العنف... ثقافة
أسرية مجتمعية
إيمان أحمد ونوس
يُعرَّف
العنف بشكل عام على أنه الاستخدام المقصود أو غير المقصود للقوة أو
التهديد بها ضدَّ الآخرين مما يؤدي إلى الأذى الدائم أو المؤقت أو
المميت. ولهذا الأذى اتجاهات متعددة قد تكون نفسية أو جسدية أو معنوية.
كما أنه قد يتجه في الوقت ذاته باتجاه الأفراد أو المجموعات بشكل عام.
كما تساهم أكثر من جهة في تبني منظومة العنف في حياة الإنسان ابتداءً
من الأسرة وانتهاءً بالمجتمع على مختلف هيئاته وتنظيماته، وخير مثال
واضح وجلي على ثقافة العنف في المجتمع، هو العنف والتمييز الممارس على
المرأة اجتماعيًا وقانونيًا وتشريعيًا وسياسيًا.
دور الأسرة:
للأسرة التي تمثِّل الصورة المصغَّرة عن القبيلة أو العشيرة التي تسود
المجتمعات العربية والشرقية دور أساسي وهام في نشأة العنف وتعزيزه في
حياة الفرد من خلال أساليب التربية التي ينتهجها الأبوان. فبقدر ما
يكون الأبوان على ثقافة تتمثل المحبة والمودة واحترام الآخر، بقدر ما
يكون لدينا أفراد متوازنين في علاقاتهم بالآخرين من حيث اكتساب ثقافة
اللاعنف والتأكيد عليها خلال العلاقات المتبادلة بين الفرد والمجتمع.
أما إذا تمثَّل الأبوان ثقافة السلطة والاستبداد والعنف والتمييز خلال
تربيتهما لأولادهما، ستكون هناك سلطات استبدادية تراتبية في الأسرة
ابتداءً من الأب تجاه الأم والأولاد وانتهاءً بالأخ الأكبر وسلطته على
الأصغر والأنثى حتى لو كانت أكبر، وهذا ما يخلق أفراد سلطويين
استبداديين وعنيفين في المجتمع يمارسون ذات الممارسات التي كانوا
يُعانون منها في أسرتهم سابقًا.
من هنا نجد أنه بقدر ما تكون العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة قائمة
على الاحترام والمحبة والحوار والحرية، بقدر ما نكون أمام أفراد
طبيعيين فاعلين في الحياة ومتعايشين مع المجتمع بروح المسؤولية
والعطاء.
دور المدرسة:
تُعتبر المدرسة العالم الثاني للطفل خلال مراحل نموه واكتسابه المعرفة
وثقافة المجتمع، على اعتبار أنها المكان الآخر بعد الأسرة الذي يغرس في
شخصية الطفل مفاهيم وقيم وأخلاقيات معيَّنة. فإذا ما كانت تلك المدرسة
بإدارتها وكادرها التعليمي والتربوي قائمة على التسلط والقسوة والعنف،
فإن الطفل سيتمثل تلك السلطوية والعنف بشكل غير مباشر لنكون مستقبلاً
أمام أجيال متلاحقة تتبنى منظومة تفكير وتعامل سلطوية-عنفية. كما أن
للمناهج التعليمية والتربوية دور أساسي في تعزيز أو إلغاء تلك الثقافة
من خلال المواد العلمية وطرائق التدريس والتعامل مع الطلاب، فطالما
كانت تلك المناهج والطرائق قائمة على أساس الحشو والتلقين دون اعتبار
لشخصية وعقل الطالب طالما كانت النتائج غير إيجابية، وباعتبار أن
مناهجنا التعليمية بشكل عام قائمة على تلك القاعدة فإننا للأسف أمام
أفراد تابعين يفتقدون روح المبادرة الحرَّة والمسؤولة، وبالتالي تكون
أجيالنا غير فاعلة تسير بشكل اعتباطي في الحياة، غير قادرة على اتخاذ
القرارات بعيدًا عن سلطة الآخر واستبداده.
دور السلطة
الدينية:
باعتبار الدين العصب الأساسي والحسَّاس في حياة الإنسان، فإن لتلك
السلطة الأثر الكبير في خلق أو إلغاء ثقافة الاستبداد والعنف، ولأن
رجال الدين
يمتلكون الحق في توجيه الفرد بأي اتجاه وما عليه سوى التنفيذ دون أي
نقاش أو حوار أو اختلاف فإنهم بذلك يسعون
جاهدين لتقييد وتحجيم فكر الإنسان ضمن أطر دينية محدودة تعتبر أن هذا
الدين أو تلك الطائفة هو الأفضل على الإطلاق وبأنه المثل الأعلى لعالم
في المجتمع، وكل ما عدا ذلك مرفوض وربما كفر وإلحاد، ولأن مخالفة رجال
الدين وتعاليمهم تعتبر الخطيئة الكبرى التي قد تدخل في مفهوم التكفير
للتابعين أنفسهم فإن هذه السلطة تغرس في نفوس تابعيها ثقافة التطرف،
وبالتالي تبني مفهوم رفض الآخر مهما كان قريبًا وتبني منظومة عنفيه
ضدَّه في وقت ما إن استدعت الظروف ذلك. وللأسف هذا ما هو حاصل اليوم في
المجتمعات العربية والإسلامية ما أدى إلى تشتيت المجتمع وجهوده التي
يجب أن تتجه نحو تطوير الفرد والتعايش بين الجميع على أساس المواطنة
دون النظر للاعتبارات والانتماءات الأخرى.
دور الأحزاب
السياسية ومنظمات المجتمع المدني:
تجتذب الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني شرائح واسعة من الشباب
الطامح للحرية والقيم المثالية التي تتفق وشعارات ومبادئ تلك الأحزاب
والمنظمات التي يتوقع الشباب أنهم من خلالها قادرون على تحقيق ما
حرمتهم منها السلطة الأبوية-الأسرية والعشائرية والدينية، غير آخذين
بعين الاعتبار أن تلك الأحزاب والمنظمات المدنية ما هي إلا صورة
مصغَّرة عن المجتمع الموجودة فيه بقيمها وتعاليمها بشكل عام، لأن
القيِّمين عليها هم من أبناء المجتمع نفسه، وبالتالي لا يمكنهم إلا أن
يحملوا سماته وثقافته بغض النظر عن القيم السياسية والفكرية التي
يتبنونها مهما كانت تحمل ملامح الديمقراطية والعدالة والمساواة، إضافة
إلى أن معظم هذه الأحزاب تتخذ من المركزية والشمولية نهجًا عامًا لا
تحيد عنه، معززة تقديس القائد باعتباره الملهم والمفكِّر الأوحد في هذه
الأحزاب والتنظيمات، وهذا ما يجعلها رافدًا آخر من روافد الإقصاء
والتعصُّب والسلطوية الاستبدادية بشكل مباشر أو غير مباشر مما يمكن
اعتباره شكلاً من أشكال تقييد وتهميش حرية الفرد وفكره، وشكلاً من
ممارسة العنف غير المرئي أو الملموس في حياة الأفراد.
دور الأنظمة
والسلطات السياسية:
تنتهج النظم الحاكمة وأجهزتها على الدوام نهجًا قائمًا على إبقاء
المجتمع في حالة من الخمول الفكري والعطالة السياسة من أجل الحفاظ على
مواقعها ومكتسباتها التي تعتبرها حقًا ربما إلهيًا لا يجوز لأحد
التفكير في معارضته أو حتى توجيه النقد في أدنى حدوده، وذلك من خلال
خطاب سياسي يرمي إلى تصوير الشعب على أنه مصدر السلطات والتشريعات، وأن
له الحق في الحياة الكريمة الحرَّة في ذات الوقت الذي تسوده الاعتقالات
وكم الأفواه ضدَّ المناوئين لتلك الأنظمة، أو حتى ضدَّ الذين يسعون إلى
التغيير من خلال قوانين وتشريعات تضمن حقوق جميع الأفراد عبر دساتير
ديمقراطية-تعددية. وهذا بالطبع ما يبقي على أفراد المجتمع أو الشعب
أفرادًا تابعين يعشش الخوف في أنفاسهم كيفما تحركوا خشية استبداد وعنف
تلك الأنظمة، وهذا بدوره يخلق حتى بين المعارضة أشخاصًا إما تابعين أو
خانعين وإما سلطويين استبداديين يرفضون الرأي الآخر ويكفرونه أو
يخونونه. وطبعًا يجري كل هذا من خلال وضع دساتير وسن تشريعات وقوانين
تتوافق ومصالح تلك الأنظمة بعيدًا عن أيِّ شكل من أشكال دولة المواطنة
والقانون، وبعيدًا عن كرامة وحرية المواطن والمجتمع.
بعد كل هذا نتساءل لماذا يسود العنف مجتمعاتنا...!!؟
*** *** ***