|
إضاءات
منذ
قيام إسرائيل، انبَنَتْ فاعليتُه الردعيةُ
على إقحام المدنيين في الحروب المتواصلة التي
خاضَها ضد العرب. ولدى الإسرائيليين مذهبٌ
كامل حول هذا الشأن: ينبغي أن يكون إسرائيل
مجنونًا أو غير مسؤول في مواجهة أعدائه كي
يكسر عينهم، فلا يتجاسروا على مواجهته؛ وعليه
التصرف مثل "أزعر الحارة" الذي يخشاه
الجميع. صاغ موشي دايان مبدأ "الزعرنة"
هذا كما يلي: "يجب أن يكون إسرائيل مثل كلب
مسعور، أخطر من أن يضايقه أحد"!
الحرفُ محدودٌ، والمعنى غير محدود. والحرف من المعنى كالجسد من الروح. وبالتوازي، فإن الجسدَ محدودٌ والروحَ غيرُ محدود. وقد شاءت كلمة الوحي – وهي كلمة الله – أن تتخذ لها الحرفَ لباسًا، فتقيِّد نفسَها بلغة البشر لكي "يفهمها" البشر. وهؤلاء متفاوتون في الفهم وفي القدرة على اختراق حُجُب الحرف. ولذلك نرى بعضَهم يقف عند الحرف، لا يتعداه، وآخرين ينفذون إلى ما وراءه. من حقِّ الأولين الاعتراضُ على هؤلاء، لكن ليس من حقِّ هؤلاء الاعتراض على المحدود بسبب محدوديَّته التي لا يد له فيها. و"الحرفيون"، إذا كان لهم من "وظيفة"، فهي ضمان بقاء الحرف في التاريخ.
في زمن تحتويه منظومةُ التناقضات لتؤسِّس لثنائيات يتفاعل فيها السلبُ والإيجاب، – ما هو شرعي وما هو وضعي، ما هو مقدس وما هو مدنس، – تشكِّل هذه النظرةُ أساسَ تقويضٍ دائم لمسلَّمات الإنسان المسلم الذي تأسَّست نظرتُه إلى العالم ضمن ثقافة إسلامية باتت اليوم تستهلك الإطارَ الفقهي الكلاسيكي، وهي عينها التي يُطلَب منها اليوم استيعابُ الواقع الحضاري الجديد. الذين
يتعرفون إلى المسيحية من خلال التلفزيون
سيستغربون القولَ إن الناصري، في تعاليمه، لم
يؤسِّس دينًا بقدر ما أسَّس مفهومًا للدين. لم
يشترع جديدًا، كما أنه لم ينقض قديمًا، بل
تخطَّى الكلَّ إلى كمال الدين على الأرض –
إلى كمال التعامل – تاركًا كمال الدين يوم
الدين إلى الديان: "لا تدينوا لئلا تُدانوا"
(إنجيل متى 7: 1)، علَّم أول ما علَّم. وعندما
تجمَّع القومُ لرجم الزانية وبَّخهم قائلاً:
"مَن كان منكم بلا خطيئة فليكن أول مَن
يرميها بحجر"، كما أهاب بالزانية أنْ "اذهبي
ولا تعودي إلى الخطيئة" (إنجيل يوحنا 8: 8، 11).
هل هناك ما يشبهنا تحت السماء؟
كَثُرَ الحديثُ مؤخرًا عن
العَلمانية الفرنسية، عن خصوصيتها وعن
تشريعاتها. وقد جرى تداوُل هذا الموضوع
تداوُلاً مجتزأً لأسباب عدة. يهدف هذا العرض
إلى التعريف بالتشريعات العَلمانية الفرنسية
من خلال قراءتها وفقًا لسياقها التاريخي،
لتكون معرفتُنا بها أوسع وحوارُنا حولها أعمق.
سأبدأ بالاقتباس من مداخلة لنائب فرنسي في
البرلمان: أقول أمام
مجلس سياسيٍّ وفي وجه حكومة مؤلَّفة من رجال
سياسة ما يجب قوله: ألا وهو الإشارة إلى
مجموعة سياسية تقوم بعمل سياسي تحت ستار
الدين والوشاية بها. [...]
وأؤكِّد لكم أن الدولة تتعرض لهجوم من كلِّ
حَدَب وصوب؛ وإنَّا نجعل فيها صدعًا باسم
الدين؛ وليس في ذلك سوى مسألة سياسية بحتة. [...]
لقد تسلَّل مرضُ التيار الديني في عمق إلى ما
نسمِّيه الطبقة الحاكمة في بلادنا. أحمد علي الزين: هذا الرجل أخذ على
عاتقه، منذ زمن مبكر، مهماتٍ عديدة، من
أبرزها التعريف بالوجه المضيء لثقافتنا
العربية، رهانًا منه على دور خلاق للثقافة،
بعد أن خذلتِ السياسةُ الكثيرَ من المثقفين
في أُطُرها السائدة، عبر تهميش أدوارهم
وإبعادهم عن القيام بدورهم الذي لا يتعدى
حدود الشهادة للحق والتعبير في حرية. فاروق
مردم هو واحد من هؤلاء الذين غرَّدوا خارج
السرب دون أن يضيعوا في الفضاءات البعيدة، بل
كوَّنوا لغيابهم عن أوطانهم حضورًا نافذًا،
حتى في أوطانهم، عبر مهمات نبيلة قاموا بها. في أواسط آب من العام 2005، التقيت به هنا، في العاصمة الفرنسية باريس، التي يسكنها منذ حوالى 40 سنة. تجولنا قليلاً على ضفاف نهر السين، حيث يبدو أنه يرغب في التسكع بين أفكاره هنا؛ أو لعل المكان مؤاتٍ ...لاستعادة المشهد الدمشقي يوم كان طالبًا
|
|
|