|
إلى السائل "أين هو
الله؟": متى عرفنا أنفسنا...
عرفناه نَعَتَتْ
صفحةُ "أديان ومذاهب" (النهار، الأحد
17/8/2003) أحد كتَّابها، سيمون نصار، السائل "أين
هو الله؟"، بأحد أصحاب "تجارب أليمة"
في الإيمان الديني – بينما معاناته الوجودية
العميقة تتخطَّى هذا النعت بأشواط، لأن
الدعوة التي توجَّهتْ بها صفحةُ الأديان إلى
مَن لا علاقة مؤمنة له بالخالق ليعبِّر عن
اختباره لا تفترض تصنيفًا يتعدَّى وصف
الاختبار بـ"تجربة أليمة". ولو أن السيد
نصار تلقَّى إجابة منطقية عن سؤاله المصيري
من كلِّ الديانات التي تحتكر معرفة الله لما
جاء رفضُه استقبالَ إلهٍ صوَّرتْه الأديانُ
متعاليًا عن الإرباك الوجودي الذي يصيب كلَّ
متفكِّر في ازدواجية الوجود. فالمؤسَّسات
الدينية التقليدية، التي ما أعطت جديدًا منذ
مئات السنين، تتناسى أن حركة التطور الروحي
البشري خارج الإيمان السطحي تتطلب نوافذ
جديدة على مفاهيم جديدة للوجود – بكلِّ وجوهه. أين يكون الله حين
يجوع الفقراء؟ مَن سيجيب السيد نصار أن الله
هو كلُّ الفقراء الجياع، وهو كلُّ الأغنياء
المتخمين؟ وأنه المرأة التي تموت وهي تضع
مولودها، وأنه المولود الجديد؛ وهو الأم
الثكلى ووحيدها المتوفى؛ وهو المُحارِب
والمُسالِم؛ وهو الذي ينعم بثروات الأرض، كما
أنه الفقير المحتاج؛ وأنه الظالم، وأنه
المظلوم. هو المريض، وهو المعافى؛ هو الباسم
وهو المكشِّر؛ هو الأرض المزلزلة والطبيعة
الغاضبة، وهو في هدوئها الرائع أيضًا. هو في
تناغم ثنائية الوجود كما نعرفه – في توازن
طاقتَي الخير والشر. فمقدار الشرِّ يوازي
مقدار الخير تمامًا – شعرنا بهذا أم لا –
لأنه من دون توازن يختل الوجود. ونحن مازلنا
نختبر بُعدَ وَعْيٍ لا يتخطَّى مفهوم
الثنائية. وهذا يعني، أيضًا، أن من يصافح طاقة
الشرِّ سيلقاه، ومن ينجذب إلى طاقة الخير
سيكون الخيرُ في انتظاره. سيمون! حين تتمكن،
بمحبة، من فهم واستيعاب كلِّ مَن يتَّجه إلى
ممارسة سلبيات الوجود ليتمَّ تحقيق التوازن
– ومن هنا أهمية كلام المعلِّمين الكبار عن
المحبة المطلقة – تكون قد خَطَوْتَ خطوة أولى
إلى بُعدِ وعيٍ متطور، تنتفي معه الثنائية،
لتعرف أن الشرَّ والخير واحد. فالوجود مرآة
لأبعاد وعينا؛ وحنينُنا إلى المثاليات آتٍ من
ذاكرة مشوَّشة لعالم خَبِرْناه قبلاً، ثم
أتينا لإغناء اختبارنا بثنائية ما تمنحنا
إياه الأرض. ومع تطور وعينا، سنسمو ونتذكر
أننا ننمو داخل نظام كوني عنوانه التطور –
إلى أن نتذكر أننا أتينا من الخالق، من الطاقة
المتدفقة منه، منذ شاء عملية الخلق. ولأن المعلِّم عرف
أسرار لعبة الوجود قال: "لا تدينوا لئلا
تدانوا"، و"من كان منكم بلا خطيئة...".
فجميعنا يمرُّ بالسلبي والإيجابي خلال
أعماره الكثيرة. المعلِّم يعرف – إلا أنه لا
يعرف بالنيابة عن كلٍّ منَّا. لذلك علينا
أن نسعى، فردًا فردًا، كلما أتينا إلى الحياة
من جديد، لنبلغ بُعدَ وعيٍ راقٍ خارج أسوار
المألوف. ولا ندين لأننا على الدرب معًا.
والله داخلنا جميعًا، لا ينظر إلينا من عَلُ.
هو المصدر الممتد امتداد الأكوان الشاسعة. هو
النور الذي منه كلُّ شيء، في نماء دائم،
داخلنا وخارجنا. نتوق إليه،
وكالمتصوِّفين، متى عرفنا أنفسنا... عرفناه. *** *** ***
|
|
|