العالم: حدوثه وطبيعته عند أفلاطون
د. حسن كامل إبراهيم
تناول أفلاطون (347 - 427 ق.م.) مباحث الفلسفة المختلفة: المعرفة،
والوجود، والقيم بالدراسة والتحليل، وعرض أثناء تناوله لهذه المباحث
كثيرًا من القضايا الفلسفية، ومن هذه القضايا مسألة "قدم العالم
وحدوثه" فقد أدلى فيها بدلوه - مثل كثير من الفلاسفة في مختلف عصور
الفلسفة – وصرح أثناء تناوله لهذه المسألة بأن العالم حادث؛
بل إن نفرًا من الباحثين يرى أن أفلاطون منح العالم صفة الأزلية
واستخدم في ذات الوقت الرمز والتشبيه في قوله بحدوث العالم، مما أدى
إلى تعثر فهم موقفه الحقيقي من مسألة "قدم العالم وحدوثه"، أعني هل
يقول: بقدم العالم أم بحدوثه؟!
وعمومًا فإن أول من زعم قول أفلاطون بحدوث العالم تلميذه أرسطاطاليس
(322 – 384 ق. م.) في كتابه الطبيعة.
ولقد اختلف الدارسون لفلسفة أفلاطون حول مفهوم هذا الحدوث وطبيعته.
ففريق يرى أن مفهوم الحدوث عند أفلاطون وطبيعته يتفق مع ما ينص عليه
الإسلام من خلق عن عدم محض. من منطلق أنه يوجد من الباحثين والدارسين
من يرى أن الديانات التوحيدية عزَّزت كثيرًا من أفكاره خاصةً المتعلقة
بمسألة حدوث العالم، فإن فلسفته مهدت الطريق للديانات التوحيدية أمام
البشرية.
ويشير فريق آخر في المقابل إلى أن حدوث العالم عند أفلاطون يخالف ما
ورد في الإسلام تمامًا وإن اتفقا في التأكيد على حدوث العالم. ففي
الإسلام الخلق يكون عن عدم محض في مقابل أفلاطون فحدوثه يكون إعادة
تشكيل لمادة قديمة.
ولأجل ذلك سيحاول الباحث في هذا الموضع استجلاء مفهوم حدوث العالم
وطبيعته عند أفلاطون حتى يتبين إذا كان يتفق مع الإسلام أم لا.
وتعد محاورة طيماوس المحاورة الرئيسة من بين محاورات أفلاطون التي يمكن
لأي باحث أن يعتمد عليها في معرفة كيفية وجود هذا العالم بكل ما يحتوي
عليه من موجودات. يورد أفلاطون آراءه وأفكاره في هذه المحاورة على لسان
طيماوس الفيثاغوري مستخدمًا أسلوبًا بلاغيًا فقد
أورد – يقصد أفلاطون – آراءه على لسان واحد من الفيثاغورين لأنها قائمة
على مبادئ عقلية رياضية. وقد آثر القصة على الحوار والخطاب ليدل على أن
العالم المحسوس لا يوضع في قضايا ضرورية، فليس أمام العقل البشري إلا
الظن والتشبيه.
يبدأ طيماوس
حواره عن نشأة هذا الكون الفسيح بأنه يجب التوسل للآلهة والإلهات فيما
يتعلق بالوقوف على هذا الموضوع لتساعد من أراد الخوض فيه حتى يصل إلى
آراء تقبلها الآلهة وترضى بها. يقول:
إن كل الرجال الذين يملكون درجة من الإحساس الصادق يا سقراط، يناشدون
الإله على الدوام عند بداية كل عمل، سواء إذا كان هذا العمل كبيرًا أو
صغيرًا، ونحن أيضًا الذاهبين للحديث عن طبيعة الكون، كيف أبدع وكيف
يوجد بدون إبداع، وإذا لم نكن مجردين من حصافتنا بشكل تام، فيجب علينا
أن نتضرع لمساعدة الآلهة والإلهات، وأن نصلي كي يمكن لكلماتنا أن تلقي
القبول لديهم قبل كل شيء ولدينا كنتيجة لذلك. دع هذا يكون ابتهالنا
للآلهة، وأضيف لذلك الابتهال نصحًا وعظة لنفسي كي أتكلم بأسلوب كالذي
سيكون الأكثر وضوحًا لك، والذي سيكون الأكثر انسجامًا مع نيتي الخاصة.
نستنج من ذلك أن أفلاطون سيقدم مسألة كون العالم في قالب أسطوري، ولذلك
نعت نفر من الباحثين محاورة طيماوس بأنها "رواية علم الطبيعة".
ففي طيماوس كثيرًا من الأساطير الخيالية التي تعالج مسألة كون
العالم بدلاً من التفسير العقلاني لهذه المسألة.
ينتقل أفلاطون من هذا التمهيد إلى الحديث عن مسألة حدوث العالم من خلال
تناوله كثيرًا من المسائل الطبيعية التي تتعلق بهذه المسألة. فيستهل
حديثه بالإشارة إلى أنه من الضروري أن نفرق بين نوعين من الوجود: ما هو
دائم وما هو متغير. يقول:
يجب علينا بادئ ذي بدء، أن نوجد تميزًا في حكمي، وأن نسأل بعدئذ ما هو
ذلك الذي يكون على الدوام ولا يمتلك صيرورة. وما هو ذلك الذي يكون
صائرًا على الدوام ولا يكون أبدًا؟ إن ذلك الذي يدرك بالعقل والاستنتاج
المنطقي يكون في الحالة عينها على الدوام، لكن ذلك الذي يتصور بالرأي
وبمساعدة الحواس وبدون استنتاج منطقي يكون في عملية الصيرورة والفناء،
ولا يكون في الحقيقة أبدًا.
يدل ذلك على أن ما هو دائمًا يكون أبديًا وأما ما هو متغير لا يكون
أبديًا. وهذا نفس ما أشار إليه أفلاطون في فيدون، حيث أشار إلى
وجوديين: مرئي وغير منظور، الأول هو المتغير، والثاني هو اللامتبدل،
الأول يدرك بالحواس في مقابل الثاني يدرك بالعقل، الأول لا يمثل حقائق
الأشياء أما الثاني فهو حقائق الأشياء.
ولا يعد الأول موضوع المعرفة أما الثاني فهو موضوع المعرفة.
ويبدو هنا الأثر الفيثاغوري واضحًا بجلاء في قسمة أفلاطون الوجود إلى
قسمين ثابت ومتغير.
وتعد تلك القسمة الثنائية للوجود العمود الفقري لنظرية المثل عند
أفلاطون. تلك النظرية التي لم تتخذ صورة نهائية في أي محاورة من
محاورات أفلاطون، بل إنها تتعدل وتتطور باستمرار في محاوراته. ولذلك
فإن الدراسة الصحيحة لهذه النظرية تقوم على أساس تطوري عبر محاوراته.
ينوه إلى أن كل ما هو حادث يكون لسبب ما بالضرورة، فمن غير المعقول أن
موجودًا ما يكون بدون سبب ما. ويشير إلى طبيعة عمل الصانع: أنه عندما
ينظر إلى الثابت يكون عمله جميلاً وتامًا وعلى العكس عندما ينظر إلى
المتغير لا يكون عمله كذلك، إن عمله عندئذ لا يكون جميلاً ولا تامًا.
يطرح التساؤل التالي: وجود العالم دائم وبدون بداية أم العالم حادث وله
بداية؟ يجيب:
أنه مصنوع، كونه مرئيًا ملموسًا وله جسم، ولهذا السبب فإنه مدرك بالحس.
وكل الأشياء المحسوسة تدرك بالرأي والحس وتكون في عملية التكوين وهي
مكونة. وبعد فإن ذلك الذي يكون مبدعًا يجب بالضرورة أن يكون مبدعًا
بسبب، كما نؤكد نحن هذا.
كل هذه الصفات المادية والمحسوسة التي يضفيها أفلاطون على العالم تؤكد
على أنه حادث وليس سرمديًا.
لما كان الصانع خيرًا، ولما كان العالم جميلاً، لذلك احتذى الصانع عند
صنعه العالم الأزلي. يقول:
لكن الإله الصانع لهذا الكون كله يكون إيجاده مقضيًا؛ وحتى لو وجدناه،
فمن المستحيل أن نخبر كل الرجال عنه. إن هذا السؤال يجب أن نسأله عن
العالم على كل حال: عندما صنع الصانع العالم فأي النماذج كانت في
رؤيته: هل كان لديه النموذج اللامتغير أو ذلك النموذج المبدع؟ إذا كان
العالم جميلاً حقًا والصانع خيِّرًا، فذلك واضح إذ يجب أنه اهتم بذلك
الأزلي؛ لكن إذا كان الذي لا يستطاع قوله بدون تجديف حقيقيًا، فإنه
اهتم بالمثال المصنوع عندئذ سيرى كل شخص لزوم أنه اهتم بالنموذج
الأزلي، لأن العالم هو أجمل المصنوعات، وهو أفضل الأسباب وكون هذا
العالم مبدعًا بهذه الطريقة، فإنه قد صيغ في شبه لذلك الذي يكون مدركًا
بالاستنتاج المنطقي والعقل ويكون لامتغيرًا، ويجب أن يكون لهذا السبب
بالضرورة. وإذا تم الاعتراف بما نقول، ينبغي أن يكون نسخة عن شيء ما.
إذًا الوجود وجودان: الأول يعتبر أصلاً، والثاني نسخة منه، ويجب عند
الإشارة إليهما أن نستخدم كلمات ومصطلحات تعبر عنهما تعبيرًا دقيقًا.
يقول:
وعندما تتصل الكلمات بالأبدي والدائم والمفهوم، فينبغي أن تكون أزلية
وراسخة، غير قابلة للدحض ولا تقهر بقدر ما تسمح به طبيعتها – ولا شيء
أقل من ذلك. لكنها عندما تكون عن النسخة أو الشبه فقط وليس عن الأشياء
الأزلية عينها، فإنها تحتاج إلى أن تكون ملائمة ومماثلة للكلمات
السابقة: كما يكون الوجود للصيرورة، هكذا تكون الحقيقة للاعتقاد.
وإن لم يتمكن المرء من فعل ذلك فعليه ألا يسعي وراء الوقوف على حقيقة
نشأة الكون.
أوجد الصانع العالم بالتوليد وجعله شبيهًا به. يقول:
دعني أخبرك إذن لماذا صنع المبدع هذا العالم من التولد. إنه كان
خيِّرًا، والخير لا يمكنه أن يغار من أي شيء على الإطلاق. وكونه
متحررًا من الغيرة، فإنه رغب أن تكون كل الأشياء شبيهة به قدر
استطاعتها. إن هذا هو أصل الإبداع وأصل العالم في المعنى الأصدق.
أوجد الصانع هذا العالم من الفوضى والاضطراب عندما أخرج النظام منهما.
بعبارة أخرى إن تنظيم الصانع للمادة الأولية المضطربة يعني كوَّن
العالم عنها، ويرجع ذلك إلى ميله – كما ذكرنا سابقًا – إلى فعل الخير.
يقول:
وهكذا أوجد – يقصد الصانع – أيضًا الدنيا المتطورة كلها ليست ساكنة، بل
متحركة في نمط شاذ ومضطرب، فإنه أوجد النظام خارج الفوضى، آخذًا بعين
الاعتبار أن هذا الواقع كان أفضل من الواقع الآخر في كل طريقة وبعد فإن
المآثر الأفضل لا يمكنها أن تكون أو أنها قد كانت غيرًا من المآثر
الأجمل.
وهذا ما سيردده تلميذه أرسطاطاليس بعد ذلك في قوله بمبدأي "القوة –
الفعل"، فالهيولي أو المادة تظل موجودة بالقوة ولامتعينة إلى أن تنطبع
عليها الصورة وعندئذ تصير موجودة بالفعل، ويمكن معرفتها عندئذ بالحواس.
وعمومًا فكلاهما متأثر في ذلك بالشاعر اليوناني هزيود (القرن الثامن
قبل الميلاد) الذي زعم في قصيدته "أصل الآلهة أو أنساب الآلهة" أن
العالم كان في البدء في حالة عماء أي فوضى واضطراب والتي سماها
"الخاؤوس" ومنه صدر النظام إلى حيز الوجود.
عندما صنع الصانع العالم بثَّ فيه النفس والعقل من قبيل العناية به.
يقول:
والمبدع، متأملاً مليًا الأشياء المرئية بالطبيعة، وجد أن محدثًا غير
عاقل، مأخوذًا ككل، لا يمكنه أبدًا أن يكون أجمل وأعدل من المحدث
العاقل، مأخوذًا ككل؛ ومرة ثانية فإن ذلك العقل لا يستطيع أن يكون
موجودًا في أي شيء هو خلو من النفس، ولذلك السبب، فإنه عندما كان يصنع
الكون، وضع العقل في النفس، ووضع النفس في الجسم، وذلك كي يتمكن أن
يكون مبدع العمل الذي كان العمل الأجمل والأفضل بالطبيعة. ويمكننا أن
نقول، مستخدمين لغة الترجيح، إن العالم أتى إلى الوجود مصنوعًا حيًا
موهوبًا بالنفس والعقل من قبل العناية الإلهية صدقًا.
يبدو من ذلك أن أفلاطون يقر بوجود عناية من قبل الصانع بهذا العالم.
لكن تلك العناية تكون في أدق تفاصيل بنية الكون.
أوجد الصانع العالم صورة للكل، إنه يشتمل على كل ما هو مدرك بالعقل،
إنه يحتوي على كل المحدثات المرئية، ولما أراد الصانع أن يجعله
كالموجودات الأجمل صنعه على شكل حيوان. يقول:
دعنا نفترض أن العالم هو صورة ذلك الكل بالتحديد، التي تكون كل
الحيوانات، الإفرادي منها والمتشكلة في قبائل على حد سواء، دعنا نفترض
أن تكون جزءًا منه، لأن أصل الكون يحتوي في نفسه كل الموجودات المدركة
بالعقل، تمامًا مثلما يشمل هذا العالم كل المصنوعات المرئية الأخرى.
وبما أن الإله عزم على أن يجعل هذا العالم مثل الموجودات الأجمل
والأكثر كمالاً والمدركة بالعقل، صاغ حيوانًا مرئيًا واحدًا يشمل داخل
نفسه على كل الحيوانات الأخرى ذوات الطبيعة الواحدة.
يؤكد على أن العالم واحد فحسب بسبب أنه نسخة واحدة للأصل واحد. يقول:
هل نحن محقون في القول أن هناك عالمًا واحدًا، أو أن هناك عوالم متعددة
ولا حصر لها؟ [يجيب]: هناك عالم واحد، إن كانت النسخة المبدعة لتنسجم
مع النسخة الأصلية، لأن تلك النسخة التي تتضمن كل المصنوعات المدركة
بالعقل لا يمكنها أن تمتلك نسخة ثانية أو رفيقة لها. وفي تلك الحالة
ستكون هناك حاجة لموجود حي آخر يشتمل عليهما كليهما، وهما سيكونان
أجزءَ له، وسيقال بحق أكثر إن الشبه لا يشبههما بل يشبه تلك النسخة
الأخرى التي تضمنتها. ولكي يمكن أن يكون العالم مفردًا، مثل الحيوان
الكامل، فإن المبدع لم يبدع عالمين اثنين أو عدة عوالم لامتناهية، بل
يوجد وسيوجد سماء واحدة مبدعة ومصنوعة.
يصف العالم المصنوع بصفات مادية، وينوه إلى أن جسمه يتكون من النار،
والتراب؛ ويربط بينهما الانسجام والتناسب. يقول:
وبعد فإن ذلك الذي أبدع هو مادي بالضرورة، هو مرئي وملموس ولا شيء يكون
مرئيًا حيث لا يوجد نار، أو ملموسًا لا يمتلك صلابة، ولا شيء يكون
صلبًا بدون أرض. ومن أجل ذلك، فإن الإله صنع جسم الكون في بدء الإبداع
ليتألف من النار ومن التراب. ولكن لا يستطاع وضع شيئين اثنين معًا بدون
شيء ثالث بشكل صحيح. يجب أن يكون هناك رابط ما من الاتحاد بينهما.
والرباط الأجمل والأنسب هو ذلك الذي يحدث الاندماج الأكثر تمامًا من
نفسه ومن الأشياء التي يجمعها؛ ويكون الاتساق مقرًا به كي يؤثر في
اتحاد كهذا.
العالم صلب، وصنع جسمه من العناصر الأربعة، وهو منسجم، ووفق مع نفسه.
يقول:
بما أن العالم ينبغي أن يكون صلبًا، وبما أن الأجسام الصلبة تكون
متضامة على الدوام ليس بحد واحد بل بحدين اثنين، فإن الإله الصانع وضع
الماء والهواء في الوسط بين النار والتراب، وأنشأها كي تحوز النسبة
عينها على قدر الإمكان "مثلما تكون النار للهواء هكذا يكون الهواء
للماء، ومثلما يكون الهواء للماء هكذا يكون الماء للتراب". وهكذا فإنه
أوثق ووضع معًا سماء مرئية وملموسة. ولهذه الأسباب ومن تلك العناصر
التي تكون أربعة في العدد، أبدع جسم العالم، وكان منسجمًا بالتناسب،
ولذلك فإنه يمتلك نفسية الصداقة؛ وبما أنه قد وفق مع نفسه فإنه كان
سرمديًا وغير قابل للفكاك بيد أي آخر غير الذي صاغه وشكله.
وهكذا العالم سرمدي لا يفنى، ولا يفسده سوى الصانع الذي أحدثه.
لما استنفذ كون العالم كل العناصر الأربعة، لذلك فهو حيوان كامل،
وواحد، وتام الأجزاء، ولا يصاب أيضًا بالهرم أو الأمراض. يقول:
وبعد فإن صنع
العالم استحوذ على كل من العناصر الأربعة جميعها، لأن الإله ركب العالم
من النار كلها ومن الماء كله ومن الهواء كله، ولم يترك أي جزء لأي منها
ولا أية قوة لها خارجًا. كان قصده، في المقام الأول، وجوب كون الحيوان
كلاً كاملاً وذا أجزاء تامة على قدر الإمكان، ثانيًا، يجب أن يكون
واحدًا، غير تارك أي شيء باق يمكن أن يبتدع منه عالم آخر كهذا العالم.
ويلزم أن يكون متحررًا من كبر السن أيضًا وغير معرض للمرض. آخذًا بعين
الاعتبار أنه إذا أحاط الحر والبرد والقوى العاتية الأخرى بالأجسام
وهاجمتها من الخارج، فإنها تحللها قبل أوانها، وأنه بإحضار الأمراض
وكبر السن فوقها، يجعلها تضعف وتتبدد – ولهذا السبب، وعلى هذه الأسس،
فإن الإله صنع العالم واحدًا كلاً، له كل جزء كامل، وكونه تامًا وغير
معرض للهرم والمرض من أجل ذلك.
أعطى الصانع العالم شكلاً كرويًا ومستديرًا. يقول:
ووهب الإله العالم الشكل الذي كان مناسبًا وطبيعيًا له أيضًا. وبعد
بحسب ما خلق الصانع الحيوان الذي كان ليشمل داخل نفسه الحيوانات كلها،
فإن ذلك الشكل سيكون مناسبًا كي يتضمن بداخله كل الأشكال الأخرى. لذلك
صنع العالم في شكل كرة، مستديرًا كاستدارة الدائرة، أطرافه متساوية
البعد عن المركز في كل اتجاه الأكثر كمالاً والأكثر شبهًا بنفسه من كل
الأشكال الأخرى.
جعل الصانع سطح العالم أملس لأسباب عديدة. يقول:
ففي المقام الأول، ولأن المصنوع الحي لا تتملكه حاجة للعينين فليس هناك
أي شيء باق خارج هذا العالم كي يرى، ولا حاجة له للأذنين حيث لم يكن
هناك أي شيء يسمع، وليس هناك هواء محيط كي يتنفس، ولم يكن هناك أي
استخدام للجوارح التي بمساعدتها يمكنه أن يتلقي غذاءه أو أن يتخلص مما
هضمه سابقًا، لأنه لم يكن هناك أي شيء يخرج منه أو يدخل إليه، إذ لم
يكن هناك أي شيء بجانبه.
فيما يتعلق بتصميم العالم، فإن الصانع صنعه هكذا، ويحصل العالم على
غذاءه من فضلاته، ولأجل ذلك فهو مكتف بذاته، وهو يعد بذلك أفضل من هذا
الذي يفتقر لغيره.
ليس للعالم يدان ولا قدمان، وحركته كذلك دائرية. يقول:
وبما أنه لم تتمكن أية حاجة ليأخذ أي شيء أو لأن يدافع عن نفسه ضد أي
شخص، فإن المبدع لم ير بأنه من الضروري أن يهبه اليدين. ولم تكن له
حاجة للقدمين، ولا لكل جهاز المشي. لكن الحركة التي ناسبت شكله الكروي
الذي خصص له هي الحركة الدائرية، لأن هذا الشكل هو الأكثر ملائمة للعقل
والفهم من بين الأشكال السبعة كلها. وقد صنع كي يتحرك بالطريقة عينها
وعلى البقعة عينها، دائرًا في دائرة داخل حدوده الخاصة به. أما كل
الحركات الست الأخرى فإنها أبعدت عنه وسلبت منه، وهو قد صنع كي لا
يشترك في انحرافاتها وبما أن هذه الحركة الدائرية لم تحتج إلى قدمين،
فإن العالم صنع بدون رجلين وبدون قدمين.
كوَّن الصانع العالم واعتنى بتصميمه وسطحه وجسمه وحركته، وبثَّ النفس
في مركزه، إن الصانع صنعه إلهًا مميزًا. يقول:
إنه صنع تصميمه ناعمًا صقيلاً ومستويًا ممتلكًا سطحًا متساوي البعد عن
المركز في كل اتجاه، وأمده بجسم كامل وتام ومشكلاً من الأجسام الكاملة.
ووضع النفس في المركز التي نشرها في كل مكان من الجسد، جاعلاً إياها
المحيط الخارجي له، وصنع هو الكون دائرة متحركة في دائرة، واحدًا
ومنفردًا. ومع ذلك فإنه قادر على أن يتحدث مع نفسه بسبب امتيازه، ولا
يحتاج لأية صداقة أخرى أو لمن يعرفه معرفة شخصية وممتلكًا هذه الأهداف
في تصوره فإنه أبدع العالم إلهًا مباركًا.
يدل ذلك على أن أفلاطون يرفض وجهة نظر الطبيعيين المتأخرين أمثال
ديموقريطس (360 – 460 ق.م) وأنكساجورس (حوالي 500 ق.م): أن الكون ليس
إلهيًا. فهم يشيرون إلى أن
كل ما يحدث في الطبيعة إنما هو من أثر الصدفة البحتة وحركات العناصر
المادية بدون تدخل العقل أو الصانع الإلهي، بحيث يتم التكوين الطبيعي –
في نظرهم – بدون افتراض وجود منظم له أو نظام يسير بمقتضاه.
أحدث الصانع كذلك الكواكب. يقول:
أحدث – يقصد الصانع – الكواكب الثلاثة كي تتحرك بسرعة متساوية وهي:
الشمس، وعطارد، والزهرة. والكواكب الأربعة الباقية فإنه جعلها تدور
بسرعة غير متساوية لسرعة الكواكب الثلاثة وسرعة بعضها بعضًا، بل بسرعة
متسقة واجبة الأداء، وهذه الكواكب الأربعة هي: القمر، زحل، المريخ،
المشتري.
صنع الصانع النفس طبقًا لإرادته، ورتب فيها الكون المتناهي، ووحَّد
الاثنين معًا، وبثَّ النفس في كل مكان، والنفس غير مرئية، إنها مصنوعة
مما هو عقلي وأزلي، إنها أفضل ما صنع، إن كل ما تلامسه يصير موجودًا.
يقول:
وبعد فإن الصانع صاغ النفس طبقًا لإرادته، ورتب في داخلها الكون
الفاني، وأحضر الاثنين معًا، ووحدهما مركز إلى مركز. بث النفس في كل
مكان. فمن المركز إلى محيط السماء، التي تكون غلافًا خارجيًا أيضًا،
دائرة بنفسها في نفسها، وبذلك مبتدئة بداية لا تتوقف ومبقية على الحياة
العقلية طوال الزمن كله. إن جسم السماء مرئي، لكن الروح غير منظورة،
وتشارك في العقل والتناغم، وكونها مصنوعة بأفضل الطبائع العقلية
والأزلية، فإنها تكون أفضل الأشياء المبتدعة، ولأنها مركبة من الشيء
عينه ومن المختلف ومن الموجود، وهذه الأشياء الثلاثة، تكون مقسمة
ومتحدة في تناسب واجب الأداء، وتعود إلى نفسها في دورانها. والنفس
عندما تلامس أي شيء يمتلك وجودًا، سواء إذا كان مفرقًا في أجزاء أو غير
مقسم، فإنها تنشط بواسطة كل قواها. لتعلق الشيء عينه أو المختلف لذلك
الشيء ولآخر ما، وبأي الأفراد تتصل، وبماذا تتأثر، وفي أية طريقة وكيف
وأين، في عالم النشوء وفي العالم الثابت الوجود على حد سواء.
أوجد الصانع العالم بواسطة الآلهة الأزليين، وصنعه نسخة شبيهة بالثابت،
وهذا المصنوع: حي، وباق، ومتحرك؛ وفي حين أن الثابت أزلي فإن الأول غير
أزلي، ويعد العالم صورة متحركة لما هو أبدي أي الزمان. يقول:
إن الأب والصانع عندما رأى المصنوع الذي صنعه متحركًا وحيًا، وهو
الصورة المصنوعة بالآلهة الأزليين، عندما رأى الأب هذا ابتهج، وعزم في
فرحه وبهجته على أن يصنع النسخة أكثر شبهًا بالنسخة الأصلية. وبما أن
هذا المصنوع كان مصنوعا حيًا باقيًا، فإن الإله قصد أن يجعل العالم
أزليًا بالقدر الذي يمكنه أن يكون. وبعد فإن طبيعة الموجود المثالي
كانت أزلية، لكن كي تمنح هذه الصفة المميزة إلى مصنوع في كمالها فإنه
كان شيئًا مستحيلاً. ومن أجل ذلك فإن الصانع صمَّم على أن يمتلك صورة
متحركة للأبدية. وعندما وضع السماء في نظام، فإنه صنع هذه الصورة خالدة
لكنها متحركة طبقًا للعدد في حين أن الأزلية نفسها استراحت في الوجود،
ونسمي نحن هذه الصورة زمنًا.
نستنتج من ذلك أن العالم أبدي لكن أبديته ليست كأبدية الثابت، فأبدية
الأخير مستحيلة على ما هو كائن حادث.
ونستدل من ذلك أيضًا أن الموجودات التي يسري عليها الكون والفساد
توجدها الآلهة الخالدة الصادرة عن الصانع، والذين يحاكون الصانع،
والذين يوجدون الأشياء الخالدة كالنجوم وأشباهها.
أوجد الصانع الماضي، والحاضر، والمستقبل لذلك الزمن مصنوع. يقول:
لأنه لم يكن هناك أيام وليال وشهور وسنون قبل أن تبتدع السماء، لكنه
عندما بنى السماء فإنه صنعها أيضًا. إن هذه كلها كانت أجزاء من الزمن.
وصنع الإله الماضي والحاضر نوعين من أنواع الزمن اللذين ننقلها إلى
الوجود الأزلي بدون وعي لكن بخطأ، لأننا نقول إنه "كان"، أو "يكون" أو
"سيكون"، لكن الحقيقة هي أن الكلمة "يكون" هي الكلمة الوحيدة التي تنسب
إليه بشكل مناسب، وأن الكلمتين "كان" و"سيكون" هما الكلمتان اللتان يجب
استخدامهما عن الصيرورة في الزمن، لأنهما حركات.
إن ما هو ثابت لا يتأثر بما يتأثر به ما هو متحرك ومحسوس، ففي حين لا
يسري الزمن على الأول فإن الثاني يتأثر به. يقول:
لكن الذي يكون الشيء عينه إلى الأبد بشكل ثابت، لا يستطيع أن يكون أكبر
سنًا أو أفتى بالزمن، ولا يمكن القول إنه أتى إلى الوجود في الماضي، أو
أنه يأتي إلى الوجود الآن، أو أنه سيأتي إلى الوجود في المستقبل. وهو
ليس عرضة لأي حالة من هذه الحالات على الإطلاق، تلك الحالات التي تؤثر
في الأشياء المتحركة والحاسة والتي يكون النشوء أو التولد سببها. إن
هذه الأشياء هي أشكال الزمن التي تقلد الخلود وتدور محوريًا طبقًا
لقانون العدد ولأكثر من ذلك فإننا حينما نقول إن الذي أصبح يكون
مصبحًا، وإن الذي سيصبح يكون على وشك أن يصبح، وإن الأزلي يكون لا
أزليًا – وإن كل هذه الصيغ هي صيغ غير دقيقة للتعبير.
أوجد الصانع الزمن والسماء معًا، وهما يفنيان أيضًا معًا، والسماء التي
وجدت تقليدًا للنموذج الأزلي فإنها يسري عليها التغير والحركة، وعلى
هذا النحو صنع الزمن. يقول:
إن الزمن والسماء إذن أتيا إلى الوجود في اللحظة عينها، وبما أنهما
صنعا معًا، وإذا وجدا ليكون أي دمار لهما فقط، فذلك كي يمكنهما أن
يفنيا معًا. وشكلت السماء وفق نموذج الطبيعة الخالدة، وذلك كي يمكنها
أن تشابه هذا قدر الإمكان، لأن النموذج يوجد منذ الأزل، والسماء
المبدعة قد كانت، وتكون، وستكون في كل زمن. هكذا كان عقل وتفكير الإله
في صنع الزمن. وهو أبدع الشمس والقمر والنجوم الخمسة الأخرى، التي تسمي
الكواكب أبدعها كي يميز ويحفظ أعداد الزمن.
وضع الصانع الكواكب في مدارات. يقول:
وعندما أوجد أجسامها - يقصد الكواكب – المتعددة، وضعها في مدارات كانت
دائرة الجسم الآخر، وضعها سبعة نجوم في سبعة مدارات. أوجد القمر في
المدار الأقرب من الأرض بادئ ذي بدء، وأوجدت الشمس بعد ذلك في المدار
الثاني فوق الأرض. أتت بعدئذ نجمة الصباح والنجمة التي قيل إنها مكرسة
لهرمس، وهما النجمتان المتحركتان في مدارين وتمتلكان سرعة متساوية مع
سرعة الشمس، لكن في جهة معاكسة. وهذا هو السبب الذي من أجله تتجاوز
الشمس وهرمس والزهرة بعضها بعضًا، وهي متجاوزة بعضها بعضًا بشكل منظم.
النجوم ضرورية لصنع الزمن، وهي تتحرك وتدور تارة في مدار أوسع وتارة في
مدار أقل اتساعًا. يقول:
والآن، فإن كل نجم من النجوم كان ضروريًا لصنع الزمن عندما يصل إلى
مداره المناسب. وعندما تصبح كلها مصنوعات حية لها أجسام موثقة بسلاسل
حيوية، واكتشفت عملها الشاق المعين لها، وهو التحرك في الحركة المتنوعة
التي هي حركة عائلة وتمر من خلال الحركة التي للشيء عينه تحكم بها، عند
ذلك فإنها تدور في مدار أوسع وبعضها في مدار أقل اتساعًا.
إذًا الزمن مصنوع مثل الكون تمامًا الذي صنعه الصانع تقليدًا للأصل.
يقول:
لهذا البعد وحتى ولادة الزمن صنع الكون المصنوع في شبه للأصل. لكن بقدر
ما لم تكن الحيوانات كلها متضمنة في ذلك المكان لحد الآن، كانت لاتزال
غير متشابهة. ولهذا السبب فإن الإله واصل عمله كي يصوغ هذا المكان وفق
طبيعة النموذج في هذه النقطة الرئيسية المتبقية.
كوَّن الصانع أغلب ما هو سماوي وإلهي من النار، وأعطى كل منهما حركتين.
يقول:
لكن الأنواع السماوية والإلهية، فإن الإله صنع القسم الأكبر منها من
النار، وذلك كي يمكنها أن تكون أسطع الأشياء كلها وأجملها منظرًا
للمشاهدين، وصاغها وفق شبه الكون وفي شكل دائرة، وجعلها تتبع حركة
العقل والأسمى، ووزعها فوق محيط السماء كله، الذي كان ليكون الكون
الحقيقي أو العالم البهي المجيد المتلألئ بها في طول السماء وعرضها.
وأعطى الإله حركتين اثنتين لكل منها: الأولى، حركة على البقعة عينها
وعلى غرار الأسلوب عينه، التي استمرت بواسطتها أبدًا كي تفكر بالأفكار
عينها بشأن الأشياء نفسها، في الاتجاه عينه بشكل متساوق؛ والحركة
الثانية حركة نحو الأمام، التي ضبطت بواسطة حركة الشيء عينه والمتشابه.
لكنها لم تتأثر بالحركات الخمس الأخرى كي يمكن لكل منها أن تنال الكمال
الأسمى. ولهذا السبب صنعت النجوم الثوابت، لكي تكون حيوانات إلهية
أزلية، ساكنة أبدًا ودائرة وفق النمط عينه وعلى البقعة عينها، وصنعت
النجوم الأخرى التي تعكس حركاتها وتكون عرضة للانحرافات من هذا النوع،
صنعت هذه النجوم بالأسلوب الذي تم وضعه سابقًا.
الأرض التي تعد من أقدم الآلهة هي محدثة الليل والنهار. يقول:
والأرض، التي هي أمنا المتماسكة حول القطب الممتد من جانب الكون إلى
جانبه الآخر، فإن الإله صاغها لتكون الحارس والمخترع لليل والنهار، وهي
أول أو أقدم الآلهة التي تكون في داخل السماء.
أبدع هذا العالم طبقًا للضرورة والعقل. يقول:
وبعد ينبغي علينا في بحثنا أن نضع بجانبها – يقصد الأرض – الأشياء التي
تأتي إلى الوجود من خلال الضرورة – لأن الإبداع لهذا العالم هو العمل
الموحد للضرورة والعقل. إن العقل، وهو القوة الحاكمة، أقنع الضرورة كي
تحضر الجزء الأكبر للأشياء المبدعة إلى الكمال؛ وهكذا وعلى غرار هذا
النموذج كان العالم مبدعًا في البدء من خلال الضرورة التي جعلت تابعة
للعقل.
يضيف إلى النوعين السابقين للوجود، الثابت والمتغير، نوعًا ثالثًا
يسميه الوعاء. يقول:
هذه البداية الجديدة لبحثنا عن الكون، تحتاج لتقسيم أكمل من التقسيم
السابق؛ لأننا أوجدنا حينها صنفين اثنين، ويجب أن نكشف النقاب عن صنف
ثالث الآن. إن هذين النوعين قد وفيا بالغرض لبحثنا السابق: أحدهما الذي
افترضناه، كان نموذجًا واضحًا والشيء عينه على الدوام وكان ثانيهما
تقليد النموذج فقط، منشأ ومرئيًا. هناك نوع ثالث أيضًا لم نميزه في ذلك
الوقت متصورين أن النوعين الاثنين سيكونان كافيين... إن هذا النوع
الجديد هو الوعاء والمتعهد لكل الولادات إلى حد ما.
هذا الوعاء هو المادة المضطربة التي سيستخدمها الصانع في صنعه لهذا
العالم.
تتكون الأشياء من العناصر الأربعة على نحو دائري. يقول:
نحن نرى في المقام الأول أن ما نسميه لتوِّنا الآن ماء، أفترض أنه يصبح
حجرًا أو ترابًا بالتكثيف، ويتحول هذا العنصر عينه إلى بخار ماء، عند
إذابته وتشتيته، ومرة أخرى، فإن الهواء عندما يتراكم ويتكثف يحدث الغيم
والسديم. ويأتي من هذا الماء المتدفق، حينما يبقى مضغوطًا أو متكثفًا
أكثر، يأتي من الماء والتراب والأحجار مرة أخرى. وهكذا يبدو أن النشوء
يكون منقولاً من عنصر واحد إلى العنصر الآخر في دائرة.
تظل خصائص الطبيعة العالمية التي تتقبل كل الأجسام ثابتة، إنها تتقبل
كل الانطباعات والأشكال التي تدخل لها وتخرج منها شبيهة بالمثل. يقول:
الطبيعة العالمية التي تتلقي كل الأجسام – يجب أن تدعي تلك الطبيعة
بالشيء عينه على الدوام، لأنها بقدر ما تتلقى الأشياء كلها دائمًا،
فإنها لا ترحل عن طبيعتها التي تخصها على الإطلاق، ولا تتخذ شكلاً مثل
الشكل الذي لأي من الأشياء التي تدخل فيها قط، لا في أية طريقة، ولا في
أي زمان. إنها تكون المتقبلة الطبيعية لكل الانطباعات، وتنشط وتعطي
شكلاً بها، وتظهر مختلفة من وقت إلى وقت بسببها، لكن الأشكال التي تدخل
إليها وتخرج منها تكون شبيهة بالحقائق الأزلية على غرار نماذجها بأسلوب
رائع تكتنفه الأسرار.
تشتمل عملية كون العالم على ثلاثة طبائع: إحداها في عملية النشوء،
وثانيها يحتل النشوء فيها مكانه، وثالثها التي ينشأ منها الشيء الذي
يكون شبها. ويشبه المبدأ المستقبل بالأم، والأصل أو المصدر بالأب،
والطبيعة المتوسطة بالطفل.
ويستطرد موضحًا أن المادة التي تكون منها النسخة لا يكون لها شكل على
الإطلاق. يقول:
ويمكننا أن نقول أبعد من ذلك، أن النسخة إذا كانت لتتخذ أي شكل من
أشكال التنوع، فإن المادة التي تصاغ النسخة منها لن تكون معدة كما
ينبغي حينئذ، ما لم تكن عديمة الصورة، ومتحررة من الأثر القوي لأي من
تلك الأشكال التي ستتلقاها من الخارج بعدئذ. لأن المادة إذا كانت مثل
أي شكل من الأشكال الحادثة على نحو غير متوقع، حينئذ كلما طبع على
سطحها أي من الطبيعة المضادة أو المتباينة بشكل كلي فإنها ستقبل
الانطباع بشكل سيئ، لأنها ستتطفل على شكلها الخاص بها. فإن الذي يكون
ليتلقى كل الأشياء ينبغي أن لا يمتلك شكلاً.
إذًا الحدوث عبارة عن تكوين الصانع المحسوسات من مادة قديمة على غرار
الأصل – المثل – أي أن الحدوث عند أفلاطون يعني إعادة تشكيل مادة قديمة
لا حدوث عن عدم محض.
إن المادة القديمة التي لا شكل لها، والتي تتلقى كل الصور والأشكال
مصنوع غير مرئي، إنها تصير ما هو محسوس بقدر ما تتلقى من انطباعات.
يقول:
وفي الطريقة عينها فإن ذلك الذي يكون كي يتلقى الصور لكل الموجودات
الأزلية إلى الأبد ومن خلال مداه كله يجب أن يكون خاليًا من أي شكل
خاص. ومن أجل ذلك فإن الأم والوعاء لكل الأشياء المصنوعة والمرئية وفي
أية طريقة محسوسة، لا يكون ليدعى التراب أو الهواء، أو النار، أو
الماء، أو أيًّا من تركيباتها، أو أيًّا من العناصر التي تشقق منها هذه
الأشياء، بل يكون مصنوعًا غير مرئي ولا شكل له يتلقى كل الأشياء ويشارك
في طريقة سرية ما فيما يتعلق بالمدرك بالعقل، ويكون الأكثر إبهامًا. لن
نكون بعيدين عن الخطأ في قولنا هذا، بقدر ما نستطيع الوصول إلى معرفة
عنه من التأملات السابقة. على كل حال يمكننا أن نقول بحق إن النار هي
ذلك الجزء من طبيعته الذي يؤجج من وقت إلى آخر، والماء هو الذي يرطب،
وأن المادة تصبح أرضًا وهواء، بقدر مما تتلقى الانطباعات منه.
نستنتج من ذلك أن تلك المادة القديمة التي لا شكل لها ولا صورة ولا
حدود، هي الوعاء أو الأم الحاضنة لكل التغيرات.
إذًا يوجد أكثر من طبيعة: ما هو خالد، و ما هو تقليد لما هو خالد،
والفضاء الخالد. ويشير إلى خصائصها وسماتها بقوله:
يلزمنا لذلك أن نعترف أيضًا بأن نوعًا واحدًا للوجود هو الشكل الذي
يكون الشيء عينه على الدوام، وغير مصنوع وغير مدمر، غير مقلد أي شيء
إلى نفسه من الخارج أبدًا، ولا يكون ذاته ذاهبًا إلى أي شكل آخر، بل
إنه غير مرئي وغير مدرك بأية حاسة، والذي يمنح التأمل فيه للعقل فقط.
وهناك طبيعة أخرى من الاسم عينه معه، ومشاركة له، مدركة بالحس، مصنوعة،
في حركة على الدوام، ممسية في كل مكان ومتلاشية خارج المكان مرة أخرى،
والتي تدرك بالرأي مع الحس بشكل متحد. وهناك طبيعة ثالثة، هي الفضاء،
وهي خالدة، ولا يسمح لها بالفناء، وتجهز بيتًا لكل الأشياء المصنوعة،
وتدرك عندما تكون كل الأشياء غائبة، وبنوع من العقل الزائف، وتكون
حقيقة بصعوبة. وهذه الطبيعة نشاهدها كأنها في حلم.
كانت العناصر الأربعة في البدء بدون عقل ثم صاغها الصانع وفقًا للشكل
والعدد، صنعها الصناعة الأجمل والأفضل. يقول:
وفي البدء على كل حال فإنها - يقصد العناصر الأربعة - كانت كلها بدون
عقل وقياس. لكن عندما ابتدأ العالم ببلوغ حالة النظام، فإن النار
والماء والتراب والهواء كانت آثارا خافية عن نفسها، وكانت في حالة كهذه
بكل ما في الكلمة من معنى، مثلما يمكن لشخص أن يتوقعها حيثما يكون
الإله غائبًا. أقول، إن طبائعها كونها هكذا، فإن الإله جل جلاله صاغها
وفقًا للشكل والعدد. دعنا نؤكد بشكل متين أن كل الذي نقوله هو أن الإله
صنعها الصناعة الأجمل والأفضل قدر الإمكان، صنعها خارجًا عن الأشياء
التي ليست جميلة.
أوجد الصانع العناصر الأربعة بالضرورة، ولقد استنبط الصانع الخير في كل
ما كون ولذلك يوجد نوعين من الأسباب: إلهي وضروري. يقول:
إن هذه العناصر هي العناصر التي وجدت حينئذ بالضرورة، والتي ربطها
الإله بالذهن معه، وهي العناصر الأفضل والأجمل من كل الأشياء، عندما
أبدع الإله الأكثر كمالاً الموجود بذاته، مستخدمًا الأسباب الضرورية
كخدم له في إتمام عمله، لكنه نفسه كان مستنبطًا الخير في كل ما أبدع.
لذلك يمكننا أن نميز نوعين اثنين من الأسباب، أحدهما إلهي والآخر
ضروري، ويمكننا أن نبحث عن السبب الإلهي في كل الأشياء، بقدر ما تسمح
به طبيعتنا، بقصد الحياة المباركة. لكن البحث في النوع الضروري بقصد
الإلهي فقط هو البحث الذي نصبو إليه، آخذين بعين الاعتبار أنه بدون
هذين النوعين وعند عزلنا عنهما، فإن هذه الأشياء الأعلى التي ترنو
إليها لا يمكن أن يدرك أو يستطاع تلقيها أو أن نشارك فيها بأية طريقة.
أخرج الصانع الأشياء من الفوضى إلى النظام لأن النظام أفضل من الفوضى.
ووهب الأشياء التناغم والانسجام، ووضع العناصر الأربعة في نظام وشكل
منها العالم في صورة حيوان. يقول:
كما قلت في البدء، عندما كانت كل الأشياء في فوضى واضطراب، فإن الإله
أبدع كل شيء فيما يتعلق بنفس ذلك الشيء، وكل الأشياء فيما يتعلق ببعضها
بعضًا، ووهبها كل الأقيسة والتناغم التي يمكنها أن تتلقاها قدر
الإمكان. وفي تلك الأيام لم يمتلك شيء ما أي اتساق إلا بالعرض، لا ولم
يكن هناك أي شيء يستحق أن يدعي بالأسماء التي نستخدمها – كمثال، النار،
الماء، وأسماء العناصر الباقية. الإله وضع كل هذه العناصر في انتظام،
وبنى منها الكون، الذي كان حيوانًا مفردًا متضمنًا في نفسه كل
الحيوانات الأخرى، الفانية منها والخالدة.
وينتهي أفلاطون إلى أن العالم من الحيوانات الخالدة والفانية في آن
واحد، وأنه حيوان محسوس، وأنه صورة الإله. يقول:
يمكننا أن نقول الآن إن بحثنا بشأن طبيعة الكون وصل نهايته. إن هذا
العالم، متلقيًا وشاملاً تمامه وكماله من الحيوانات الخالدة والفانية،
صير هكذا حيوانًا منظورًا محتويًا الطبائع المرئية. إنه صورة الإله
المدرك بالعقل، عالم محسوس، هو الأعظم والأفضل، وهو الأكثر جمالاً
وكمالاً؛ كونه لا شيء غيره من هذه السماء الواحدة والوحيدة المسببة.
وبالجملة، فإننا نستنتج مما سبق أن كثيرًا من الأسئلة التي تتعلق بعالم
الحقيقة وعالم الزيف وكيفية صدور عالم الحس عن عالم المثل، لم تكن
إجابات أفلاطون عنها واضحة جلية، واستخدم هنا الأسلوب الشعري القصصي،
مما جعل إجاباته غامضة وخاصة في طيماوس ويرجع نفر من الباحثين
ذلك إلى قلة معلوماته ومعرفته بالعلوم الطبيعية.
فقد كانت العلوم الطبيعية إذ ذاك في طفولتها، ومع هذا فقد حاول في هذا
الكتاب – يقصد طيماوس – أن يشرح حركات النجوم والكواكب والضوء والحرارة
والصوت والماء والثلج والحديد والذهب الخ. ولكن شرحه لهذه المسائل
أكثره فروض يتخللها قليل من الحقائق، وبدلاً من أن يسلك طريق جمع
الحقائق أولاً ثم يفرض الفروض لشرحها وتعليلها كما هو متبع اليوم كان
يهمل جمع الحقائق ويبدأ بالفروض وهي طريقة قلما تنتج، ومن ثم كان كتابه
هذا أغلبه قليل القيمة صعب الفهم.
وكذلك إذا كان أفلاطون في نظرية المثل وفق بين فلسفتي هرقليطس
وبارمنيدس (حوالي 500 ق.م.) في ربطه العالم المحسوس بالعالم المعقول،
فإنه في نظريته الطبيعية عامة ومسألة حدوث العالم خاصة
يوفق بين آراء الطبيعيين الأوائل والفيثاغوريين وأتباع ديمقريطس وآراء
الأطباء محاولاً بذلك التوفيق بين الضرورة المادية وسلطة العقل ثم بين
الواحد والكثرة وبين الثبات والحركة.
وفيما يتعلق بطبيعة موجد هذا العالم فإنه عند أفلاطون بنَّاء هذا
العالم، إنه مصمم أو مهندس العالم، أو أنه الفنان، إنه العامل الماهر
أكثر من أنه الإله الخالق في المعني المحسوس لدي النصارى واليهود.
الخاتمة
تشتمل على نتائج البحث:
1.
استعان أفلاطون بالآلهة والإلهات اليونانية عندما هم بتناول مسألة "قدم
العالم وحدوثه"، وهذا يدل على أنه خلط منذ بداية بحثه عن هذه المسألة
بين التفكر العقلي والأسطورة اليونانية.
2.
قسم أفلاطون الوجود إلى وجودين: معقول ومحسوس. الأول يمثل حقائق
الأشياء، والثاني وهم وخداع بصر. الأول يدرك بواسطة العقل، والثاني
يعرف عن طريق الحواس.
3.
ما نراه من حوادث في هذا العالم تكون لسبب ما بالضرورة، وفيما يتعلق
بالعالم ككل فإنه عند أفلاطون أبدع طبقًا للضرورة والعقل، إنه الأجمل
والأفضل؛ لأن الصانع عند تكوينه احتذى الأزلي، وذلك لخيرية الصانع.
4.
أوجد الصانع أو المهندس - المنظم - هذا العالم من الفوضى والاضطراب
عندما أخرج النظام منهما. أقصد أنه خرج من المادة المضطربة القديمة على
غرار المثل، وهكذا يكون الحدوث إعادة تشكيل مادة قديمة لا خلق عن عدم
محض كما ينص على ذلك الإسلام.
5.
الصانع يعتني بما صنع، ويدل على ذلك أنه بث فيه النفس والعقل، وعنايته
تقتصر على تفاصيل بنية الكون فحسب.
6.
أحدث الصانع العالم على شكل حيوان كامل، وهو يشتمل على كل الموجودات
المشاهدة، واستنفذ كون العالم كل العناصر الأربعة، والعالم تام
الأجزاء، ولا يصاب بالهرم والأمراض. ولقد صنع العالم على شكل كرة، وهو
مستدير، وسطحه أملس، وهو مكتف بذاته، وقد صنعه الصانع إلهيًا مميزًا.
7.
أوجد الصانع العالم بواسطة آلهة أزليين، وهو حي، وباق، ومحسوس، ومتحرك،
وأبدي لكن أبديته تختلف عن أبدية المعقول، وقد يفني ولا يفنيه سوى
الصانع.
8.
الزمن على غرار العالم له بداية ومصنوع مثله، وهو لا يسري على ما هو
معقول في حين يسري على ما هو محسوس.
*** *** ***
قائمة المصادر والمراجع
أولا: العربي منها:
1.
أحمد أمين وزكي نجيب محمود، قصة الفلسفة اليونانية، الطبعة
الرابعة 1995 م، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.
2.
أفلاطون، الجمهورية: ضمن مجموعة محاورات أفلاطون، نقلها إلى
العربية شوقي تمراز، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت، لبنان.
3.
أفلاطون، طيماوس: ضمن مجموعة محاورات أفلاطون، نقلها إلى
العربية شوقي تمراز، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت، لبنان.
4.
أفلاطون، السوفسطائي: ضمن مجموعة محاورات أفلاطون، نقلها إلى
العربية شوقي تمراز ،1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت، لبنان.
5.
أفلاطون، فيدون: ضمن مجموعة محاورات أفلاطون، نقلها إلى العربية
شوقي تمراز، 1994 م، الأهلية للنشر والتوزيع بيروت، لبنان.
6.
د. أميرة حلمي مطر، الفلسفة اليونانية: تاريخها ومشكلاتها، طبعة
جديدة 1998 م، الناشر دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر.
7.
أوجست دييس، أفلاطون، تعريب محمد إسماعيل، دار الكتب الحديثة،
مصر.
8.
برتراند رسل، حكمة الغرب: عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها
الاجتماعي والسياسي، ترجمة فؤاد زكريا، ج 1، العدد 62، 1403 هـ /
1983 م، سلسلة عالم المعرفة: سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
9.
ر.فالتزر، أفلاطون: تصوره لإله واحد ونظرة المسلمين في فلسفته،
كتب دائرة المعارف الإسلامية، لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية:
إبراهيم خورشيد، د. عبد الحميد يونس، الطبعة الأولى 1982 م، دار الكتاب
اللبناني بيروت.
10.
شارل فرنر، الفلسفة اليونانية، ترجمة تيسير شيخ الأرض، الطبعة
الأولى 1968 م، دار الأنوار بيروت، لبنان.
11.
شوقي داود تمراز، أفلاطون والديانات السماوية، 1994 م، الأهلية
للنشر والتوزيع.
12.
عاستون مير، أفلاطون، تعريب د. بشارة صارجي، سلسلة أعلام الفكر
العالمي، الطبعة الأولى 1400 هـ /1980م/، المؤسسة العربية للدراسات
والنشر بيروت، لبنان.
13.
د. عبد الجليل كاظم الوالي، نظرية المثل: البناء الأفلاطوني والنقد
الأرسطي، الطبعة الأولى 2002 م، الوراق للنشر والتوزيع عمان،
الأردن.
14.
د. عبد العال عبد الرحمن عبد العال، مشكلة التوفيق والأصالة لدى
فلاسفة اليونان من أمباذوقليس حتى أفلوطين، الطبعة الأولى 2004 م،
الناشر دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر الإسكندرية، مصر.
15.
د. فتحي التريكي، أفلاطون والديالكتيكية، 1985 م، الدار
التونسية للنشر.
16.
فرانسو شاتليه، أفلاطون، ترجمة حافظ الجمالى، سلسلة أعلام (7)
1991 م منشورات وزارة الثقافة سوريا.
17.
فريدريك نيتشه، مقدمة لقراءة محاورات أفلاطون، ترجمة د. محمد
الجوة، تقديم د. فتحي التريكى، الطبعة الأولى، دار البيروني للنشر
والتوزيع صفاقس، ليبيا.
18.
د. محمد عبد الرحمن مرحبا، مع الفلسفة اليونانية، الطبعة
الثانية 1980 م، منشورات عويدات بيروت، لبنان.
19.
د. محمد على أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي: الفلسفة اليونانية، ج
1: من طاليس إلى أفلاطون، 1976 م دار النهضة العربية للطباعة
والنشر بيروت، لبنان.
20.
د. محمد غلاب، الفلسفة الإغريقية، ج 1، الطبعة الأولى 1938 هـ.
21.
د. مصطفي النشار، مدخل لقراءة الفكر الفلسفي عند اليونان، 1998
م الناشر دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، مصر.
22.
د. مصطفي النشار، فكرة الألوهية عند أفلاطون وأثرها في الفلسفة
الإسلامية والغربية، الطبعة الثانية، الناشر مكتبة مدبولي،
القاهرة.
23.
وولتر ستيس، تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة مجاهد عبد المنعم
مجاهد، الطبعة الأولى 1407 هـ / 1987 م، المؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع.
24.
يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية، الطبعة الرابعة 1378 هـ /
1958 م، السلسة الفلسفية لجنة التأليف والترجمة والنشر.
ثانيًا: الأجنبي منها:
-
Aristotle : Physics ,translation english , ( the works of
Aristotle translated into english under the editorship W.D. Ross
) Oxford at clarendon press , printed in England , 1930.
-
Allan(E.L.) : Guide book to western thought , the English
universities press LTd.
-
Fuller ( B.A.G.) : A history of philosophy Henery holt and
company ,inc. 1949 printed in : p : 163 164 U.S.A.
-
Sahakian ( William . S.) and other : Plato , copyright © first
printing 1977 by G.K.Hall & co . manufactured in U.S.A.
-
Taylor ( A.E. ) : Plato : the man and his work , first published
by Methuen & co Ltd , reprinted 1966 , printed in Great Britain
.