|
منقولات روحيّة
أردت من هذا المقال طرح سؤال بسيط: ترى، إلى أيِّ حدٍّ تُعَد معارفُنا العلمية الحديثة بعيدةً عن هذا الإطار العرفاني؟ في عبارة أخرى، هل يمكن لنا في بحثنا التجريبي اليوم التخلِّي عن بحثنا العريق عن نماذج وجودنا البدئية؟ إن علومنا الحديثة تقول عكس ذلك. ويكفي أن نتأمل قليلاً في مواضيع بحثنا لندرك أننا نبحث عن نموذج أولي للكون وللمادة وللقوى، وأننا، في سعينا إلى ذلك، لا نكتشف النموذج الأولي، بل العلاقات بين النماذج. وكلما غصنا أكثر في بحثنا، تكشَّفتْ لنا صيرورةٌ تراتبية للكون تغيب في لانهايتَي الكبير والصغير. إننا نقف دائمًا عند هذه العتبة، حيث تحملنا معرفتُنا إلى تخوم عرفاننا المتجدد. وسيكون لنا أن نعاين، عِبْر أدوار تطورنا المقبلة، مزيدًا من التفتح على نماذج أكثر بدئية في أعماقنا. كتب عنه شيخُ الأزهر الأسبق د. عبد الحليم محمود يقول إن غينون من الشخصيات التي أخذت مكانَها في التاريخ: يضعه المسلمون في جوار الإمام الغزالي وأمثاله؛ ويضعه غير المسلمين في جوار أفلوطين، صاحب الأفلاطونية الحديثة، وأمثاله. وقال الأديب الفرنسي الكبير أندريه جيد (1869-1951): "إن كان غينون على حق فإن كلَّ ما كتبتُه ينهار." فأجابه أحدهم: "وتنهار معه كتاباتٌ أخرى، لا يستهان بها [...]."
عجبتُ لِمَن ينادي بثقافة تسامح، فيعمل على التأسيس لها في الوعي المعاصر، دون أن يلامس تصوراتِ الوجود المولِّدة للسلوك الإنساني. فالتسامح الحقيقي، المتجذِّر في كينونة الإنسان، ليس موقفًا عقلانيًّا أو نفسانيًّا من الآخر، وإنما هو موقف كوني وجودي.
في مقالةِ المؤرخ الأفلاطوني الجديد فلوطَرْخُس (حوالى 50-125 م) إيزيس وأوزيريس نقع على عبارة تنطوي على دلالة عميقة: ثمة عقيدة مرتبطة بأقدم العصور، تحدَّرتْ من مؤسِّسي المعارف المقدسة ومن الشارعين، حتى بلغت الشعراءَ والفلاسفة. وفي تصريح للقديس أوغسطينوس (354-430 م) وارد في استدراكاته، لا يقل عن العبارة السابقة دلالةً، نجد، بلغة المنقول المسيحي، معنى مماثلاً: إن ما يُسمَّى مسيحية كان موجودًا لدى الأقدمين، وما كان أبدًا إلا ليوجد، منذ بدء سلالة البشر حتى تجسُّد المسيح، إذ بُدِئَ بإطلاق تسمية مسيحية على الدين الحق الذي كان سابقًا وجودُه. وهو، في نظرنا، صدى قوي لعبارة القديس بولس الذي تكلَّم «بين الكاملين» على ... حكمة الله السرية الخفية التي أعدَّها لنا قبل الدهور في سبيل مجدنا.
ماذا وَرَدَ عن المسيح عيسى بن مريم في القرآن؟ وماذا قالت الأحاديث عن الميلاد والمولود؟ وكيف قام العلماء والفقهاء بتفسيرها؟
. الروحانية سؤال: لقد وضعتَ أكثر من عشرين كتابًا في الدين وفي الروحانية. كتابك الأول كان بعنوان في الوحدة المستعلية للأديان. هل لي أن أسألك كيف يمكن لنا أن نفهم هذه "الوحدة"؟ فريتيوف شووُن: منطلقنا هو الاعتراف بوجود عدة أديان يستبعد بعضُها بعضًا: وهذا يمكن أن يعني بأن دينًا واحدًا منها صحيح وبأن جميع الأديان الأخرى باطلة؛ لكنه يمكن أن يعني أيضًا بأنها جميعًا باطلة! أما في الواقع، فهذا يعني بأنها صحيحة جميعًا، لا في حَصْريَّتها العقيدية، بل في معناها الباطن المُجمَع عليه الذي يتطابق مع الميتافيزياء [الإلهيات] المحضة أو، في عبارة أخرى، مع الحكمة الخالدة.
|
|
|