|
إضاءات
لأن
القضية، وفي حالنا هذه تحديداً، هي قبل كل
شيء، قضية مساررة... وهذا منطقي وطبيعي
بالنسبة لجماعة عرَّفت نفسها بكل وضوح منذ
البداية بأنها "تنظيم
مسارّي نقلي...". ولأنه لكل مساررة
تقاليدها وطقوسها. كذلك الأمر بالنسبة
للماسونية العملية
أو التأملية. خاصةً وانه كما قال رونيه غينون
" ... لم يبقى في العالم الغربي، وكتنظيم
مسارّي يستطيع الادعاء بنسب تقليدي حقيقي،
إلاّ معلمي الكار والماسونية..."لذلك،
فإننا سنحاول في هذا القسم من بحثنا، ومن أجل
تفهم أكبر لطبيعة الماسونية وأبنائها، تسليط
بعض الضوء على ما نعتقد أنه
أهم ما لديهم. نقصد، طقوسهم ورمزيتها... مؤكدين
خاصةً – واستناداً إلى ما يقولونه عن أنفسهم -
على الدرجات الثلاثة الأولى. ثم سنحاول،
واستناداً إلى نفس المرجعية، فتح نافذة قد
تنير الطريق بالنسبة لما قد تعنيه درجاتها
العليا... ونبدأ أول ما نبدأ بـ...
لا
يمكننا
تناوُل موضوع الهوية بمعزلٍ عن جملة من
المسائل المتداخلة والمتشابكة في تعقيد
مدهش، لأنَّ تجاهل أيِّ عنصر منها يؤدي إلى
قصور في الدراسة. يتيح لنا المنظور الجديد
إلى العالم، المنبثق عن التطور الهائل في
حقول العلوم العملية، استعارة مقترب الشبكة،
الذي يُرى من خلاله العالمُ كنسيج من
العلاقات اللامتناهية، بحيث باتت الأولوية
فيه تُعطى للـسيرورة–العلاقة، بدلاً من
"البنية"، التي اعتُبِرَتْ، فيما سبق،
أساسًا لأية منظومة فكرية، فغدا من المتعذر،
بالتالي، التعامل مع الجزء إلا من خلال الكل.
وهكذا فإنَّ رؤية كهذه تجعلنا أقرب إلى معرفة:
لماذا نعيش في عالم من الهويات؟
من الوهم الاعتقاد
بأن الإيمان يمكن أن يكون ذا قوة أكبر إزاء
عقل ضعيف; إنه، على العكس، يقع في خطر كبير –
خطر التهافت إلى مجرد أسطورة أو خرافة. وعلى
النحو ذاته، فإن عقلاً لا يجد إزاءه إيمانًا
راشدًا يفتقد إلى الحافز على الاهتمام بجدة
الكينونة وجذريتها. وعليه [...] فإنني
أوجِّه نداءً قويًا إلى الإيمان والفلسفة لكي
يستعيدا الوحدة العميقة التي تجعلهما قادرين
على التناغم مع طبيعتيهما، في احترام
لاستقلاليتهما المتبادلة. إن بارهيسيا [=
الجرأة المجاهِرة] الإيمان يجب أن
تقابِلَها جسارةُ العقل. نَعَتَتْ
صفحةُ "أديان ومذاهب" (النهار، الأحد
17/8/2003) أحد كتَّابها، سيمون نصار، السائل "أين
هو الله؟"، بأحد أصحاب "تجارب أليمة"
في الإيمان الديني – بينما معاناته الوجودية
العميقة تتخطَّى هذا النعت بأشواط، لأن
الدعوة التي توجَّهتْ بها صفحةُ الأديان إلى
مَن لا علاقة مؤمنة له بالخالق ليعبِّر عن
اختباره لا تفترض تصنيفًا يتعدَّى وصف
الاختبار بـ"تجربة أليمة". ولو أن السيد
نصار تلقَّى إجابة منطقية عن سؤاله المصيري
من كلِّ الديانات التي تحتكر معرفة الله لما
جاء رفضُه استقبالَ إلهٍ صوَّرتْه الأديانُ
متعاليًا عن الإرباك الوجودي الذي يصيب كلَّ
متفكِّر في ازدواجية الوجود. فالمؤسَّسات
الدينية التقليدية، التي ما أعطت جديدًا منذ
مئات السنين، تتناسى أن حركة التطور الروحي
البشري خارج الإيمان السطحي تتطلب نوافذ
جديدة على مفاهيم جديدة للوجود – بكلِّ وجوهه.
|
|
|