|
اللاعنف والمقاومةNonviolence and resistance
ينبغي عدم الخلط إطلاقًا بين اللاعنف وبين التقاعس عن العمل أو السلبية. فاللاعنف هو فعل بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ بل هو أكثر قوة وفعالية من فعل العنف. والنشاط اللاعنفي ليس محصورًا في مجاله، بل هو مسار عمل يمكن اتباعه على كل الأصعدة. حينما تواجه مشكلة ما أفرادًا أو جماعات أو مجتمعات، يكون اللجوء إلى العنف هو السبيل الوحيد لحلها. بيد أن السبيل الأفضل هو محاولة حلِّ هذه المشكلة بالوسائل السلمية، وتجنب العنف والمجابهة. وقد تتخذ الوسائل السلمية أشكالاً شتى حسب طبيعة المشكلة التي تحدد أيًّا من هذه الوسائل قابلة للتطبيق على الحالة المعطاة. الإسلام دين يعلِّم اللاعنف. فقد ورد في القرآن أن الله لا يحب الفساد fasad، العنف. وتعبّر الآية 205 من السورة الثانية في القرآن بوضوح ما المقصود هنا بالفساد. فالفساد، أساسًا، هو ذلك الفعل الذي يفضي إلى اختلال النظام الاجتماعي، مُوقِعًا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
هو المهاتما غاندي الوارث حكمة حضارة تتباهى بثراء معرفي عميق لم تدركه الحضارات اللاهية بثراء النقد الزائف. أغلب الكتب التي صدرت لمتابعة تجربة غاندي اعتنت بجوانب محددة منها، دون سبر أغوارها، دون تقصي الحكمة الحقيقية الكامنة في درسها الصعب. درس غاندي كان متشعبًا حدَّ الدهشة. بدأ بمناهضة الظلم والاحتلال للوطن وللفكر وللقلب معًا. لم يقاوم المحتل الأجنبي فقط، بل قاوم المحتل الحقيقي للعقل والقلب؛ قاوم الجهل، الجهل الذي ضلَّل البشريه كلها ودمَّر نقاء المحبة، أشاع الكراهية والعصبوية، المذهبية، الطائفية، أباح الحرب ودمارها الأبدي للحياة.
في أعقاب الحرب في آذار 1991، بعد انتهاء حرب الخليج بالنسبة لإسرائيل، كان لدى معسكر السلام متسع من الوقت للتعافي، بما فيه الوقفات الاحتجاجية لـ "نساء بالسواد". لكن معظم الوقفات الاحتجاجية لم تستأنف نشاطها في إسرائيل إطلاقًا بعد الحرب، ما عدا 12 وقفة فقط في كافة أنحاء البلاد. وفي القدس، حيث كان يحضر كل وقفة احتجاجية 120 امرأة في شهور التي سبقت الحرب، انخفض عدد الحضور الأسبوعي إلى 50، واستغرق الأمر نصف سنة شاقة لزيادة العدد إلى 80. وتعكس بعض حالات انخفاض عدد الحضور غضبًا تجاه الفلسطينيين الذين كانوا يهلِّلون لانهمار صواريخ صدام حسين على تل أبيب العاصمة. كما أن بعض النساء، على الأقل في القدس، كنَّ حانقات على الراديكاليات اللواتي ذررن التآخي في الريح. أما بالنسبة للنساء الأخريات، وخصوصًا في الوقفات الاحتجاجية الصغيرة في الكيبوتزات (2 - 5 نساء)، فقد كنَّ مرهقات جرَّاء سنوات من الاعتداء عليهن، ومثبطات الهمَّة بسبب استشرافهن للمزيد من الاعتداءات بعد الحرب. وقد أبطل توقف الحرب حالة القصور الذاتي للحضور. لكن بدا أن لسان حال بعض النساء يقول أنهن قدَّمن مساهمتهن، وجاء الآن دور الأخريات للقيام بقسط من واجبهن مهما ضَؤل.
ثمة سؤال يتكرر طرحُه من حين لآخر، فيما يشبه الاستفزاز: "لماذا يُنصح باللاعنف دومًا للمقهورين؟ ألا يجب بالأولى أن يُدعى إليه القاهرون؟" بدايةً، هل من اللائق "النصح باللاعنف" للمقهورين؟ يجدر بالمرء، أولاً، ألا يقف على منبر الواعظ، لأن الذي يحصي ضربات العصي ليس كمن يتلقاها. ومن بعدُ، هل من اللائق "دعوة القاهرين إلى اللاعنف"؟ وهل من الممكن أصلاً، في الواقع، تخيُّل قاهر لاعنفي؟ قطعًا، لو اتفق للقاهرين أن يهتدوا إلى اللاعنف لانعدم القهر إلى الأبد. لكن فرضية كهذه عبارة عن مثالية محضة ولا تصلح للإحاطة بالواقع في شيء. إن القاهر هو الذي يتحمل المسؤولية الأولى - المسؤولية الأصلية - عن العنف. فالقاهر - ولا ريب - هو المحرض الحقيقي على العنف، وإنْ يكن يتشبث بموقف الناكر لعنفه هو، إذ يزعم، واثقًا من حقِّه، أنه لا يستعمل إلا مقدار القوة الضروري كي يدرأ عن نفسه مقاومة المقهور. أما وأن الأمر كذلك، وبما أن القاهر عنيف بالطبع، يقضي المنطق الخالص بإلزامه أن يكون غير عنيف. لكن هذا السؤال، فيما يتعدى ظاهر هذا المنطق، سؤال موارب أساسًا، من حيث إنه يشي بأننا حيال جماعتين بشريتين تتخذان، في النزاع الناشب بينهما، موقعين متوازيين، الأمر الذي يجيز لنا مخاطبتهما باللغة نفسها بإسداء "النصائح" نفسها. لا شيء من ذلك طبعًا.
|
|
|