دائمًا
يستوقفني صوم رمضان لأن الله عند المسلمين يقول إنه له. في الحقيقة كل صوم له
إذ يصبح بقوة وجهة المؤمن. وأنا المسيحي أحس حقًا أن الصوم له لأنه ابتغاء وجه
الله وحده إذ لا أحد يصوم لنفسه. وإذا كان الصوم في حقيقة النفس يوحِّدها بالله
فالموحدون بالله هم معي وأنا معهم أكلت أم أمسكت، وفي عمق الحب المسيرة واحدة.
إذا شاركت المسلمين روحيًا في صومهم بلا أداء أليس رمضان لي؟ وما أنا بعالم
كلام ولكن العاشقين منهم يفهمونني. أنا أقبلت على رؤية الإسلام بما فيه الكفاية
لأعلم أن لغة العاشقين ليست سهلة على اتباعه. ولكني لا أستطيع أن أشق طريقي
إليهم إلا بالعشق. من هنا إن رمضان يعبر بي وأنا أعبر به لأن روحيته تستبقيني
في الصوم الكبير عندنا.
تناول أفلاطون (347 - 427 ق.م.) مباحث الفلسفة المختلفة: المعرفة، والوجود،
والقيم بالدراسة والتحليل، وعرض أثناء تناوله لهذه المباحث كثيرًا من القضايا
الفلسفية، ومن هذه القضايا مسألة "قدم العالم وحدوثه" فقد أدلى فيها بدلوه -
مثل كثير من الفلاسفة في مختلف عصور الفلسفة – وصرح أثناء تناوله لهذه المسألة
بأن العالم حادث؛ بل إن نفرًا من الباحثين يرى أن أفلاطون منح العالم صفة
الأزلية واستخدم في ذات الوقت الرمز والتشبيه في قوله بحدوث العالم، مما أدى
إلى تعثر فهم موقفه الحقيقي من مسألة "قدم العالم وحدوثه"، أعني هل يقول: بقدم
العالم أم بحدوثه؟! وعمومًا فإن أول من زعم قول أفلاطون بحدوث العالم تلميذه
أرسطاطاليس (322 – 384 ق. م.) في كتابه الطبيعة.
في
غالب اللغات فعلان للتعبير عن عملية السمع. ففي اللغة العربية نقول: أسمع
فلانًا وأُصغي إلى فلان. وفي الفرنسية نستعمل فعل
écouter
للدلالة على الإصغاء وللدلالة على السمع
entendre،
ونستعمل في الإنكليزية فعل
to hear
للسمع وto
listen
للإصغاء. ومن خلال استعمال هذين الفعلَين ندرك أن المرء يميِّز بين أمرين. فمن
جهة أولى، نحن "نسمع" عن طريق استعمال حاسة السمع. وهذا أمر لا يحتاج إلى جهد،
لأنه فطري طبيعي، إذ إننا نسمع لأننا نسمع. وهنا نستعمل الأفعال: سمع،
to hear،entendre.
لكن الإنسان لا يسمع لأنه يسمع فقط، بل لأنه يريد أن يسمع. إنه يحب أن يكون
حاضرًا للآخر بانتباه كله دقة ومحبة، ويتخذ منه موقف المستمع. وهذا الموقف لا
يعتبر طبيعيًا وفطريًا، بل هو نتيجة اختيار يتجدد في كل مرة. وللتعبير عن هذا
الموقف نستعمل الأفعال: اصغى،
écouter،
to
listen.
ولكن، كيف يمكن أن نعرِّف الإنسان المصغي؟ إنه الإنسان الحاضر للآخر بأذنين
مفتوحتين صامتتين عاريتين. فهو يفسح بصمت إصغائه في المجال لكلام الآخر كي يخرج
بكل حرية من ذاته الباطنية الواعية واللاواعية، كما يخرج الماء المتدفق من
النبع. وبقدر ما يخرج كلام الآخر من ذاته، يكون هذا الآخر موجودا وساكنًا في
كلامه، فيصبح بالتالي أكثر حرية واستقلالية وقيامًا بذاته وحضورًا لنفسه
وللآخر.