إضاءات

كانون الثاني 2018 January

 

لم أَكُنْ أَعرِفُ أنَّ حضورَ أَكْرَمَ أنطاكيٍّ مُتغلغِلٌ في حياتِـيْ إلى هذا الحدِّ. رُبَّما لأنَّهُ كان شاهِدًا على قِصَّة حُبِّيْ لِــقَمَرَ الَّتي أعادت خَـلْـقيَ مِن جديدٍ. ورُبَّما لأنَّ في نَفْسِ أكرمَ العُليا سِحْرًا خاصًّا يَصْنَعُ تَـفَـرُّدَه. ورُبَّما لأنَّ إنِّـيَّتَـيْـنا الفَـرديَّـتَـينِ أو نَـفْـسَـيْــنا الـعُــلْـيَـيَـــيْـنِ (أو جِـسْـمَـيْنا العِـلِّـيَّـيْـنِ) تَـتَـشابَـهانِ فَـتَـتَـجاذَبانِ. فناهِـيْـكُم عن الوجهِ الطفوليِّ الذَّي مازال أكرمُ يُـطِلُّ به علَيَّ مِن نوافذِ أحلاميَ الَّليليَّةِ، كُـنْتُ كُلَّما أَرَدْتُ أنْ أستريحَ مِن عناءِ اليومِ في ظِلِّ حُلُمٍ نهاريٍّ لا أجِدُ سِوى ذكرياتي مع أكرمَ أستلقي في حِضْنِها أُدَفِّئُ بحرارتِها عِظامي شِتاءً وأَتبرَّدُ بِنَسيمِها صيفًا. وكُلَّما احتَجْتُ إلى قِسْطٍ مِن الراحة فَتَـحَ ليَ أكرمُ بيتَه في مَرمريتَّا ومَكْتَبَه في دِمَشْقَ وفَرَشَ ليَ صُورًا ناعمةً مِن أحداثٍ وأشخاصٍ مازالت بصَماتُهم في تلافيفِ دِماغي. كان أكرمُ مُسانِدًا لي ومُـعْجَـبًا بفكرةِ أطروحتي للدكتوراه. مازال أكرمُ معي يُساندُني. ومازال صوتُه يشجِّعُني ويُدافِعُ عن أفكاري وهذياناتي ويُعجَبُ بِـما أَكتُبُ...

 

 

كنا نواظب على حضور المحاضرات وندرس بجد ومثابرة، فنتفوَّق أحيانًا، أما هي فكانت تتفوَّق دائمًا من دون أن تسجِّل حضورًا في لائحة تفقُّد الأسماء. لذا لم نستغرب عندما علمنا، فيما بعد، أنها إثر تخرجها ونيلها شهادة "الليسانس" في الأدب الفرنسي، انتقلت إلى دراسة أخرى، وتفوقت فيها أيضًا، إذ درست الانتروبولوجيا أو علم الأقوام في فرنسا، ثم انتقلت إلى المكسيك دونما سبب واضح، وتعمَّقت في الفلسفة بموازاة تعلمها اللغة الإسبانية حدَّ الاتقان، بحيث أصبحت تُصدر المؤلفات الفكرية والأدبية بهذه اللغة الجديدة عليها، ونالت فيها أرفع الجوائز الأدبية، قدمت بها البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الوسائل الإعلامية المكسيكية، كما حاضرت بها في جامعات المكسيك الأبرز، حتى أن الرئيس المكسيكي اعتمدها مستشارة له لفترة طويلة.

 

أديب وشاعر وصحفي سوري. ولد في دمشق – حي باب توما، وكان يقع منزل أهله عند زقاق المسْك رقم 1 المؤدي من أحد طرفيه إلى دير ومدرسة الرهبان اللعازيبين. كان ينتمي إلى أسرة قديمة في دمشق ربما كان أول من قطن فيها جرجي بن العنحوري - ورد اسمه على السواعي المخطوط في دير صيدنايا سنة 1665. وقد نشر الأديب المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف في كتابه الأخبار المروِّية في تاريخ الأسر الشرقية أن أصل الأسرة بأنهم كانوا من سكان قرية عين حور في إقليم الزبداني وهي مزرعة صغيرة في حضيض جبل بلودان الغربي.

وممن اشتهر من هذه الأسرة حنا بن جبرائيل، وهو كما يروي الشيوخ أول من لبس المسد الأصفر ولفَّ عمامة الشال من النصارى في الشام، وكان تاجرًا مشهورًا.

 

 

كانون الثاني 2018

الإنترنت.. والمثقف

حوار مع مصطفى الحداد
أجرى الحوار: أحمد الخمسي

سؤال: كيف تنظرون إلى الإنترنت؟ وكيف تقومون الدور الذي تلعبه المواقع الثقافية فيه؟

مصطفى الحداد: الإنترنت، كما تعلم، لا يعدو أن يكون سندًا أو حاملاً. لذلك لا يمكن أن ننتظر من السند أو الحامل أن ينوب عنا في إنتاج الثقافة أو الفكر أو أي شيء آخر. الإنسان هو الذي ينتج الأفكار ويبدع الرؤى ويُفصِّل الثقافات تفصيلا. والإنترنت نفسه قبل أن يصير واقعًا هو فكرة أبدعها الإنسان. هذا إذا شئتَ هو البعد المبدئي في هذه القضية. لكننا، إلى جانب هذا البعد المتصل بالمبدأ، يجب علينا أن ننتبه إلى أن للسند دورًا في إعادة تشكيل ما يسْنِدُ، أو في توجيه ما يَحْمِل. الأسانيد بعبارة أخرى فاعلة ومؤثرة، وليست محايدة كما قد يُظَن. وهذا واضح من مراجعة تاريخ الحوامل أو الأسانيد. فكلما كان يظهر حامل جديد إلى الوجود، كانت رؤى الناس إلى ما ينتجون تتغير وتتبدل. بل إننا غالبًا ما نصف لحظات الانتقال هذه بأنها ثورات.

 

 

يرجع لاعتبار الإنسان كائنًا أخلاقيًا الدورُ المهم في بروز مفارقات كبيرة بين القيمة الفلسفية والقيمة الواقعية التاريخية للأخلاق من جهة، وبين الممارسات المرتبطة بها من جهة أخرى. المسألة التي يحاول جاك دريدا نقاشها في كتابه تاريخ الكذب حيث يقول:

... لا يمكن اعتبار الكذب على أنه حدث أو حالة، إنه فعل مقصود وبدل الحديث عن الكذب يجب الحديث عن فعل الكذب... وفعل الكذب يعني أننا نتوجه بالكلام إلى الآخر لكي نسمعه قولاً أو مجموعة من الأقوال، الإنجازية أو أقوال المعاينة، نعرف وفق وعي بيِّن وهادف وحاليٍّ أنها ادعاءات خاطئة جزئيًا وربما كليًّا.. يهدف الكاذب من هذا الفعل إلى خداع الآخرين أو إلحاق الأذى بهم أو تضليلهم.

وبما أن مطابقة الأفعال للأخلاق تتجلى من خلال المقاصد على ما يذهب إليه القديس أوغسطين في رسائله حول الكذب، والذي ينسجم معه دريدا في رؤيته لمعنى الكذب، فإن لفعل الكذب في علاقته بالسياسة أثر تاريخي وإنساني، ودور محوري في خلق واقع شديد التعقيد. واقع لا تتصارع فيه المصالح العليا للمجتمعات وحسب، بل تكابد فيه الحقيقة شتى أنواع المخاتلة والضياع.

 

كلما أمسكت صحيفة ورقية بشكل عابر سرعان ما أستعيد ذاكرة التصفح مع انبعاث رائحة الورق الممتزج بقهوة الصباح، والتنقل بين صفحاتها، وقد غدا اليوم ممتزجًا بتكنولوجيا المعلومات في مفارقة غرائبية: "الراهن" الممتزج بعصرين مختلفين تمامًا وغير مسبوق بشريًا.. حيث كان الانتقال من عصر إلى آخر يتم تدريجيًا عبر قرون، بينما اليوم، وعلى امتداد الكرة الأرضية، نعيش الانزياحات بقوة وعبر تفاصيلها وهزاتها الشديدة الوطأة على كل الصعد. ومع نَقْرِ حروف الحاسوب أو لمس الألواح الذكية التي تعج بحياتنا، إلا أننا بعد مازلنا أبناء الورق برائحته الزكية التي تثير الشجن، وسط ترقب إبحار العقل البشري المذهل في عصر المعلوماتية حيث لا ندري إلى أين سيأخذنا المستقبل القريب جدًا بين رمشة عين وأخرى.

 

 

توطئة:

نشهد اليوم تراجعًا للدور الذي كانت تلعبه الفلسفة في الحياة العامة عندما وصفت بأم العلوم واستمدت قيمتها من ذاتها، وذلك نتيجة التحولات الاجتماعية الكبيرة وانحلال عصور الحكايات الكبرى ونهاية إيديولوجيات الجنات الموعودة وبداية عصر العولمة الاختراقية الافتراضية وما انعكس عنها من تصاعد لأسهم التقنية والعلم في مقابل التشكيك في قيمة التأمل النظري والتفكير المجرد وممارسة حرية النقد، وقد أدى ذلك إلى تقلص حضور الفلسفة على مستوى الشكل والمضمون وفي إطار الواقع والآفاق في المؤسسة التربوية الرسمية على مستوى التدريس وفي نطاق البحث.

وقد أدت هذه الأزمة إلى ردود فعل دفاعية محافظة وإلى التلويح بإمكانية الاستنجاد بالمنظمات الثقافية والتربوية العالمية والربط بين تعليم الفلسفة والدربة الشخصية على التفلسف من ناحية، والحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها الإنسان في كل مكان وزمان دون أي تمييز من ناحية ثانية.

 

ما هي السلطة؟

ما هي السلطة؟ هل هي القوة الحتمية للقوانين الطبيعية التي تُظهر نفسها في التعاقب والتسلسل الضروريين لظواهر العالمين الفيزيائي والاجتماعي؟ في الحقيقة، الثورة ضد هذه القوانين ليست فقط ممنوعة، وإنما هي مستحيلة أيضًا. قد نسيء فهم هذه القوانين أو قد نجهلها تمامًا، ولكننا لا نستطيع عصيانها؛ لأنها تشكل الشروط الرئيسة والأساسية لوجودنا؛ فهي تغلِّفنا، وتخترقنا، وتنظِّم كافة تحركاتنا، وأفكارنا، وأفعالنا؛ حتى عندما نعتقد أننا نعصيها، نحن فقط نظهر قدرتها الكلية.

أجل، نحن بالمطلق عبيد هذه القوانين، ولكن لا ذل في مثل هذه العبودية، أو بالأحرى، هذه ليست عبودية. لأن العبودية تقتضي وجود سيدٍ خارجي، أي سلطة منفصلة عن التابع الذي تأمره. ولكن هذه القوانين ليست منفصلة عنا؛ إنها موروثة فينا؛ وتشكل كامل وجودنا الفيزيائي، والعقلي، والأخلاقي؛ نحن نتنفس، ونعمل، ونفكِّر، ونتمنى، فقط تبعًا لهذه القوانين. بدونها نحن لا شيء، نحن لا نكون. كيفَ، إذًا، نستطيع أن نتمنى أو نريد التمرد عليها؟

 

 

 

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني