«هذا كله ممكن، ولكن لكي يستطيع البشر التحرُّر من الحياة القائمة على
العنف، التي هم متبلبلون فيها وتُمسك بخناقهم، يلزم أن يكون البشر كلهم
متدينين، أي أن يكونوا مستعدين، من أجل تطبيق شرع الله، للتضحية
بآلهتهم الشخصية الدنيوية، وأن لا يعيشوا بموجب المستقبل وإنما تبعًا
للحاضر فقط، طامحين فقط في هذا الحاضر إلى تحقيق مشيئة الله المكشوفة
لهم في المحبَّة. لكن بشر عالمنا ليسوا متدينين، ولهذا لا يمكنهم العيش
على هذا النحو». -هذا ما يقوله بشر زماننا، وكأنهم يفترضون أنَّ الوعي
الديني، أي الإيمان، عبارة عن حالة ليست من طبيعة الإنسان، أنَّ الوعي
الديني في الإنسان شيء ما شاذ، تربوي ومغروس. لكن الناس يمكنهم أن
يُفكِّروا ويتحدثوا على هذا النحو بسبب الوضع الخاصِّ للعالم المسيحي
الذي فقدَ مؤقتًا الشرط الأكثر ضرورةً وطبيعيةً للحياة الإنسانية:
الإيمان.
بين
ليبيا التي تلقت مدنها ما يزيد عن ألفي قذيفة من قذائف الناتو، وبين
سوريا التي سقط في شوارعها حتى يومنا هذا أكثر من ألفي قتيل بنيران
قواتها الحكومية، نجد أن ردي الفعل التقليديين الذين يتصوران حاجة ملحة
للتدخل من قبل المجتمع الدولي، نجدهما يتجهان باتجاه خاطئ. إنها صورة
قاتمة حقًا (بين ليبيا التي غزتها القوات الأجنبية، وسوريا التي تخلى
عنها العالم)، وهو مشهد حزين يعكس فيما يعكسه ضعف الخيال البشري، على
الأقل عندما يحشر هذا الخيال عنوةً في الزنقات والأزقة الضيقة للـ
"الواقعية".
مقدمة
لم يحظ أسلوب اللاعنف بذلك الاعتراف الواسع عبر الإعلام بالرغم من وجود
أدلة كثيرة على فعاليته (سومي: 2000، ص 4-5)، وذلك مع نجاح الحملات
التي ارتبطت بقادة اللاعنف أو بعض المفاهيم المتعلقة بـ "سلطة الناس"
التي تم تعريفها
على نحو
خاطئ، وبالطريقة ذاتها تتمثل الفنون في العديد من حملات اللاعنف، غير
أنها لم تنل من الثقة سوى القليل بوصفها وسيلة لمبدأ اللاعنف، ولذا فإن
ذكرها غالبًا ما يرد في الإعلام، فعلى سبيل المثال نقلت صحيفة غود ويك
إند عام 1979 عن الحركة المناهضة لقطع الأشجار ضمن حركة تيرانا كريك
بأن:
يُعرَّف
العنف بشكل عام على أنه الاستخدام المقصود أو غير المقصود للقوة أو
التهديد بها ضدَّ الآخرين مما يؤدي إلى الأذى الدائم أو المؤقت أو
المميت. ولهذا الأذى اتجاهات متعددة قد تكون نفسية أو جسدية أو معنوية.
كما أنه قد يتجه في الوقت ذاته باتجاه الأفراد أو المجموعات بشكل عام.
كما تساهم أكثر من جهة في تبني منظومة العنف في حياة الإنسان ابتداءً
من الأسرة وانتهاءً بالمجتمع على مختلف هيئاته وتنظيماته، وخير مثال
واضح وجلي على ثقافة العنف في المجتمع، هو العنف والتمييز الممارس على
المرأة اجتماعيًا وقانونيًا وتشريعيًا وسياسيًا.
عندما تُسَد القنوات الدستورية قد تلجأ بعض حركات اللاعنف إلى درجة من
درجات العنف والتخريب لها طبيعة خاصة. فهي لا تتعلق بحرق المنشآت
وتدمير الممتلكات العامة، كما لا ترتبط بعنف إزهاق الأرواح وإراقة
الدماء؛ وإنما هو "تدخل خشن" يصحبه قدر عالٍ من التعقل والأخلاق
النبيلة.
فالتدخل الخشن هدفه بناء المسار السلمي، وتزويده بأدوات تجعله محصنًا
بحيث لا يخترقه العمل العنيف تحت ضغط الواقع، إنه شكل من أشكال التصعيد
الذي يحاصر العنف ويقلص دائرته، ويطفيء ناره.
ومن أمثلة هذا النوع من التدخل الخشن ما تقوم به حركات السلام من إيقاف
الجرافات التي ستقتلع الأشجار، من خلال وضع الرمل في مخزن وقود المركبة.
أو إتلاف ملفات محددة على الحاسوب.
لم يتعمق
رابندانات طاغور بأسباب وعواقب العنف والإرهاب تحت عنوان (الإرهاب)،
بيد أنه في كتاباته حول القومية والعالمية قام بسبر أغوار السيناريو
الثقافي المسبب للريبة، والاضطراب، والتسلح المفرط والحرب. كما وجه
اتهامه للثقافة الغربية المادية التي تطلق العنان لممارسة العنف عن
طريق قمع وإخضاع الأغيار (كل ماهو غير غربي)، وتمت مقارنة ذلك وتمييزه
عن ثقافة الفيدا Vedic
والأبانشادية
Upanishadic
التي يتبناها الهنود كحل لكافة أسباب العنف
والإرهاب، من وجهة نظر طاغور. لكن ينبغي ملاحظة أن طاغور لم يحمل أية
ضغينة شخصية ضد الغربيين. فقد كان اعتراضه على عاداتهم الثقافية التي
تولد الحقد والعنف عن طريق رمي البشرية في مهب الريح. كما كان يكن كل
الاحترام للجوانب الإيجابية للحضارة الغربية، وأطروحته عن العنف يمكن
تطبيقها في أي سياق ثقافي للتحقق من العنف وعواقبه. وفي نقاشه حول
الثقافة الغربية اتجه إلى تحديد أسباب العنف والإرهاب وعواقبهما، وقد
قام باقتراح الحل من خلال إعادة تحديد سياق الفلسفة الأبانشادية
Upanishadic
philosophy
لمفهوم الإخاء العالمي في ذلك العالم الحديث
المسكون بالإرهاب.