قيم خالدة
|
|
آذار 2004
|
في هذا
الإصدار
|
|
|
هل
أضحى العالمُ مختلاً؟ هل دخلتِ الإنسانيةُ
وتاريخُها الطويل زمن "الإنسان الأخير"
الذي أعلن مَقْدَمَه الفيلسوفُ نيتشه؟ هل
أضحينا نعيش في زمن الوهم، رغم أو بسبب ما
يُقدَّم لنا، "آنيًّا" ودون انقطاع، من
أحداث ووقائع يومية، وما تسبِّبه لنا هذه
الأخبار من انعكاسات سلبية؟ أم أننا، بالعكس،
بتْنا نعيش الآن زمن تطور وتجديد يشهد ظهور
إنسان جديد، ليس أفضل أو أسوأ مما سبق، إنما
أكثر تناسبًا مع عالم في تطور مستمر.
إن
أقسى ما يواجهه الإنسانُ لدى وعيه لذاته،
كائنًا قائمًا في وجود غريب لم يَخْتَرْه وفي
حياة لم يكن هو في أصل انطلاقتها بل وصلت إليه
عبر الآخر، هو كيفية اللقاء مع الذات ومع
الآخرين، ومعايشة كمٍّ هائل من الألغاز
والأسرار يطفح بها الوجود في كلِّ طياته،
وكيفية معالجة القلق والخوف وإرساء قواعد
سلامية تؤمِّن ديمومة التلاقي خارج دائرة
الصراع والتناحر ومنطق المحاذرة من الآخر
حِفاظًا على الذات.
كان الإنسان قديمًا يعيش
كغيره من الكائنات الحية ضمن إطار معطيات
الطبيعة، ويقوم بكلِّ ما تقوم به مما يعتبره
الآن محظورات.
ولكن حياته في المجتمع،
وسيرَه على درب الحضارة، بيَّنا له أن بعض
التصرفات والأعمال قد تؤدي إلى كوارث
اجتماعية، كأن يقتل الأخ أخاه بسبب امرأة
قريبة يسعى كلٌّ منهما للحصول عليها، أو على
بعض المصالح والحاجات الأخرى. لذلك وضع
القيود، وأوجد المحرَّمات، وحدَّد ما هو
مسموح به، وطالب بما هو ضروري، ليصون وجوده
الاجتماعي والحضاري. وشكَّلتْ هذه المحظورات
والضرورات لديه فيما بعد ما نسميه: "الضمير"،
عندما تتبناها نفسه من الداخل، وليس كمجرَّد
شيء مفروض عليه من الخارج.
ومازال الإنسانُ يقوم
بعملية تبنِّي الضرورات والمحظورات، ودمجها
في نفسه، والتكيُّف معها. وعندما لا يتحقق هذا
التكيُّف بصورة كافية ومناسبة، يظهر ما نسميه
بالأمراض النفسية والشرور الأخلاقية، التي
هي، في جوهرها، مشكلة حضارية، ولها أسباب
حضارية أيضًا.
|