صوم رمضان
المطران جورج خضر
دائمًا
يستوقفني صوم رمضان لأن الله عند المسلمين يقول إنه له. في الحقيقة كل
صوم له إذ يصبح بقوة وجهة المؤمن. وأنا المسيحي أحس حقًا أن الصوم له
لأنه ابتغاء وجه الله وحده إذ لا أحد يصوم لنفسه. وإذا كان الصوم في
حقيقة النفس يوحِّدها بالله فالموحدون بالله هم معي وأنا معهم أكلت أم
أمسكت، وفي عمق الحب المسيرة واحدة. إذا شاركت المسلمين روحيًا في
صومهم بلا أداء أليس رمضان لي؟ وما أنا بعالم كلام ولكن العاشقين منهم
يفهمونني. أنا أقبلت على رؤية الإسلام بما فيه الكفاية لأعلم أن لغة
العاشقين ليست سهلة على اتباعه. ولكني لا أستطيع أن أشق طريقي إليهم
إلا بالعشق. من هنا إن رمضان يعبر بي وأنا أعبر به لأن روحيته تستبقيني
في الصوم الكبير عندنا.
أنت إن كنت محبًا للرب تشارك المسلمين في صيامهم بلا تأدية. إن كان
المسيح يضم العالم إليه فالمؤمنون له والمسلمون يصومون معه وفي صحراء
المسيح نلتقي الله جميعًا. أنت العيسوي تفرح في رمضان لأنك تفرح للبر.
وفي السماء أو في الجنة كما يقول المسلمون لا نصوم إذ نرى الله وجهًا
لوجه وتنجو نفوسنا به.
أنا لا أدخل في حديث لاهوتي عن رمضان لئلا أبدو معلمًا لأحد. ولكن عندي
من معرفة المسيحية ما يؤهلني لأقول إن هذا الشهر رياضة روحية كبرى
يتقرب فيها المسلمون من الله وهذا يجعل اتقياءهم عظامًا في عينيه.
في كثافة حبنا لله لا تبقى حدود وتصير الممارسات محطات في الحب الإلهي
لكي يلتمع في أعيننا مجد الله يومًا بعد يوم ونرى أنفسنا في الحب
الإلهي.
ليس لنا أن ننتظر شيئًا آخر إذ ليس من شيء بعد الحب. والله نفسه ليس
بعد الحب. هو إياه.
نحن المسيحيين كلما صمنا واعتصمنا نلتقي المسلم. وفي حسباني أنه هو
هكذا حتى تهتك الحجب. إذ ذاك نرى الله وجهًا لوجه كما يقول بولس. نحن
نلتقي في القلوب وهل من مكان آخر للقاء. صاحب القلب ليس له مشكلة مع
القلب. مشكلته مع بعض الذين يحملون العقل ويهددون به. كل شيء يحيط به
الغموض إلى أن يجيء المسيح ثانية. الظلمة العقلية التي في النفس لا
يغلبها إلا الحب لأنه هو كلمة الله وإذا كنا فيه لا نموت.
أنت تعامل الأديان في العمق ولا تبقى على سطح الكلام. وإذا أدركت العمق
حقًا لا تفرق بين ما لك وما للآخرين. في القلوب المستنيرة للكلام حدود.
وإذا أوغلت في الحب يكفيك رؤية الحدود. هذا إذا وهبك ربك تجاوز الكلمات
وأبلغك الجوهر.
أنت غير المسلم صعب عليك أن تقرأ ما لم تكن مثقفًا مؤمنًا بقوة ولكن قد
يهبك ربك أن تقرأ مهابة المسلمين وتقواهم وكمالنا أن تحبهم قبلوا
المفردة أم لم يقبلوها. نحن المسيحيون لا نبقى مسيحيين أن لم نحب
المسلمين. نكون خرجنا عن جوهر ديانتنا. ديانتنا ليست أحكامًا أصلاً. هي
كذلك استنتاجًا. ولكنها في كليتها حب، والمسلم بتحديد منها في قلبها.
اللاهوت لا يسبق الحب ولا يحده. أنت مع المسلم في وحدة ما كائنًا ما
كان مقدار البعد العقلي.
*** *** ***
النهار،
28 حزيران 2014