|
إضاءات
يقول ت.س. إليوت في لقطة عبقرية: “After such knowledge, what forgiveness?” ("بعد هذه المعرفة
كلِّها، أيُّ غفران؟"). تداعتْ إليَّ
هذه المقولةُ بعد اطلاعي على مقال في الأهرام
بتاريخ 16/06/2006 عنوانُه "وأحلَّ الله
البيعَ، وحرَّم الربا"، كَتَبَه د. زغلول
النجار، مشيدًا فيه بدور الإسلام في محاربة
آفة الربا. وهذا لا شك دورُه، كداعية ومحلِّل
إسلامي، في تبيان المناطق المنيرة في الدين
الذي يدعو إليه. لكن الدور الذي تطوع له غير
مشكور عن غير قصد منه (أم تراه عن قصد؟) هو صب
نقاط الزيت فوق نار تكاد لا تخمد عن طريق
تأكيده على أن الكتب السماوية الأخرى قد
أغفلت هذه المَكرُمة التي احتكرها القرآن
وحده (كذا!) دون سواه من كتب السماء – وأقصد
مناهضة الربا.
في شباط 2003 قرر العلماءُ إنهاءَ حياة دوللي، النعجة الأشهر في العالم، التي كانت أول حيوان ثديي يجري استنساخُه من خلية مكتملة النمو. وجاء موت دوللي قبيل الإعلان عن ولادة طفل مستنسَخ – ولو أن ذلك التطور لا يزال يكتنفه الغموض. موت دوللي لم يُثِرْ الضجةَ التي أثارتْها ولادتُها، كما أن العلماء لم يحددوا سبب الموت تحديدًا دقيقًا. مع ذلك، فإن موتها يطرح سؤالاً عن الآثار البعيدة المدى لعملية الاستنساخ على المخلوق المستنسَخ ويقدِّم للبشرية فرصةَ للتمعن في هذا الموضوع.
. مقدمة: الحوار قائم منذ البدء في اعتقادي أن الحوارَ جزءٌ من مسار الباحث، في وجدانه وقلبه، عن سرِّ الحضور الإلهي. وأظن أن هناك وحدةً في المصدر الإيماني، فيما قبل الوحي، في اليهودية والمسيحية والإسلام. هناك حوار، منذ البدء، قائم بين الأرض والسماء، بين الله والإنسان. أي أن هناك "وحيًا قبل الوحي"، منثورًا في تنوع الكشف والتجلِّيات الإلهية، في اختبار سرِّ هذا الوحي المتراقي من عمق التراب إلى بهاء السماء، ليلتقي الذات المطلقة السامية وليتم الفصل ما بين الدين والوحي: الدين حركة تصاعدية من قلب الكون والإنسان إلى الخالق؛ أما الوحي فهو نزول الخالق، مجانًا وحبًّا، لملاقاة البشرية والإنسان.
منذ
قيام إسرائيل، انبَنَتْ فاعليتُه الردعيةُ
على إقحام المدنيين في الحروب المتواصلة التي
خاضَها ضد العرب. ولدى الإسرائيليين مذهبٌ
كامل حول هذا الشأن: ينبغي أن يكون إسرائيل
مجنونًا أو غير مسؤول في مواجهة أعدائه كي
يكسر عينهم، فلا يتجاسروا على مواجهته؛ وعليه
التصرف مثل "أزعر الحارة" الذي يخشاه
الجميع. صاغ موشي دايان مبدأ "الزعرنة"
هذا كما يلي: "يجب أن يكون إسرائيل مثل كلب
مسعور، أخطر من أن يضايقه أحد"!
الحرفُ محدودٌ، والمعنى غير محدود. والحرف من المعنى كالجسد من الروح. وبالتوازي، فإن الجسدَ محدودٌ والروحَ غيرُ محدود. وقد شاءت كلمة الوحي – وهي كلمة الله – أن تتخذ لها الحرفَ لباسًا، فتقيِّد نفسَها بلغة البشر لكي "يفهمها" البشر. وهؤلاء متفاوتون في الفهم وفي القدرة على اختراق حُجُب الحرف. ولذلك نرى بعضَهم يقف عند الحرف، لا يتعداه، وآخرين ينفذون إلى ما وراءه. من حقِّ الأولين الاعتراضُ على هؤلاء، لكن ليس من حقِّ هؤلاء الاعتراض على المحدود بسبب محدوديَّته التي لا يد له فيها. و"الحرفيون"، إذا كان لهم من "وظيفة"، فهي ضمان بقاء الحرف في التاريخ.
في زمن تحتويه منظومةُ التناقضات لتؤسِّس لثنائيات يتفاعل فيها السلبُ والإيجاب، – ما هو شرعي وما هو وضعي، ما هو مقدس وما هو مدنس، – تشكِّل هذه النظرةُ أساسَ تقويضٍ دائم لمسلَّمات الإنسان المسلم الذي تأسَّست نظرتُه إلى العالم ضمن ثقافة إسلامية باتت اليوم تستهلك الإطارَ الفقهي الكلاسيكي، وهي عينها التي يُطلَب منها اليوم استيعابُ الواقع الحضاري الجديد. الذين
يتعرفون إلى المسيحية من خلال التلفزيون
سيستغربون القولَ إن الناصري، في تعاليمه، لم
يؤسِّس دينًا بقدر ما أسَّس مفهومًا للدين. لم
يشترع جديدًا، كما أنه لم ينقض قديمًا، بل
تخطَّى الكلَّ إلى كمال الدين على الأرض –
إلى كمال التعامل – تاركًا كمال الدين يوم
الدين إلى الديان: "لا تدينوا لئلا تُدانوا"
(إنجيل متى 7: 1)، علَّم أول ما علَّم. وعندما
تجمَّع القومُ لرجم الزانية وبَّخهم قائلاً:
"مَن كان منكم بلا خطيئة فليكن أول مَن
يرميها بحجر"، كما أهاب بالزانية أنْ "اذهبي
ولا تعودي إلى الخطيئة" (إنجيل يوحنا 8: 8، 11).
هل هناك ما يشبهنا تحت السماء؟
|
|
|