يعبر
خلق المفاهيم من طرف الفلاسفة عن مدى تمكنهم وقدرتهم على التَّفلسف.
والمفاهيم التي يبدعها الفلاسفة ترسم طريقهم الرئيسي في الفكر الفلسفي.
فمن خلالها يتم التعبير عن الأفكار وبالتالي إنتاج المعرفة. ثم إن
تحديد المفاهيم من بين أهم مبادئ الفلسفة. ولذلك كانت المفاهيم تختلف
من فيلسوف لآخر. ونحن، على سبيل المثال، إذا بحثنا عن تعريف لمفهوم
الفلسفة لوجدنا أن هناك اختلافًا كبيرًا بين الفلاسفة في تحديد تعريف
لها. إذ إن الفلسفة مع الحكماء السبعة اتخذت معنَّى البحث في الوجود،
والبحث في ما هو طبيعي وفي العنصر الذي ينبثق منه العالم. ثم بعد ذلك
مع سقراط أصبحت الفلسفة تهتم بوجود الإنسان. فضلاً عن ذلك، نجد الفلسفة
مع أفلاطون اتخذت معنى القيم، فدرست الخير، الفضيلة، الجمال... إلخ.
وأمَّا عند فلاسفة الإسلام، فنجد أن ابن رشد يعرف فعل الفلسفة بأنه
النَّظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع.
وهي عند إخوان الصفاء: "التَّشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسيَّة".
مشكلة
وجود طريقة لإلقاء إلهام في نفوس شعب هي مسألة جديدة كلَّ الجِدة. لقد
أشار إليها أفلاطونُ في عدة مواضع في [محاورة] الجمهورية
[كتاب السياسة]
le Politique
وفي كتابات أخرى؛ لا شك في أنه كان هناك تعاليم حول هذا الموضوع في
المعرفة السرية للعصور القديمة قبل الرومانية التي اختفت كليًا. وربما
كان يجري الحديث أيضًا عن هذه المسألة وعن مسائل مشابهة في أوساط فرسان
الهيكل [المعبد]
Templiers
والماسونيين الأوائل. إن لم أكن مخطئةً فإن مونتسكيو كان يجهلها. وروسو
الذي كان مفكرًا قويًا عرف بوجودها بصورة واضحة جدًا، لكنه لم يذهب
أبعد من ذلك. ويبدو أن رجال عام 1789 لم يكن لديهم شكوك حولها. وفي عام
1793، وبدون أن يكلِّفوا أنفسَهم عناءَ طرح هذه المشكلة، ناهيكم عن
دراستها، ارتجلوا حلولاً متسرعة: احتفالات الكائن الأسمى
fêtes de l'Être suprême،
احتفالات الإلهة العقل
fêtes de la Déesse Raison.
فكانت سخيفة ومُخجِلة. وفي القرن التاسع عشر تدنَّى مستوى العقول إلى
أدنى من المستوى الذي تتوضَّع فيه مثلُ هذه المسائل.
ونشير
مرة أخرى إلى أن الرسالة الوحيدة للعلم هي إنارة الطريق. فالحياة قادرة
على الخلق عندما تُزال كل عوائقها السلطوية والعقائدية وعندما تُمنح
حرية الحركة الكاملة.
إذًا كيف سنتمكن من حلِّ هذا التناقض؟
العلم ضروري من أجل التنظيم المنطقي للمجتمع، ولكن من جهة أخرى وبسبب
عدم قدرته على الاهتمام بما هو حقيقي وحيٌّ يجب ألّا يتدخل في التنظيم
الحقيقي والعملي للمجتمع.
ويمكن حلُّ هذا التناقض بطريقة واحدة فقط؛ وذلك عن طريق تصفية العلم
ككينونة أخلاقية متواجدة خارج الحياة بالمطلق ومُمثلة من قبل مجموعة من
علماء ذوي امتيازات مفروضة من الجموع. على العلم أن يُمثٍّل الوعي
الجمعي ويتحول حقًا إلى ملكية عامة. وبدون أن يخسر شيئًا من سمته
الشمولية التي لا غنى له عنها، وبينما يستمر في الاهتمام بالأسباب
العامة حصريًا والشروط والعلاقات الثابتة للأفراد والأشياء، سيصبح
منسجمًا مع الحياة الحقيقية والحاضرة لكل الأفراد.
يوجد
حل آخر للتبادل المستحيل للحياة، وهو مبادلتها بحياة مزدوجة.
هكذا حال رومان Romans، الشخصية الرئيسية
في دعوى إجرامية في التسعينيات، فبسبب عدم جرأته على الاعتراف لعائلته
أنه أخفق في دراسة الطب، أقام حياة كاملة موازية، شبهُ مسيرة طبية،
مواصلاً استغلال عائلته ماليًا بالسبل كافة حتى اليوم الذي يقتلهم فيه
جميعًا (يقتل أبويه، وزوجته وولديه) ولا يستثني من ذلك، بشكل غامض، إلا
مدبرة المنزل، وفي اللحظة الأخيرة.
لماذا ارتكب هذه المجزرة؟ في اللحظة التي كان سيُكتشف فيها، لم يحتمل
أن يكفَّ من آمن به عن تصديقه، فلا يجب أن يكتشفوا الحقيقة. لذلك لم
يبق إلا حل وحيد: إلغاؤهم. لأن الانتحار لم يكن كافيًا لمحو الخداع في
نظر عائلته. كل هذا منطقي: فهو يجنبهم خزي أن يعرفوا الحقيقة.
يمكن
أن نرى بوضوح إلى أي حد وصل التفككُ الأخلاقي لنظامنا إذا فكَّرنا
بالمَدْرسة. فالأخلاق فيها تشكِّل جزءًا من البرنامج، وحتى المدرِّسون
الذين لم يكونوا يُحِبُّون أن يجعلوا منها موضوعَ تعليم عقائدي كانوا
يُعلِّمونها حتمًا بصورة باهتة. وكان المفهوم الرئيسي لهذه الأخلاق هو
العدالة والواجبات التي تفرضها تجاه القريب.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالتاريخ لا تعود الأخلاق تتدخَّل. فلا يجري
الحديث أبدًا عن واجبات فرنسا في الخارج. كانوا يصفونها أحيانًا
بالعادلة والكريمة، وكأن هذا زيادة لها، ريشة على القبَّعة، تتويج
للمجد. فالفتوحات التي قامت بها وخسرَتْها قد تكون بأسوأ الحالات
موضوعَ شك خفيف، مثل فتوحات نابليون؛ ولكن ليست أبدًا الفتوحات التي
حافظَت عليها. ليس الماضي سوى تاريخ نمو فرنسا، ومن المسَلَّم به أن
هذا النمو هو دائمًا خير من جميع النواحي. ولم نتساءل قط إن كانت قد
قامت بالتدمير أثناء نموها. إن التفكير في أنه لم يحصلْ لها ربما أنْ
دمَّرَت أشياءً من مستوى قيمتها قد يبدو أفظعَ تجديف. يقول برنانوس إن
جماعة حركة العمل الفرنسي
Action Française
ينظرون إلى فرنسا كولد يُطلَب منه أن يكبر ويسمن.
إذا
كان مارتن هيدجر قد تساءل عن ماهية العلم وماهية التقنية، فإن يورغن
هابرماس – الفيلسوف الاجتماعي الألماني الشهير ووريث مدرسة فرانكفورت
النقدية يتساءل هنا عن علاقتهما بالممارسة الاجتماعية باعتبارهما أصبحا
أهم قوة إنتاجية. وللإجابة عن السؤال يقيم حوارًا نقديًا مع أعلام
الفكر الغربي من هيجل إلى ماركس وماكس فيبر وهربرت ماركيوز وآخرين،
ويريد من وراء ذلك معرفة الطريقة التي يمكن بها استعادة طغيان حق
التصرف التقني إلى دائرة إجماع المواطنين الفاعلين والمتحاورين، أو كيف
يُتوسط للتقنية والعلم والديمقراطية في ظل شروط المجتمع الرأسمالي
الصناعي المتقدم.
إن
الباحث في القضايا الفلسفية التي طرحها فلاسفة اليونان يجد كثيرًا من
تلك القضايا أثارت جدلاً واسعًا وتركت أثرًا واضحًا في الفلسفات على
مرِّ العصور منذ نشأة التفكير الفلسفي، ومن القضايا التي ينطبق عليها
ذلك "مفهوم التغير والثبات" ومؤداها: هل الوجود متغير أم أنه ثابت؟ لقد
كانت
فلسفة التغير والثبات في الفلسفات الطبيعية قبل سقراط هي محور التفكير
الفلسفي منذ بدء التفلسف: ولا تزال لها أهمية عند الفلاسفة والعلماء
حتى اليوم. فقد بدأ الفلاسفة قبل سقراط بالرد على التساؤلات التي طرحها
عن أصل الكون وتغير ظواهر الطبيعة من حولهم ذلك بالملاحظة والتأمل
العقلي المجرد غير التجريبي فقد اتجه هذا الاهتمام ليعالج المشكلات
التي تتعلق بطبيعة العالم وتغير ظواهر وثباتها.
قدَّمت
الأساطيرُ والأديانُ والفلسفاتُ عدةَ نظريات لتفسير نشأة الكون، ومنها:
نظرية "الخَـــلْق"
création
(التي تبنَّــــتْها الأديانُ الإبراهيمية، اليهودية والمسيحية
والإسلام، المعروفة بتوجُّها النقلي لا العقلي والأسطوري لا العلمي)،
ونظرية "التجلِّي"
manifestation
(التي تُـــفهَم أحيانًا كمرادِف لنظرية "الصُّدور"
["الخُروج" أو "الانبثاق"]
procession)،
ونظرية "الفيض"
émanation
(خاصةً عند الفارابي وإخوان الصفا)، ونظرية
"الواحدية" أو "الحلولية" ["الحلول"] ["الكل هو الله"]
panthéisme،
ونظرية "وحدة الوجود" ["الكل في الله"]panenthéisme
(أو
بترجمة أدق:
unité
de l’Être)
(عند ابن عربي بصورة خاصة)، ونظرية "الأزلية" ["قِــدَم العالَم" أو
"الدهرية"]
éternité.