|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
مع أن دزموند توتو لم يكن قد التقى أبدًا بستيڤن بيكو، فهو الذي طُلِبَ منه في العام 1977 أن يؤبِّن هذا المجاهد الأسود الذي لَقِيَ حتفَه في ميتة فظيعة تحت التعذيب في إحدى مخافر شرطة جنوب أفريقيا. كان أكثر من 30000 شخص حاضرين الجنازة، ينتابهم شعورٌ بالحزن ممتزج بشعور بالغضب يكاد أن يتعذَّر كظمُه. إذ لم يفقد هؤلاء في ستيڤ بيكو زعيمًا ساعدَهم على تنظيم صفوفهم وحسب، بل رجلٌ رفع من معنوياتهم أيضًا، مقويًا فيهم الاعتزازَ بلون بشرتهم ومذكِّرًا إيَّاهم بتاريخهم المجيد. يومذاك، كلَّمهم دزموند توتو على الغفران، كما كان فعل مرات عديدة من قبلُ وكما فعل تكرارًا من بعدُ – الغفران للشهداء وللخونة على حدٍّ سواء –، فحثَّ أصدقاءَ الفقيد على "الصلاة من أجل قادة البلاد ومن أجل الشرطة – ولاسيما قوى الأمن وحرَّاس السجن – حتى يدركوا أنهم بشر هم أيضًا. إنِّي أسألكم أن تصلوا من أجل البيض في جنوب أفريقيا." يعرف دزموند توتو، على غرار غاندي ومارتن لوثر كنغ وستيڤن بيكو، أن "القمع ينزع الإنسانية عن القامع بقدر ما ينزعها عن المقموع". إنه ينصح لأصحابه أن يصونوا كرامتهم ويذكِّرهم بأن لا أحد بمقدوره أن يسلبهم إيَّاها. وهو مافتئ يدعو إلى حلٍّ لاعنفي في الكفاح من أجل الحرية الذي نهض له السودُ في جنوب أفريقيا. وقد مُنِحَ جائزة نوبل للسلام في العام 1984 تقديرًا لجهوده.
قرأت لتوِّي ببالغ الانتباه النصوص التي
تقدِّم حملة التعبئة تضامنًا مع الشعب
الفلسطيني والتي أقرَّها "منتدى المنظمات
غير الحكومية الفرنسية من أجل فلسطين"[2] – حملةً المزمع أن تتسنَّم ذروتَها في
تجمُّع كبير سوف ينعقد في 17 أيار 2008 في حديقة
المعارض ببوابة ڤرساي. وفي حواري الودي مع
هذه المنظمات، أود أن أحاول التعبير عن ماهية
تحليلي للوضع الحالي في الشرق الأدنى.
لا
يسوغ التعريفُ عن فضيلة
إلا بالاقتراب من أصحابها. وهذا يصح بالدرجة
الأولى على الوداعة لأنها ليست من الأرض
الفاجرة المليئة، منذ قايين، بروح العنف
وإقصاء الآخر. القاعدة أن سواي الذي ينافسني
يجب أن يموت. لكن الموت هو الوسيلة القصوى
التي دونها مخاطر كثيرة وعدم ألفة مع الدم
وخشية الثأر في المجتمعات القديمة أو السجن
أو الإعدام. القتل يحتاج إلى بهيمية كبيرة
لطَّفَها المجتمعُ وإلى تفعيلٍ للبغض قلَّما
نملك ثمنَه. غير أن الفظاظة إذا لم تصل بنا إلى
الذبح نعيشها في القلب على الكثافة
نفسها، فإذا بنا قتلة بلا سلاح!
ع.، يا صديقي اللاعنفي، باقي الأصدقاء والصديقات في باقي العالم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فنحن نرى أن المقاومة اللاعنفية لا تستمد «شرعيتها» من النصوص المقدسة وغير المقدسة من نصوص الفقهاء والفلاسفة وخبراء القانون الدولي، مثلاً، ولا حتى من الضرورة الملحَّة، لكنها شرعية ذاتية، تستمد قوَّتها من الداخل، من شرعية آلية العمل ذاته، وتكمن بالذات في لاعنف المقاومة بصفتها وسيلة شرعية تبتغي الوصول إلى هدف شرعي. في المقابل، فإن المقاومة العنفية لا تفقد شرعيتها بفعل قوة النصوص الدينية والنصوص الأخلاقية بقدر ما تفقدها من جراء لاشرعية أسلوب العمل ذاته، من جراء لاشرعية ذاتية، هزيلة من الداخل، تتجلَّى حصرًا في لاشرعية المقاومة العنفية كوسيلة غير شرعية تهدف إلى نيل غاية شرعية.
|
|
|