتاة: "سأبيع إحدى كِليتيَّ لأشتري دواءً للجرحى!". ارتبكت الشابة أمام هذه الفكرة المخيفة، أما الغريب فقد كان واثقًا من طلبه: "ساعديني على بيعها"، ليضيف ساخرًا: "لكنني أريد سعرًا دسمًا!". هزت الفتاة رأسها بهدوء في محاولة يائسة لإخفاء الماء الذي انسل من العين بصمت...
كانت الشمس توشك على المغيب عندما التقيت جورج طرابيشي على "شاطئ القرم"، حيث زرقة المحيط تعطي انطباعًا بأن أفق التفكير مفتوحًا على مصراعيه، وأن "البحر" يتسع للجميع لخوض غمار تفاصيله. فيما كانت حمرة الشفق تنعكس فوق صفحة مياه المحيط منذرة بأنه حتى جمال الزرقة يمكن أن تخالطه صعاب جمة. ورغم أن جورج طرابيشي السوري المولد الفرنسي الإقامة منذ عقود، يخرج من صومعته الباريسية لأول مرة منذ عقد ونصف إلا أنه بدا إنسانًا اجتماعيًا بامتياز، حاضر البديهة والابتسامة، ومستعدًا للحوار مع الجميع. دار الحوار الذي حضره مجموعة من الأصدقاء حول محورين اثنين: المحور الأول "ربيع العرب" خاصة وأن طرابيشي اشتغل طويلاً على فكرة الدولة وتحولاتها من حلم الدولة القومية إلى واقع الدولة القطرية. وكذلك محور مشروعه في نقد نقد العقل العربي الذي جند جهده فيه للرد على المفكر محمد عابد الجابري، وهو الموضوع المثير، والذي تابعه المثقفون العرب على مدى قرابة نصف قرن. "شرفات" التقت طرابيشي الذي زار السلطنة قبل أيام بدعوة من صالون سبلة عمان الثقافي فكان هذا الحوار الطويل الذي نتمنى أن يكون إضافة إلى مشروع شرفات في حواراته مع مجموعة من كبار المفكرين في الوطن العربي أمثال محمد أركون، ومحمد عابد الجابري، ونصر حامد أبو زيد، وهاشم صالح. ع. ش.
عاد الحديث عن يهود مصر في الآونة الأخيرة، ليتردد صداه في مختلف وسائل الإعلام. في نهاية العام الفائت، خرج نائب رئيس حزب "الحرية والعدالة" بتصريح طالب فيه يهود مصر بالعودة من إسرائيل إلى موطنهم الأصلي، واتهم بخفة عبد الناصر بطردهم من البلاد. أثار هذا التصريح عاصفة من الردود، وأشار الكثيرون إلى الدور الذي لعبه "الإخوان" في خروج اليهود من مصر. بعدها، أعلنت الصحافة عن فيلم تسجيلي طويل من اخراج أمير رمسيس يتناول تاريخ اليهود المصريين في النصف الأول من القرن العشرين، والموقع الذي احتلُّوه في البلاد على الصعيدين المجتمعي والسياسي. خرج الفيلم إلى صالات العرض في الشهر الماضي، وحاز إقبالاً جماهيريًا فاق كل التوقعات.
لأني في نهاية المطاف لا أبحث إلا عن مخرج إنساني، يعطي كلِّ ذي حقٍّ ما شاءت له الألوهة من حقِّه المفترض، ويحافظ على ما نستحقه من هذه الأرض المقدسة؛ تراني في هذا السياق أواجه، منذ البداية، إشكالية فكرية وأخلاقية تقول أني أصبحت أتحدَّث عن حقوق نسبية عوضًا عن تلك المطلقة والأزلية التي أؤمن بها. كما أصبحت أتحدث عن بقايا بلد مدمَّر نسعى جاهدين للحفاظ عليه، ما يعني أني أصبحت شبه يائس، إن لم أقل متشكك، أنه بوسعنا الحفاظ عليه موحدًا. لأنه، وكما قالت سيمون ﭬايل: هناك اليومَ درجةٌ عاليةٌ جدًا من الفوضى والتعارض بين الواجبات... وبالتالي، نحن نواجه اليوم واقعًا مقيتًا يضعنا أمام خيارٍ صعبٍ يقول: إنَّ من يتصرَّف بحيث يزيد من هذا التعارض يكون مثيرًا للفوضى. ومن يتصرَّف بحيث يقلِّل منه يكون صانعًا للنظام. وأن من ينفي بعضَ الواجبات لتبسيط المشاكل يكون قد أقام رابطةً مع الجريمة.
قبل الدخول في صلب موضوعنا، لابد من إعطاء فكرة عن طبيعة النظام الذي بدأ بالتشكل في سوريا منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 والتصفيات الداخلية المتكررة التي جرت ضمنه، إذ أن أطيافًا متعددة من المعارضات التي ظهرت خلال الفترة المعنية كانت نتيجة مباشرة لتلك التصفيات، فكل فصيل أو رمز من رموز السلطة تمت إزاحته عن مواقعه انقلب بالضرورة إلى فصيل و/أو رمز معارض، هذا طبعًا إلى جانب فصائل وشخصيات أخرى عارضت الانقلاب ووقفت ضده منذ البداية.
أيقونة أخرى للحرية التونسية في عيد ميلادها... يبدو أنَّ السؤال عن الحرية لم يعد ممكنًا في لغة المفاهيم الناعمة من قبيل "ما هي الحرية"؟ أو "أين تبدأ حريتك وأين تنتهي"؟ أو"الحرية: هل هي معطى طبيعي أم مكسب مدني"؟ إلخ من أنواع الأسئلة التي تعوَّد التقليد الفلسفي والأكاديمي والنظري على إتيانها. في هذا السياق التاريخي الذي نحن فيه الآن في البلاد العربية بعد ثورات الربيع العربي، ربما من الأنجع أن نأتي سؤال الحرية من وجهة مخصوصة: فنتحوَّل عن سؤال "ما هي الحرية"؟ إلى سؤال "ما ثمن الحرية"؟
ما برح وضع النساء العربيات في مجتمعات تنشد التحديث والانفتاح على جميع الأصعدة وتتشبَّث بمنظومة العلاقات التقليدية بين الجنسين وضعًا مثيرًا للجدل وجديرًا بالتحليل والنقد. وينطبق هذا الوضع على ما وسمه الأستاذ عبد المجيد الشرفي بحالة الانتماء المتأزم، وهي أيضًا حالة الخطاب النسوي العربي انطلاقًا من منتصف القرن الماضي لاسيما بالنظر إلى سيل الاتهامات التي تُوجَّه للنسويات إمَّا بالتبعية للغرب وتفسخ الهوية أو بالاستكانة والتمجيدية الفجَّة للخطاب السائد.
اختلف فقهاء الدستور حول القواعد التي يجب الاستناد إليها في إعداد الدساتير، وتحديد مصادر التشريع فيها، ومن ثم مصادر شرعيتها، وإن كان الفقه الدستوري كاد يستقر على أن الدستور هو التعبير السياسي والقانوني عن العقد الاجتماعي بما يتضمنه من مبادئ وقيم اجتماعية وثقافية وعقائدية واقتصادية تختلف من مجتمع إلى آخر في التفاصيل لكنها محكومة بمنظومة قيم إنسانية، تكاد تكون عامة، تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية في المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين أفراد المجموعة البشرية على أساس من اللون أو العرق أو الجنس أو الدين أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية.
ضمن برنامجها للعام 2012، وبالتعاون مع منظمة السلام المسيحي Pax Christi، أقامت معابر عدة حلقات حوار إذاعية مع عدد من الشخصيات المستقلة في البلد حول عدد من المواضيع المتعلقة بالأوضاع الراهنة. حلقات يمكنكم سماعها على الروابط التالية: http://souriali.com/cms/?p=120 https://www.facebook.com/RadioSouriaLi https://twitter.com/RadioSouriaLi ***
تحركت قريحة مجموعة من الفاعلين الأمازيغيين المغاربة مؤخرًا بسرعة مضاعفة لانتقاد الدولة في مماطلتها في دسترة اللغة الأمازيغية وعدم استصدارها لقوانين تنظيمية لذلك، وتجندوا أيضًا لطرح إشكالية الأسماء الأمازيغية وضرورة العمل على إنهاء "محنة" هذه الأسماء، كما انزوى البعض مبرئًا الحركة الأمازيغية مما نسب اليها من إقامة لـ"محاكم شعبية" بالحرم الجامعي بمراكش، وقد كان خبر بتر بعضٍ من أعضاء الطلبة وأيديهم وأرجلهم غير مستساغ بالنسبة للحركة الأمازيغية وخصوصًا في هذه الظرفية بالذات. من جهة أخرى، ولكثرة الكتابات المنشورة أضحينا نرى أن هناك صراعًا خفيًا ما بين "مثقفين حداثيين" لكنهم عرقيين بامتياز، و"مثقفين أصوليين" يروجون لـ"يوتوبياتهم" بطريقة دعوية، لكن الخلاف الظاهر أن كلا المثقفين نراه يتناسى قيم العقلانية ويلعب على وتر العواطف مدغدغًا لمشاعرٍ أكثر منه مُسْتَفِزًا لفكرنا النقدي. |
|
|