|
بـلـوك
نـوت 1 "الأم" عنوانٌ يليق بمسلسل
تلفزيوني، نعرف متى يبدأ ونترك نهايتَه لعلم
الغيب. أبطاله نحن، اللبنانيون، نمثل أدوارَه
كلَّها، والمشاهدون، مَن تبقى من الجنس
البشري. ولا نتعب، ولا نضجر: فلا نكاد أن ننتهي
من فصل حتى نبدأ آخر، ثم نعود لنبش الأول
ونعيد. دائمًا نحن "مظلومون"، ولا نظلم
أبدًا، مهدَّدون في استمرار، معتدى علينا.
يأتون إلينا من كلِّ صوب. ومَن يأتي من الشرق
– بناءً على إلحاح منَّا – يأتي لإنقاذنا قبل
أن يقضي بعضُنا على بعضنا الآخر، قبل أن ننقرض!
يدخل على وقع خطابات شاكرة، فتتوقف المجازرُ
وتقلع السفينةُ بنا وبهم. ويظل أولياء أمرنا الأصليون
في انتظار دائم لأوامر "المخرج" الكبير و"مساعده"،
الذي يتبين لنا، في ما بعد، أنه "أمنا"
ذات المزاج المتقلب بحسب مصالح "كبارها"!
ومن شدة اهتمامها بشؤوننا، صغيرها وكبيرها،
لا نكاد نهدأ قليلاً حتى تعود تذكِّرنا
بقرارات مرقَّمة، أممية، أمنية، فتخرِّب
علينا بعض سلام بتنا نشتهيه كما الصحراء
الكبرى تشتهي قطرات المطر! ومَن قال إنها على
خطأ؟! أما كنَّا تحت رعايتها المدعوة "انتدابًا"
لسنوات كثيرة؟ أكثر من نصفنا يتكلم لغتَها
الجميلة في استمرار، في المناسبات كلِّها.
وسيداتنا الأنيقات، سائقات "الرينجات"،
المدخِّنات، اللواتي لا تفارق الموبايلات
آذانهن، إذا ما تواضعن وذهبن لشراء حاجات
منازلهن، يسألن بائعَ الخضار عن الـpersil،
وإذا أصابتْه الدهشةُ شرحن قائلات: "للـtaboulé!"
حقًّا نحن فرنكوفون، شئنا أم أبينا، –
باستثناء قلة نادرة، أنا منها لسوء الحظ:
فوجهة انتمائي الثقافية الحضارية منظومة
الكومنوِلث، ذلك أني درست في مدرسة إنكليزية،
وجامعتي أمريكية، وأسمِّي الـpersil
"بقدونس"! وعلى الرغم من أن الأدب
الإنكليزي مجال اختصاصي، أكتب بالعربية؛
وهذا ما لا يفهمه أصدقائي الفرنكوفون! وبدوري، لا أفهم مسائل
كثيرة في مسلسل "الأم" – الأم التي تشبه
كثيرًا "الخالة" بكيدها الذي ما من شكٍّ
مُعْدٍ، وأنها نقلتْه إلى ربوعنا لمَّا كنَّا
تحت رعايتها، وبقينا أسرى عاطفتها الخانقة
على الرغم من أننا تحرَّرنا من قبضتها التي
وضعنا داخلها المستر سايكس، يؤازره المسيو
پيكو، في زمن مضى وكأنه ما مضى! فنحن نشاء ما
يشاؤون، نتلاقى ونفترق، نتشابه ونختلف؛ كلما
دقَّ جرسُ الخلافات، نبدِّل جلدنا كالسمندل،
ونستمر عالقين في ماضٍ لَفَظَه التاريخُ
وارتاح. وهنا المأساة! كل ما ينتهي
عندنا يبدأ من جديد، وندور في فلكه إلى الأبد.
فبعدما انتهينا من الانتداب الفرنسي، وقعنا
في شرك الفرنكوفونية الجميل. وما إن تحرَّرنا
من آخر سلطة على لائحة مَن حَكَمَنا – "الانتداب
السوري"، كما يسميه الرابع عشريون من آخر
شهر شتائي وأول شهر ربيعي تارةً و"عهد
الوصاية" طورًا، ناسين أن ذاك "العهد"
ما كان ليتم لولا عنفواننا وفروسيتنا وحروبنا
الإقطاعية الطائفية الحزبية العائلية
الحديثة المجرمة، – وعلى الرغم من أن "أهل
الوصاية" خرجوا، – والدليل احتفالاتنا
الباهرة في ساحات المدينة! – إلا أنهم
مازالوا يتدخلون في شؤوننا كلِّها: فلا "زيح
أزرق" يمنعهم، وكأنهم تركوا أطيافَهم
المرعبة في ربوعنا التي لا تحدها حدودٌ
ملونة، لا بالأسود ولا بالأبيض! ما بنا، نحن "المعتَّرين"؟!
لِمَ يصيبنا ما يصيبنا، ونحن أقرب إلى جنس
الملائكة منَّا إلى البشر؟! لِمَ نحن دائمًا
"مبشللين"؟! لقد أصبح المسلسل والعاملون
فيه كلهم – ممثلين، ومخرجًا، ومساعد مخرج،
وخبير إضاءة وصوت، إلخ، – أهل نفاق، "مهذبون"
للوهلة الأولى، لا يغضبون، بل يعبدون المال
ثم المال ثم المال! وأتباعهم مثلهم، عبيد مال،
والكلُّ فستق فارغ، – كومنوِلثيين
وفرنكوفون، – ملونون كقوس قزح، كلهم، ومَن
سيأتي بعدهم من أبناء وأحفاد وأجيال فاسدة. *
* * تحت
السماء هل هناك ما يشبهنا تحت
السماء؟ أحلى لحظات الطفولة كانت مع والدي،
يخبرني عن مدى حبِّه لي: "كتير!"، يقول.
وأفتح ذراعيَّ كجناحين: "هالقد؟" يجيب:
"أكتر... قد البحر وموجاته!" وأضحك فرحة:
"أنا بحبك أكتر... قد السما!" وطبعًا
السماء أوسع من البحر، تسرح فوقه وفوق
الشاطئ، لتصل إلى فوق الجبال، فتنزل وراءها
وتختفي. والسماء تحمل الشمس والقمر والنجوم
والغيوم والطيور والطائرات والصواريخ، وفي
مكان منها يسكن الله والأنبياء والملائكة
والقديسون. هل لهم بيوت مثلنا، أم أنها من
نور؟! ومرَّ الزمن، وأخذت السماءُ
مكانَها الصحيح في قاموس معلوماتي – إلى أن
سمعت مرة وديع الصافي يغني: "تحت السما ما
في متل لبنان"، وشكرت الله على هذه
الالتفاتة المصيرية! فالكوكب المربَك لا يحمل
أكثر من لبنان واحد غارق في التيه والفتنة
والجهل على مرِّ العصور. خليط بائس لا يتغير!
ويبدو أن DNA
الوطن هو نفسه DNA
أبنائه، يحمل بذور أمراض مميتة لا
بُرْء منها. ولما أشرق حدثٌ فريد، – تحرُّر من
محتلٍّ جاء ليأكل القلب، – غدا الحدثُ مصدر
تشكيك، في السرِّ وفي العلن، من بعض أهل سياسة
بثوا السمَّ، وإيقاعهم، لخبث مريض، يقف في
وجه شفاء المكان وسكانه. منذ سنة 1943 حتى اليوم،
كَرَجْنا مسرعين، الناس إلى تمجيد أسيادهم
الإقطاعيين الطائفيين، والأسياد إلى
كبريائهم وسرقاتهم وحروبهم المجرمة، متكلين
على انعدام ذاكرة أتباعهم الضعاف، متقاسمين
بعض الغنائم مع الأقوياء. وهكذا، أبًا عن
جدٍّ، نسينا أن نبني وطنًا. خلطنا الأديان
بالكراسي، بالقصور، بالعقائد، أو بالمصالح
الخاصة، الداخلية والخارجية، وكنا السباقين
إلى العولمة في أسوأ ما فيها. تلقينا إرشاداتٍ
وأوامرَ من الخارج، ونفَّذنا، وضربنا
الحياة، وما ندمنا للحظة. ومضينا في العمالة.
وتدريجيًّا، انخرط الإعلامُ بكلِّ وسائله في
لعبة الخراب والسياسية، متخليًا عن صدقٍ
وحيادٍ كانا الضمان الوحيد ضد وشاح الكذب
الذي بدأ يفتت تركيبة الوطن الصغير. وضاع المواطن بعدما صار
جزءًا من لعبة "الفوضى البناءة"
الأمريكية المرتكزة على التكاذُب والخداع.
وبتنا أسرى لما نسمع، ونكرر، معجبين
بأصواتنا، كالببغاوات. وأعداؤنا الحقيقيون
ما عادوا أعداءنا. مَن يقاسمنا الوطن صار
العدوَّ الأكبر. ومَن نشتري أصواتَهم يوم "الواجب
الوطني" نشتري منهم الزعتر والقاورما
والكشك في مهرجانات فولكلورية! فماذا يريدون
بعد؟! وما طلبات الوطن؟ "تحت السما ما في متل
لبنان"؟! بلى. أمريكا، التي تزرع اليوم
الفساد في العالم وتقودنا إلى آخرتنا، تشبهنا
كثيرًا. فنحن، مثلها، في حالة عشق لا يوصف
للحرية وللديموقراطية وللفوضى وللكذب. كذلك
أوروبا، "القارة العجوز"، كما سماها
حفيدُها الملهم المستر تشيني. كذلك أي بلد
عربي سابح في البترول أو في بحور الضياع. كذلك
آسيا، الوسطى والقريبة والبعيدة. كذلك
أفريقيا، التي نهشتْها أوروبا، ثم ابنتاها
أمريكا وإسرائيل. وكذلك أمريكا اللاتينية
المنهوشة، التي ستُنهَش بعد. وكذلك كل بقعة
فوق الكوكب يسكنها بشر وبترول ويورانيوم. أما
إسرائيل، المصدِّر للمجازر والإجرام إلى
عروق الكوكب كلِّها، إسرائيل التعس، على
الرغم من ترسانته "الحضارية" كلها، فهو
لا يجرؤ أن يحلم ولو بساعة سلام واحدة، ويعرف
أنه وحده يحمل صندوق الآثام جميعًا، لأن ما
يُسمَّى "الضمير" لا يدخل في تركيبة بناء
دولته الغاصبة. بالله عليك، يا أبي، قل لي:
مَنْ أسوأ ممَّن في عمق الجهل وفي عقم
الاختبار الإنساني تحت سماء
الكوكب الشاسعة؟! *
* * صح
النوم! ليتنا اليوم نستطيع أن نقول
"صح النوم!" لأنفسنا – في لبنان، في
سوريا، في فلسطين، في الأردن والعراق
والإمارات والممالك في بلدان الخليج وبلدان
شمال أفريقيا. فأكثرنا مازال في سبات؛ ومَن
استفاق منَّا خلع عنه ثوبَ الطائفية البغيض،
ومشى تحمله الأرض، مدركًا أن أرض الوطن هي
الجسد الكبير، ومن سلامته سلامتنا ودربنا إلى
درجات وعي لا نعود معها نقول لوطن صغير مثل
لبنان: كل سلام وأنت بخير! انتهينا في لبنان من سلام ما
كدنا نعرفه حتى ذاب كفقاقيع صابون. وكم تشبه
الحرب السريعة المدمِّرة اليوم حربَنا
الأهلية التي خضناها بالأمس القريب وهدمنا
خلالها على مدى عقد ونيف من الزمن ما هَدَمَه
طيران إسرائيل وبَحريته في أيام. الوقت سريع،
وما يمر يُطبِق كالكابوس. وحين نستفيق منه،
نكون قد نفضنا عنَّا الجهل والفكر القديم
لنسير صوب الضوء. فالحكاية أننا لن نستطيع
بناء وطن جديد على جروح مازالت تنزف طائفيةً
وجهلاً وحقدًا وخلافًا يلعب الغربُ والعربُ
على أوتارها الكثيرة، ليزيد الشرخُ بين أبناء
وطن واحد استفاق قليلُهم، وعديدُهم مازال
يقرأ في دفاتر الأمس، مافتئ يشكو أن هناك مَن
يأخذه إلى جحيم الاختبارات "من دون علمه"،
وما انفكت مصالحُه الخاصة تشكِّل همَّه
الأساسي، متسترًا بمصلحة الوطن الذي استباحه
في الحرب وفي السلم. ونصدِّق أن الغرب يهتم
لقضايانا، فيما هو ساجد عند قدمَي إسرائيل،
يدعم عنفَه ويؤيده. له ضوء الغرب الأخضر
والزمن المفتوح في كلِّ ما ينجز من إبادة
وإجرام. وكل مرة، من قلب الدمار، ينادي
حكامُنا الغربَ لينقذنا من الظلم والظلام،
المتكرر كما الفصول؛ ينادونه، متجاهلين دوره
في لعبة دمارنا. واليوم لا يظنن أحدٌ أن
وفودًا من الغرب، أو من أمم متحدة مفككة
عاجزة، أو مجلس أمن لا علاقة له بأيِّ "أمن"،
أو "مجتمع دولي" متفرج، سينجز عنا ما
علينا أن ننجزه نحن. لن يبني غيرُنا وطنَنا،
وطنًا نحن قلبه وشرايينه. ومَن يأتي من الخارج
ومَن يذهب إلى الخارج ليجيء بالترياق ستلفظه
الأرض. وإن كنَّا في وحدة وجود إنسانية مع
مطلق إنسان في مطلق مكان، إلا أن لنا نشيدَنا
وللآخرين أناشيدهم؛ ومعًا نحن آلات في
سمفونية وجود رائعة. ولو استفاق الغربُ من
أطماعه وزيفه وغطرسته، ولو استفاق بعضُنا من
تخاذله ولامبالاته وعمالته للغرب، لقالت لنا
الأرض: "صح النوم!" مهما تراكَم دمارُ الصهاينة
وحصارُهم وإرهابُهم، ومهما كثر الشهداء
الكرام، فإنهم يفتحون طريق الوطن إلى وعي
جديد. وكما قال السيد المسيح: "لا يُرقَّع
الثوبُ الجديد برقعة قديمة." لذا نحن في
طريقنا، للمرة الأولى ربما، إلى فكر جديد
وحياة جديدة؛ ولن ندور بعد في دوائر مفرغة.
باسم ديموقراطية الوجود الطبيعية، لا
الأمريكية–الأوروبية المراوغة، سنكمل لعبة
الحياة أحرارًا. فلنصبر قليلاً حتى يطلع
الفجر العربي الجديد... من لبنان. أما إسرائيل، الهائم على
وجهه يدمِّر كيفما اتجه، إذا نظر كلَّ مساء
إلى يديه الملطختين وإلى ما هَدَمَ وضَرَبَ
مدى تاريخه، لأدرك أن محيطات الكوكب كلها لن
تكفي لغسل آثامه، ولعرف أن موجةً قاتمة تبث
فيه طاقةَ الشر، وأنه ما لم يفتح قلبَه
المتحجر الأسود على الضوء، لن يستطيع أبدًا
انتظار خلاصٍ من حِمْلِه الثقيل، ولا أن يبلغ
فجرًا تطل منه الحياةُ لتقول له: "صح النوم!" *
* * حديث
حول فنجان بترول دكتور رايس! اليوم الاثنين
24/07/2006، اليوم الثالث عشر من أيام حرب أمريكا
وإسرائيل على وطني لبنان. جزء من حرب تغيير
شرق أوسط فاشلة، بدأتموها في العراق فاشلة،
وتكملونها عندنا، آملين في تفكيكنا، وأيضًا
ستفشلون. وما تكلمتِ عن مشروع قرار لوقف إطلاق
نار سريع إلا بعدما دُمِّرَ الوطنُ الصغير
فوق رؤوسنا. ونحن نحمل وطننا فوق رؤوسنا، وما
أدراكِ بعلاقتنا به، أيتها السيدة الأنيقة
التي تذكِّرنا بهولاكو الذي أحرق بغداد في
العام 1256، ولا أعرف مَن أطفأها لتحرقها
أمريكا من جديد ولا تعرف كيف تُخمِد حرائقَها.
فكيف تنقلون لعبتكم الرديئة إلى لبنان قبل أن
تنفضوا أيديكم من عراق مازال يشتعل بفضلكم،
وما حاسبكم أحد؟! من أيِّ باب تدخلون شرقنا
الأوسط؟ وكيف تتدخلون في شؤوننا كلِّها؟
ألأنكم الأقوى؟! نفهم عطشكم المزمن إلى
بترولنا؛ نفهم لعبة الجغرافية السياسية
والتوازنات الدولية. ولكن... أما رأيتم آلاف
المتظاهرين ضدكم وضد إسرائيل في مدن العالم
كلِّه وعواصمه؟ ألا تحاسبون أنفسكم في وقفة
ضمير؟! صار العالم لا يعرف مَن أسوأ ممَّن:
الإسرائيلي أم الأمريكي؟ الشعب في لبنان لا
يفرِّق. ونختلف عن باقي شعوب المنطقة في أننا
نجبه إرهابكم الكبير: "مقاومتنا" اليوم
تصد الإرهاب الصهيوني. والصهاينة يأخذهم
رعبهم وإجرامهم إلى القتل والتدمير،
وتحمونهم أنتم، متجاهلين الحقيقة والحق.
فالحق معنا، والمكان لنا؛ لذا نحن مطمئنون لا
نخاف. ويريد إسرائيل جنودَ حلف
شمال الأطلسي فاصلاً بيننا وبينهم. فما رأيكم
بجدار آخر، يرتفع إلى نجوم السماء ليلاً وإلى
حدود حديقة الشمس نهارًا، فلا يبقى لهم إلا
الاختباء المؤبد خلف هذا الجدار – وهكذا
يرتاحون! متى تعرفون جميعًا أن طريق السلام
الأوحد تبدأ من القلب النقي، ومن النيات
الصالحة الصادقة، ومن التزام الوعود وعدم
المراوغة، ومن احترام الآخر؟ غيِّروا ما في
نفوسكم، مدام رايس، فيرتاح الجميع! ويا سيدتي، هذا كله لا يعني
أنْ ليس بينكم وبين الإسرائيليين مَن هو صاحي
الضمير. اسألي أطفالكم، بعد أن تُريهم صورَ
الدمار الذي أنزله بوطننا "جيش دفاعكم"
الإسرائيلي، وصور أشلاء أطفالنا، وصور مَن
تبقَّى منهم، مهجَّرين من بيوتهم وملاعبهم،
مفترشين بساتين لبنان تحت سمائه الملبَّدة
بدخان طائراتكم وهدير قنابلكم – اسأليهم
وسيجيبون: Shame on you!.
ذلك أنهم سيشعرون بخبث برامجكم المؤهَّلة
لإفناء كل مَن يقف في طريقكم إلى أرضنا
ومصالحنا واستقلالنا ووحدتنا بدم بارد. مدام رايس! نحن نعرف أن
الحياة لا تدور حول آبار البترول! نبضها عندنا
غير نبضها عندكم. لذا توقفوا – رجاءً – عن رسم
مستقبل مأسوي للمنطقة. فيكفي ما تعرَّض له
لبنان وفلسطين والعراق على أيديكم وأيدي
إسرائيل من دمار يخجل أمامه برابرةُ العالم
القديم والجديد. ولأنكم الأقوى فوق هذا
الكوكب التعب، فمسؤولية سلام الجنس البشري
بين أيديكم. ذلك أننا مازلنا ندور في فلك
ابتلاع القوي للضعيف، تمامًا كالإنسان
الأول، كأن ألوف السنين من تطور الحضارة
البشرية ذهبت سدى. لذا استفيقوا، بالله
عليكم، ولا تكونوا أدواتٍ للدمار، وتوقفوا عن
إملاء الأوامر علينا مباشرة وبواسطة أمم
متحدة ومجلس أمن قراراته، قراراتكم، عديمة
الجدوى. اسألوا عنها إسرائيلكم، سيدتي،
وجميعنا يعرف جوابه، وجميعنا يعرف أن أخطاءكم
أكثر من كثيرة وباتت تشكِّل خطرًا على سلامة
الكوكب كلِّه ونجاته. وأولى مشكلاتكم أنكم لا
تؤمنون أننا جميعًا، كبشر، متساوون، لستم
بأفضل منَّا، وليس الصهيوني بأفضل منكم
ومنَّا. ومشكلتكم الثانية أن وعيكم
مُشرَع على جوع إلى كلِّ ما تحمل الأرض من
عطايا ثمينة لكلِّ مَن يقطنها، تحدوه نزعةٌ
هولِوودية إلى جديد أفلام رعب تُخرِجونها
وأنتم على مسافات بعيدة مِن ضمير صاحٍ، مِن
صِدْق لا تعرفونه، ومن احترام للآخر واحترام
لأمِّنا جميعًا: الأرض التي انتهكتُم حرمةَ
نظامها، واستبحتم حبَّها وكَرَمَها وسلامَها. وآخر مشكلاتكم مع الصدق
في كلِّ ما تقترفون. اقرعوا باب الصدق، ولو
مرة، فنعرف جميعًا أن للحياة وجهًا نَضِرًا
آخر يليق بإنسانية إنسان القرن الحادي
والعشرين، أيًّا كان، وأينما كان. ***
*** ***
|
|
|