<LINK href="favicon.ico" rel="SHORTCUT ICON">

 ميثاق العبرمناهجية - Charter of Transdisciplinarity

هذا الشعار مستوحى من شعار المركز الدولي للأبحاث و الدراسات العبرمناهجية، عن رسم أصلي للفنان البرتغالي الراحل ليماده فريتاس

 إصدارات خاصّة

Special Issues

  المكتبة - The Book Shop

The Golden Register - السجل الذهبي

 مواقع هامّة

Useful Sites

أسئلة مكررة

F.A.Q.

الدليل

Index

 معابرنا

 Maaberuna

الصفحة السابقة              الصفحة التالية 

بحثًا عن الحلِّ: ز – أنا لا أتهمُ أحدًا٭!
أو... يا الله ما لنا غيرك يا الله...

 

طائر الليل

 

لأن شغفي الوحيد هو السعي إلى النور،
باسم هذه الإنسانية التي عانت أشدَّ العذاب.
أميل زولا، أنا أتهم.

تعلَّم أن تكون أكثر ذكاءً.
وإن لم تشأ أن تكون السندان، كن أنت المطرقة...

غوته، فاوست.

1

لأني في نهاية المطاف لا أبحث إلا عن مخرج إنساني، يعطي كلِّ ذي حقٍّ ما شاءت له الألوهة من حقِّه المفترض، ويحافظ على ما نستحقه من هذه الأرض المقدسة؛ تراني في هذا السياق أواجه، منذ البداية، إشكالية فكرية وأخلاقية تقول أني أصبحت أتحدَّث عن حقوق نسبية عوضًا عن تلك المطلقة والأزلية التي أؤمن بها. كما أصبحت أتحدث عن بقايا بلد مدمَّر نسعى جاهدين للحفاظ عليه، ما يعني أني أصبحت شبه يائس، إن لم أقل متشكك، أنه بوسعنا الحفاظ عليه موحدًا. لأنه، وكما قالت سيمون ايل:

هناك اليومَ درجةٌ عاليةٌ جدًا من الفوضى والتعارض بين الواجبات...[1]

وبالتالي، نحن نواجه اليوم واقعًا مقيتًا يضعنا أمام خيارٍ صعبٍ يقول:

إنَّ من يتصرَّف بحيث يزيد من هذا التعارض يكون مثيرًا للفوضى. ومن يتصرَّف بحيث يقلِّل منه يكون صانعًا للنظام. وأن من ينفي بعضَ الواجبات لتبسيط المشاكل يكون قد أقام رابطةً مع الجريمة[2].

لذلك نرى كلُّ من يسعى إلى إنهاء هذا الوضع المقيت يسلِّم اليوم نفسه للألوهة التي يتضرع إليها مرددًا مع الثوار في قلب مأساتهم: يا الله ما لنا غيرك يا الله...

هذا الدعاء الجميل والحزين والمليء بالأمل. هذا الدعاء الذي ما زال الثوار يرددونه وكلُّهم ثقة بأن الألوهة لن تخذلهم، كما أنها لن تخذل أحدًا... لأن هذه المأساة المتفائلة ستنتهي في نهاية المطاف كما تشاء هذه الألوهة.

وتجدني أيضًا من هذا المنظور، إن شئنا أن نحوله إلى سياسة، مقتنعًا – كسوري وكمعارض – بضرورة إيجاد تسوية مع المكون الاجتماعي الذي يقف اليوم في الطرف الآخر، تسوية تنهي العنف وتحافظ على كرامة الجميع.

لكني أكتب هذه السطور والأزمة في بلدنا لا تبدو وكأنها ستنتهي قريبًا. أكتبها وأنا أفكِّر بالسلام على أصوات دوي الانفجارات والقصف اللذان أصبحا بعضًا من كفاف يومنا.

لأني رغم التعاسة واليأس الذي أشعر به أحيانًا، ورغم القتل والدمار الذي حصل وما زال مستمرًا، ورغم الخوف الذي أشعر به والذي أصبح يخيم على الجميع – خوف على عائلاتنا وأطفالنا وأحبائنا قبل أن يكون خوفًا على أنفسنا – ما زلت أحتفظ ببعض الأمل.

أمل ينطلق من واقع يقول أن كلَّ الأمور أصبحت اليوم واضحةً. وكأن الألوهة شاءت، من خلال هذه الثورة التي يمكن تشبيهها بـ"الولادة العسيرة"، أن تكشف لنا بحكمتها عن كلِّ ما كنا نعاني منه من أمراض طفت اليوم على السطح داعية إيانا إلى التعامل معها بشجاعة وصدق وإنسانية ونجاعة.

نعم، لقد أصبح كلُّ شيء اليوم واضحًا أيها السادة. وهذا هو، رغم كلِّ ما حصل من مآسي، أكبر داعٍ للإيمان وللتفاؤل وللتسليم بمشيئة هذه العناية التي لا يحمد على مكروه سواها.

وأتفكَّر المزيد مبتدءًا بـ...

2
الواقع القائم على الأرض

هذا الواقع الكريه الذي نعيشه اليوم، والذي لم أعد أخاف من تناول حيثياته بكلِّ وضوح وصراحة، هذا الواقع الذي لم نعد نخاف من التعامل معه مباشرةً متجاوزين تلك التقية التي كنا نمارسها مضطرين والتي كانت تقيدنا. فأنا لم أعد أخاف اليوم مثلاً، من التحدث بكلِّ صراحةٍ ووضوح كمسيحي وكإنسان، مع زهير وأحمد كمسلمين سنَّة، و/أو مع منى وعارف كعلويين، و/أو مع عبد الجليل ودارين كعلمانيين غير مؤمنين، وأن أتفق معهم جميعًا على ما يوحِّدنا كبشر. وأن أبحث معهم بالتالي، ومن هذا المنطلق الإنساني الشامل، عن سبلٍ لتجاوز هذه المأساة وكيفية الخروج منها بكرامة كمواطنين أحرار. لأنه إن كان...

... الظلم والاستبداد والظروف القاسية تضع الناس دائمًا وبمكر شديد في مواجهات قد تصل إلى حد التوحش، (فإنه) وحده الفعل الإنساني، والوجدان الديني بمعناه العميق، يُبطل تلك المواجهات ويعيد وشائج التراحم والمعاني الإنسانية النبيلة بين البشر...[3]

وبالتالي، لأني مسيحي وإنسان، تراني أتفكَّر اليوم بما دعا إليه الربُّ من محبةٍ وسلام... ولأني إنسان قبل أن أكون مسيحيًا أؤمن اليوم من أعماق قلبي أنْ هكذا يفكِّر أيضًا جميع أصدقائي على اختلاف انتماءاتهم. كما أؤمن أن حتى من أخطأ من أخواني – سواء أكانوا من طرف هذه الثورة التي أؤيد أو من طرف ذلك النظام الذي تجاوزه الزمن والذي أسعى إلى تغييره – هم أيضًا بشر في نهاية الأمر، وأن من واجبنا الإنساني جميعًا أن نترك لمن أخطأ الفرصة تلو الأخرى للتراجع وللمراجعة.

وأيضًا، من هذا المنظور بالذات، أتفكَّر في المشكلة الأساسية الأولى التي نواجهها كبلد، أقصد تلك التي يسميها أغلب ناسنا، وكذلك الخارج، المشكلة العلوية–السنية أو المشكلة الشيعية-السنية. هذه المشكلة الطائفية التي طبعت ذلك الصراع الدامي الدائر اليوم على صعيدنا السوري. هذه المشكلة التي، إن عدنا إلى السياسة، يمكن تلخيصها سوريًا كما يلي:

-       أولاً: هناك في بلدنا واقع حال يقول أن مجموعةً صغيرة يترأسها رئيس البلاد، ومن ورائه عائلته وأقاربه والمنتفعين من نظامه، تتحكَّم بشكل كامل، ومنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي، بهذا البلد وبشعبه وبمقدّراته وبمصيره. وأن هذه المجموعة أصبحت (تدريجيًا)، منذ ذلك الحين، مدعومةً من قبل أغلبية أبناء الطائفة التي ينتمون إليها، والتي لها تواجد تاريخي كبير في الجيش الوطني وفي أجهزة الأمن. وأن هذا الحال قد تفاقم حدَّ الفجور خلال العقود الماضية، ما أدى، كما سبق وبينَّا، إلى حدوث انفجار سياسي واجتماعي سرعان ما تحول إلى ثورة. ثورة سرعان ما أصبحت مشروعًا بالقوة لحرب أهلية حقيقية بين مكونين اجتماعيين أساسيين هما الأغلبية العربية السنية التي تشكِّل حاضنة البلد وبين أقليته العلوية التي تشكِّل أحد مكوناته الرئيسة وأكبر أقلياته. خاصةً وأنَّ...

-       ثانيًا: هذه المجموعة، التي كان يترأسها في البداية حافظ أسد وشقيقه رفعت، ثم أصبح يترأسها منذ عام 2000 ابنه بشار وشقيقه ماهر وابن خالتهما رامي مخلوف، قامت بعد أن أمَّنت سيطرتها الكاملة على الجيش وعلى الأجهزة الأمنية، بعدة إجراءات مكَّنتها من التحكُّم بالبلد وبشعبه وبمقدَّراته. وهذه الإجراءات كانت بشكل عام:

على الصعيد السياسي الداخلي: تحييد معظم الأحزاب العقائدية (القومية واليسارية)، بما فيها حزب البعث، من خلال شقِّ صفوفها من جهة، وشراء من تعامل مع السلطة من قياداتها من جهة أخرى، وذلك عن طريق المناصب والمكاسب. واقع حال اتخذ شكله السياسي بما بات يعرف بالجبهة الوطنية التقدمية التي يترأسها (نظريًا) حزب البعث، و(فعليًا) رئيس الجمهورية وقائد هذه المجموعة. أمَّا من عارض من هذه الأحزاب فقد حيِّد أو سجن لسنوات طويلة[4] و/أو فارق الحياة بشكل أو بآخر. وأيضًا...

على الصعيد الديني داخليًا: ربط النظام نفسه في كلِّ أنحاء سورية، وخاصةً في مدنها الرئيسة، بشبكة واسعة من الأئمة ورجال الدين المسلمين (السنَّة)[5] ومن على شاكلتهم من رجال الدين المسيحيين (من مختلف الطوائف)[6] المؤيدين للنظام (والمؤيدين بالقوة لأي نظام قائم بغض النظر عن أخلاقياته وسلوكياته). وأيضًا...

على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي الداخلي: ربط النظام نفسه بشبكة، هي الأوسع في تاريخ هذا البلد (وربما أي بلد)، من المستفيدين والمنتفعين. إلى حدِّ أنها ضمَّت حتى المهربين وحثالة الحثالة الاجتماعية الذين فتحت لهم أوسع الأبواب لممارسة نشاطاتهم الشرعية وغير الشرعية[7]. وأيضًا...

-       ثالثًا: إن نظرنا إلى الوضع من منظوره الإقليمي لوجدنا أن:

  1. هذا النظام أقام بدءًا من أيام حافظ أسد تحالفًا استراتيجيًا وثيقًا – ذا خلفية طائفية – مع إيران التي يحكمها، منذ سقوط الشاه، توجه متشدد من الشيعة الإثنى عشرية يؤمن بولاية الفقيه[8]. وأيضًا، من نفس المنطلق...

  2. دعم النظام السوري في لبنان، ومتسترًا خلف شمَّاعة مقاومة إسرائيل وممانعة سياساتها، حزب الله الشيعي ذا المرجعية الإيرانية، والذي يؤمن أيضًا بولاية الفقيه. ما جعل هذا الحزب أقوى الأحزاب في لبنان. وأيضًا...

  3. شجَّع النظام السوري ذلك التوجه الشيعي المتشدد على الانتشار في سورية. لكن نجاحه في هذا المضمار بقي محدودًا جدًا لا بل أعطى نتائج عكسية، لأن حاضنة البلد هي إسلامية سنية، ولأن هذه الحاضنة، التي تمَّ التطاول عليها، شعرت بالاستفزاز والإهانة. وأيضًا...

-       رابعًا: على الصعيد الدولي، لم يكتف هذا النظام الذي ورث السياسات السورية "المناوئة" للغرب التي كان يتَّبعها سابقوه، والمتمثلة في ما كان يعرف بسياسة الصداقة مع روسيا السوفييتية والمعسكر الاشتراكي، إنما...

  1. طوَّر النظام الأسدي علاقاته مع روسيا، حيث استمرت هذه العلاقات وتطورت بعد سقوط النظام الشيوعي واستلام مقاليد الأمور هناك من قبل نظام "ديمقراطي المظهر" يعتمد بشكل أساسي على التحالف العضوي للمؤسستين العسكرية والأمنية. ونلاحظ في هذا السياق، أن نظام الحكم الجديد القائم اليوم في روسيا، قد أصبح أقرب، من حيث تركيبته المفيوية، إلى النظام الحاكم في سورية. وأيضًا...

  2. لمَّا كان النظام الأسدي قد قام منذ البداية، واستمرَّ طيلة الفترة الماضية، على خلفية ما يبدو أنه توافق بين التكتلين الدوليين الأساسيين الذين تقودهما الولايات المتحدة وروسيا، بسبب تلاقي مصالح هذين التكتلين وحاجتهما إلى نظام حكم يؤمِّن الاستقرار في المنطقة من خلال تأمين الاستقرار في سورية ذات الموقع الجغرافي السياسي الهام. كما استمرَّ هذا النظام لفترة طويلة لأنه نجح (على طريقته) في تأمين الاستقرار في الداخل السوري من جهة، كما نجح من جهة أخرى في الحفاظ على شكلٍ من التوازن في علاقاته مع هذين التكتلين الدوليين الأساسيين طيلة فترة حكم الأسد الأب. لكن...

  3. هذا التوازن، القلق منذ البداية، اختلَّ حين أصبح النظام السوري مرتبطًا بشكل كامل – عقائديًا وسياسيًا – مع نظام ولاية الفقيه الإيراني الذي تدعمه روسيا. ما أخلَّ بالتوازنات التي كانت قائمة في المنطقة كما أخلَّ بالتوازنات القلقة التي كانت قائمة أيضًا في الداخل السوري.

فتغيرت الأمور على الأرض، واندلعت الثورة. وبالتالي، لم يعد بوسع النظام الحاكم في سورية الحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي في بلده الذي بات على شفير حربٍ أهلية. ما خلق واقعًا جديدًا أصبح يهدد الاستقرار والأمن في هذه المنطقة الحيوية من العالم. لكنه، في المقابل، واقع حال جديد أصبح يفهمه اليوم، شكرًا لله، معظمنا في داخل سورية كما في خارجها. ما يعني أنه أصبح بوسعنا الانطلاق من هذا الفهم في سعينا لإيجاد طريق للخروج من النفق الذي نحن فيه. سعي يفترض أن يستند إلى مبادىء أساسية تنطلق من إنسانيتنا ومن مصلحتنا كبلد وكبشر. وبالتالي فإننا من هذا المنطلق، وبسبب فهمنا لتعقيدات الأوضاع القائمة في بلدنا وفي محيطه الإقليمي والدولي، نفهم إن أول ما يجب أن نسعى إليه هو إعادة التوازن إلى الداخل السوري أولاً وإلى علاقاتنا الإقليمية والدولية كمحصلة حاصل في نهاية المطاف. لأن اختلال هذا التوازن هو الذي أوصلنا إلى ما أوصلنا إليه من اقتتال وحرب ودمار. وإعادة التوازن تعني أول ما تعنيه سياسيًا على صعيدنا الداخلي:

-       أولاً: إلغاء الصلاحيات المطلقة لرئاسة الجمهورية. إجراء يجب أن يبدأ بتنازل هذا الأخير بالكامل عن صلاحياته لحكومة توافقية مؤقتة تترأسها شخصية وطنية توافقية يقبل بها جميع الفرقاء. وذلك لسبب بسيط جدًا يقول إن هذه الصلاحيات المطلقة وما نجم عنها من ممارسات هي المسبب الرئيسي لما نعيشه اليوم من مآسٍ.

-       ثانيًا: إعادة التوازن والاعتبار إلى المؤسسة العسكرية، التي كانت وستبقى مؤسسة وطنية يجب الحفاظ عليها، من خلال إعادة تعريف مهامها وتحديد ولاءاتها التي يجب أن تعود فتصبح ولاءات للوطن، وليس لشخص محدد أيًّا كان هذا الشخص. ما يعني، إن شئنا الانطلاق من الواقع القائم:

1.    ضرورة التوافق على تشكيل قيادة جديدة لهذه المؤسسة الوطنية الكبرى. قيادة متوازنة من حيث تركيبتها الطائفية من جهة وتخضع لسلطة الحكومة المدنية من جهة أخرى. وأيضًا...

2.    إلغاء الصلاحيات المطلقة للمؤسسات الأمنية، وجعلها تابعةً بالكامل لسلطة وزارتي الدفاع أو الداخلية، وخاضعةً للمحاسبة القانونية. وأيضًا...

-       ثالثًا: تشكيل حكومة توافقية مؤقتة يرضى عنها جميع الفرقاء وتتمتع بصلاحيات واسعة. حكومة تخضع لمساءلة ومحاسبة مجلس حكماء يشرف على عملية إعادة الأمن والاستقرار إلى البلد خلال هذه المرحلة الانتقالية التي قد تطول بعض الشيء بسبب ما حصل من دمار وخراب على الصعيدين المادي والمعنوي.

مشيرين إلى أن هذا الفهم الإنساني والوطني يشكِّل، بخطوطه العريضة، جوهر الدعوة التي أطلقها السيد رئيس الإئتلاف الوطني السوري الشيخ معاذ الخطيب حين دعا إلى الحوار مع شخصيات مقبولة من النظام. لكن، مع الأسف، وكما يقول مثلنا الشعبي، لا يمكن ليدٍ واحدة أن تصفِّق. لأن...

-       أولاً: هذه المبادرة قد رفضت من قبل النظام الذي ما زال يعتبر من يواجههم من الثوار هم مجرَّد عصابات مسلَّحة. كما أنه ما زال يعتقد، رغم كلِّ الخراب والدمار اللذان ألحقهما في البلد، أن بوسعه قمع الثورة والاستمرار في الحكم وكأن شيئًا لم يكن. وأيضًا...

-       ثانيًا: رفضت هذه المبادرة وتمَّ السعي لتفشيلها من قبل قسم هام من المعارضة التي ما زالت تفتقد بمجملها إلى أية رؤية لحلٍّ سياسي ينقذ البلد بجميع مكوناته. وأيضًا...

-       ثالثًا: لأن النظام في رفضه لهذه المبادرة إنما اعتمد على الدعم الحقيقي والمستمر لقوة إقليمية كبرى هي إيران ولاية الفقيه التي تمدُّه بالسلاح والعتاد والرجال. وكذلك للدعم الحقيقي والمستمر لقوة دولية كبرى هي روسيا التي ما زالت تمدُّه بالسلاح والعتاد. كما اعتمد أيضًا...

-       رابعًا: على استمرار السياسات المترددة (إن لم نقل المتواطئة) للمنظومة الدولية الحرَّة برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي لم تقدِّم حتى الساعة أية مساعدة فعلية للمعارضة وللثورة السورية، إنما سلَّمت على ما يبدو أمر حلِّ "الأزمة السورية" إلى روسيا. وأيضًا...

-       خامسًا: اعتمد النظام السوري في استمرار سياسة القمع التي يمارسها منذ البداية على ضعف وتردد الموقف العربي الرسمي الخاضع للسياسات الغربية من جهة، وعلى تردد أو تواطؤ جهات ودول إقليمية مؤثرة كتركيا أو إسرائيل من جهة أخرى. فالجميع بات اليوم يفكِّر في حلِّ مشاكله في المنطقة على حساب الشعب السوري الذي يدفع الثمن الأكبر...

واقع حال يعني على أرض الواقع أن المأساة السورية القائمة ستستمر لبعض الوقت حتى يتمَّ حسم المعركة على الأرض لصالح أحد أطرافها المتصارعة، إن لم يكن بالإمكان التوصل إلى تسوية بين هذه الأطراف. لأنه من منظور الفهم والممارسة السياسية السائدة حتى الساعة في العالم ما زال منطق المصالح الآنية المباشرة هو السائد. أمَّا مصالح الشعوب وحقُّها في العيش الكريم وفي الحرية وتقرير المصير، فإن هذه الأمور، "التافهة" على ما يبدو، تأتي في أسفل سلَّم الأولويات...

3
يا الله ما لنا غيرك يا الله...

وتراني وقد وصلت إلى نهاية هذا الفصل وإلى نهاية الكتاب، ما زلت أواجه ما يبدو وكأنه حائطًا مسدودًا يعيدني، كإنسان سوري وكمعارض، إلى نقطة البداية. وضع يقول لي، كما يقول لجميع السوريين، إن هذه المأساة التي نجح النظام في جعلها طائفية وعنفية وفي تدويلها لن تنتهي إلا على يدنا، شريطة أن نعتمد على ذاتنا وعلى القدرة الإلهية، فلا نيأس ولا ننهار من جهة، وانطلاقًا من فهمنا لتعقيدات الأمور المحيطة بنا، أن نحافظ على مبدئيتنا ونتصرَّف بذكاء ونصمد حتى النهاية من جهة أخرى...

-       لأنه لم يعد مفيدًا ولا مقبولاً اليوم أن نكتفي باتهام من هم على رأس النظام وأن نحمِّلهم مسؤولية ما حصل وأوصلنا إلى هذا الدرك (وهم مسؤولون عن ذلك فعلاً). إنما أصبح الأهم والأكثر إلحاحًا اليوم، إلى جانب صمودنا، أن نكون أذكى قليلاً، فلا ننجرَّ إلى لعبتهم الطائفية. وأن نبعد عنا كلَّ أشكال التطرُّف والأصولية. وأيضًا، أن نستمرَّ في مدِّ اليد لإخوتنا وأبناء وطننا الذين ما زالوا مترددين و/أو ما زالوا يقفون مع الطرف الآخر أيًا كانت إنتماءاتهم الطائفية أو المذهبية. وخاصةً في هذا السياق، أن لا ننجر إلى اتهام المؤسسة العسكرية إنما أن نستمر في دعوتها إلى تلعب دورها الوطني الحقيقي من أجل إيجاد تسوية تحافظ وحدة البلد وعلى كرامة الجميع...

-       كما لم يعد مفيدًا اليوم أن نتهم إيران الشيعية وأن نناصبها العداء لأنها تساند فعلاً النظام الفاسد القائم في بلدنا، إنما، ومع التأكيد على التمسُّك بمبادئنا وقيمنا وعقائدنا، أن نسعى جاهدين لإفهامها بالحوار والعقل والمنطق أن لا مصلحة لها كما لا مصلحة لنا في الانجرار إلى صراع سنِّي شيعي يجتاح المنطقة وينعكس سلبًا على الجميع في نهاية المطاف. ونقنعهم، في المقابل، بأن لهم كلَّ المصلحة في التفاهم مع الحاضنة السنية المعتدلة التي تشكِّل الأغلبية في سورية وفي المنطقة. ما يعني، أنه يتوجب عليهم التوقف عن دعم هذا النظام الذي أوصل بلده إلى ما أوصلها إليه من خراب ودمار. وأيضًا...

-       لم يعد مفيدًا اليوم أن نتَّهم روسيا وشعبها العظيم بالتواطؤ مع النظام الفاسد الحاكم في بلدنا، رغم أن النظام الروسي الحالي متواطىء فعلاً مع هذا النظام. إنما من مصلحتنا أن نبين لهم على الأرض وبالسياسة والحوار أن من مصلحتهم كشعب وكدولة أن يتفاهموا مع الشعب السوري ككل. وأيضًا...

-       ليس من المفيد اليوم أن نتَّهم الغرب والعالم الحرَّ الذي على رأسه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالتواطؤ مع النظام الذي ساعدوه فعلاً على الاستمرار حتى الآن من خلال سياساتهم اللامبدئية والمترددة، إنما من مصلحتنا أن نبين لهم أن مصلحتهم هي مع سورية التي ستكون فعلاً إن انتصرت على الطغاة الذين يتحكمون بها اليوم، جزءًا لا يتجزأ من العالم الحر. وواحة للاستقرار والتعايش في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وأيضًا ضمن نفس السياق...

-       وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي علينا أن نفهم جيدًا، وأن نجعل العالم يفهم بالتالي، أن لا مصلحة لنا في استمرار حالة اللاحرب واللاسلم القائمة حاليًا بيننا وبين إسرائيل، كما لا مصلحة لنا في الاستمرار في استخدام الشماعة الإسرائيلية للتستر على سياساتنا الداخلية الخاطئة. إنما لنا كلُّ المصلحة في أن يعم السلام المنطقة. ما يعني أنَّ من مصلحة سورية ذات الحاضنة العربية والمسلمة والمعتدلة، والمنسجمة مع محيطها الإقليمي، أن تحلَّ هذه القضية سلميًا. وأخيرًا، وكمحصلة وخلاصة...

فإن من أول واجبات الإئتلاف الوطني المعارض اليوم، ليس فقط تشكيل حكومة و/أو التعبير عن مواقف احتجاجية خطابية، إنما أصبح من أول واجباته الانتقال إلى الداخل من أجل إدارة الأمور هناك كحكومة انتقالية فعلية تقف إلى جانب شعبها وتتحمل معه ما يعانيه من أعباء ومن مخاطر. ومن ثمَّ...

فلنتكل على الله الذي ليس لنا سواه... فلنتكل على الله وكلنا ثقة أن هذه المأساة المتفائلة لن تنتهي في نهاية المطاف إلا كما تشاء الألوهة التي لن تخذل من آمن بها حقًا...

*** *** ***

دمشق في 23/12/2013


 

horizontal rule

٭ مع الاعتذار من أميل زولا.

[1]  التجذُّر، حاجات النفس. انظر الرابط:  http://www.maaber.org/issue_march10/perenial_ethics1_a.htm

[2]  المرجع السابق.

[3]  معاذ الخطيب، مقال أيها المسيحيون الأحبة ابقوا معنا. انظر الرابط: http://www.maaber.org/issue_january13/lookout2.htm.

[4]  راجع بهذا الخصوص مقالة آرام الدمشقي حول المعارضات السورية على الرابط: http://www.maaber.org/issue_march13/spotlights2.htm

[5]  ككفتارو والبوطي وحسُّون.

[6]  كان من أبرزهم البطريرك هزيم ومساعده المطران لوقا للروم االأورثوذوكس والبطريرك لحَّام والمطران بطيخة للروم الكاثوليك.

[7]  وقد كان من أبرز هؤلاء زينو البرِّي وعشيرته في حلب.

[8]  راجع حول ولاية الفقيه محاولة آرام الدمشقي بنفس العنوان على الرابط:

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود