|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
التقى مسؤولون دينون، من أئمة وحاخامات، بالتعاون مع مسيحيين وغيرهم من الخبراء الدينيين من مختلف أنحاء العالم؛ في المؤتمر الثالث للأئمة والحاخامات من أجل السلام، ليحددوا معًا سبل الدفاع عن الطابع المقدس للسلام، ملزمين أنفسهم، منذ اللحظة، باتخاذ كل الإجراءات الممكنة، من خلال سياق ديني، بهدف حلِّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. عقد المؤتمر برعاية الأونيسكو في باريز ما بين 15 و17 كانون الأول 2008، وبدعم من صاحب الفخامة الأستاذ عبد الله واد، رئيس السنغال والرئيس الحالي للدورة الحادية عشر للمؤتمر الإسلامي. أولاً، وقبل كل شيء، فإن الأئمة والحاخامات، الذين انضم إليهم مسيحيون، يؤكدون هنا، ومن الآن فصاعدًا، على التزامهمً، بلا توقف وبشكل علني، بفضح وإدانة كل أشكال العنف والإرهاب وكل أشكال الظلم المرتكب ضد الأفراد والمجموعات باسم الله و/أو باسم دياناتهم وكتبهم المقدسة. كما يؤكدون على عزمهم بأن يكونوا حرّاس فاعلين لقدسية السلام. وقرر المؤتمر الثالث للأئمة والحاخامات من أجل السلام ما يلي:
لأنه، لا شيء
يولد من فراغ!
أجل، لا شيء يولد من فراغ! أجل، لنهدأ قليلاً، أيها السادة، ولنتفكر معًا بصدق وهدوء ومسؤولية. لأن هذه الحرب الوحشية القذرة التي يشنها اليوم إسرائيل المدجج بالسلاح على "حماس" في غزة، والتي يدفع ثمنها، بشكل خاص، أخوتنا من العزّل هناك؛ ليست وليدة يومها، إنما هي نتيجة تفاعلات وتراكمات نتحمل قسطًا من مسؤوليتها كما يتحمل إسرائيل أيضًا، وبشكل مؤكد، معظم مسؤوليتها.
أسجل اعتراضي على هذا المصطلح الشائع لأنه يتجاهل مقاومة شعبنا وأمتنا التي تتواصل منذ منتصف القرن التاسع عشر. وذلك لأن بعض أهلنا يروق لهم الادعاء بأن المقاومة بدأت بهم، أو بقبيلتهم، قبل عقدين أو خمسة عقود. وهذا تزييف واضح للتاريخ، وطمس للحقائق، واستخفاف بمقاومة خمسة أجيال. كما ينطوي هذا المصطلح على اصرار على الأداء القبلي وأولويات القبيلة، على حساب الجهد المؤسسي الذي يراكم جهود المراحل بعد تقييمها. لماذا نتجاهل مقاومة أجيال من شعبنا وأمتنا؟ ولماذا نقفز عن عهود المقاومة ومراحلها منذ عهد موسى كاظم الحسيني، والحاج أمين الحسيني، وأحمد الشقيري، وياسر عرفات؟ لماذا لم ندرس هذه المراحل دراسة الفقهاء الخبراء، ولماذا اكتفينا باستعراض الوعاظ الخطباء؟ دعونا نترفع عن الشهوات الشخصية والمصالح القبلية. لنحترم أهلنا الذين يحتاجون إلى مقاومة منهم وبهم وإليهم، و إلى أن يتحرروا من نمط مقاومة يكون للناس، فيها، دور المصفقين الهاتفين المكبرين المسددين فاتورة الدم والهم. الناس بحاجة إلى شراكة حقيقية تحترم مصالحهم أولاً وثانيًا وثالثًا وأخيرًا.
عادةً تُترجَم الكلمة السنسكريتية أهيمسا Ahisma بـ"اللاعنف"، لكنها تعني، حرفيًا، "اللامؤذي" أو "عدم الأذى". ومن أجل ممارسة الأهيمسا ينبغي أولاً، وقبل كل شيء، ممارستها على أنفسنا. ففي داخل كل منا قدرٌ من العنف يقابله قدرٌ من اللاعنف، وبحسب حالتنا الوجودية تكون استجابتنا للأمور أكثر أو أقل عنفًا. فحتى لو كنا، على سبيل المثال، نفتخر بكوننا نباتيين فلا بدّ لنا من الإقرار بأن المياه التي نغلي النباتات فيها تحتوي على كثير من المتعضّيات المجهرية الدقيقة. لذلك ليس بوسعنا أن نكون لاعنفين بالكامل، ولكن كوننا نباتيين يجعلنا نسير باتجاه اللاعنف. فإذا أردنا الاتجاه شمالاً يمكننا الاستفادة من "نجمة الشمال" لإرشادنا، بيد أن من المستحيل بلوغ نجمة الشمال. لذا ينبغي أن نبذل جهدنا في ذلك الاتجاه فحسب. يمكن لأي كان ممارسة شيء من اللاعنف، وحتى الجنود أنفسهم يستطيعون ذلك. فبعض الجنرالات العسكريين، مثلاً، يديرون عملياتهم بطرق تتجنّب قتل الأبرياء؛ وهذا أحد أشكال اللاعنف. لمساعدة الجنود على الانتقال إلى اتجاه لاعنفي علينا أن نكون على تواصل معهم، لأننا إن قسّمنا الواقع إلى معسكرين: "عنف، لاعنف"، واصطففنا إلى جانب أحد هذين المعسكرين وهاجمنا الآخر، فإن السلام لن يتحقّق في العالم مطلقًا، لأننا سنلوم دومًا، وندين دومًا، أولئك الذين نعتقد أنهم مسؤولون عن الحروب والظلم الاجتماعي، دون الإقرار بدرجة العنف التي في داخلنا. يجب علينا العمل باجتهاد على أنفسنا، والعمل أيضًا مع أولئك الذين ندينهم، إن كنّا نريد إحراز تأثير حقيقي.
حين باشرت الحركة النسوية المعاصرة في إسرائيل، لم تتعرض معظم الناشطات النسويات مطلقًا لمسألة الصراع بين إسرائيل والعرب. ففي السبعينات، حين بدأت هذه الحركة، لم تفكّر أغلب الناشطات النسويات أبدًا بهذه القضية، في حين أنهن في الثمانينات أعملن التفكير بها واتخذن قرارًا مدروسًا بتجنبها. ورغم أن للإيديولوجيا النسوية العالمية موقفًا مناصرًا للسلام على الدوام، فإن الكثير من الناشطات النسويات الإسرائيليات (مع بعض الاستثناءات الملحوظة) أحسسن بأن الحركة الإسرائيلية الوليدة لن تنجو أبدًا من العواقب إن هي تبنّت هذا الموقف المثير للجدل. ففي تلك السنوات (وحتى اليوم إلى حدّ ما)، يُنفِّر "الحديث عن السلام" الكثير من الإسرائيليين الذين قد يكونون مهتمّين، بطريقة ما، بجدول أعمال أكثر ضيقًا للمساواة من أجل النساء. وبالتالي، ورغم أن التضارب الإيديولوجي كان واضحًا ومحزنًا، فقد التمست الناشطات النسويات في إسرائيل سُبلاً للتعتيم على القضايا الجيو-سياسية وتسليط الضوء على حقوق النساء من منظورها الضيق، تاركين قضايا السلام لمنظمات السلام، وإقصاء هذه القضايا عن جدول أعمال النشاط النسوي العام. قبل انطلاق الانتفاضة، كان هناك ثلاث منظمات نسائية إسرائيلية مُكرّسة لـ "السلام والتعايش" هي: TANDI (حركة النساء الديمقراطيات في إسرائيل)؛ وGesher؛ والفرع الإسرائيلي لـ WILPF (عصبة النساء الدولية من أجل السلام والحرية). وكانت نسبة المشاركات في هذه المنظمات من الإسرائيليات العربيات أعلى بكثير من الإسرائيليات اليهوديات اللواتي أتين من الأوساط النسائية الملتزمة بالعمل السياسي والمنخرطة فيه إلى حدّ كبير.
بمجرد أن أعلن، يوم الأحد، نبأ بناء 750 وحدة سكنية إضافية في مستعمرة جيفات زيف، صدر عن أعلى مستويات السلطة الفلسطينية بيان يعلن شجبه لما حصل. ونلاحظ هنا أن مكانة هذه الاستنكارات في وسائل الإعلام الفلسطينية تتناسب عكسًا مع أهميتها. حيث يكفي أن نغير اسم المستعمرة وعدد الوحدات السكنية الجديدة لنجد بأنها نفس تلك التي سبق وسمعناها تتكرر منذ أوسلو بينما تستمر إسرائيل، وبكل بساطة، في توسيع مستوطناتها. ويجيبك أعلى مسؤلي السلطة الفلسطينية بهذا الخصوص، أن ليست استنكاراتهم وحدها هي التي ستوقف المستوطنات. فأوروبا أيضًا تستنكرها، وكذلك "السلام الآن"، والأمم المتحدة، وحتى كوندوليزا رايس عبرت عن سخطها، وكذلك أشهر الكتاب الإسرائيليين. وتستمر المستوطنات بالتوسع، ومعها الطرق الممنوعة على الفلسطينيين. ونجدهم أيضًا يرددون محقين أن التكتيك المعاكس ظاهريًا للمفاوضات (والاستنكارات) – أي إطلاق صواريخ القسام، وأعمال حرب العصابات، والعمليات الانتحارية – غير فعالة هي أيضًا، وأنها في الواقع قدمت لإسرائيل حججًا جديدة كي تصادر المزيد من الأراضي (لقد كان جلاء إسرائيل عن مستعمرات قطاع غزة، عملاً ناجحًا ساهم في تسريع الانفصال السياسي بين غزة والضفة الغربية، تحت غطاء ما ادعي أنه "بداية الانسحاب").
|
|
|