|
لا للحرب... نعم للسلام...
سأبقى أنتقد الخطأ في كل مرة يخطىء الناس فيها. والطاغية الوحيد الذي بوسعي قبوله هو ذلك "الصوت الذي ما زال صغيرًا في داخلي". وحتى إن كان علي مواجهة احتمال أن أشكل أقلية أنا فيها الشخص الوحيد، فإني أعترف بكل تواضع أني أملك ما يكفي من الشجاعة كي أنتمي إلى هذه الأقلية التي لا أمل لها. الماهاتما غاندي
1 لنهدأ قليلاً ولنتفكر...
لأنه، لا شيء
يولد من فراغ!
أجل، لا شيء يولد من فراغ! أجل، لنهدأ قليلاً، أيها السادة، ولنتفكر معًا بصدق وهدوء ومسؤولية[2]. لأن هذه الحرب الوحشية القذرة التي يشنها اليوم إسرائيل المدجج بالسلاح على "حماس" في غزة، والتي يدفع ثمنها، بشكل خاص، أخوتنا من العزّل هناك؛ ليست وليدة يومها، إنما هي نتيجة تفاعلات وتراكمات نتحمل قسطًا من مسؤوليتها كما يتحمل إسرائيل أيضًا، وبشكل مؤكد، معظم مسؤوليتها. لأنه إذا كانت مسؤولية إسرائيل فيما يجري اليوم، في منطقتنا عامةً وعلى أرض فلسطين وفي غزة خاصة، واضحة وجلية، وهي تقول أن: إسرائيل لم يتسبب حين قيامه في نزوح معظم سكان المناطق التي أصبحت تشكل دولتها وحسب، بل وفي تهجيرهم تحت التهديد وتحريم عودتهم. ما خلق مشكلةً شائكةً ما زالت، حتى اليوم، تحتاج إلى حلّ. لا بل أنه، ومنذ احتلال إسرائيل لفلسطين برمتها في العام 1967، جرى، وما زال يجري على قدم وساق، هيمنة واستيطانٌ سكاني في الضفة الغربية. والسكان الفلسطينيون ما برحوا خاضعين، حال وقوع اعتداءات و/أو بحجتها، للتفتيش والقهر والتأديب والحَجْر. ومبدأ "العين بالعين" والمسؤولية الجماعية المطبَّقٌ عليهم بلا هوادة. وإسرائيل منذ نشأته، وإلى اليوم، لم يشجع الاعتدال لا في فلسطين ولا في المنطقة، إنما شجع بشكل مباشر و/أو غير مباشر، ولأهداف توسعية على الأغلب، التطرف لدى الطرف الآخر عوضًا من أن يحاول إيجاد لغة مشتركة للتفاهم معه. وما الأصولية والتطرف القومي والديني والعقائدي في هذا السياق، وما المد الذي اكتسبه في مجمل العالم العربي عامةً وفي غزة خاصةً، إلاّ من النتائج المباشرة و/أو غير المباشرة لسياساته الخرقاء وقصيرة النظر. في المقابل... نحن، كعرب عامة، نتحمل أيضًا مسؤولية الكثير مما جرى ولحق بنا وبمنطقتنا من دمار وخسائر نتيجة تعاملنا الخاطىء، ومنذ البداية، مع القضية الفلسطينية. فمنذ عام 1947 لم نحاول معالجة الأمور بروية ولعبنا لعبة الآخرين في الانجرار إلى كل الاستفزازات بدءًا من نكبة 1948، مرورًا بكارثة 1967، وحتى تاريخه. وأخطائنا بهذا الخصوص أكثر من أن تحصى. لذلك، ولفهم هذا الأمر جيدًا لن نعيد سرد وقائع وأحداث أضحت أكثر من معروفة، وللجميع. إنما سنذكِّر ببعض الوقائع الأساسية التي على الأرض. وهذه تقول أن[3]: - وجود إسرائيل أصبح أمرًا واقعًا، وليس في نيَّة العرب (ولا في مقدورهم) القضاء عليه، أو "رمي اليهود في البحر". وما ادعاء البعض عكس ذلك إلاّ من باب المزاودة الرخيصة ولغايات لا علاقة لنا بها ولا مصلحة لنا في مجاراتها. - إسرائيل هو القوة المتفوقة عسكريًا في المنطقة. وأنه إذا كانت مصلحتنا تقتضي أن نكون جاهزين للدفاع عن أنفسنا كبلدان وكشعوب، فإنه لا مصلحة لنا البتة في مجاراته في سباق تسلح أجوف لن يوصلنا (كما لن يوصله) إلى شيء في نهاية المطاف. - المصالح الدولية ليست متناغمة تمامًا مع مصالحنا عامةً ولا مع المصالح الفلسطينية خاصةً. من هنا نفهم سهولة غضِّ غالبية الدول النظرَ عن المستجدات المأسوية الحالية في الأراضي المحتلة، أو تبنِّيها موقفًا يكاد يعدم الشدة والصراحة في إدانته للاحتلال الإسرائيلي ولتشديده الحصار على الفلسطينيين ولممارسته القمعية والشرسة ضدهم. - الزعماء العرب (زعماؤنا الذين هم منّا وعلى شاكلتنا) أضعف أو أحجَم من أن يتخذوا حاليًا أية مبادرة ذات وزن بهذا الخصوص وبغيره. - إدانتنا الأخلاقية والقانونية للاحتلال الإسرائيلي وممارساته، تقوم في معظمها على ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذا ما يضعنا في موقع يُتطلَّب منا فيه ويُتوقَّع منا بسببه أن نكون ممثلين أفضل للمُثُل التي تتخلل هاتين الوثيقتين. خاصةً و... - أننا أولاً وأخيرًا وبشكل خاص ندّعي أننا نريد السلام الذي هو في نهاية المطاف لمصلحتنا ومصلحة الجميع، بمن فيهم إسرائيل. ما يعني على أرض الواقع أن من مصلحتنا الكلية من جهة، وحفاظًا على كرامتنا من جهة أخرى، أن نتفكر فعلاًً بهدوء وبمسؤولية فنستخلص بكل واقعية ما تفرضه علينا مبادؤنا ومصالحنا من نتائج وحلول. 2 في النتائج وما ينجم عنها...
وهذه تقول، أنه إذا ما كان لهذه الوقائع من معنى فهو أننا لا نستطيع أن نفوز بالعدالة بمعناها النهائي الذي قد نتوق إليه أحيانًا، ما يعني بعبارة أخرى أنه من المتعذر تصحيح باطل وَقَعَ بأي معنى نهائي. فقد قامت دولة بين ظهرانينا وعلى حساب أحلامنا (وعلى حساب إزهاق أرواح كثيرة)، لكنه واقع علينا أن نسلِّم به ونتكيف معه إن شئنا الخروج من هذه الحلقة المفرغة والسير ببلادنا وبشعوبنا قدمًا إلى أمام. وقد تعارضتْ أشواق الآخرين مع شوقنا نحن عند نقطة زمنية معينة، وخسرنا الكثير، ماديًا على الأقل. وهذا واقع آخر ينبغي أن نسلِّم به. ولكن - وههنا محطُّ رجائنا - كما أننا لا نستطيع نيل العدالة بالمعنى النهائي، كذلك نحن لم نخسر بالمعنى النهائي. فرغم كل ما جرى وما زال يجري... - نحن ما زلنا موجودين على الأرض وبقوة، وما زال الكثيرون منا يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي قلب إسرائيل الذي لن يكون بوسعه، لا اليوم ولا غدًا ولا في المستقبل البعيد، وتحديدًا في هذه المنطقة التي ولّدت التعدد وجبلت عليه[4]؛ أن يصبح دولةً ذات طابع ديني وعقائدي وحيد. وأيضًا... - نحن لم تكسرنا "هزيمتنا" إلى حدٍّ يحول بيننا وبين أن نتشوق إلى تحسين نصيبنا وأن نكافح من أجل الحصول على شيء أفضل، لا بل أفضل بكثير مما لدينا. شيء يتناسب أكثر مع أحلامنا وكرامتنا الإنسانية. وأيضًا... - أن إسرائيل الذي يبدو حتى الساعة بأنه الأقوى عسكريًا لم يربح المعركة، وليس بوسعه أن يربحها بشكل كامل على الإطلاق. وما حصر نفسه وراء جدار سخيف إلاّ أكبر دليل على هزيمة تطلعاته التوسعية. وأيضًا... - أن العالم الذي يبدو للوهلة الأولى وكأنه لا يساندنا بشكل كامل، لم يعد، إن تمعنا جيدًا بما يجري اليوم، يساند إسرائيل أيضًا بشكل كامل. إنما وكما تشير كل الدلائل، لقد سئم العالم منّا ومنهم، وبات يتطلع ويسعى بشكل ملح إلى فرض سلام بات ضروريًا للجميع. وكل هذا يعني، وبالحرف العريض، وفيما يتعلق بنا؛ أن أي تطرف وأي كان شكله، لم يكن ولم يعد بعد اليوم من مصلحتنا، كما لم يعد من مصلحة أحد. وأن السعي نحو السلام بات ضرورة قصوى لأنه المخرج الوحيد لنا جميعًا. وهذا يعني على أرض الواقع، وفيما يتعلق بنا كشعوب عربية بشكل عام، و/أو كشعب فلسطيني بشكل خاص؛ أننا: - إن كنّا نريد التضامن فعلاً مع أخوتنا في غزة فعلينا أن ندعو ونعمل بكل قوتنا لإيقاف المجزرة من خلال تهدئة الأوضاع لا من خلال تفجيرها. ما يعني بكل صراحة التضامن مع الجهود الدولية المبذولة لإيقاف العدوان الإسرائيلي وعدم إعطائه أي مبرر كي يستمر. ما يعني أيضًا وبكل وضوح إيقاف إطلاق الصواريخ من غزة التي يجب في المقابل رفع الحصار الاقتصادي و الإنساني عنها[5]. - أن نسعى لاتخاذ موقف فلسطيني وعربي موحد يعمل فعلاً لا قولاً من أجل السلام في المنطقة. أمّا فيما يتعلق بإسرائيل الذي توقف اليوم، بسبب ما يجري على الأرض، مفاواضات السلام بينه وبين الفلسطينيين وسورية ووصلت علاقته مع باقي الدول والشعوب العربية إلى الحضيض؛ فإن عليه فعلاً إعادة التفكير بمواقفه ومرجعتها بالعمق إن كان يريد فعلاً العيش بسلام في منطقة ما زالت إلى اليوم ترفضه، ولم يستطع إلى اليوم أن يجعل له فيها صديقًا واحدًا. وفي هذا الخصوص أتذكر... 3 في المحصلة والختام...
كتاب تأريخي بمنتهى الأهمية سبق لي أن قرأته وما زال إلى اليوم من كتبي المفضلة. كتاب هو للمؤرخ الإسرائيلي والأستاذ السابق في الجامعة العبرية يوشوا پراوير[6] بعنوان تاريخ مملكة القدس اللاتينية، الذي يدرس فيه ويحلل بمنتى الجدّية والموضوعية الأسباب التي أدت إلى انهيار هذه المملكة التي أقامها الصليبيون في حينه ودامت ما يقارب المئتي عام. وهذه النتيجة المرعبة تقول أنها انهارت في النهاية لأن الذين أنشأوها لم يستطيعوا خلال مئتي سنة أن يقيموا أية علاقة ودّية وطبيعية لا مع دول الجوار ولا مع الشعوب المحيطة. *** *** *** [1] مهندس متقاعد وعضو في هيئة تحرير موقع معابر [3] راجع أيضًا وبهذا الخصوص: http://www.maaber.org/seventh_issue/whereto_ar.htm [6] HISTOIRE DU ROYAUME LATIN DE JERUSALEM; JOSHUA PRAWER; C.N.R.S. 1975
|
|
|