|
إضاءات
كان ذلك في أيار 1968، في ذلك الحين كنت ما زلت طالبًا في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق في السنة قبل الأخيرة، حين اندلعت في فرنسا اضطرابات طلابية كبيرة بدأت من جامعات باريز وعمَّت كلَّ أنحاء البلاد. في تلك الأيام، وفي ذروة تلك الاضطرابات، يقال إن الرئيس الفرنسي شارل ديغول، فكَّر لفترة قصيرة بالاستعانة بالقوات المسلَّحة من أجل المساعدة على إعادة الأمن والنظام إلى بلاده، لكنه في النهاية لم يفعل، لأنه سرعان ما أدرك أنه ليس مضطرًا لذلك. وفعلاً، سرعان ما هدأت الاضطرابات التي تلتها إصلاحات فانتخابات ديموقراطية ثبَّتت الأوضاع الشرعية وهزم فيها المتطرفون الذين كانوا إجمالاً من أقصى اليسار. بعد ذلك، في العام 1969، وحين لم ينجح في استفتاء طرحه على شعبه من أجل تعديل بعض مواد الدستور الفرنسي، استقال الجنرال ديغول، الذي لا يختلف اثنان على تقييمه كأهم قائد فرنسي في القرن العشرين، من منصبه كرئيس للجمهورية الفرنسية.
من حيث المبدأ، سقط النظام السوري منذ أول رصاصة أطلقها في 18 آذار (مارس) 2011 على متظاهرين سلميين خرجوا إلى الشارع يهتفون للحرية والإصلاح. واقعيًا، ليس من الممكن تحديد إطار زمني لرحيل النظام والتأسيس لمرحلة انتقالية تقود إلى سورية جديدة. ولكن من نافل القول إنه لا يمكن نظامًا قتل أكثر من ثلاثين ألفًا من مواطنيه، تسبب في مقتل آلاف أخرى من جنوده ومؤيديه، اعتقل وعذب مئات الآلاف، هدم البنية التحتية لبلاده ودمر اقتصادها، دمَّر النسيج الاجتماعي بين العناصر المكونة للأمة، وعزل سورية عن محيطها العربي ومجالها الدولي، أن يستمر في حكم بلده وشعبه.
في البدء كان الوجود مختلفًا، فالاختلاف هو السمة الأكثر جوهرية وموضوعية للوجود. الوجود لا يكون إلا مختلفًا، لذلك فهو لا يُسأل عن سبب اختلافه. في الحقل البشري الاختلاف موجود في الخَلق والخُلق، في القدرات والطموحات، في الوقائع والنظرات، في التفرد والاجتماع... إلخ. الاختلاف بهذا المعنى هو الحقيقة الكبرى، هو الحق بذاته، هو الحياة ونداؤها، هو مولد الحركة، هو الباعث على التقدم والتطور، هو الوجود وتاريخه...
في متابعتنا لفكر سعد الله ونوس وعبر واحدة من مقابلاته التلفزيونية، تجذبنا جملة عميقة في مضمونها وغنية في معانيها تقول إن حرية الكاتب لا تكتمل إلا بحرية القارئ. تعطي هذه الفكرة، ذات البعد الإنساني، الأولوية للذات الجماعية وليس للذات الفردية؛ هي فكرةٌ تدل على انهمامٍ بالشأن العام وميلٍ لبناء آلية تواصلية مع الآخرين، وتشير أيضًا إلى محاولة ونوس الابتعاد عن تنظير أُحادي الجانب والاهتمام بوعي القارئ قبل التقوقع داخل تأملاته الشخصية وأفكاره المُجرَّدة. لقد سبق لسارتر الانطلاق من "الأنا" للتأكيد على أنَّ الحرية تتمثل في قدرة وعي "الأنا" على تجاوز ما هو كائن، أو هي قدرة "الأنا" على تجاوز ماضيها وحاضرها من أجل تحقيق المستقبل الذي تستطيعه وتتمناه، من هنا قال ساتر في كتابه الوجود والعدم: "إنني مُدان بأن أكون حرًا". بالمقابل، لا يرى ونوس حريته إلا من خلال حرية الآخرين، أي إن عدم تحقق حرية القارئ يؤدي لانعدامها لدى "أنا" الكاتب وذلك لسبب واضح مفاده أن هذه "الأنا" لا تنفصل عمليًا عن المجتمع الذي تكتب عنه ومن أجل قضايا ومشكلات أفراده. يتساءل ونوس، خلال هذا اللقاء، كيف يُمكن لشخص مُقيَّد السلوك والإرادة ومَنزوع الأمل والرجاء حضور مسرحية يتغنى أبطالها بمعاني الحرية وبمفردات تدعو لكسر قيود الاستبداد العقلي والسياسي؟ وما هي ثمرات الكلام ومدح الحرية بشكل منفرد؟ بعبارة أخرى، ما فائدة التغريد بأصوات منفردة في مجتمع مُغلق ومُتحجر، وكيف يمكن لإنسان مسلوب الحرية حضور مسرح يتغنى بهذه القيمة المثلى؟..
ريشار جاكمون [ريتشارد جاكموند] (Richard Jacquemond) مستعرِب فرنسي ومترجم وباحث في معهد البحوث والدراسات حول العالَم العربي والإسلامي (IRÉMAM) (Institut de Recherches et d'Études sur le Monde Arabe et Musulman) وأستاذ الأدب الحديث واللغة العربية في جامعة إيكس-مرسيليا (Aix-Marseille Université) في جنوب فرنسا. وهو دارِسٌ متميِّز للأدب العربي وخبير في سوق النشرالمصرية. وُلِدَ عام 1958 في سانت إيتيين [سانت إتيان] (Saint-Étienne) في إقليم اللوار (la Loire) جنوب شرق فرنسا. نال درجةَالدكتوراه عام 1999 على رسالته التي تتناول الحقلَ الأدبي في مصر، وهي دراسة مهمة في سيوسولوجيا الأدب بعنوان: Entre scribes et écrivains. Le champs littérairedansl’Égyptecontemporaine. وقد تُرجِمَت إلى العربية بعنوان: بين كَتَبَةٍ وكُتَّاب: الحقل الأدبي في مصر المعاصرة. كما صدرَت لها طبعةٌ إنكليزية عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة. يصف حياتَه بأنها أشبه بفيلم عربي قضى منها ستَّ عشرة سنة في مصر. ترجمَ العديدَ من المؤلَّفات الأدبية العربية إلى اللغة الفرنسية وخاصة بعض أعمال الروائي المصري صُنْع الله إبراهيم.
تمهيد: تهدف هذه المساهمة إلى تقديم تصور أولي وعام حول مشروع تجديد مناهج التفكير في النص الديني من خلال دراسة ثنائية "المداخل الفكرية" و"الأدوات المعرفية" باعتبارهما يشكلان معًا دعامتها الأساسية، ويصوغان جهازها المعرفي النظري والتطبيقي، ويعملان على تحديد بنية نظمها المعرفية حسب السقف المعرفي والمتاح الفكري زمن إنتاجها، ويقبلان التطور والتجاوز الحتميين، في إطار جدل معرفي يتسامى على العقدي والقبلي والإيديولوجي... لم يخالف في ذلك إلا رواد المدرسة التراثية ومن تبعهم. في البداية أود أن أحدد الجهاز المفاهيمي الذي أطر كل الطروحات الفكرية التي أثيرت في هذه الدراسة وذلك بشرح مفردات عنوانها: "جدل الفكري والأداتي في مناهج التفكير في النص الديني نحو مشروع للاستيعاب والتجاوز"، جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس: الجيم والدال واللام (جدل) أصل واحد، وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه، والجدل عند هيجل: انتقال الذهن من قضية ونقيضها إلى قضية ناتجة عنهما، ثم متابعة ذلك حتى نصل إلى المطلق، فمن الاستحكام في استرسال وانتقال الذهن بالتناقض إلى النتائج تتحدد معاني الجدل المراد في هذه الدراسة...
كلمتان تخرجان من رحمٍ واحدة. أختان في اللغة وفي الحياة. ولئن كانتا عدوَّتين في اللفظ، فإنهما صديقتان في المعنى: عرْشٌ / نعش. ولا أعرف بيقينٍ إن كان في نيتي أن أكتب هنا عنهما، في ذاتهما، أو عمَّا حولهما، أو عمَّا تختزن دخائل كلٍّ منهما، أو عمَّا تحتهما وفوقهما، أو عمَّا وراءهما، أو عمَّا يجاورهما. ذلك أنَّني لا أنْوي أن أتوسَّل الأبديَّةَ لكي تحوِّلَ أيامَ الأسبوع، عندي، إلى ثمانية أيام. مع ذلك، يعتملُ في نفسي، في اللحظة ذاتها، شعورٌ مضادٌّ: أن أحوِّل النيَّةَ إلى عمل. وماذا سيحدث؟ |
|
|