|
قلب واحد بعمل واحد
1 هو المهاتما غاندي الوارث حكمة حضارة تتباهى بثراء معرفي عميق لم تدركه الحضارات اللاهية بثراء النقد الزائف. أغلب الكتب التي صدرت لمتابعة تجربة غاندي اعتنت بجوانب محددة منها، دون سبر أغوارها، دون تقصي الحكمة الحقيقية الكامنة في درسها الصعب. درس غاندي كان متشعبًا حدَّ الدهشة. بدأ بمناهضة الظلم والاحتلال للوطن وللفكر وللقلب معًا. لم يقاوم المحتل الأجنبي فقط، بل قاوم المحتل الحقيقي للعقل والقلب؛ قاوم الجهل، الجهل الذي ضلَّل البشريه كلها ودمَّر نقاء المحبة، أشاع الكراهية والعصبوية، المذهبية، الطائفية، أباح الحرب ودمارها الأبدي للحياة. هكذا كان غاندي، ولم يزل، يتحدث للناس المفترشين الأرض وأحداقهم ترنو إلى قلبه الكريم: - الطريقة المثلى لتجد نفسك هي أن تضيع في خدمة الآخرين. - الله يختبر أحيانًا، إلى درجة فائقة، الذين يريد أن يباركهم. - عندما أتأمل بإعجاب روعة الغروب أو جمال القمر تحلِّق نفسي في عبادة الخالق. - السعادة هي عندما يتناغم فكرك وقولك وفعلك. - إذا أردنا أن نعلِّم السلام الحقيقي في العالم، وأن نشنَّ حربًا حقيقية على الحرب، علينا أن نبدأ بالأطفال. - أنا أنظر فقط إلى المزايا الحسنة في الناس. ولأني لا أخلو من العيوب، لا يفترض أن أسبر أخطاء الآخرين. - يوجد في العالم ما يكفي حاجة الإنسان لا جشعه. 2 عندما تغفل الثقافة عن متابعة قيم الحكمة المتناغمة في سيرة غاندي الحقيقية فإنها تهدر جواهر صقيلة بما فيه الكفاية، جواهر تعمل على تغيير القلب البشري والحواس ومدركات الكائن. أغلب الكتب العربية التي رافقت سيرة غاندي كانت تتقصى الجانب التأريخي المتمثل في نضاله ضدَّ المستعمر. كتابات على الرغم من أهميتها العظمى، إلا أنها لم تكشف عن الالتماعات الحقيقية التي أسندت متون هذا النضال الصعب، الجرأة المتناهية لحكيم نحيل متمترس بزيٍّ أبيض حاكته أصابعه بصبر لياليه، غاندي المتشبث بنور الأمل والذي يطرز عذابات شعبه. الوعي الذي أسند هذا النضال في الحياة، وفي مجاهداته الجليلة لتطويع النفس، حيث يستوى القول والفعل، هذا الوعي النبيل هو ما أهداه غاندي إلى البشرية بعد مماته، جلَّل ذاكرتنا بمشهد الحكيم الأعزل، الهزيل، السادر في صمته العليم، يحيك ثوبه، وينظر إلى الكون من قلب نابض بالمحبة والسلام. 3 كان يرى أن تحقيق العدالة يتطلب تجسير الهوة بين الحركة الوطنية والشعب، توحيد المطالبات، هذا ما عمل غاندي بتؤدة وصبر على تحقيقه، عندما ضمَّ مطالب الناس الاقتصادية للبرامج الوطنية، طالب بتعميم صناعة الغزل، مقاطعة البضائع الانجليزية، العصيان المدني، إلغاء احتكار الملح وغيرها من المطالب التي عززت قيم العدالة ومواجهة الظلم. ومن المواجهات المصيرية اتخاذه قراره الصارم المتمثل في الصيام حتى الموت احتجاجًا على نظام التمييز الإنتخابي ضد المنبوذين الهنود، الأمر الذي أدى إلى إلغاء هذا النظام. رفع غاندي شعاره النبيل "أهيمسا" وشعار "ساتياجراها"، حيث "أهيمسا" تعني عدم العنف واللجوء إلى المقاومة السلبية وعدم التعاون مع حكومة الاحتلال، واللجوء إلى القوة الحقيقة وهي "ساتياجراها" أي الثبات على الحق. وقف القاضي احترامًا لغاندي بعدما أصدر حكمه بالسجن وقال له: "إذا هدأت الخواطر، وقررت الحكومة تخفيض العقوبة عنك أو إلغائها فلن يكون هناك من هو أسعد مني." همس غاندي في قلبه: السجن يعني لي المزيد من الصلاة والتفكير في شؤون البلاد والدرس والغزل. عندما نتدارس ذكري المهاتما (الروح العظيمة أو المقدسة) غاندي (العطار) الذي عطر تاريخ البشرية بعطر المحبة والحكمة التي لا يغيب عنها نور الكون، نصغي لصمته وهو يبوح لنا: - لطالما كان لغزًا لديَّ كيف يشعرالناس بالسموِّ عندما يحقِّرون أقرانهم. - من السهل أن تصادق أصدقاءك. لكن أن تصادق من يعتبر نفسه عدوَّك هو جوهر الدين الحقيقي. أما سوى ذلك، فهو محض تجارة. - في الصلاة، من الأفضل أن يكون لديك قلب بلا كلمات عوضًا عن كلمات بلا قلب! - لا شيء يهدر الجسم مثل القلق، ومن له إيمان بالله يجب أن يخجل من قلقه على أي شيء! - أن تخدم قلبًا واحدًا بعمل واحد خير من ألف رأس ساجد في الصلاة! - يجب ألاّ تفقد ثقتك بالبشرية. البشرية محيط، وإذا كانت بضع قطرات منه وسخة فالمحيط لا يصبح وسخًا. يجب أن تكون أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم. *** *** *** |
|
|